كنتُ أمنّي نفسي بإن تجلس بجانبي أمراة جميلة في مقعد الباص الذاهب الى محافظة سامسون. مكان مقعدي في المنتصف ، حسب الحجز . المسافرون قليلون الى هذه المدينة المطلة على البحر الاسود، في ليل شتائي لايرحم. أنطلق الباص في الساعة الواحدة. كما هو مقرر، نظرتُ الى الخلف فرأيت سبعة ركاب فقط، يجلس كل واحدٍ منهم لوحده الى النافذة ومن بينهم امرأة ذات وشاح اخضر . بعد ساعة أستسلم الجميع الى النوم وبقيتُ وحدي أضيء المصباح أعلى رأسي ، أقرأ برواية اورهان باموق " الحياة الجديدة " . أعلم أن هناك تسع مدن كبيرة أمامنا، سيتوقف عند بعضها الباص. بعد ساعتين توقفنا . نزل المدخنون مثلي عند مطعم خارجي. شربت شايا ودخنت ، ثم أعلن مساعد السائق عن بدء الأنطلاق . ذهبتُ الى مقعدي فوجدت امرأة تجلس الى النافذة . أبتسمتْ حالما رأتني أقف فوق رأسها وقالت بعربية ركيكة " أعرف إنني أخذت مكانك ، أرجو الّا تَعد ذلك تطفلاً ،كما إنني أعرف إنك عربي " امرأة في الاربعين من العمر، بيضاء ، تغطي شعرها بوشاح أخضر خرجت منه خصلات شقراء بلون الذهب. خلال ربع ساعة أمضيتها بالصمت والترقب بينما المرأة تصغي الى هيدفون في اذنيها متصل بهاتفها .ولما رفعتْ السماعتين ، أنتهزتُ الفرصة، فسألتها " كيف عرفت إنني عربي" ، قالت " عندما طلبتَ شاياً لفظته جايا، فعرفت إنك عربي وحيد وليس معك امرأة، وأنا وحيدة وليس معي رجل، وأختتمت عبارتها بضحكة ، قالت إنها تدرّس اللغة العربية باسطنبول" . ولما قرأتْ عنوان الرواية التي بين يديّ، أغتبطتْ، كادت تدمع عيناها فرحاً، قالت أن هذه الرواية تتحدث عن رحلة الباصات العجيبة، كشف فيها باموق عن أسرار مدن بعيدة، لكنني لم أحببها . ثم فاجأتني بالقول " هل تعلم إنني قريبة أورهان ؟ " فرحتُ بشدة ، كدتُ أستخفَ بنفسي من هذه المفاجأة ، تدفقتُ بالكلام من دون أتزان ، وأنهيت استخفافي بالقول " أرجوكِ سيدتي ، أريد أن ألتقي باورهان ، هل يمكن أن أقابله ، لدي ملاحظات كثيرة عن رواياته ، بعض البنى السردية أحتاج الى معرفة أسرارها، إنني أعلم إنه نجم كبير ولا يسمح وقته بمقابلة الناس ، ولديه حراس وليس من السهولة الإلتقاء به ، ولكنك ما دمت قريبته سأكون ممتنا لو ساعدتيني بالتعرف عليه لمدة ساعة لا أكثر " . ضحكت المراة بغرور وخفة ،وهي ترفع الخصلة الشقراء عن عينها اليسرى قالت بتفاخر ، إنها أبنة خالته ولم تره منذ عشر سنوات، لانه مجهول الأقامة ، لا أحد يعرف بإي شقة يكتب، وبإي جزيرة من الجزر الثلاث في بحر البوسفور يسكن ، ومتى يسافر خارج تركيا ليوقع كتبه عند دور النشر؟ ومتى يعود إليها ؟ " ثم صمتت برهة ، وأردفت ، " إذا كنت تود فعلا أن تلتقيه ، تعال معي الى أسطنبول لإنني ذاهبة الى بيت خالتي هناك ، التي هي أمه ، أزورها تلبية لدعوتها وسيأتي هو الى هناك " . توقف الباص فجرا في كراج مدينة سامسون ، ثم قالت ها نحن قد وصلنا الى اسطنبول ، هل تأتي معي للالتقاء بباموق . فوجئت من دعوتها ، قلت لها : لكن هذه مدينة سامسون ؟! .
( نشرت قبل سنتين وذُكرت بها اليوم )
( نشرت قبل سنتين وذُكرت بها اليوم )