د. محمد الشرقاوي - من أين يبدأ التفكير النقدي العربي؟

استوقفتني عبارة مثيرة تعتمد منطق المقارنة في حديث نبيل فازيو أستاذ الفلسفة السياسية والدراسات الاستشراقية مع مجلة "مرايانا"، إذ يقول "من الظلم أن نقارن بين موقع الناقد العربي، الذي يعيش في المجتمع الإسلامي ويشتغل وهو مهجوس بردّ فعل الوعي الجمعي والسلطة السياسية، والباحث الغربي الذي يشتغل داخل مجتمع تشبع بتقبل النقد وحرية التعبير. لذلك، نجد باحثين عرباً كبارا مبرزين في نقد الكتاب المقدس لم يجرؤوا على فعل الأمر نفسه في تناولهم للتراث الديني الإسلامي."
هي عبارة تستحضر عدة أمور ترتبط بوجود النقد من عدمه، ومتى يصبح الباحث صاحب طرح نقدي، وعلامات استفهام أخرى قد تصل إلى السؤال التقليدي: لمن الأسبقية في التغيير: الفكر أم الواقع؟
يعود استخدام مصطلح "التفكير النقدي" لوصف هدف تعليمي إلى الفيلسوف الأمريكي جون ديوي ، والذي أطلق عليه بشكل أكثر شيوعًا "التفكير التأملي". وفي كتابه "كيف نفكر" الصادر عام 1910، عرّف التفكير النقدي بأنه دراسة نشطة ومستمرة ودقيقة لأيّ معتقد أو شكل مفترض للمعرفة في ضوء الأسس التي تدعمه، والاستنتاجات الإضافية التي تتجه إليها."
يبدو أن الدكتور فازيو يتلمس بعض العذر للباحثين العرب بحكم ردود الفعل المحتملة التي يخشونها من المجتمع أو من الدولة إنْ هم تجرأوا على نقد بعض الثوابت أو المسلمات الدينية وعلاقتها مع السلطة السياسية. ويبرر عدم تحليهم بالجرأة الفكرية التي تظل أساس العمل الأكاديمي ورهان البحث العلمي. وتبرز معضلة الباب الدوار بألا نتفاءل بتفكير نقدي في التراث الديني والسياسي ما لم نصل إلى مستوى الغرب من الرؤى النقدية وشيوع الحرية.
لا يمكن الفصل بين البحث العلمي أو الكتابة الأكاديمية وعنصر الجرأة في تقديم خلاصات لا تكون بالضرورة موضع رضا أو قبول لدى الأوصياء على الدين أو المتنفذين في السياسة. ولا يحقق الكاتب الاحترام لدى الجمهور ما لم يكن صاحب شجاعة فكرية. ومنذ عصور تأسيس الفلسفة لدى الإغريق، لاحظ الفلاسفة المشهورون مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو أهمية هذه الفضيلة إلى حد كبير، وذلك لفهم وإدراك آثار الشجاعة الفكرية على العقل البشري.
يقول ريتشارد بول في فصل مهم صدر ضمن كتاب "المعرفة والإيمان والشخصية: قراءات في نظرية المعرفة الفضيلة" الذي أشرف عليه گاي أكستيل، يقول إن "الشجاعة الفكرية ترتبط بالاعتراف بأن الأفكار التي يعتبرها المجتمع خطيرة أو سخيفة أحيانًا ما تكون مبررة منطقيًا (كليًا أو جزئيًا). وتأتي الشجاعة الفكرية هنا لأن هناك بعض الحقيقة في بعض الأفكار تعتبر خطيرة وعبثية. وتشويه أو زيف في بعض الأفكار التي تؤمن بقوة من قبل الفئات الاجتماعية التي ننتمي إليها. يحتاج الناس إلى الشجاعة ليكونوا مفكرين منصفين في هذه الظروف. ويمكن أن تكون عقوبات عدم التطابق شديدة."
أومن أن ذاتية الكاتب والمفكر لا تتحقق دون شجاعة فكرية وجرأة على تحسب ردود الفعل المترنحة. وإلا فإن الخطر الأكبر أن تموت خلاصات الكاتب في صدره إذا تشبع بالخشية من حنق بعض الأشخاص أو المؤسسات التي لا تريد زعزعة المفاهيم والرؤى السائدة.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى