د. محمود عطية - القراءةُ والزواجُ.. والعياذ بالله

كأن القراءة ليست فعلًا مأمورين به بنص الآية: "اقرأ".. وفي الإنجيل: "في البدء كانت الكلمة"، ومع ذلك بات العزوف عن القراءة إحدى مسلمات حياتنا ولا أفهم سببا مقنعا لكراهة القراءة لدينا.. ومع تدنى نسب القراءة نضاعف الوسائل التي تغري بعدم القراءة بتقديم التابلت لطلاب المدارس لننمي كراهة الجيل الجديد للكتاب وللقراءة.. حرتُ في ذلك بينما المسئولون عن التعليم والثقافة ومعهم جهاز محو الأمية في بلادنا لا يحيرهم ذلك، فهم في رغد العيش ينعمون!..
يحدث كل ذلك فى الوقت الذى تؤكد فيه العديد من الدراسات أن القراءة هي واحدة من أهم الوسائل التي تُمكِّن الإنسان من اكتساب مهاراتٍ متعددة ..وتبرهن على ركاكة ما تقذفه الفضائيات وبعض وسائل التواصل الاجتماعي في العقول ..واذا كان البعض يلجأ للقراءة والكتب كنوع من أنواع الترفيه..نجدها تعزز صحته العقلية مثل التمارين الرياضية التى تعزز الصحة البدنية..فالقراة تقوى عضلات العقل...
كما أن القراءة تساعد على التخلص من التوتر وبإمكانها أن تقلّل من مستويات الإجهاد بنسبة 68% وفق ما أكّدته دراسة أجرتها جامعة ساكس، بحيث تمت مراقبة مستويات التوتر ومعدلات ضربات القلب أثناء تجربة مجموعةٍ متنوعةٍ من طرق الاسترخاء، مثل الاستماع إلى الموسيقى، أو القيام بنزهة، وتناول كوب من الشاي.
وقد تبيّن أن القراءة هي أقوى وسيلة لمساعدة الجسم والدماغ على الاسترخاء... وتجعلكم أكثر تعاطفاً مع الآخرين: إذا كنتم من الأشخاص المتعطشين دوماً إلى القراءة وبخاصة روايات الخيال الأدبي، فإن هذا قد يدل على أنكم تملكون بعض الصفات الإيجابية المميزة، مثل التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعر الطرف الآخر، فقد درست جامعة بافالو هذه النظرية ووجدت أن القصص التي نقرأها والشخصيات التي نتشبّه بها ونتعلّم منها، تساعدنا على فهم الحياة بصورةٍ مختلفةٍ وبمنظورٍ إيجابي.. ومن الغريب والطريف أن القراءة تجعلك أهلًا للزواج ممن تحب ودعوة للفتيات لاختيار محبي القراءة شريكا للعمر فهو ملتصق بالبيت كما تحب النساء، كما أكدت الدراسات العلمية.
لكن هل العزوف عن القراءة له علاقة بالجفاء وبنسب الطلاق المتزايدة في بلادنا وإدمان مشاهدة التليفزيون؟
ربما تجيب عن ذلك دراسة علمية نشرتها منذ فترة صحيفة "ديلي ميل البريطانية" تؤكد أن محبي القراءة هم أكثر إحساسًا وتعاطفًا بالبشر وفهمًا للرغبات الإنسانية.. وتحديدا من يقرأون الأدب هم الأكثر تصرفا وانضباطا في المواقف الاجتماعية بالمقارنة مع مدمني التلفزيون العازفين عن القراءة.
وفي نتيجة مهمة توصي وتنصح الدراسة الفتيات المقبلات على الزواج بالارتباط بهواة قراءة الكتب لأنهم أكثر فهمًا وأقوى ارتباطا بمن يتزوجون.. عكس مدمني مشاهدة التلفزيون.. رغم أن القراءة العميقة والتبحر فيها يجعلهم أقرب للعزلة وأقل نشاطًا اجتماعيًّا وملتصقين ببيوتهم مما يرضي كثيرًا من النساء.
وتعلل الدراسة النتائج السابقة بأن قراءة الكتب تتيح لقرائها رؤية الأشياء من وجهات ومن زوايا مختلفة، ربما لم تخطر على أذهانهم من قبل، وهو الأمر الذي يجعل فهمهم أرحب وأكثر تعاطفًا مع الآخرين ويوسع مداركهم ويجعلهم أقل تعصبًا وأكثر استيعابًا للنزعات المختبئة في النفوس البشرية وتقبلًا لكل منغصات الحياة.
وعن آثار القراءة أو مشاهدة التليفزيون على مختلف سمات الشخصية وتوجهات الفرد أكدت دراسة أخرى بجامعة "كينجستون" أن مَن يقرأون عامة خارج نطاق عملهم خاصة قراء الأدب هم الفئة الأكثر ميلًا للتصرف بطريقةٍ لائقةٍ ومقبولةٍ اجتماعيا لأنهم يتفهمون الميول والتوجهات الإنسانية.
كما تبين أن قراءة الأدب الكلاسيكي يجعل الشخص أفضل في التعرف على العواطف المقبولة اجتماعيا بالمقارنة مع هؤلاء الذين "يلتصقون" بشاشة التلفزيون.. ويكتب الأديب الكبير (عبَّاس محمود العقَّاد) عن القراءة قائلًا: "لستُ أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمرًا؛ وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تُحرك كلَّ ما في ضميري من بواعث الحركة".
ويقول عميد الأدب العربي (طه حسين): "وإذن أصبحت القراءة حقا شائعًا لكل إنسان، بل واجبًا محتومًا على كل إنسان يريد أن يحيا حياةً صالحةً.. والقراءة على كل حال هي الطريقُ الطبيعية المُيسرة لرقي العقل والطبع والخلق والذوق"..


بقلم د. محمود عطية


* نشرت فى العدد الأول من مجلة #غرفة_19






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى