تجاهلته بعدما تراكم النسيان مثل طيات الثياب في خزانة الفقر التي احتوت أغراضنا، حتي إنك لا تجد في كتاباتي سطرا واحدا عنه في كفر المنسي أبو قتب ذلك الكفر المثقل بالحكايات يتسلى بها ويبيت وقد سلا الجوع وتدثر به من عري.
تبادر إلى ذهني هذا السؤال مرة وراء أخرى، لعلني كنت مشغولا بآخرين مروا في أزقة الكفر وتركوا ضجيجا؛ منهم من راقص البيضة والحجر أو من ركبت سنا من نحاس يصنعه غجر المولد ممن يسكنون جوار مقام سيدنا الدسوقي، ها أنا الآن أخايل بصابر ذلك الفتى الذي كبر مرة واحدة، يجري ويرفع ساقيه يعابث بهما الريح، يضحك كأنه آلة من ضوضاء ويصر أن يفعل الغرائب، كنا ننتظر منه كل يوم جديدا؛ يصعد شجرة الكافور حتى يصل إلى أعشاش الغربان، وقد يأتى بثعبان يجرى وراءنا به، يمسك بجديلة طفلة ومن ثم يدور بها دوران البقرة في الساقية، يسبح في النيل ويغوص ويخرج بسمكة تشبه الكلب. ظهرت لحيته ونبت شاربه فكنت تراه كتلة من لحم على جسد ثور متوحش، في كفرنا يجيدون استئناس الحجر، هذا أبول الهول وكان من صخر يكاد يكون من البشر! تخوفني أمي في ليالي الشتاء من صراخ صابر إنه يتعارك مع عفاريت الخرابة الذين يملؤن الحارة، حين يضربني النوم يدهمني بشكله الغريب: شعره الذي يغطى جسده العاري يبدو كما لو أن عيدان الغاب والبوص والتي تمتليء بها حواف الترع والمصارف وتتخللها ثعابين البر سكنت جسده.
حين نزع الغجري ثيابه ليختنه توارت النسوة خجلا؛ بين فخذيه ما يشبه الوتد يتراقص، ضربت امرأة صدرها قائلة: إنه يسقي أرض الشراقي فتنبت صبية أطول من شجر الكافور!
يعجز الرجال أن يؤتوا ما امتلك، يسبح في الفراغ ويتغطى بالسماء، لا يعرف الليل من النهار، يخرج من النهر أو من القبر، يستوى عنده الحزن والفرح، يقول ولي الله: صابر من أهل الخطوة فاحذروا أن تغضبوه، نظنه آونة أحد الملائكة وآونة يهزأ به سحرة البر الثاني.
تدرون أن صابر قد استبد به شيطانه فغادر كفرنا، قال المجذوب: صابر صعد مأذنة الجامع القبلي ومن ثم جاءت حمامة كبيرة وركبها وحين وصل إلى السحابة الممتلئة بالماء تساقطت ماء على وجهه!
أقاويل شتى: سرقه الجن إذ عشقته ابنة ملكهم الذي يحكم سبعة جيوش ويمتلك خزانة تمتد من البحر إلى النهر، من وراء الأبواب تتوله النسوة اللواتي ينمن جنب رجال قهرهم العجز وأمات ماء الحياة فيهم سوط الذل.
وبعد ليلة في حارة معتمة، يوشوش الغلابة بعضهم؛ هل سنجد كيلة قمح في دوار الوسية؟
وراء هذا السؤال جوع ودونه ذل الوجوه، تمنى ابن أبو الغيط أن يكون صابر، ليته يستطيع أن يتسلق جدار الدوار الحجري ويتسلل دون أن يراه خفير الدرك، البك الكبير يضع القمح في حجرة يقف عليها حارسان ومفتاح بابها موضوع في خزانته، لا يهتم بالجوعى، عليهم أن يخلطوا البطاطا بورق الكافور؛ البطون الجائعة خانعة، تتمسح بقدم سيدها!
جرت محاولات كثيرة، بعضها أوصلهم إلى الداخل، تملكتهم الدهشة، بناية عجيبة، أسوراها تعلو كل يوم بمقدار ذراع، يشتمون رائحة عرقهم في كل زاوية، يحدث الحجر بعضه من أين أتى هؤلاء، ينطلق منادي الله : الصلاة خير من النوم!
ناموا كثيرا، الذباب سكن في آذانهم، المش حرق بطونهم، الكرباج استطاع أن يحني ظهورهم.
أمسك بلسانه؛ فضيحته ستكون تجريسة ولا حرامي في مولد الدسوقي، حتى هذا الولي الذي كان يغرف في مولده الحمص الشهي وتعابثه الغجرية ذات العيون الخضراء، تسرق عرقه أن ينقل لها الخيمة من مكان إلى آخر وفي النهاية يقعى أمامها مثل جرو صغير، كانت آيام.
نظر إلى نافذة الدوار، إنها تبدو مثل فلقة القمر، بيضاء لذة لعين المحروم، لعن النساء اللواتي تعتاص أيديهن في" جلة البقر" تتوزع الورود في كل مكان، مسح عينيه، عض لسانه، يريد أن يتأكد هل هو في علم أم في حلم، نظر ثيابه بانت عروق رجله، هذه المرة نسي أن يضع" بلغته" لقد تسور الجدار حافيا، لقد جاء وهو لا يدري أنه صار فرجة للهانم، أمسكوا به، الذوات عندهم حفلة تنكرية، ألبسوه طاقية مملوءة بالرمل، ربطوا وسطه بحبل، أرغموه أن يصنع عجين الفلاحة، كلما دار وجدت عينه أن النمل حقير، هؤلاء يعبشون في النعيم، أما هو ففي الخرابة يأوي!
بصق عليهم في سره، صعب أن تتحرك شفتاه، لو فعل لكان له أن يتمرغ في التراب مثل ثعبان البركة، تذكر أنه يوما رأى في منامه أنه سيأتي إلى هذا المكان، يأكل حبة مشمش، يشرب عصير البرتقال، يلبس ثوبا يستره، وفي النهاية دارت به الأرض، لقد جاءت ابنة البك، تريد أن تلهو بدميتها الجديدة، أخبرتها أمها أنه هي، في سرعة كان يدب مثل نملة ويتراقص مثل جرو، اللجام في فمه يشعره بدونيته، لكنها أطعمته كما يأكل النمل بقايا الخبز، لعبة مسلية، كلما رآها انحنى بل أقعى أمامها.
حاول أن يهرب بجلده، فكر في جوع بطنه، يكفيه هنا أن يجد كسرة خبز حتى ولو كان ثمنها أن يكون مسخرة، بدأ يقنع نفسه، صار واحدا من سكان القصر حتى ولو ربطوه مع الحمير، ماذا أفادته المعيشة مع الذباب خارج السور الحجري، إنه عالم ساحر، لكن به حنينا إلى حضن أمه، لقد اشتاق أن يلهو مع الصغار، يجري ويلعب فاردا ذراعيه ومطلقا ساقيه للريح، الحياة هنا بلا متعة بل عليه أن يظل تافها ليرضى عنه كل من يرمي إليه الفتات.
نام الجميع وكانت ليلة شاتية والمطر يتساقط سيلا، تسلل في خفاء، تسلق السور الحجري، هم أن ينزل دون جلبة، كانت هناك في النافذة ترقبه عصفورا.
وهؤلاء يدبون في طرقات كفر المنسي أبوقتب ويتناسلون كالبعوض، وحين يهدهم التعب يتفرحون بصابر وما يتراقص به كالقرد في ساحة جرن الوسية.
غير أن الحكاية تواترت أنهم رأوه في مولد البدوي يطوف بالمقام، يتعمم بعمامة خضراء وتتدلى من رقبته مسبحة بتسع وتسعين حبة، بهلول في حضرة آل البيت!
صابر في كل ناحية من وادي النيل.هذا ما تبينته حين أجدني شاردا، حتى ظننت أن " الطيب صالح وقد دلس علي حين استلب منه " ضو البيت"؛ هل عبر صابر الحد الجنوبي وراء الشلال ووصل إلى "كرمكول"؟
ربما تتشابه الحكايات وتتوارد الخواطر إلا أن يكون صابر هو ضو البيت؟
كل ما أتذكره نتف الحكي المثقلة بركام الزمن، اختفى أثره، كلما مررت بكيمان السباخ ومنحنيات الشوارع أتذكره وقد علا صوته بالضجيج؛ منظر النسوة وقد علت وجوههن حمرة الخجل؛ إنه ثور في جسد بشر، هل تراه صار ضحية لهؤلاء الذين يسرقون أجساد الأحياء ويجعلونها قطع غيار لأعضائهم المصابة بالعطب؟
لكن المؤكد أن عراكا مايزال يدور حوله: أجني هو أم إنسي؟
امرأة من كفرنا تطوف بالأزقة والحواري تبحث عن ولدها؛ تجر أذيال الحسرة؛ أين تراه يكون؟
ومن يومها وثمة محطة على خط المناشي باسم " أم صابر"!
تبادر إلى ذهني هذا السؤال مرة وراء أخرى، لعلني كنت مشغولا بآخرين مروا في أزقة الكفر وتركوا ضجيجا؛ منهم من راقص البيضة والحجر أو من ركبت سنا من نحاس يصنعه غجر المولد ممن يسكنون جوار مقام سيدنا الدسوقي، ها أنا الآن أخايل بصابر ذلك الفتى الذي كبر مرة واحدة، يجري ويرفع ساقيه يعابث بهما الريح، يضحك كأنه آلة من ضوضاء ويصر أن يفعل الغرائب، كنا ننتظر منه كل يوم جديدا؛ يصعد شجرة الكافور حتى يصل إلى أعشاش الغربان، وقد يأتى بثعبان يجرى وراءنا به، يمسك بجديلة طفلة ومن ثم يدور بها دوران البقرة في الساقية، يسبح في النيل ويغوص ويخرج بسمكة تشبه الكلب. ظهرت لحيته ونبت شاربه فكنت تراه كتلة من لحم على جسد ثور متوحش، في كفرنا يجيدون استئناس الحجر، هذا أبول الهول وكان من صخر يكاد يكون من البشر! تخوفني أمي في ليالي الشتاء من صراخ صابر إنه يتعارك مع عفاريت الخرابة الذين يملؤن الحارة، حين يضربني النوم يدهمني بشكله الغريب: شعره الذي يغطى جسده العاري يبدو كما لو أن عيدان الغاب والبوص والتي تمتليء بها حواف الترع والمصارف وتتخللها ثعابين البر سكنت جسده.
حين نزع الغجري ثيابه ليختنه توارت النسوة خجلا؛ بين فخذيه ما يشبه الوتد يتراقص، ضربت امرأة صدرها قائلة: إنه يسقي أرض الشراقي فتنبت صبية أطول من شجر الكافور!
يعجز الرجال أن يؤتوا ما امتلك، يسبح في الفراغ ويتغطى بالسماء، لا يعرف الليل من النهار، يخرج من النهر أو من القبر، يستوى عنده الحزن والفرح، يقول ولي الله: صابر من أهل الخطوة فاحذروا أن تغضبوه، نظنه آونة أحد الملائكة وآونة يهزأ به سحرة البر الثاني.
تدرون أن صابر قد استبد به شيطانه فغادر كفرنا، قال المجذوب: صابر صعد مأذنة الجامع القبلي ومن ثم جاءت حمامة كبيرة وركبها وحين وصل إلى السحابة الممتلئة بالماء تساقطت ماء على وجهه!
أقاويل شتى: سرقه الجن إذ عشقته ابنة ملكهم الذي يحكم سبعة جيوش ويمتلك خزانة تمتد من البحر إلى النهر، من وراء الأبواب تتوله النسوة اللواتي ينمن جنب رجال قهرهم العجز وأمات ماء الحياة فيهم سوط الذل.
وبعد ليلة في حارة معتمة، يوشوش الغلابة بعضهم؛ هل سنجد كيلة قمح في دوار الوسية؟
وراء هذا السؤال جوع ودونه ذل الوجوه، تمنى ابن أبو الغيط أن يكون صابر، ليته يستطيع أن يتسلق جدار الدوار الحجري ويتسلل دون أن يراه خفير الدرك، البك الكبير يضع القمح في حجرة يقف عليها حارسان ومفتاح بابها موضوع في خزانته، لا يهتم بالجوعى، عليهم أن يخلطوا البطاطا بورق الكافور؛ البطون الجائعة خانعة، تتمسح بقدم سيدها!
جرت محاولات كثيرة، بعضها أوصلهم إلى الداخل، تملكتهم الدهشة، بناية عجيبة، أسوراها تعلو كل يوم بمقدار ذراع، يشتمون رائحة عرقهم في كل زاوية، يحدث الحجر بعضه من أين أتى هؤلاء، ينطلق منادي الله : الصلاة خير من النوم!
ناموا كثيرا، الذباب سكن في آذانهم، المش حرق بطونهم، الكرباج استطاع أن يحني ظهورهم.
أمسك بلسانه؛ فضيحته ستكون تجريسة ولا حرامي في مولد الدسوقي، حتى هذا الولي الذي كان يغرف في مولده الحمص الشهي وتعابثه الغجرية ذات العيون الخضراء، تسرق عرقه أن ينقل لها الخيمة من مكان إلى آخر وفي النهاية يقعى أمامها مثل جرو صغير، كانت آيام.
نظر إلى نافذة الدوار، إنها تبدو مثل فلقة القمر، بيضاء لذة لعين المحروم، لعن النساء اللواتي تعتاص أيديهن في" جلة البقر" تتوزع الورود في كل مكان، مسح عينيه، عض لسانه، يريد أن يتأكد هل هو في علم أم في حلم، نظر ثيابه بانت عروق رجله، هذه المرة نسي أن يضع" بلغته" لقد تسور الجدار حافيا، لقد جاء وهو لا يدري أنه صار فرجة للهانم، أمسكوا به، الذوات عندهم حفلة تنكرية، ألبسوه طاقية مملوءة بالرمل، ربطوا وسطه بحبل، أرغموه أن يصنع عجين الفلاحة، كلما دار وجدت عينه أن النمل حقير، هؤلاء يعبشون في النعيم، أما هو ففي الخرابة يأوي!
بصق عليهم في سره، صعب أن تتحرك شفتاه، لو فعل لكان له أن يتمرغ في التراب مثل ثعبان البركة، تذكر أنه يوما رأى في منامه أنه سيأتي إلى هذا المكان، يأكل حبة مشمش، يشرب عصير البرتقال، يلبس ثوبا يستره، وفي النهاية دارت به الأرض، لقد جاءت ابنة البك، تريد أن تلهو بدميتها الجديدة، أخبرتها أمها أنه هي، في سرعة كان يدب مثل نملة ويتراقص مثل جرو، اللجام في فمه يشعره بدونيته، لكنها أطعمته كما يأكل النمل بقايا الخبز، لعبة مسلية، كلما رآها انحنى بل أقعى أمامها.
حاول أن يهرب بجلده، فكر في جوع بطنه، يكفيه هنا أن يجد كسرة خبز حتى ولو كان ثمنها أن يكون مسخرة، بدأ يقنع نفسه، صار واحدا من سكان القصر حتى ولو ربطوه مع الحمير، ماذا أفادته المعيشة مع الذباب خارج السور الحجري، إنه عالم ساحر، لكن به حنينا إلى حضن أمه، لقد اشتاق أن يلهو مع الصغار، يجري ويلعب فاردا ذراعيه ومطلقا ساقيه للريح، الحياة هنا بلا متعة بل عليه أن يظل تافها ليرضى عنه كل من يرمي إليه الفتات.
نام الجميع وكانت ليلة شاتية والمطر يتساقط سيلا، تسلل في خفاء، تسلق السور الحجري، هم أن ينزل دون جلبة، كانت هناك في النافذة ترقبه عصفورا.
وهؤلاء يدبون في طرقات كفر المنسي أبوقتب ويتناسلون كالبعوض، وحين يهدهم التعب يتفرحون بصابر وما يتراقص به كالقرد في ساحة جرن الوسية.
غير أن الحكاية تواترت أنهم رأوه في مولد البدوي يطوف بالمقام، يتعمم بعمامة خضراء وتتدلى من رقبته مسبحة بتسع وتسعين حبة، بهلول في حضرة آل البيت!
صابر في كل ناحية من وادي النيل.هذا ما تبينته حين أجدني شاردا، حتى ظننت أن " الطيب صالح وقد دلس علي حين استلب منه " ضو البيت"؛ هل عبر صابر الحد الجنوبي وراء الشلال ووصل إلى "كرمكول"؟
ربما تتشابه الحكايات وتتوارد الخواطر إلا أن يكون صابر هو ضو البيت؟
كل ما أتذكره نتف الحكي المثقلة بركام الزمن، اختفى أثره، كلما مررت بكيمان السباخ ومنحنيات الشوارع أتذكره وقد علا صوته بالضجيج؛ منظر النسوة وقد علت وجوههن حمرة الخجل؛ إنه ثور في جسد بشر، هل تراه صار ضحية لهؤلاء الذين يسرقون أجساد الأحياء ويجعلونها قطع غيار لأعضائهم المصابة بالعطب؟
لكن المؤكد أن عراكا مايزال يدور حوله: أجني هو أم إنسي؟
امرأة من كفرنا تطوف بالأزقة والحواري تبحث عن ولدها؛ تجر أذيال الحسرة؛ أين تراه يكون؟
ومن يومها وثمة محطة على خط المناشي باسم " أم صابر"!
Войдите на Facebook
Войдите на Facebook, чтобы общаться с друзьями, родственниками и знакомыми.
www.facebook.com