أشرف الخضري - كيف تكتب الرواية؟

من هو الروائي؟!
صادفني هذا العنوان لأول مرة في أكتوبر 2017،أنهيت روايتي الأولى وامتلأ عقلي بالهواجس،هل هي قصة طويلة جدا أم رواية؟!
على الفور قمت بتحميل كتاب كيف تكتب رواية للكاتب العظيم جابرييل جارثيا ماركيز، وظننت مثل آلاف الأدباء حول العالم أن الكتاب سيقدم هدايا وأسرارا لكن ماركيز بخيل جدا، على عكس عطاءات تولستوي وتشيخوف وساراماجو في السياق نفسه.
لم يقل ماركيز شيئا وقال الكثير من الأشياء خلال كتابه الذي هو رواية متشظية لكنها بالطبع نشأت عن قنبلة واحدة.
يقول هرمان بروخ المعرفة هي الأخلاق الوحيدة للرواية، ويا للأسف التبس الأمر على مئات الكتاب فلم يعرفوا الفرق بين الرواية المعرفية والرواية المعلوماتية.
فتسابق الكثيرون إلى المراجع والكتب والمخطوطات وصنعوا كتبا تسمى رواية.
دعونا نبسط الأمور للإفادة.
* ما هي الرواية؟
سيجد القاريء عشرات التعريفات لعشرات الكتاب من كل أنحاء العالم رغم ذلك تخرج المطابع يوميا عشرات الكتب تحت عنوان رواية وهي ليست كذلك في الحقيقة.
*حادث
توقفت سيارة ربع نقل محملة بأشخاص ملثمين في وسط ميدان كبير بمدينة عربية، أطلقوا الرصاص في الهواء،ثم اقتحموا منزلا واقتادوا رجلا يبدو فوق الخمسين من العمر واقتادوا ابنه الأكبر في العشرين من عمره، ثم واجهوه بتهمة الخيانة والتخابر مع السلطات وأعدموا الشاب رميا بالرصاص أمام الناس وأمام والده ثم ذبحوا الأب وانطلقوا هاربين.
* الشهود
شاهد الحادث عدد كبير من الناس، بعضهم في الشارع،في الدكاكين،في شرفات المنازل،فوق الأسطح،وبعضهم على مقربة شاهدوا الأحداث من بعيد دون تبين ما يجري.
* تعدد الروايات
كل واحد ممن شاهد الحادث أخذ يرويه بطريقته الخاصة، فأصبح لدينا حكاية واحدة لحدث واحد لكنها مروية بروايات عديدة، تترنح بين الحقيقة والمبالغة والزيادة والتحريف.
* انتبه
المعنى الجوهري الأول للرواية يعني وجهة نظر شخص ما تجاه حدث،وطريقته الخاصة في فهمه وتأويله وسرده.
---------
* الحكايات
إن علاقة الحكاية بالرواية أشبه بعلاقة العنقود بحبات العنب، العنقود ضروري وحتمي لكنه ليس هدفنا الأسمى.
ماذا يعني هذا الكلام؟
الروائي يحتال من خلال حكاية لبث معرفة ما، لطرح وجهة نظر تخصه،لتقديم رؤياه حول العالم والإنسان والموروثات والقيم والثوابت،لهدم معرفة فاسدة وإزاحة وعي معطوب.
*الوعي هو سلامة الإدراك.
الرواية ليست بناء سرديا من مجموعة خواطر أو قصص ساذجة أو حكاية ترصد رحلة حياة مجموعة من البشر أو فرد منهم،الرواية تعمل في الأعماق فقط.
أنطون تشيخوف لم يكن يخجل داخل رواياته أن يقول بوضوح أنه كاتب سيسيولوجي سيكولوجي.
*بناء الرواية
الرواية ليست مثل القصيدة والقصيدة تشبه حالة المخاض الشهري لدى النساء.
والرواية ليست مثل القصة القصيرة التي تشبه حالة الإلحاح الشديد لحك الذقن أو الرأس أو تغيير المقعد أو التقلب على الفراش.
الرواية كالاستعداد للحرب.
*الأعمدة الأولى
تكبر بداخل الكاتب المعارف التي أورثتها التجارب والخبرات،إنها تختمر تماما كالعجين، تظل تكبر وتكبر حتى تأتي لحظة الانفجار،عندما تأتي لحظة النور..لابد أن أخبر العالم بما أعرفه ..وعندما يستسلم الكاتب للإمساك بالقلم تحدث عملية التدفق السردي وقد كتب الكاتب روايته بداخل رأسه بنسبة ثمانين في المئة، ولم تبق سوى مفاجآت السرد.
*مفاجآت السرد
سألت مرات عديدة كتابا كثيرين من الذي يصنع الأقدار داخل الرواية؟ من الذي يصنع المصائر؟
ولم أحصل على إجابة شافية،لكن لأن الرواية تنتمي لعالم معرفي باطني،استسلمت لفكرة أن الكاتب لا يقرر مصير أبطاله بمفرده ولا طبقا لوقائع حدثت بالفعل.
* بدء الكتابة
البداية تتنوع جدا، تتفجر من حكمة، من آية من كتاب مقدس،من لحظة ألم أو تأمل.
تبدأ بمشهد مسرحي، أو قصصي أو شعري، ثم تأخذ الرواية مسارها وتتفتح كثورة بركان، مجرد دخان في البدء ثم تنهمر الحمم.
* الفصل الأول
بعد انتهاء الكاتب من فصله الأول،وليكن صفحة أو خمسين، سيتوقف ليتامل شيئا واحدا، منطق السرد هل هو منطق قصصي أو روائي.
فإذا كتب قصة رائعة محكمة البناء لم تقدم معرفة جديدة أو تهدم وعيا سائدا أو تطرح رؤيا مغايرة وصادمة، وتقوم على حدث واحد وشخصية واحدة في حيز ضيق،فهو منطق قصصي.
* منهج الرواية الكشف والهدم والإزاحة ورصد التحولات.
* المسودة الأولى
بعد انتهاء الكاتب من روايته يكون قد امتلك طفلا مولودا، ما تزال أمامه مراحل نمو وتعلم حتى يكبر وينضج.
فالمسودة الأولى ليست الرواية بل كائنا ناقصا.
*المراجعات والتعديل
كل قراءة جيدة للمسودة ستنقلها إلى الأمام خطوة وستزيدها قوة وجمالا وإحكاما.
* سن اليأس
تأتي على الرواية مرحلة لا تقبل فيها الإضافة أو الحذف،مرحلة التيبس،الاكتفاء، وعندها تصبح جاهزة للطباعة.
* من هو الروائي
الروائي لا يقف من العالم موقف موسى عليه السلام بل موقف الخضر، الروائي هو العارف الأكبر.
الخروج إلى العالم

أشرف الخضري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى