محمد السلاموني - "اللغة / الدين / السياسة" العرب وما يعنيه العيش فى الإنتشار الدلالى :

كتبت قبل الآن عن أننا كعرب سجناء خارج لغتنا، سجناء الهباء، وأن هذا الهباء المفتوح عن آخره، هو الحرية الوحيد المتاحه لنا...
وكنت أعنى بهذا، أن هناك ارتباط عضوى بين العقيدة الإسلامية واللغة العربية؛ إذ لا وجود للقرآن بدون اللغة العربية ولا وجود للغة العربية بدون القرآن؛ هكذا فوجود أحدهما رهنا بوجود الآخر.
من هنا تقدَّست اللغة، لغتنا... ونحن نعلم أن هناك من يذهب إلى أنها هى اللغة التى كان الله يتحدث بها مع الملائكة وعَلمَّها لآدم وحواء...
للإبقاء على القرآن- ومستلزماته التراثية- انشغل العرب بتقعيد وتسنين اللغة العربية، من هنا كانت عنايتهم الفائقة بالأدب "الشِّعر- ديوان العرب"؛ "للإحتراز عن الخطأ فى كلام العرب".
هذا الفعل البشرى- لأغراض دينية، هو نفسه الذى جعل العرب يضعون نظام الإشتقاق اللغوى الصارم- كـ "جدار حمائى" يستحيل اختراقه/ فأحد ليس بإمكانه الإتيان بكلمة جديدة خارج نظام الإشتقاق "عدا الكلمات الأجنبية فقط : تليفزيون، تليفون... إلخ"، نظرا لفشل مجامع اللغة العربية فى إيجاد نظائر لها معتمدة إجتماعيا.
أعنى أن اللغة العربية، ، كان بإمكانها أن تأخذ ببعض اشتقاقات الكلمة وتتجاوز عن بعضها الآخر، كغيرها من اللغات، تجاوبا مع المتطلبات الإستعمالية الحياتية، لكن العرب، لدواعى دينية، اتخذوا لأنفسهم وللغتهم تدبيرا إستراتيجيا فائقا للهيمنة على التفاعلات المتبادلة بين اللغة والواقع المتجَدِّد .
وبالإمكان الذهاب إلى أن استراتيجية الإعلاء من سلطة اللغة العربية دفاعا عن "المركزية المطلقة للقرآن فى حياة العرب"، ترتبط باعتماد القرآن كمرجعية واحدة وحيدة فى إدارة الحياة السياسية.
// ما يعنينى هنا هو محاولة الحديث عما أفضت إليه لغتنا المقدسة، والجدار الحمائى "اللغوى- دينى- سياسى" الذى تم وضعه إصطناعيا، على الضد من طبيعة اللغات.
تتحول اللغة إلى فقاعة صُلبة فقط حين تنغلق على نفسها، حين تحيا على تكرار واجترار
دوالها ودلالاتها، طوال التاريخ، وتدفع بمتكلميها إلى حشر تجاربهم الوجودية حشرا بداخل نفس المُعجَم...
تكَدُّس الدلالات داخل نفس الدوال، على مدار الزمن، يجعل من العلامة اللغوية "أى من الكلمة" قشرة عائمة على بركان دلالى منفجر دوما... وهو ما يطلق عليه دريدا إصطلاح "الإنتشار الدلالى"- إذ تتجاوزت فيه العلامة اللغوية التعدُّد الدلالى؛ وهو ما يعنى- كما يقول علماء اللغة- تدمير العلامة اللغوية نفسها، نظر لكفِّها عن القيام بوظائفها التواصلية .
وفى الحقيقة، كثيرا ما أتساءل: أيكون فهم واستيعاب كل "فَرد" مِنَّا، على طريقته الخاصة، للقرآن، ولسائر الأحداث الكبرى والصغرى، هو التعبير الأكثر نصوعا عن "الإنتشار الدلى الذى يخفى فى طياته موت العلامة اللغوية"...؟.
بعد سقوط أو تراجع الأيديولوجيات الكبرى "بما هى الأنظمة الضرورية اللازمة لصانعة المعنى"، سقطت المرجعيات، وبالأحرى تفتَّتت، وتحولت إلى نثارات ذائبة فى الوعى، وهو ما يعنى تلاشى الأنساق والترابطات والوحدة، مما يفسح المجال للتناقضات؛ فنحن نقول الشئ ونقيضه فى وقت واحد، بل ويبدو أن هذه التناقضات تحولت الآن إلى فوضى عارمة، وصارت هى الوضعية الطبيعية "المألوفة- غير الموعى بها" التى نحياها الآن/ يدل عليها التمحور حول "الجزئيات"- فقط اقرأ البوستات المنتشرة على الفيسبوك، ستجد هذه الظاهرة بأوضح ما يكون.
نعم، لقد تناثر الوجود، نظرا لتناثر الوعى، وهو ما يعنى تناثر الذات.


وللحديث بقية


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى