طارق حرب - الحناء (الحنه) لدى البغداديات والبغداديين كشكل من أشكال التحلي والتجمل من العهد العباسى حتى نهاية القرن العشرين

في سلسلة بغداد تراث وتاريخ كانت لنا محاضرة عن الحناء (الحنه) ودورها في حياة البغداديات والبغداديين حتى نهاية القرن العشرين حيث أصبحت الحناء خبرا بعد عين وأنتهت سيادتها كشكل من أشكال التجمل والتحلي لديهم بعد أن كان الخضاب أي التلوين بها شيء من اللوازم والضروريات اذ ذهبت أغاني الحنه والشعر والأقوال وذهبت سطوة الحنه لدى البغداديات والبغداديين ومما ورد بالحنه:-
في الأغاني البغداديه:-
يالزارع البزرنگوش إزرع حنه
أي ان زراعة الحنه تفوق زراعة هذه المزروعات مما يدلل على مكانتها
وفي أغنية بغدادية أخرى:-
حنه حنه بيدها حنه بديها
كل الحبايب فرحانه بيها
أي ان الفرح عم جميع الاحباب بسبب وضع الحنه لمناسبه مفرحه
وفي الحنه يقول أحد الشعراء:-
وكأنها يوم الرحيل حين بدا
منها البنان يزينه الحناء
وكان أطفال بغداد يرددون أناشيد للحنه منها:-
قشمرت عليك و( الخره) بيديك
والحنه بيديه والذهب بيد الله
اذ في لطائف الاطفال انهم يتخادعون بالنكات فيروي أحدهم للآخر خبراً كاذبا فأن صدقه زميله ردد هذه الانشوده
واذا كان وضع الحناء على المراقد والاولياء عادة ما زالت تقوم بها البغداديات حتى ان والدتي رحمها الله منذ سكنانا الكراده أواسط أربعينات القرن العشرين تلتزم بوضع الحنه على السيد ادريس وعلى احدى الكنائس وتنادي السيده العذراء(مريمانه كما وهبك الله خير الابناء تشفعي لي ليمنحني سبحانه اولاداً) اذ كان البكر بنتاً وفعلا ولدت الابناء .
وكانت النساء تقول عند زيارة الصالحين والاولياء :-
حادي بادي انطيني امرادي
حنه وشمعه ليلة الجمعه
وفي الدعوه لشراء الفواكه يقول البائع:-
محنه يا خوخ
وذكرت الامثال البغداديه (حافي ومحني رجليه) كناية عمن يتفق وهو معسر ومن يترك الضروريات وينصرف للكماليات بحيث يضع الحنه في رجليه في حين انه حافٍ لايملك شراء حذاء.
واذا كان الانسان بطبيعته ميال للتجمل والتحلي فأن العهد العباسي ببغداد الذي أنعكست حضارته بمظاهر الترف ببغداد لذا فلقد شاع التزين والتحلي في هذا العهد وكثر بسبب الحاله الاقتصاديه والاجتماعيه في بغداد وقد بدأ ذلك بالخضاب أي التلوين وخاصة بالحناء وقد كان الميل الى الخضاب عاما في هذا العهد حتى تذكر المصادر الى ان سبب الحريق الذي حصل في دار المملكه ببغداد عام 515 هج هو شمعه لجارية كانت تتخضب بالحناء واستعملت أصباغ الخدود والشفاه والاظافر ومن الرسوم التي وصلتنا عن العصر العباسي نجد الرسوم النسائيه المخضبه وعرفت المرأه البغداديه اطالة الأطافر وفي ذلك يقول الشاعر العباسي بن المعتز:-
ذا شارب وظفر طويل
ينفض الزاد على الأكليل
وكذلك استخدمت المرأه البغداديه الأدهان لتطرية البشره دهن البنفسج ودهن الورد.
والحناء التي تسمى في بغداد حنه هي شجيرات ذات أزهار بيضاء على شكل عناقيد مكان زراعتها أصلاً وتباع الحناء في أسواق بغداد مطحونه وتباع في شورجة بغداد معبئه بأكياس وكانت تباع بالوزن وتختلف اسعارها باختلاف أنواعها وهنالك مناسبات عديده للحنه عند البغداديين منها:-
حنة الزواج أي عقد القران وهو جزء من فرحة البغداديات وحرصهن على اسعاد ابنائهن لذلك فهن يضعن (صينيه) أمام العروس تحتوي على اختلاف أنواع الحناء وليلة الحنه حنة العروس كانت تقام في بيت العروس التي تكون عادة ليلة الاربعاء السابقه لليلة الدخول ليلة الخميس حيث تقام حفله يحضرها أقرباء وقريبات العروس والعريس وأصدقائهم اذ يتم نصب صينيه كبيره مزينه بشموع الكافور والشموع الملونه واوراق الياس وطاسات الحناء المعجونه وتقوم القابله المسماة سابقاً بالجده التي قامت سابقا بعملية تسهيل ولادة العروس بوضع الحناء على يدي العروس ورجليها يصاحبها الهلاهل والغناءً وتقرع الدفوف والطبول حيث تردد الجده:-
ياحنة العطار حنه على حنه
إنفع العطار ونخسر أهلنه
أي ان نفع شراء الحنه سيكون لمن باعها وسيخسر الاهل الثمن المدفوع عن الحنه المشتراة وهنا تلقي بعض الحاضرات نقودا معدنيه في طاسة الماء مساهمه بالفرح وتكون تلك النقود من نصيب الجده أما اجراء وضع الحنه في يد العروس فأن الحناء توضع على اطراف أصابع العروس من كل أصبع حيث يلف خيط رفيع كي لا تتعداه الحناء وتسمى (الكشتبان) ويتم وضع ليرة ذهب أو روبيه التي كانت العمله قبل ثلاثينات القرن العشرين وتوضع الحناء في راحة يدها لتغطي القطعه النقديه ولا يتم غسل اليد الا عند جفاف الحناء في اليوم التالي وحنة قدم العروس فتكون بربط خيط قطني في ابهام القدم ويمرر من الاصابع حيث يلف حول الاصبع الصغير ثم يسحب الى خلف الكعب ليعود حول ابهام القدم ثانية وتوضع الحناء على القسم الاسفل من الخيط وهكذا بالنسبة للقدم الاخرى.
وحنة العريس تكون بعد ان تكمل الجده حنة العروس والمدعوات تأخذ طاسة الحنه المعجونه الى بيت العريس لتضع الحنه في يد العريس وأصدقائه بحيث لا تتعدى الخنصر ومنم من يضع الحنه على كفه كلها.
وهنالك حنة النذور اذ كثيرا ما كانت سيدات بغداد تتعهد بالنذور ان تحقق لها أمرا معيناً فاذا حصل هذا تتولى الذهاب الى مزار الامام أو الشيخ أو السيد أو الولي وتلطخ باب المزار الذي نذرت له بالحناء وهذا ما زال مستمراً لا بل كثر عما كان سابقاً في حين ان استعمالات الحنه الاخرى قليله جداً.
وهنالك حنة الطهور اذ من ضمن مراسيم الطهور أي قطع غلاف العضو التناسلي الذكري وهذه مناسبه لتكون ليلة الحنه حيث تستدعى الجده التي ولدت الام بالمولود الذي سيتم طهوره لتقوم بعملية الحناء بليلة الطهور وبجو من الفرح والغناء والطرب سواء الچالغي البغدادي أو المربعات وجماعة التصفيق تقوم الجده بوضع الحناء على نصف الكف ويقوم بعض الحاضرين برمي النقود في طاسة الحناء بعد نفاذ الحنه حيث يعتبر بقشيشاً للجده.
وهنالك حنة العيد اذ من متطلبات التهيؤ للعيد الملابس الجديده و(الكليچه) وكذلك الحنه حيث تعجن الام الكميه الكافيه منها وتهيئ قطع من الملابس القديمه لكي تشد بها الأيادي بعد وضع الحناء فيها وعادة تقوم الام أو أمها
أو الأخت الكبرى في العائله بوضع الحناء في أيادي الأبناء والبنات ويطلب منهم عدم فتح اليد المحناة حتى اليوم الثاني وحتى صباح العيد حيث يتم غسل اليد. وهنالك حنة الرأس أي صبغ الشعر بالحناء لكي تكسب الشعر اللون الاحمر ومنهم من يستعمل الشعر لتقويته حيث تخلط الحنه بقشور الرمان أو صفار البيض أو ورق التفاح اليابس ومن النساء من تخلط الحنه بالكركم ليكون الشعر أصفرا أو تخلط بالقهوه للحصول على النوع البني وكذلك كان الرجال يستعملون الحناء لشعر الرأس وأحياناً اللحيه والشوارب وهنالك استخدامات أخرى للحناء ومن التقاليد عدم استعمال اهل بغداد للحناء في شهر محرم من قبل الجميع رجالا ونساء واطفالا.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى