صار هليل مخرجا سينمائيا، وطُلب منه أن يخرج فيلما عن حفيد الاسكندر المقدوني، من بطولة صهر الحفيد، والفنانة نبيلة عبيد، يحمل عنوان " الايام الطويلة "، في البداية لم تقتنع نبيلة عبيد بالمشاركة في الفيلم، لانها عندما قرأت السيناريو وجدته تافها، لكن هليل طار الى مصر لإقناعها، وبعد أسبوع جاء بها، بعد توقيع عقد سال لها لعابها حيث كانت أجور مشاركتها في هذا الفيلم العراقي تعادل عمل عشرة أفلام مصرية.
دخلت الفنانة الى قصر الحفيد، حسب الاوامر، التي تزعم بأن عائلة القائد تريد أن ترى كادر ممثلي الفيلم، وهم، في الحقيقة، يريدون رؤية الفنانة المشهورة عن قرب، ذات الضحكة المبهرة التي تهتز لها الجدران، ولجت باحة القصر بجسدها الافعواني وهي ترتدي ثوبا أبيض، يلتصق عليها، لاحظ المجتمعون، إنها بجسدها المثير، كانت روحها تلتهب بالنار الداخلية، لا أحد يمكنه أن يقدر كيف تقبع روحها في هذا الجسد الذي تحيط به شهوة النار كأنها تريد أن تلتهم كل ما يقع عليها ألسنتها، ينظر إليها المجتمعون بعيون صمغية وهي تمشي على إيقاع رنين كعبها، تضع على فمها الصغير صبغة حمراء، وعندما تصافحه كل واحد من الحاضرين، يطلق فمها الفراشات والنار والقبل أثناء ضحكاتها المموسقة التي لا يعرف أحد كيف تعزفها روحها النارية. ومن دون الجميع، أقترب فمها من هليل وقبلت خده الاسمر المتعرق، فقال انفلكنا والله، جلست بجانب السيدة زوجة القائد التي ستمثل شخصيتها في الفيلم، عبرت السيدة منذ النظرة الاولى للفنانة عن حقدها وحسدها من الجمال النيراني الذي تتمتع به فتجهم وجهها الملطخ بالاصباغ، كان كل الموجودين في القاعة من وزراء واعضاء مجلس قيادة الامة وفنانين ورجال حماية، وندل ينظرون إليها، وهي تضع ساقا فوق الاخرى، فأصبحت محط اهتمام الجميع، لا تدري زوجة القائد بم يمكن أن تحدثها لذلك لاذت بالصمت ووجهها متلبد بالغيوم، متجهم، لكنها بطرف خفي، كانت تنظر الى ساقيها المبرومين بعناية فائقة والى بشرة وجهها ناصع البياض، وتذكرت في الإثناء، كيف كانت تركض هي في المزارع حافية القدمين تطارد الارانب، حتى صار في كعبيها أخاديد لم تنجح كل عمليات التجميل في باريس ولندن من ردمها، وأنتهى الاجتماع بعد تناول المعجنات المستوردة والعصائر الصفراء والحمراء الى الوقوف حول الفنانة التي توسط الحضور ليلتقط المصورون صورا تذكارية معها، ولم تكن زوجة الاسكندر من بين هذا الجمع، اذ أنصرفت هاربة في احد ممرات القصر، كي تنقذ نفسها من تلك النظرات البليدة اللاسعة التي يوجهها الرجال الى الفنانة.
وبعد أسبوع بدأ العمل بالفيلم، أصبح هليل، في كل مواقع التصوير مركز ثقل مهم للاجابة عن كل الاسئلة التي يوجهها بعض الفنانين عن ثيمة الفيلم، فقال لهم عبارة واحدة، انه يتحدث عن حياة ... ثم توقف قليلا ، كاد أن يقول عن حياة قائدنا الذي دهرنا دهيرة، لكنه تذكر اعدامات التيزاب والكلاب الالمانية الجائعة التي تنهش الاجساد بلا رحمة ، فقال عن حياة قائدنا وهو يواجه الاعداء الشرسين.
وعند كرفان الفنانة الخاص بملابسها وطعامها ومكياجها، يقف صحفي قلق مذعور مع مصوره يتوسل بهذا وذاك يريد تصريحا من الفنانة لصحيفته، ويريد أن يلتقط صورة معها، لكن رجل الحماية المتجهم الذي يقف عند باب الكرفان حين أقترب الصحفي منه لهذا الغرض، لم يكن يعرف معنى ريبورتاج، تصور انها كلمة ماسونية، يجب أن يعاقب عليها الصحفي ، لكن فطرة رجل الحماية التي تعتمد دائما على أزاحة كل من يعكر صفو واجبه، جعلته يمسك بالصحفي من رقبته ويدير رأسه مع ركلة مدوية على مؤخرته وهو يردد مع نفسه " يريد يسوي روتاج القشمر". لا يعلم الصحفي أن رجل الحماية كان يشنف كل أسماعه لكي يصغي الى ضحكات تطلقها الفنانة بين حين وآخر مع الماكيرة التي جلبتها معها من مصر، لذلك كان يجب أن يتصرف بحزم لابعاد شبهات الماسونية والروتاج الذي نطق به الصحفي على مقربة من كرفان حبيبة وضيفة القصر الجمهوري. ولما اشتكى الصحفي الى المخرج عن سوء المعاملة التي تلقاها، قال له هليل " انفلكنا والله" ثم طيب خاطره " احسبها علي يا أستاذ، لا تزعل".
مضت أشهر حتى أكتمل تصوير فيلم الايام الطويلة وهو يتصدى لملحمة قصة حياة الفداء للقائد حفيد الاسكندر، لقد تم صياغة المونتاج على وفق تعديلات متكررة من قبل الوزراء ومجلس قيادة الامة والمجلس الوطني وكادر الحزب الاسكندراني المتقدم، ثم جاء وقت عرض الفيلم أمام انظار القائد المحبوب، في قاعة خاصة بالقصر، حيث حضر الجميع لمشاهدته، وبدأ العرض، ولما وصل الفيلم الى مشهد أستخراج الرصاصة من ساق الممثل صهر القائد الذي يمثل دوره كونه قريب الشبه منه، ظهر على وجه الممثل الالم وهو يصارع لحظة استخراج الرصاصة بدون تخدير ، قال القائد غاضبا " اوقفوا العرض " فتوقف عرض الفيلم، ألتفت الى الوزراء وقال " هنا الفيلم لم يكن حقيقيا، وسأل طبيبا كان يجلس في آخر الصف يا فلان أنت الذي عالجتني هل كنتُ اتألم حين أستخرجت الرصاصة من ساقي؟ نهض الطبيب وقال وهو يرتجف " كلا سيدي ، كنت تضحك " فانبرى وزير الاعلام الذي يجلس في الصف الاول وقال " سيدي كان يجب أظهار المعاناة التي تكبدها سيادتكم اثناء .. " فقاطعه القائد زاعقا " أسكت أنت " لاحظ هليل الذي كان يجلس بجانبه، أن الوزير خنس ولاذ بالصمت وهو يرتجف، ثم ردد مع نفسه بعد هذه الزعقة " أنعدم الوزير "، بقي الفيلم جامد الصورة على الساق، نهض القائد، وقال أعيدوا هذه اللقطة. همس هليل في نفسه " انزرب بينا" .
تم اعادة اللقطة ، بأن جُعل الممثل حين يتم استخراج الرصاصة من ساقه باشا ضاحكا. ومن ثم تم عرض الفيلم ثانية بعد اعادة تصوير المشهد، ولقي رضى وقبول القائد. وتم عرض الفيلم في كل دور السينما في بغداد والمحافظات والقرى والارياف مجانا، لعدة شهور، حتى أصبح جمهوره بمرور الوقت في تلك السينمات، نفرا أو نفرين على أكثر تقدير، مما جعل اصحاب السينمات يقفون عند ابواب سينماتهم يصيحون على المارة تفضلوا شاهدوا الفيلم مجانا، مع لفة فلافل، لكن لا أحد كان يلتفت الى نداءاتهم، ولما أراد هليل أن يستطلع رأي الجمهور ويرى تأثيره عليه، دخل أحدى السينمات في بغداد فوجد شخصا واحدا يجلس في آخر الصف يدخن واضعا رأسه على متكئ الكرسي، جلس هليل بجانبه وشم رائحة الخمرة الرخيصة تفوح منه، وبعد انتهاء الفيلم سأله " شنو رأيك خوش فيلم مو ؟ " ألتفت المشاهد الوحيد الى المخرج وقال بصعوبة ، هذا الفيلم ضراط بضراط " .. نهض هليل بسرعة وقبل أن يغادر صالة العرض قال " انعدمنا والله ".
دخلت الفنانة الى قصر الحفيد، حسب الاوامر، التي تزعم بأن عائلة القائد تريد أن ترى كادر ممثلي الفيلم، وهم، في الحقيقة، يريدون رؤية الفنانة المشهورة عن قرب، ذات الضحكة المبهرة التي تهتز لها الجدران، ولجت باحة القصر بجسدها الافعواني وهي ترتدي ثوبا أبيض، يلتصق عليها، لاحظ المجتمعون، إنها بجسدها المثير، كانت روحها تلتهب بالنار الداخلية، لا أحد يمكنه أن يقدر كيف تقبع روحها في هذا الجسد الذي تحيط به شهوة النار كأنها تريد أن تلتهم كل ما يقع عليها ألسنتها، ينظر إليها المجتمعون بعيون صمغية وهي تمشي على إيقاع رنين كعبها، تضع على فمها الصغير صبغة حمراء، وعندما تصافحه كل واحد من الحاضرين، يطلق فمها الفراشات والنار والقبل أثناء ضحكاتها المموسقة التي لا يعرف أحد كيف تعزفها روحها النارية. ومن دون الجميع، أقترب فمها من هليل وقبلت خده الاسمر المتعرق، فقال انفلكنا والله، جلست بجانب السيدة زوجة القائد التي ستمثل شخصيتها في الفيلم، عبرت السيدة منذ النظرة الاولى للفنانة عن حقدها وحسدها من الجمال النيراني الذي تتمتع به فتجهم وجهها الملطخ بالاصباغ، كان كل الموجودين في القاعة من وزراء واعضاء مجلس قيادة الامة وفنانين ورجال حماية، وندل ينظرون إليها، وهي تضع ساقا فوق الاخرى، فأصبحت محط اهتمام الجميع، لا تدري زوجة القائد بم يمكن أن تحدثها لذلك لاذت بالصمت ووجهها متلبد بالغيوم، متجهم، لكنها بطرف خفي، كانت تنظر الى ساقيها المبرومين بعناية فائقة والى بشرة وجهها ناصع البياض، وتذكرت في الإثناء، كيف كانت تركض هي في المزارع حافية القدمين تطارد الارانب، حتى صار في كعبيها أخاديد لم تنجح كل عمليات التجميل في باريس ولندن من ردمها، وأنتهى الاجتماع بعد تناول المعجنات المستوردة والعصائر الصفراء والحمراء الى الوقوف حول الفنانة التي توسط الحضور ليلتقط المصورون صورا تذكارية معها، ولم تكن زوجة الاسكندر من بين هذا الجمع، اذ أنصرفت هاربة في احد ممرات القصر، كي تنقذ نفسها من تلك النظرات البليدة اللاسعة التي يوجهها الرجال الى الفنانة.
وبعد أسبوع بدأ العمل بالفيلم، أصبح هليل، في كل مواقع التصوير مركز ثقل مهم للاجابة عن كل الاسئلة التي يوجهها بعض الفنانين عن ثيمة الفيلم، فقال لهم عبارة واحدة، انه يتحدث عن حياة ... ثم توقف قليلا ، كاد أن يقول عن حياة قائدنا الذي دهرنا دهيرة، لكنه تذكر اعدامات التيزاب والكلاب الالمانية الجائعة التي تنهش الاجساد بلا رحمة ، فقال عن حياة قائدنا وهو يواجه الاعداء الشرسين.
وعند كرفان الفنانة الخاص بملابسها وطعامها ومكياجها، يقف صحفي قلق مذعور مع مصوره يتوسل بهذا وذاك يريد تصريحا من الفنانة لصحيفته، ويريد أن يلتقط صورة معها، لكن رجل الحماية المتجهم الذي يقف عند باب الكرفان حين أقترب الصحفي منه لهذا الغرض، لم يكن يعرف معنى ريبورتاج، تصور انها كلمة ماسونية، يجب أن يعاقب عليها الصحفي ، لكن فطرة رجل الحماية التي تعتمد دائما على أزاحة كل من يعكر صفو واجبه، جعلته يمسك بالصحفي من رقبته ويدير رأسه مع ركلة مدوية على مؤخرته وهو يردد مع نفسه " يريد يسوي روتاج القشمر". لا يعلم الصحفي أن رجل الحماية كان يشنف كل أسماعه لكي يصغي الى ضحكات تطلقها الفنانة بين حين وآخر مع الماكيرة التي جلبتها معها من مصر، لذلك كان يجب أن يتصرف بحزم لابعاد شبهات الماسونية والروتاج الذي نطق به الصحفي على مقربة من كرفان حبيبة وضيفة القصر الجمهوري. ولما اشتكى الصحفي الى المخرج عن سوء المعاملة التي تلقاها، قال له هليل " انفلكنا والله" ثم طيب خاطره " احسبها علي يا أستاذ، لا تزعل".
مضت أشهر حتى أكتمل تصوير فيلم الايام الطويلة وهو يتصدى لملحمة قصة حياة الفداء للقائد حفيد الاسكندر، لقد تم صياغة المونتاج على وفق تعديلات متكررة من قبل الوزراء ومجلس قيادة الامة والمجلس الوطني وكادر الحزب الاسكندراني المتقدم، ثم جاء وقت عرض الفيلم أمام انظار القائد المحبوب، في قاعة خاصة بالقصر، حيث حضر الجميع لمشاهدته، وبدأ العرض، ولما وصل الفيلم الى مشهد أستخراج الرصاصة من ساق الممثل صهر القائد الذي يمثل دوره كونه قريب الشبه منه، ظهر على وجه الممثل الالم وهو يصارع لحظة استخراج الرصاصة بدون تخدير ، قال القائد غاضبا " اوقفوا العرض " فتوقف عرض الفيلم، ألتفت الى الوزراء وقال " هنا الفيلم لم يكن حقيقيا، وسأل طبيبا كان يجلس في آخر الصف يا فلان أنت الذي عالجتني هل كنتُ اتألم حين أستخرجت الرصاصة من ساقي؟ نهض الطبيب وقال وهو يرتجف " كلا سيدي ، كنت تضحك " فانبرى وزير الاعلام الذي يجلس في الصف الاول وقال " سيدي كان يجب أظهار المعاناة التي تكبدها سيادتكم اثناء .. " فقاطعه القائد زاعقا " أسكت أنت " لاحظ هليل الذي كان يجلس بجانبه، أن الوزير خنس ولاذ بالصمت وهو يرتجف، ثم ردد مع نفسه بعد هذه الزعقة " أنعدم الوزير "، بقي الفيلم جامد الصورة على الساق، نهض القائد، وقال أعيدوا هذه اللقطة. همس هليل في نفسه " انزرب بينا" .
تم اعادة اللقطة ، بأن جُعل الممثل حين يتم استخراج الرصاصة من ساقه باشا ضاحكا. ومن ثم تم عرض الفيلم ثانية بعد اعادة تصوير المشهد، ولقي رضى وقبول القائد. وتم عرض الفيلم في كل دور السينما في بغداد والمحافظات والقرى والارياف مجانا، لعدة شهور، حتى أصبح جمهوره بمرور الوقت في تلك السينمات، نفرا أو نفرين على أكثر تقدير، مما جعل اصحاب السينمات يقفون عند ابواب سينماتهم يصيحون على المارة تفضلوا شاهدوا الفيلم مجانا، مع لفة فلافل، لكن لا أحد كان يلتفت الى نداءاتهم، ولما أراد هليل أن يستطلع رأي الجمهور ويرى تأثيره عليه، دخل أحدى السينمات في بغداد فوجد شخصا واحدا يجلس في آخر الصف يدخن واضعا رأسه على متكئ الكرسي، جلس هليل بجانبه وشم رائحة الخمرة الرخيصة تفوح منه، وبعد انتهاء الفيلم سأله " شنو رأيك خوش فيلم مو ؟ " ألتفت المشاهد الوحيد الى المخرج وقال بصعوبة ، هذا الفيلم ضراط بضراط " .. نهض هليل بسرعة وقبل أن يغادر صالة العرض قال " انعدمنا والله ".