رسائل الأدباء - رسالة من محمود درويش إلى محمد ميعاري

من موسكو ومؤرخة في 14/9/1968:

عزيزي محمد
تذكرتك كثيراً في الأيام الأخيرة. هل هي مقدمة الحنين؟ أم هي رغبة مني في أن تشاركني من بعيد إحساسي العميق بالراحة والهدوء. دعنا نتحدث بحرية. أحس أن هاجساً فيك ما زال يدندن: بماذا أذكرك يا صوفيا؟ أما أنا فلا أذكرها إلا بما يشبه الحلم، رغم الضجة المؤسفة التي ثارت في العالم العربي بسبب اشتراكنا في المهرجان. تصلني أنباء سيئة وحماقات. وأخشى أن تثار ضجة أخرى بسبب اشتراكنا في ندوة طشقند لكتاب آسيا وإفريقيا في العشرين من هذا الشهر. لقد تلقيت دعوة من اتحاد الكتاب السوفيات للاشتراك في الندوة بصفة مراقب. إنها فرصة ممتازة للقاء بأبرز الأدباء في أكثر من ثلاثين دولة آسيوية وإفريقية وغيرهم من الأدباء الضيوف القادمين من أوروبا وأميركا اللاتينية. وسيقام خلال المؤتمر مهرجان سنوي كبير سألقي فيه بعض قصائدي، وستنشر قصائد المهرجان مترجمة على نطاق واسع.
سمعت أن أعز كاتب علينا ــ يوسف إدريس ــ في حالة صحية متدهورة ويعالج الآن في موسكو. وماذا أقول لك عن موسكو! إنها مدينة لا تحب من النظرة الأولى، ولكنها سرعان ما تعشق بعد أيام قليلة من اللقاء بها. ولكني ــ وصدقني ــ أحن إلى سخافاتنا، وإلى سهراتنا. كيف حال توفيق؟ وعدته بكتابة رسالة هامة إليه ولكني عدلت عن فكرتي لأسباب معينة. قل له إني ما أزال مخلصاً له ولها، ولكن مفهوم الإخلاص يختلف وفقاً للمناطق الجغرافية المختلفة. هذه نكتة، والحقيقة هي أني لم أجد من الوقت ما يضع إخلاصي في التجربة.
وكيف حال سميح؟ هل وصلت أنباء الحملة؟ ولكن هناك أنباء أخرى: قرأت في الصحف أن لطفي الخولي سيشرف على طبع دواويننا وقرأت أن كتاباً لرجاء النقاش سيصدر هذا الشهر بعنوان «أدباء معاصرون» يتحدث فيه عن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وعنا، وعن السياب ورامي. وهكذا تتضح الأمور، وينتهي العطف اليميني علينا. أما ما يسمى أقصى اليسار فله حكاية أخرى.
ويا محمد أرجو أن تكون قد أحسنت استغلال غيابي عن البيت، ولكن لا أرجو أن تتمنى طول غيابي ليتسنى لك الاستمرار في ممارسة الحرية التي إذا تجاوزت المعقول صارت موبقات. تحياتي إلى كل الأصدقاء والجيران.
ولك حبي
محمود درويش».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى