محمد السلاموني - الأدب والدلالة

"الكلمة" أو العلامة اللغوية عامة، لا تمنحنا دلالتها دفعة واحدة، وعادة ما تراوغنا؛ ذلك لأن "الدال" لا يخفى تحته مدلولا محدَّدا، بل مدلولات عديدة، هذا والذى يحدد لنا القصد الدلالى هى الرؤية العامة المهيمنة على العمل الأدبى ككل.
وهو ما يعنى أن مرجعية المعانى الجزئية المتناثرة هنا وهناك داخل العمل الأدبى، هى الرؤية الكلية المهيمنة.
تكمن الإشكالية فى النقد التطبيقى- الذى يتناول عملا أدبيا ما- فى أن الناقد عادة ما ينزع العلامات المتناثرة من السياق الكلى للعمل الأدبى، ويرُدَّها لسياق خارجى، لا يمت إليها بصلة
، هذا السياق الخارجى هو السياق الأيديولوجى أو الثقافى العام الذى تتيحة "المعرفة الخارجية" التى يتوفَّر عليها الناقد .
تلك الإشكالية ليست هَيِّنة، ليست هامشية، أبدا، بل تقع فى صلب التناول النقدى التطبيقى.
أعمال أدبية كثيرة جدا، منحها السياق الخارجى الخاص بالناقد، دلالات ليست لها، مما أعلى من قيمة بعض الإعمال وأبخس بعضها الآخر قيمته الحقيقية.
من هنا، لو أعدنا النظر فى القيمة التراتبية التى منحها النقاد للأعمال الأدبية ومن ثم للأدباء، سنكتشف أن حياتنا الأدبية زائفة تماما، وأن كثيرا من الأدباء الكبار لا علاقة لهم بالأدب أصلا، فى مقابل أدباء آخرين تم الحكم عليهم بالإعدام الأدبى، بينما هم الأحق بالتماثيل الذهبية.
مشكلة الأدب لدينا تتلخص فى جملة واحدة:
نقاد هم مجرد قُرَّاء عاديون، لا علاقة لهم بالنقد، صنعوا ثقافتنا وذائقتنا الجمالية.
// قال لاكان: [(اللاوعي مبني كلغة) .. اي هو بنية منظمة تشبه بنية اللغة.. ذلك ان اللاوعي حين يرغب بقول الحقيقة ونقلها الى مسرح الوعي يصطدم بالانا التي تخاف على صورتها النرجسية ما يجعلها تمارس الكبت ..المكبوت سيحاول الظهور ومع المقاومة يلجأ الى مراوغة الوعي . لذلك لغة اللاوعي بلاغية لا نحوية.. والمراوغة تحدث عبر الاستبدال مثلا كلمة دخان مكان نار ..مثلا رأيت خمسين شراعا على الشاطئ.. اي خمسين سفينة ..اصبحت كلمة شراع قناعا لكلمة سفينة..وهنا يسال المحلل عن علة هذا الاختيار..
ان اللاوعي هو بالضبط المعاني التي لم يقصدها المتكلم..ذلك انه توجد فجوة بين افكارنا والكلمات المعبرة عنها..دائما الكلمات التي نختارها تحمل معنى ناقصا او زائدا عما قصدناه.. فالكلمات تنشأ بينها علاقات لا يستطيع الوعي مراقبتها .. ويتميز المكبوت ايضا بالالحاح لذلك تتسم لغة اللاوعي بالتكرار.] فى الشِّعر- والأدب عامة "الأدب الحقيقى"- الكلمات الظاهرة تخفى تحتها كلمات أخرى، تلك الكلمات الأخرى يستحيل الإمساك بدلالتها بدون الإستناد إلى الرؤية الكلية المهيمنة على العمل الأدبى.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى