هل تحَوَّل الفرد لدينا إلى "إله"؟

ليس غريبا أن تلتقى بشخص ما يريد الوصول لشئ ما، ثم تفاجأ بأنه هو الذى يقف حجر عثرة فى طريقه هو نفسه... هنا يخطر لك أن تخبره بأن إزاحة نفسه من طريقه هو الحل الوحيد الممكن، وأن هذا هو شرط الوصول...
فإذا به يتشبث بنفسه أكثر، بأن يصنع منك نِدا لنفسه هذه!...
وفى النهاية تكتشف ما كنت تعرفه منذ البداية- وهو أنه يريد الوصول فقط ، قفزا على جميع الطرق الممكنة، هكذا، لا لشئ سوى لأنه يعتقد بأنه جدير بالوصول...
مثل هذا النوع من البشر هم الذين أفسدوا الوجود ، وفى الحقيقة هم "سرطان"- بكل ما تعنيه الكلمة من معنى... سرطان تكوّن بفعل تراكم مواد ضارة فى خلايا المجتمع، أفضت فى النهاية إلى إحداث تغيير غير طبيعى فى تركيب تلك الخلايا، فتكاثرت؛ معيدة إنتاج نفسها فى الجسد الإجتماعى، حتى قتلته.
القاتل الإجتماعى هنا هو "إعادة إنتاج الخلية لنفسها- على حساب الجسد"، مما أخل بتركيبته الصحِّية.
الفكرة هنا تتلخص فى "التمحور المَرَضى حول الذات"...
فالخلية المريضة "المغتَرَّة بنفسها"، تتخذ من التكاثر وسيلة لصناعة نسخ أخرى من نفسها، مانحة نفسها الحق فى استعمار الجسد بأكمله...
وفى الحقيقة، "تضَخُّم الذات" شئ و"الإنهمام بالذات والسعى لتحقيقها" شئ آخر.
المشكلة لدينا- فى جميع المجالات- تتلخص فى أن الذوات تضخَّمت بما لم يعد بمقدور المجتمع احتماله. وما أعنيه بالتضخم الذاتى هنا، هو أن "أحدا لم يعد يرى غير نفسه فقط"، فهو مكتَمِل فى كل شئ، وقادر على عمل كل الأشياء- ومن هنا كان "الحق" الذى منحه لنفسه دون الآخرين.
تلك الذات التى استحوذت لنفسها على "الحق" كله، تحولت إلى "إله" يحيا بيننا...
حين تنظر حولك، تجد "الجماعات الدينية"- وهى نموذج فائق يجسِّد تلك الظاهرة بوضوح يند عن الوصف، لكنك إذ حدَّقت أكثر، ستكتشف أن ذلك "الإله- المرض" تحول إلى وباء إجتماعى حقيقى، إذ امتد ليطال الجميع تقريبا.
أعنى مما سبق: أن هناك شئ آخر "عوامل"، أفضت إلى "موت الإله الحقيقى"- أو هكذا ترسَّب فى بواطن الناس- مما دعاهم إلى وراثته هو نفسه... وكأن كل منهم يقول- بأعلى صوت- [أنا الأحق بمكانته، أنا الإله الجديد، أنا... أنا... أنا...].
// ذلك التصوُّر يلح علىَّ من زمن طويل، ويطاردنى؛ وكلما نسيته أو تناسيته، يعود...
ربما كان "هيجل" هو أول من تحدث عن أن "إحلال الذات محل الله" فى الغرب، بدءا من عصر النهضة، فى أعقاب الكشوف العلمية التى انتهى إليها ذلك العصر، وبإمكاننا- بتأويل ما- إعادة قراءة "العقلانية الديكارتية والتجريبية البيكونية" على ضوء ما ذهب إليه هيجل؛ تلك الذات التى تضخَّمت حتى التهمت الإله نفسه- باعتبارها نِدَّا للكنيسه... وظلت تتنامى فى عصر التنوير، وتحولت إلى أحد المبادئ المؤسسة للحداثة، ومنها انبثقت فكرة "المركزية الغربية".، إلى أن جاء نيتشه وأعلن "موت الله" وميلاد "السوبرمان".
نحن نعرف أن "الفرد" فى الغرب أنجز الكثير، أما لدينا فلم ينجز شيئا.
فما مبررات تحول الفرد لدينا إلى "إله" إذن ؟.
// أعتقد أنها إشكالية كبرى بحاجة إلى مناقشة.







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى