أبووردة السعدني - ذكريات رمضانية

....في الثلث الأخير من القرن الماضي كنت طالبا في المرحلة الجامعية الأولى ، في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة ، فكنا نقضي شهر رمضان المبارك في مدينة القاهرة ، في حي الإمام الحسين -رضي الله عنه - ، وكانت الجامعة تقدم لطلابها وجبة إفطار ساخنة يوميا ، تحتوي على : لحم أو دجاج أو أسماك ،بالإضافة إلى خضار وأرز وفاكهة ، وكانت وجبة شهية ، لم يشك طالب منها يوما ، أو من عدم نظافة القائمين عليها ، لم يزد ثمنها عن ثلاثة قروش ، إي والله ثلاثة قروش فقط !!

....وأحيانا كان يقام في الكلية مهرجان شعري يدعى إليه كبار شعراء مصر ، يقوم على إعداده شاعر الفصحى الطالب الشرقاوي : صابر عبدالدايم ( العميد الأسبق لكلية اللغة العربية بالزقازيق ) ، وزميله شاعر العامية الطالب الدمياطي : السيد الجنيدي ، الذي كان يفتتح المهرجان - غالبا - بيتين من شعره العامي ، لعلهما :
الشعر مش مسطرة
ولا قلم مرعوش
الشعر زي الورد
شمه ، ما تدعكهوش
...من الأبيات التي لا تزال عالقة في الذاكرة للشاعرة روحية القليني :
تسعى الخلائق كل جمع في اتجاه
إما لمال أو لحب أو لجاه
فتنوا فباعوا للحياة نفوسهم
وأنا لوجه الله
قد بعت الحياه
...وجرت العادة أن نصلي العشاء في جامع الإمام الحسين ، حيث كانت تقام الاحتفالات الدينية التي كان يحاضر فيها كبار العلماء ، منهم على سبيل المثال : الشيخ محمد الغزالي ، والشيخ أحمد حسن الباقوري ، والشيخ محمد بن فتح الله بدران ،والشيخ الطيب النجار - رحم الله الجميع - ، كما كنا ننصت - خاشعين - لأعلام قراء تلك الآونة : الشيخ مصطفى إسماعيل ، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد ، والشيخ محمود علي البنا - رحمهم الله - ، وأما المبتهلون فكان منهم : المرحوم الشيخ سيد النقشبندي ، الذي كان ينشد ، بصوته الجهوري الذي يأخذ بمجامع القلوب ، شعر عبدالله بن رواحة - رضي الله عنه - :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
...أما الشيخ نصر الدين طوبار - رحمه الله - فكنا نحرص على مشاهدته والاستمتاع بابتهالاته في صلاة الفجر ، حيث كان يصدح بحنجرته الذهبية ، فيعرج بالأرواح والقلوب إلى ذرا السماوات العلا ....
.... ولم تخل ليالي شهر رمضان - في تلك المرحلة - من الترفيه ، حيث كانت وزارة الثقافة تقيم سرادقا كبيرا في المكان الذي أقيم فيه مستشفى الحسين الجامعي ، للاحتفال بشهر رمضان ، يحيه أشهر فناني الغناء الشعبي ، منهم : الشيخ زكريا الحجاوي ، والمطربة خضرة محمد خضر ، والفنان الشعبي محمد طه ، وغيرهم ، وكان سعر تذكرة الدخول عشرة قروش فقط !!...
ألا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيب !!



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى