الدكتور محمد عباس محمد عرابي - دراسة حول أدب الغربة الشعري حب مصر في قصائد ديوان بوح الجداول للشاعر سامي أبو بدر (حب المغتربين لمصر أنموذجًا)

صدر مؤخرا ديوان بوح الجداول وهو الديوان الشعري الثالث للشاعر المبدع سامي أبو بدر بعد ديوانيه :ساعة من ليل ،وطيف أميرة – صدر عن دائرة الثقافة/ الشارقة- الإمارات ،2021م،وهو يقع في تسع وخمسين صفحة
ويشتمل ديوان بوح الجداول على أربع عشرة قصيدة كلها تدور عن طريق الرمز حول مشاعر أبناء مصر المغتربين نحو المحبوبة الأولى لنا جميعا أم الدنيا كنانة الله في أرضه (مصر ) مصر المكانة والمكان أليست هي الأرض أليست هي الدولة التي نالت شرفًا بذكرها في القرآن ؟أليست هي بلد بلد الأمن والأمان وفقها الله لكل خير ريادة ومجدا ورفعة فهي مصر مصرمصر ....ووفق الله أبناءها لكل خير ،ووفق الله قادتها لما فيه خيرها وخير شعبها الطيب ..
فبوطنية صادقة ،وحب مخلص جعل أبو بدر جميع قصائد دواوينه الثلاثة تدور حول حب أبناء مصر المغتربين لها في الحل والترحال ،وقد عبر أبو بدر عن مشاعر أكثر من 100مليون حبهم الأول مصر ،وما أورع الشاعر سامي أبو بدر وهو يحدثنا عن السمراء وأميرة وسلمى وحق لقارئ شعرنا القدير أبو بدر أن يطلق عليه شاعر مصر شاعر الوطن شاعر البيان،شاعر المغتربين بلا منازع (بارك الله فيه ودام إبداعه )ليعزف لنا سيمفونياته الخالدة في حب مصر من أبنائها في الداخل والخارج ..
و يدور هذا المقال حول مصر في قصائد ديوان بوح الجداول للشاعر سامي أبو بدر، فالمقال عنوانه :"حب مصر في قصائد ديوان بوح الجداول للشاعر سامي أبو بدر(حب المغتربين لمصر أنموذجًا )" فكم كان أبو بدر رائعا وهو يستهل جميع قصائده بحب مصر ،وفيما يلي درر أبي بدر في ذلك :
حب مصر أبنا ء مصر المغتربين عنها يُذهب اللب :
يبين شاعر المغتربين الشاعر سامي أبو بدر أن حب مصر أبنا ء مصر المغتربين عنها يُذهب اللب حيث يقول في قصيدة "الحب " :

الحُبُّ ...
ما أدراكَ ما الحُبُّ
لَيلٌ ...
وقلبٌ عاشقٌ صَبُّ
دَمعٌ تَقاطَرَ منْ جَوَى مُقَلٍ
جِسْمٌ نَحِيلٌ هَدَّهُ الوَصَبُ
طَيفٌ ...
وذِكرَى دُونَها وَلَهٌ
لا البُعدُ يَشْفِيهِ ولا القُرْبُ
وذَهَابُ عَقلٍ ...
كُلَّما ذُكِرَتْ لَيْلَى
يَحَارُ لأمرهِ الطِّبُّ( )
مصر أَوَّلَ أَحْرُفِ أبي بدر فِي دَفتَرِ العِشقِ الْمُباحِ
فها هو أبو بدريبين لنا في مفتتح قصائد ديوان بوح الجداول يبين أن مصر أَوَّلَ أَحْرُفهِ فِي دَفتَرِ العِشقِ الْمُباحِ ،وكم يحن إليها حيث يقول في قصيدة القصيدة الأولى في الديوان :شُطْآنُ التَّمرُّد:
قَلبي يُنازعُهُ الحَنينُ إلَيْكْ
فامْنُنْ عليهِ بأَوْبَةٍ
تَشفِيهِ مِنْ مُرِّ البِعادِ
امْنَحْهُ بَعضًا مِنْ رِضا عَيْنَيْكْ
لا تَسْتَبحْ هَجْري طَويلاً
واصْفَحِ الصَّفحَ الجَميلَ
أَلَسْتَ أَوَّلَ أَحْرُفِي
فِي دَفتَرِ العِشقِ الْمُباحِ ،
ومَنْ تَغنَّى بِي علَى ...
عَزفِ العَنادِلِ ،
وازْدِهَاءِ اليَاسَمِينِ؟( )
مصر راحة الشاعر وأمنه وأمانه ودواؤه وشفاؤه :
ففي قصيدةاحتِواء يبين أبو بدر أن مصر هي سبب هدوء الروح ،وفي ظلها دواء الحشا ،وبها الربح من الخسارة ،فهي تحتويه وترعاه ،ففي حوار رائع يخاطب أبو بدر محبوبته الأولى ومحبوبتنا مصر الغالية فيقول موظفا تقنية البيان البلاغي في أحلى صوره :
طَوَيْتُ الأفُقَ مُنطَلِقًا
إلَيْكِ
لَعلَّ الرُّوحَ تَهدَأُ
فِي يَدَيْكِ
فأُطْفِئَ في الحَشَا
وَجَعًا تَلَظَّى
وأَبرَأَ مِن خَسَاراتِي ،
لَدَيْكِ
تَعِبْتُ
وأرهَقتْ قَلبي شُطُوطٌ
وما اسْتَأْنَسْتُ إلا ...
شَاطِئَيْكِ
وأنَهَكَتِ الخُطَا
مِليونُ آَهٍ
تَقُصُّ حِكايَتي لَيلًا
عَليْكِ
وما لِيَ غَيرُ جَفنِكِ
يَحتَوينِي
فتَرْعَانِي
رَحَائِمُ مُقْلَتَيْكِ
فكُونِي لِي كَما حُلْمٌ
تَرَاءَى
ومُدِّي في الْمَدَى لِي
رَاحَتَيْكِ( )
تذكر المغتربين لنهر مصر وجمالها :
عبر الشاعر سامي أبي بدر عن أحاسيس ومشاعر و تذكر المغتربين لنهر مصر وجمالها، ففي مصر راحتهم ،ونشوة روحهم حيث يقول في قصيدة بَوْحُ الجدَاول :
هُنا كانَ أوَّلُ ما بَيْنَنا
هُنا كانَ أولُ عَزفٍ لَنا
هُنا النَّهرُ
يَكتُبُ كلَّ الحَكايا
علَى ضَفَّتَيْهِ
ويَغزِلُ مِنها القَصَائدَ
يُرسِلُها فِي الْمَدَى
عَلَّها تَلتَقِي ... والدُّمُوعُ
التي ذَرَفَتْها الصَّبايَا
وأفْئِدةٌ بالجَوَى مُتْرَعَةْ
وكُنَّا هُنا نَستَبيحُ الجَمالَ
وتلكَ الظِّلالَ التي آنَسَتْنا
وبَوحُ الجَداوِلِ مَا أرْوَعَهْ
يُهَدهِدُ فِينا الجِراحَ
التي أَرهَقَتْنا
فنَغْدُو...
نُغَنِّي أهَازيجَنا الوَادِعَةْ
وكُنَّا نَخُطُّ حُروفَ الغَرامِ
علَى جِذعِ كَافُورَةٍ فارعَةْ
ونَلهُو ...
كَطِفلَينِ بينَ الْمُروجِ
ونَجرِي وراءَ الفَراشَاتِ
نَرقُصُ فوقَ النَّجِيلِ
وأَعْيُنُنا تَسْتَحِي
مِنْ بَراءَتِنا الرَّائِعةْ
ويَمضِي بِنا الْحُلْمُ
في مَوْكبِ العاشِقينَ
ولَمْ يأذِنِ النَّخلُ لِي
أنْ أُغامِرَ دُونَكِ
مَهما تَدَلَّى العَنانُ
إلَى كَفِّيَ الطَّامِعَةْ
فَدُونَكِ ...
كُلُّ مَواسِمِ قَلبِي خَريفٌ
وكُلُّ الليالِي سُهادٌ
وأَخْيِلَةٌ مُفْزِعَةْ
وكَيفَ لِمَنْ تَملِكينَ قَواربَهُ
أنْ يُصارِعَ...
مَوْجَ المُحِيطِ وحِيدًا
وأنتِ المَجادِيفُ والأشْرِعَةْ؟
فمُدِّي يَديْكِ
لِيَنْبُعَ مِنْ رَاحَتَيْكِ
فُراتُ ارْتِوَائِي
فتَشفَى السِّقامُ
ويَهدأُ رَوْعِيَ
لَمَّا يَجِنُّ الظَّلامُ
وتَعبَثُ بِي لَهْفةٌ مُوجِعَةْ
وإيَّاكِ أنْ تَسْتَحِلِّي التَّمَنُّعَ
يا نَشوَةَ الرُّوحِ بينَ الحَنايَا
فَأَبْغَضُ ذَنْبٍ إلَى القلْبِ صَدّْ
وبَيْنِي وبَينَكِ
مَهْما تَمادَيْتِ فِي البُعدِ .. وَعدْ
أُحِبُّكِ .. لا شَيْءَ بَعدْ
ونَفْسِي ِبرَغمِ الجَفَا
لَمْ تَزَلْ قَانِعَةْ( )
مشاعر النوى لدى المغتربين عن وطنهم الحبيب مصر :
عبر شاعر مصر شاعر الغربة الشاعر سامي أبو بدرعنمشاعر النوى لدى المغتربين عن وطنهم الحبيب مصر حيث يقول في قصيدة كِبرياءُ عاشِقٍ قَرَويٍّ:
لا تَحْسَبِي
دَمْعِي انْكِسَارَا
أَوْ أَنَّهُ سَالَ اعْتِذارَا
لِي أَلْفُ قَلْبٍ فِي الحَنَايَا
قَدْ أَحَبَّتْ أَلْفَ فَاتِنَةٍ
وكُنَّ علَى مَشَارفِها سُكَارَى
لا تَحسَبِي أَنِّي أَتَيْتُكِ
عَازفًا لَحْنَ التَّوَسُّلِ
فوقَ أوتَارِ الهَوَى
أنَا لا أزَالُ أُعَانِقُ الجَوْزَاءَ
في عَلْيَائِهِ
أتَوَسَّدُ الأفلاكَ
مِنْ فَلَكٍ إلَى فَلَكٍ
وتِلكَ نُجُومُها حَوْلِي حَيَارَى
سَأظَلُّ أَنْعَمُ بالنَّوَى
وأَقاوِمُ ...
الشَّوقَ الْمُرَاوِدَ لِلْفُؤَادِ
بِكِبرِياءِ العَاشِقِ القَرَوِيِّ
لا أَخْشَى انْهِيَارَا
لا تَسْألِينِي مَا أَصَابَكَ
إنَّها تَرْنِيمَةُ الوَلَدِ الشَّقِيِّ
إذا يُناجِيهِ البَرَاحُ
فيَرْحَلُ الهَدَجَانُ مِنْ أَنْفاسِهِ
ويَرُومُ فِي لَيْلِ الشِّتَاءِ
لِكُلِّ حَالِكَةٍ نَهارَا
وطَفِقْتُ أَمْحُو
مَا تَناثَرَ فوقَ أَرْصِفَةِ الْمَدَائِنِ
مِنْ فُصُولِ رِوايَتِي العَذْرَاءِ
أَجْمَعُ مَا تَبَعْثَرَ مِنْ شَتاتِي
بَينَ أَلْسِنَةِ العَذَارَى
والعُمْرُ كُلُّ العُمْرِ يَسْبِقُنِي
إلَى الفَصْلِ الأخِيرِ
مُرَاوِغًا طَرْفَيَّ
حِينَ تَوَجَسَتْ عَيْنايَ
خَوْفًا مِنْ خُطَاهُ
علَى شَفَا جُرحِي
لِيُسْدِلَ فَوقَ صَرْخَتِهِ سِتارَا
مَنْ قَالَ ...
يَجْزِمُ بِانْحِسَارِ النَّبْضِ
فِي أحشَائِنا
"مَا الحُبُّ إلا لِلحَبيبِ الأوَّلِ"؟..
الشِّعرُ احْتِمالٌ
لا يُجَاوزُ حُلْمَنا ...
وإِنِ اسْتَبَدَّ بِنا الحَنِينُ
أو اسْتَجَارَ بِرُكْنِهِ مِليُونُ قَيْسٍ
أوْقَدُوا لِلْعِشْقِ نَارَا( )
مصر الوطن والسكن لأبنائها المغتربين
يبين أبو بدر في قصيدة وحدك وطن أن مصر هي الوطن والسكن لأبنائها المغتربين حيث يقول :
ولِلَّهِ
فِي أَمرِنَا حِكمَةٌ بالغَةْ
كأنِّي وإِيَّاكِ
مُنذُ الْتَقَيْنا
نَدُورُ مَعَ الوَهْمِ
فِي حَلْقَةٍ مُفْرَغَةْ
ونَلمَحُ فِي الأُفْقِ
آهَاتِنا لا تَمَلُّ
مِنَ الانتصار عَلَينا
إلَى أنْ غَدَوْنا لهَا
جُرعَةً سَائِغَةْ
فلا تُشمِتِيها بأحزانِنا
فلْنُعانِدْ
وهَيَّا لِنَضْحَكَ
هَيَّا بنا نَسْتَلِذُّ الجِراحَ
وإنْ كانَ واقِعُنا ..
لا يُحِلُّ الضَّحِكْ
أنا مِثلُ طِفلٍ
يُعانِقُ فِيكِ
انتِشاءَ الصَّباحِ
فيَملَؤُنِي بالطُّموحِ
الذي يُشرِقُ الآنَ
مِنْ مَلْمَحِكْ
فوَحْدَكِ لِي ...
فِي اغْتِرابِي وَطَنْ
ووَحْدِي بِقلبِكَ
نايٌ
وعَزْفٌ
وبعضُ شَجَنْ
أُحِبُّكِ طَوْعًا وقَهْرًا
وإنْ تَكُ ...
كأسُ الهَوَى فَارِغَةْ( )
حنين كل مغترب لمحبوبتنا الأولى (مصر ):
لا أرى شاعرا معاصرا عبر عن أحاسيس ومشاعر أبناء مصر في غربتهم عن أمهم ومحبوبتهم الغالية (مصر ) مثلما دونته أنا شاعر مصر شاعر الغربة الشاعر سامي أبو بدر ،فله قصائد كثير تتحدث عن هذا الحنين ،وإن لم يكن إلا هذه الدرة قصيدة "ما وَراءَ الحُلْم" لكفى ،فأقرأ معي عزيزي القارئ هذه الدرة لتعرف كيف أنني ما بالغت فيما قلت ،بل الحق قلت فها هو أبو بدر يصف أحاسيس كل مغترب ،ويبين أن مصر هي الراحة النفسية والبدنية يقول أبو بدر في قصيدة "ما وَراءَ الحُلْم":
مَساءُ الحُزنِ يا سَلمَى
مَساءُ الدَّمعِ ...
في عَيْنَيْكِ يَقتُلُنِي
ويَنزِفُ مِن حَنايَايَا
أَمَانِيَّ الَّتي ذَهبَتْ سُدًى
في خَلْوَةِ السَّلوَى
بلا أُفُقٍ يُبَشِّرُني
بأنَّ الصُّبحَ مُطَّلِعٌ
علَى سِرِّي
يُراقِبُ مِن وَراءِ الْحُلْمِ ..
آهَاتِي
ويَكتُمُ غَيظَهُ كَمَدًا
علَى حَالِي
التي باءَتْ بخُسرَانٍ
وقدْ أَلِفَتْ خَسَارتَها
ولَمْ يَشفعْ لهَا
أَنِّي قَضَيْتُ العُمْرَ
أَعدُو مُثْقَلًا بالشَّوْقِ
نَحوَكِ .. مُرهَقَ الرِّئَتَيْنِ
أَمْشِي ...
حافِيَ القَدَمَيْنِ
مُضطَّربًا علَى شَوْكِ النَّوَى
لَمَّا تَمادَيْتِ ارتِحَالاً
واغتِرابًا عن شَواطِئَ
لمْ تَزَلْ
تَحكِي (حَوادِيتِ) البَراءَةِ
في طُفُولَتِنا
فيَدْمَى القَلبُ
والكَلِماتُ
تَقْطُرُ مِن مَواجِعِنا
حَنينًا
لِلحَكَايَا الضَّاحِكاتِ
الآنَ يا سَلمَى سَماؤُكِ
لمْ تَعُدْ تُصغِي لأحلامِي وآلامِي
ورُحتُ بِرَغمِ
ما أَخفَيتُ مِنْ جَزَعٍ
وما أَظهَرْتُ مِن جَلَدٍ
أَعَدُّ ثَوانِيَ السَّاعَاتِ
عَلَّ الليلَ
يَعبُرُ فِي هُدُوءٍ
فَوقَ أُغْنِيَتي السَّقِيمَةِ
دُونَما وَجَلٍ يُؤَرِّقُها
كأنَّ السُّهدَ
مَأمُورٌ بنَجْوَاهُ
لِيَبقَى فِي مَدَاري
لا تُغادِرُني سَدائِلُهُ
وأَذَّنَ في الْمَدَى صَوتٌ
لِيَنعَى ما نَظَمْتُ
مِنَ القَصِيدِ علَى جِدَارِ
صَبابَتي يومًا
ويُعلِنَ أنَّني الْمَخدُوعُ
في ظَنِّي
وكُنتُ أَظُنُّ ..
كُنتُ أَظُنُّ أنَّكِ لنْ تَعُودِي
مَرَّةً أُخرَى ..
وأَنِّي قدْ أَمُوتَ غَدًا
وهَا قدْ عُدتِ يا سَلمَى.( )
الشوق لمصر وفرحة السفر إليها :
فها هو أبو بدر يعبر عن اشتياقه لمصر ،ورغبته في الرجوع إليها شوقا وحبًا ،ففي العودة لها السعادة والفرحة ،وحول هذه المعاني يقول أبو بدر في قصيدة توبة :
أُسافِرُ نَحوَكِ
أَعبرُ كُلَّ المَسَاءَاتِ
لا أَنحَنِي لانكِسَارِي
ولا يَحتَوينِي مَداكِ
فَأنْسجُ ...
منْ شَاطِئَيْكِ القَصِيدَةْ
وأَلْمَحُ في نَاظِرَيْكِ
اعتِلالِي
يُراوِدُ فِيكِ اشتِياقًا
لِأَنْ أَكتُبَ اليومَ قَافِيَةً
مِن حُرُوفِي الشَّريدَةْ
لَعَلِّي أُلَمْلِمُ فِيهَا شَتَاتِي
وأَبعَثُ فِيَّ حَيَاةً جَدِيدَةْ
لأبْرَأَ مِمَّا اجْتَرَحتُ
مِنَ الإثمِ
حِينًا من الدَّهرِ ...
إنِّي أَتُوقُ إلَى تَوبةٍ لا تُرَدُّ
علَى بابِ تِلكَ السَّماءِ
الَّتي أدبَرَتْ
عنْ دُموعِي طَويلًا
ولَمْ تَستَجبْ للدُّعاءِ
وأَعجَزُ حِينَ أُرَوِّضُهَا ...
لا تَزالُ ...
أمامَ قَرابينِ وَصْلِي عَنِيدَةْ
ولكنَّني
لنْ أَمَلَّ الوُقُوفَ بأَعتَابها
عَلَّنِي أَستَوِي
فَوقَ عَرشِ انتِصَارِي
علَى صَدِّها
والْمُنَى تَرقُصُ اليومَ
فِي عُرسِ قلبي
تُغازلُ فِيهِ وَرِيدَهْ( )
حنين كل مغترب لوطنه مصر :
يؤكد الشاعر القدير على ما ذكره في قصيدة توبة ،والتي قد تمت الإشارة إليه في المحور السابق الشوق لمصر وفرحة السفر إليها ،فها هنا في قصيدة " أَشرِعَةُ التَّنائِي" يبين أبو بدر حنين كل مغترب لوطنه مصر فيقول :
وقلبي تَعجزُ الكَلِماتُ ...
عنْ إِخمادِ أحزانِهْ
فكُلُّ دُروبِهِ ثَكلَى
وتَنزِفُ فوقَ أشْجانِهْ
وتَعبَثُ بي عَواصِفُ منْ
قَوافِيهِ وأوزانِهْ
وباتَ الدَّمعُ لا يُجدِي
علَى أعتابِ شَرْيانِهْ
وأَشْرِعُةُ التَّنَائِي
تَسْـتَفِزُّ هُدُوءَ بُركانِهْ
أَذُوبُ على جِمارِ الشَّوْقِ ...
مُحتَرقًا بِنِيرانِهْ
وإنِّي والحَنِينَ إلَيـْـكِ
مُختَلِفانِ في شَانِهْ
لأنِّي في هَواكِ فَتًى
تَمَحوَرَ حَولَ إنْسَانِهْ
ويَأْبَى أنْ يُنازِعَهُ
هَوًى من نَزغِ شَيطانِهِ
ولَوْلا أَنَّني جَدُّ الْغرامِ ...
أَعِفُّ عَنْ رَانِهْ؛
لَخَاصَمَنِي فُؤادِي أَوْ
لأَهْدَرَ بَعضَ إِيمانِهْ
فأحيَا بعدَها والنَّفـْـسُ ..
تَرْقُبُ بَدءَ طُوفانِهْ
لَعلِّي حينَ يَبلُغُنِي
أَفُوزُ بفَيضِ إِحسَانِهْ
وأَنْعَمُ بالهَلاكِ وَلا
أَهابُ جَحيمَ شُطآنِهْ( )
مصر هي أغنية المغتربين المطربة
يبين أبو بدر في قصيدة سَفَر مشاعر المصريين في الغربة مبينا أن مصر هي أغنية المغتربين المطربة حيث يقول :
وكيفَ يَضيقُ الْمَدَى باغتِرَابي
وكُنتُ أُغَرِّدُ:
مَا أَرْحَبَهْ؟!
أَمَا آنَ لِلقلبِ أنْ يَستريحَ
وأنْ يَعزفَ الشِّعرَ
لا يَكتُبَهْ؟
يَجفُّ المِدادُ
وكُلُّ القصَائِدِ صَرْعَى
على الأرْفُفِ الْمُتْعَبَةْ
ولَيلٌ تَمادَى
يُسَطِّرُ للصُّبحِ
ألْفًا منَ الأسْطُرِ الْمُرعِبَةْ
ولمْ تَهنأِ الرُّوحُ
حِينَ أفَاقَتْ
علَى صَرْخةِ الأضْلُعِ
الغَاضِبَةْ
أمُوتُ ..
لأشْهدَ أنَّ الدُّمُوعَ
الَّتي ودَّعَتْنِي هُنا
كاذِبَةْ
وأشهدَ أنَّ المَواثِيقَ
تَمضِي ..
إلى غَيرِ غايَاتِها الطَّيِّبَةْ
فأذْكُرُ أنِّيَ
ذاتَ انْتِشاءٍ
جَعلتُكِ أُغْنِيَتِي الْمُطرِبَةْ
نَسَجْتُ القَوافَيَ
عِقدًا فَريدًا
علَى صَدرِ فاتِنَتِي الراغِبَةْ
وسَافرْتُ فِيها
ثَلاثِينَ حُلْمًا
لأنهَلَ مِنْ حَوضِها أَعْذَبَهْ
يُعاجِلُنِي كُلَّ وِرْدٍ
سُؤالٌ ...
ولمْ أَلْقَ يَومًا لَهُ أَجْوِبَةْ
إلامَ تُرَاودُني
مِن بَعيدٍ ...
ونَبضُكَ يَخفَقُ مِنْ مَقرَبَةْ؟
فلا البُعدُ يُنسِي
ولا القُربُ يَشفِي
ومَا بينَ ذاكَ وذَا مِن شَبَهْ
فَأدْرَكْتُ
أنَّ النِّهايةَ لاحَتْ
وأيْقنتُ أنَّ الْمُنَى خَائِبةْ( )
تذكر جمال مصر يخفف آلام الغربة عن أبنائها المغتربين :
يبين الشاعر سامي أبو بدر أن تذكر جمال مصر يخفف آلام الغربة عن أبنائها المغتربين؛ حيث يقول في يقول في قصيدة أَحيانًا:
كأنَّ الصُّبحَ مُختالٌ علَى خَدِّكْ
وأغصانَ الرُّبا تَنسابُ
مِن قَدِّكْ
ومَا لِبهائِكِ الأخَّاذِ مِن جَدوَى
إذا لمْ يَكْتَسِ التَّزيينُ
مِن رُشدِكْ
عَهِدتُّكِ لا تَهابينَ الهَوَى أبَدًا
ويَعجزُ حَاجبُ العُشَّاقِ
عَن رَدِّكْ
وكُنتِ إذَا دَعاكِ الشَّوقُ
أحيانًا .. إليَّ
يَئِنُّ ذَاكَ الشَّوقُ مِن وَجدِكْ
فتَشفِينَ الفُؤادَ الصَّبَّ
مِن وَلَهٍ
ويُسْكِرُ رُوحِيَ الخَجْلَى
شَذَا وَرْدِكْ
كَفَانا مَا اقْتَرَفْنا مِن خَطَايَانَا
فإنَّ ذُنوبَنا تَزْدَادُ
في بُعدِكْ
وليسَ لِحُلْمِيَ الْمَهزومِ
في قَلِبي
سِواكِ لِتُطفِئِي -رِفقًا-
جَوَى صَدِّكْ( )
مصر هي الآنسة لدى أبنائها المغتربين
في الدرة التي تدون بماء من ذهب قصيدة (بقايا رؤى )يصف أبو بدر مشاعر كل مغترب مصري نحو وطنه مصر فيبين أن مصر هي الآنسة لدى أبنائها المغتربين حيث يقول :
ومَهما قَسَوْتِ
سَأبقَى أُحِبُّكْ .
لأنَّكِ ..
أنتِ اختِصارُ الدُّروبِ
الَّتي نازَعَتْني كَيانِي
وقِبْلةَ قلبِ الفَتَى
حِينَ يَدفَعُهُ الشَّوقُ
طَوْعًا وكَرهًا
وقُبْلَةَ أنفاسِهِ البائِسَةْ.
فلا تَعبَثِي ...
بانْهِزامِي أمَامَكِ
إنِّي –ورَبِّي– أُحِبُّكْ
لأنَّ الْمَساءَ يَمُرُّ بِبابكِ
والطَّيرُ
تُنشِدُ أُهْزُوجَةَ الرَّوْحِ
عندَ الْتِقاءِ الْمَدَى بالشَّفَقْ
سَيَرحلُ مِن خاطِرَيْنا الأرَقْ
ونَعزِفُ لَحنَ الأمانِي الَّتي
آَنَسَتْنا طَويلًا
علَى وَتَرٍ مِن بَقايَا الرُّؤَى
واختِيالِ الأصِيلِ
لِنُنهِيَ سَطْوَةَ ...
هذا النهارِ الكَئِيبِ
وتَبتَسِمَ الأوْجُهُ العابِسَةْ
أنا لَنْ أَمَلَّ انبهارَكِ
في لَحظةِ الانتصار
ولن أسْتَظلَّ بغيرِ جَناحِكِ
فَوقَ وَمِيضِ التَّدانِي
وإِنْ صَالَنِي مِنكِ نَارْ
فيَكْفِيني
أنِّي اكْتَوَيْتُ بِنارِكْ
وأنَّكِ في غُربَتِي آَنِسَةْ( )
الهم في الغربة خطبان ،وبتذكر مصر تزول الهموم
يبين شاعر المغتربين الشاعر سامي أبو بدر أن الهم في الغربة خطبان ،وأنه بتذكر مصر تزول الهموم حيث يقول في قصيدة إِنسَان:
هلْ كانَ ذَنبِيَ أَنْ أَحْيَا كَإنْسانِ؟
أو أَنْ أعِيشَ ..
بقَلبٍ عَفَّ عَنْ رَانِ؟!
فمَا بَكانِي إِذَا عَانَيْتُ ..
مِنْ أَحَدٍ
ولَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إلا وَأبْكانِي
يا لَيلُ بَلِّغْ عِتابِي
لِلأُولَى رَقَصُوا
عَلَى جِراحِيَ ..
مِنْ قَاصٍ ومِنْ دَانِ
يا لَيتَ لِي بَعضَ حَظٍّ
مِنْ قَساوَتِهِمْ
فلا تُنازعُنِي
في اللَّيلِ أَحزانِي
كمْ فِي فؤَاديَ من هَمٌّ يُؤَرِّقُنِي
والهَمُّ في غُربَتي ..
خَطْبانِ فِي آَنِ
بَسَطْتُ بالوَرْدِ كَفِّي
كَيْ أُصَافِحَهُ
لَعَلَّ عِشقِي
يَكونُ اليومَ قُرْبانِي
لَكِنَّهُ مُعْرِضًا يَمْضِي عَلَى عَجَلٍ
يُعانِقُ الْمَوْتَ
جُودًا مِنْ يَدِ الجَانِي
فَأَضْرِبُ الأرضَ طَيًّا
فِي مَفاوِزِهَا
وأَكْتُمُ القَهْرَ
فِي أَعمَاقِ وِجْدانِي
رَحَلْتُ .. والآَهُ زَادِي ..
والْمُطِيُّ أَسًى ..
والنَّومُ يَذْكُرُنِي حِينًا .. ويَنْسانِي
فالْقُرْبُ مِنهُ شَقاءٌ
لا شِفاءَ لَهُ
والبُعدُ ..
زَلْزَلَةٌ غَارَتْ بَأَرْكَانِي( )
ويتكلم عن صبر المغتربين عن وطنهم مصر فبالعودة إلى مصر سيضئ ضياء الفجر فوق رباها حيث يقول في قصيدة شَتات:
مَنْ ذَا الذِي يا مُهْجَتِي أَبكاكِ،
وَغَدَا يُؤَرِّقُ
بِالجِرَاحِ ثَرَاكِ ؟
ومَضَى يُشَتِّتُ شَمْلَنَا ،
فَأَحَالَنَا
مَا بَيْنَ مَنْ أَلِفَ الشَّتَاتَ وبَاكِ ؟
لِلَّهِ دَرُّكِ ..
كَمْ صَبَرْتِ عَلَى الأَذَى
وَلَكَمْ صَفَحْتِ عَنِ الذِي آذَاكِ
سَيزُولُ لَيْلُ العَابِثِينَ
بِحُلْمِنَا
وتَقَـرُّ مِنْ فَيْضِ الرِّضَا عَيْنَاكِ
وغَدًا ...
سَيُشْرِقُ مِنْ جَدِيدٍ فَجْرُنَا
وَيُضِيءُ وَجْهُ الصُّبْحِ
فَوْقَ رُبَاكِ( )


المراجع :
سامي أبو بدر :ديوان بوح الجداول.. دائرة الثقافة/ الشارقة- الإمارات ،2021م



(1)سامي أبو بدر :ديوان بوح الجداول.. دائرة الثقافة/ الشارقة- الإمارات ،2021م،قصيدة الحب ، ص 58-59

(2)سامي أبو بدر :ديوان بوح الجداول.. دائرة الثقافة/ الشارقة- الإمارات ،2021م،ص3

(3)نفسه ،قصيدة احتواء ،ص 5-6

(4)نفسه ،" قصيدة بَوْحُ الجدَاول "،ص33-36

(5)نفسه ،قصيدة "كبرياء عاشق قروي ،ص 37-40

(6)نفسه ،قصيدة "وحدك وطن ، ص 41-43

(7)نفسه ،قصيدة "ما وَراءَ الحُلْم":،ص 13-15

(8)نفسه ،قصيدة "توبة":،ص 18-19-20

(9)نفسه ،" أَشرِعَةُ التَّنائِي"،ص 26-27-28

(10)نفسه ،" أَشرِعَةُ التَّنائِي"،ص29-32

(11)نفسه ،" أَحيانا"، ص 48-49

(12)نفسه ،" أَحيانا"، ص قصيدة (بقايا رؤى )،ص 50-51-52

(13)نفسه ،" أَحيانا"، ص قصيدة (شتات )،ص 56-57

(14)نفسه ،" أَحيانا"، ص قصيدة (إنسان )،ص 53-54-55

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى