محمد السلاموني - الرواية الصوفية المعاصرة: السرد الصوفى:

// السرد الصوفى:

يتمحور السرد الصوفى حول السؤال عن الذات.
سؤال "الذات" هذا، الذات؛ تلك المجهولة، لمعرفتها، يعمل داخل العلاقة بين "المعرفة والفضيلة"، كما انتهت إليها الفلسفة القديمة، حين كان الفيلسوف هو "مُحِب الحِكمة"، تبعا لاستبدالات أخرى، يستثمر بها الصوفى "الفلسفة" كأرجوحة عقلية يقارب بها "الدينى"، ليحيا فى "الفنتازيا".
فى الصوفية، "الفضيلة" التى وسمت بها الفلسفة "المعرفة"، تسمو على الأخلاق، بارتقاء الدَّرَج الطويل... المُفضى لإفناء الجسد، بمحوه، أو بتحويله إلى ذكرى متعلقة بالماضى؛ الذى كان فيه "العارف بالله" مجرد إنسان...
إذن، "الفضيلة" من المنظور الصوفى، ترتبط بوضعية "ما بعد الجسد"؛ الجسد كمكمن للشرور؛ الجسد كـ "نقيصة" مناظرة للجهل المناقض للمعرفة...
هذا والدَّرج الطويل الذى هو رحلة أخرى إلى "مدن العشق السَّبعة"- وفقا لـ "فريد الدين العطار"، هو مراحل "الحب" السَّبعة التى على الصوفى أن يقطعها كى يعرف ذاته- ويتماهى فى الإله.
هكذا، ترتكز "الخطيئة" فى الفكر الصوفى على "الجسد"، فهو منبع الشعور بالجهل، والجهل ذنب- لذا، فالشخصيات الصوفية تسعى طوال السرد للخلاص، للتطهُّر، من أجسادها؛ من بشَرِيَّتها، وتصير أرواحا هائمة، متحَصَّلة على المعرفة الكاملة، بالتماهى فى الذات الإلهية.
ما سبق يعنى أن الأنا الصوفية الساعية إلى معرفة الله، بما هى معرفة الذات، محاولة لمعرفة الأنا من خلال "الله - كآخر".
الفنتازيا الصوفية:
حين يقفز الصوفى فوق بشَرِيَّته، ويتحول إلى "روح خالصة"، يقفز أيضا فوق جميع الإشتراطات المؤطرة للكائن البَشَرى، كالخضوع للزمان والمكان، والصورة الجسدية الإنسانية والمتطلبات المتعلقة بها... إلخ. أى أننا نصير إذاء "الخارق للطبيعة".
أى أنه يتحول إلى روح نورانية، مستنيرة بالمعرفة، ومنيرة بذاتها...
من الناحية الروائية، الشخصية الصوفية تبدو متناسلة من "الجِنّ"- أى أنه تحوَّل من "إنس" إلى "جن"... / و"الجن" كائن من الكائنات الوسيطة بين البشر والعوالم الأخرى؛ كالملائكة والأولياء وما شابه.
من هنا تتأتى الغرائبية والعجائبية والسِّحرى والفنتازيا فى الأساطير والمرويات الشعبية والأدب...
// السؤال الذى يشغلنى هنا هو: لماذا هذا النوع من الأدب الآن؟.
دائما ما كنت أعد الأدب المتجاوز للطبيعى والواقعى هو "الأدب الحق"، لأنه يحاول مماهاة الأدب بالخيال، ويعتمد لغة الرموز فى سبرها لعوالم أخرى تقيم فى صميم وجودنا دون أن تقوى العلوم على مقاربتها؛ أعنى أن هذا النوع من الأدب هو الذى يقترب بالأدب من نفسه أكثر، ويصنع خصوصيته النوعية، ويضعنا بقوة فى قلب الكون.
وبذا يصير الخرافى جزءا من معرفتنا الكلية، لا سيما أن المعرفة- تاريخيا- تتجذَّر فى تربة الخرافة.
الرواية الصوفية، تحديدا- تنتمى للأدب "الربوبى"- أو هكذا أسمِّيه- وتتجاوز الدعوة للدين إلى محاولة الدعوة لمعرفة الله، هو نفسه، بالعودة للسؤال عن "الذات: إعرف نفسك"؛ الذات المتخلِّصة من نرجسيتها وتعاليها وشرورها، فى عالم هو جحيم يحرقنا...
الفكرة هنا تتلخص فى العودة إلى "الفرد" بماهو الحل؛ عسى أن يلعب دورا فى إعادة صياغة الوجود...
وبتعبير آخر، الرواية الصوفية ليست دعوة للعودة إلى الدين أو ما شابه، الرواية الصوفية محاولة لإعادة الإنسان إلى الله بما هو منظومة القيم المتمحورة حول "الحب والحرية والسلام... إلخ"، وإعادة الأنا إلى الآخر، فى سموهما على نفسيهما، وعلى صراعاتهما الوحشية المفسِدة للوجود.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى