محمد السلاموني - الثرثرة الروائية

فى معاجم اللغة، [ثَرْثَرَةٌ : كَثْرَةُ الكَلاَمِ فِي مُبالَغَةٍ مِنْ دُونِ جَدْوَى. / ثرثر في كلامِه : أكثر منه في تخليط وترديد بسرعة، وبلا فائدة. / الثَّرْثار : الذي يكثر الكلامَ في تكلُّفٍ وخروج عن الحدّ.]
وهو ما يعنى أن "قلة الكلام أو ما قَلَّ ودَلَّ، والجدوى، ومراعاة عدم المبالغة والتَّكلف..." نقيض الثرثرة.
هذا و[ما قل ودل، تعنى : أفضل القول ما يعبّر عن معنى كثير بوجيز الألفاظ.. / والإيجاز :
الإقْتِضَابٍ، الإخْتِصَارٍ، أَيْ عَدَمُ الإطَالَةِ.]، من هنا كانت [البلاغة : حسن البيان وقوة التأَثير.] .
من هنا كانت الثرثرة- من وجهة نظر المتلقى، هى شعوره بوجود شئ ما زائد عن حاجة القول؛ فائض عن حدود الموضوع؛ لا يضيف، فتنعدم فائدته...
فى السرد الروائى كثيرا ما يرتطم المتلقى بتلك الثرثرة بـ "أشكالها العديدة"- إذ يشعر بوجود إعاقة ما عن متابعة السرد...
وبادئ ذى بدء، علينا أن نقَرِّق بين الإعاقة الناتجة عن أخطاء المؤلف، والإعاقة الناتجة عن ارتباك المتلقى جَرَّاء خروج المؤلف عن النموذج الجمالى السائد؛ الذى اعتاد عليه.
كثيرا ما يخطئ المؤلف، لا سيما حين يصر على عدم الإصغاء لما يحتِّمه التطور الدرامى للشخصيات، وينحرف بالحدث إلى ما يريده هو ...
نعم، القانون الأرسطى المتعلق بـ "الضرورة والإحتمال" يستحضر ما تواضع عليه المجتمع ثقافيا، أى "النظام الثقافى السائد"، باعتباره المرجعية المعتمدة فى تعريف الظواهر وفيما يمكن أن تؤول إليه؛ لذا يغترض هذا القانون أن "لكل شئ سبب، وأن لكل فعل رد فعل"... هكذا، وتلك هى ما يطلق عليه علماء الإجتماع المعاصرون إصطلاح "أنماط التمثيل" التى تتمقصل إليها الأيديولوجيا السائدة فى المجتمع . وفى الحقيقة، غالبا ما يتعذَّر على المتلقى العادى الإمساك بالمعنى الذى يتضمَّنه النص الخارج على النظام الثقافى السائد.
ومع ذلك، فأحيانا ما يكون التطور الإبداعى الروائى "وغيره" ناتجا عن استثمار الروائى لما يعده النموذج السردى التقليدى "خطأً"؛ فبينما يعمل الروائى على ما استبعَده ذلك النموذج، تحطيما للنظام الجمالى ومن ثم للمواقع الجمالية التى توَزَّعت عليه العناصر الروائية؛ بما هما "أى النظام الجمالى والمواقع" مرتبطان بأنماط التمثيل الخاصة بالنظام الثقافى السائد، ينزعج المتلقى، باعتباره الحارس الحقيقى للنظام الثقافى والنموذج الجمالى السائدين .
// يبدو أن ما نعده "ثرثرة روائية"، حكم قيمة إشكالى...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى