أحست بجسم غريب أملس يلتصق بها، وعند بزوغ أول خيوط الصبح فتحت عينيها أذهلها ما رأت. كان ثديها المكتنز كرمانة كبيرة يتدلى من الحمّالة، وثعبان كبير يمتص حلمتها. تصَلَّبت شرايينها وتجمدت واقشعر بدنها وتشوك كل زغب فيه، أغمضت عينيها ثم فتحتهما . نظر الثعبان إليها وترك الحلمة في استحياء ودخل ثقبا في سقف الغرفة. ضمت رضيعها إلى صدرها وفتشت كل جسمه الصغير على ضوء شمعة ؛ عسى الثعبان قد لدغه في غفلة منها. في الصباح أخبرت زوجها بما جرى طلب منها الكتمان والتَّستر على الأمر. صار كل ليلة ينزل الثعبان ويُقاسم الصَّغير مبارك ثدي أمِّه ، كبرا معا وصار يهتم بالصَّغير في غياب أمّه ، يُلاعبه ويُدغدغه ويّهَدهده حتّى ينام ، وإذا أحس بقدوم أحد اختبأ. مرت الأيام والشهور وعمّ الرّخاء البيت وانتقل بوعزة والد مبارك من خمَّاسٍ في المزارع إلى ملاَّك لضيعة فلاحية كبيرة. وانتقل وأهله للعيش في بيت كبير من طابقين تحف به الأشجار والورود، بدلا من كوخهم الصغير الذي يجاور زريبة البهائم. كان كلما كبر مبارك تغيّرت ملامح وجهه وصار نحيفا ضعيفا شاحبا ، فقد الحركة والنُّطق ، وصار تعتري جسمه تشققات ، أخذه والده إلى أكبر المصحات بالبلد. حار كل الأطباء في عِلَّته وطلبوا منه أن يدهن كل جسمه بالمراهم لتخفيف آلامهّ وأن يعزله عن باقي إخوته كي لا تنتقل إليهم العدوى. واظبت الأم على دهن جسمه المتقرِّح بالمراهم وبالأعشاب التي لم تجدي نفعا، وأصبح الولد كثلة عظمية مخيفة بعد فقدانه لأصابع أطرافه العلوية والسفلية، وسقوط كل شعره، واختفاء أذنيه اللتين صارتا عبارة عن ثقبين صغيرين. كان يُصْدر أنينا أقرب إلى الفحيح. صار مقرفا حبسوه في غرفة مغبرة منعزلة فوق السطح بُنيت لتكون مخزنا لكل ما لا تحتاجه الأسرة إلا نادرا أو موسميا. كانت تزوره أمه بين الفينة والأخرى تضع له كوب ماء وبعض الطعام المهروس لأنه فقد أسنانه إلا نابين بارزين كالإبر. بعد فقدان مبارك لأذنيه صار يسمع حتى سقوط الندى على أوراق الشجر بالخارج. وفي ليلة صيفية مقمرة أخذت الأم الطعام لذلك المخلوق الغريب فتحت الباب بحذر كانت دهشتها قوية، عندما وجدت ابنها قد تحول إلى ثعبان كبير أصفر ببقع بنية لامعة، يلتف على اللحاف ألقت ما بيديها وولت هاربة بعد إغلاق الباب. أخبروا كل الأهل والجيران أن مباركا سافر في رحلة طويلة خارج الوطن، إلا أن الأقدار جرفت السفينة التي كان يبحر على متنها فمات غرقا. حار الوالدان في أمر ابنهما ما سيطعمانه، قادتها أمومتها أن ترمي له في كل يوم قطعة لحم نيئة وبعض الخبز اليابس المبلل بالماء من النافذة. وبعد عودة ابنتها الكبرى مع أطفالها وزوجها الذي فقد عمله في المصنع بعد تسريح العمال، صارت الأم جد قلقة على أحفادها الثلاث بعد أن وسوست البنت لها. كان لا يسمح للأطفال الصّعود إلى السطح أو الاقتراب من غرفة الثعبان أو حتى ذكر اسمه. الى ان قررت زهرة الأخت الكبرى التّخلص من ذلك المخلوق المقرف، وذلك بالاتفاق مع زوجها على قتله. وذلك بملء قدر كبير من الماء المغلي وصبّه عليه من النافذة، وتزعم لوالديها بعد عودتهما أن شقيقها خرج من غرفته ودخل المطبخ وتدلى من فوق مزيل البخار فسقط في قدر الماء المغلي الذي كان فوق الموقد ،وتتظاهر بالبكاء والحزن عليه. لكن مبارك البائس الحزين والمتألم لما آل إليه حاله، سمع تحاورهما وأخذ يبكي في صمت قاتل. انتهزت زهرة غياب والديها ودخلت وزوجها يحملان قدرا كبيرا من الماء المغلي بعد أن تجردت من إنسانيتها وتنكرت لشقيقها الذي كان سبب النعمة التي هم فيها، لكنها صعقت عندما لم تجده في مكانه بل وجدت جلد ثعبان كبير، بحثت عنه في كل مكان في الغرفة وفي أرجاء البيت وخارجه خشية أن يلدغ أحد أبنائها أو يخيفهم شكله. فقد رحل مبارك الحزين الكئيب بعد أن جاء شقيقه في الرضاعة، وطلب منه مرافقته إلى عالمه الذي لا يعترف بالفوارق الاجتماعية ولا بالمظاهر، العالم الذي لا يقتل فيه الأخ أخاه.