د. علي خليفة - الطفل الذكي واسع الحيلة

جاء في كتاب «البيان والتبيين» للجاحظ أن ما يصدر عن الطفل من كلام وأفعال يدلان على سعة العقل في بعض القصص والمواقف - أمر يدعو للضحك؛ وسبب الضحك هنا هو صدور الشيء من غير المتوقع منه، وعلى هذا الأساس كان تفسير الجاحظ وبعض المعتزلة لضحك النبي سليمان عليه السلام من حديث النملة الذي يدل على العقل وبعد النظر لسائر النمل الذي أمامها.
والطفل الذكي واسع الحيلة شخصية محببة للأطفال في الأعمال الأدبية والفنية التي تقدم لهم؛ وهم يَرَوْن في هذه الشخصية مثالًا لما يرغبون في تحقيقه بأنفسهم، كما أنهم يعجبون بهذه الشخصية التي تنتصر رغم صغر حجمها على الكبار، وتتغلب على كل الصعاب.
وقد وَظَّفَ بعض كتاب المسرح المصري هذه الشخصية في بعض مسرحياتهم التي كتبوها للطفل، ومنهم عبد التواب يوسف في مسرحية «علي كوجيا»- التي استوحاها من قصة «تاجر بغداد» من كتاب «ألف ليلة وليلة» - ويعرض عبد التواب يوسف في هذه المسرحية قصة تاجر حلم بأنه حج لبيت الله الحرام، فعزم على أن يبيع ما لديه من أشياء يتاجر فيها، ويبيع دكانه، ويذهب لقضاء فريضة الحج، ووضع ذلك التاجر مبلغًا كبيرًا من المال في كيس، ووضع هذا الكيس في جرة، ووضع أعلاه في هذه الجرة زيتونًا.
وترك ذلك التاجر هذه الجرة عند صديق له، وحدث أن هذا الصديق فتح هذه الجرة، ورأى كيس النقود بها، فأخذه، ووضع زيتونًا مكان هذا الكيس بهذه الجرة.
وبعد أن عاد هذا التاجر من سفره، وأخذ جرته من عند ذلك الشخص اكتشف عدم وجود كيس نقوده بها، وشكا صاحبه للقاضي، وأنكر ذلك الشخص أمام ذلك القاضي أنه كان في هذه الجرة شيء آخر غير الزيتون، وحين لم ير هذا القاضي حجة مع ذلك التاجر برأ ذلك الشخص الذي ترك عنده ذلك التاجر جرته من التهمة التي اتهمه ذلك التاجر بها.
وانتشرت قصة ذلك التاجر وجرته التي تركها عند صديق له خلال سفره، ووصل العلم بها للخليفة هارون الرشيد، ورأى هارون الرشيد خلال تجوله في بغداد أطفالًا يلعبون ويمثلون خلال لعبهم تلك الحكاية عن التاجر وجرته وصاحبه الخائن، وقام طفل ذكي خلال تمثيل هؤلاء الأطفال لتلك الحكاية بدور القاضي، وقال للطفل الذي قام بدور صاحب التاجر الذي وضع التاجر عنده جرته: إن الزيتون الذي بهذه الجرة حديث؛ مما يدل على أنك فتحت هذه الجرة، وأخذت كيس الدنانير الذي بها، ووضعت مكانه زيتونًا حديثًا، ويقر الطفل المتقمص شخصية الصديق الخائن بجريمته في ذلك التمثيل من هؤلاء الأطفال، ويعجب الرشيد بذكاء ذلك الطفل، ويجعله يحكم في قضية ذلك التاجر وصاحبه الخائن، ويثبت الطفل بذكائه وسعة حيلته خيانة ذلك الصديق، ويأمر الرشيد بعقابه، ورد كيس الدنانير للتاجر، كما يأمر بمكافأة ذلك الطفل الذكي واسع الحيلة.
وقد عرض سمير عبد الباقي في مسرحيتين له طفلين شديدي الذكاء، ويتصفان أيضًا بسعة الحيلة، والمسرحية الأولى هي «الطحان وملك الغابة»، وفيها يتمكن طفل ذكي من حشر ذيل أسد مغرور - كان يظن نفسه أقوى المخلوقات على الأرض - بين فرع شجرة وجذعها، وكان هذا الحادث بداية تعرُّف ذلك الأسد على أن الإنسان أقوى منه بذكائه؛ بدليل نيل هذا الطفل الصغير منه.
والمسرحية الثانية التي عرض فيها سمير عبد الباقي طفلًا ذكيًّا واسع الحيلة هي «مملكة القرود»، وفي هذه المسرحية نرى الطفل
الذكي زعبلة يعيش مع بعض الحيوانات في غابة، ويكتشف فيها خداع
قرد - كان يُسَمَّى القرد الكبير - لباقي زملائه من القرود، فكان ذلك القرد يرسل كل يوم قردًا منهم للأسد، ويقول له: إنه يرسله ليعطيه الأسد ذيل ذلك القرد الذي انقطع منه، وكان في الحقيقة يرسله ليأكله الأسد حسب اتفاق بينه وبين ذلك القرد الكبير، وفي مقابل ذلك يترك الأسد ذلك القرد الكبير، ولا يؤذيه.
ويخبر الطفل زعبلة جماعة القرود بهذا الأمر، ويتأكد القرود بعد مرور بعض الأيام من صدق كلام الطفل زعبلة لهم، خاصة أنهم لم يروا أي قرد ذهب للأسد منهم يسأله عن ذيل القرد الكبير قد عاد لهم، ويشترك الطفل زعبلة مع باقي القرود في هذه الغابة في التخلص
من الأسد، فقد غافله وقام بتقييده بحبل، واشترك معه بعض القرود
في إحكام تقييد الأسد بذلك الحبل، كما أنه شاركهم في تقييد القرد الكبير بحبل لخيانته السابقة لهم.
وكان الطفل زعبلة قد قام في بداية هذه المسرحية بربط ذيل القرد الكبير بذيل الأسد، وعندما تحرك الأسد انقطع ذيل القرد الكبير، كما قام الطفل زعبلة بعمل بعض المواقف الطريفة في هذه المسرحية، وهي تدل على ذكائه، ولكن الطفل الذي سيشاهد هذه المسرحية لن يقتنع بوجود طفل مثل زعبلة يعيش بين الحيوانات في الغابة، ولم يقدم المؤلف أي تبرير لوجود الطفل زعبلة بين الحيوانات التي كان يعيش معها في تلك الغابة.
وقد عرض مجدي مرعي طفلتين تتميزان بالذكاء وسعة الحيلة في مسرحيتين من المسرحيات التي كتبها للطفل، والمسرحية الأولى هي مسرحية «مؤثرات صوتية»، وفيها نرى طفلة تشعر خلال غياب والديها عن البيت بلص يفتح نافذة حجرة نومها، ويدخل عليها، وتتظاهر في البداية بالنوم، ثم تقوم بتشغيل جهاز لديها يصدر أصواتًا معينة حسب توجيهها له، فتجعله يصدر صوت سارينة بوليس، فيشعر ذلك اللص بالخوف الشديد، ثم تجعل هذا الجهاز يصدر أصواتًا أخرى تثير مزيدًا من الخوف عند ذلك اللص.
وتتأكد هذه الطفلة من أن ذلك الشخص الذي جاء ليسرق بيتها هو ليس لصًّا محترفًا، وتتحدث معه، وتعرف منه أنه يعاني من البطالة، ولم يجد أمامه غير السرقة ليحصل على المال، ويكون من نتيجة حوار ذلك اللص مع هذه الطفلة في ذلك الموقف أنه اقتنع أنه غير مؤهل لهذا العمل، خاصة أنه يشعر بتأنيب ضميره لما يقوم به.
ويترك هذا اللص كل الأشياء التي سرقها من بيت هذه الطفلة التي انتصرت عليه بذكائها وسعة حيلتها وإيقاظها لضميره.
والمسرحية الثانية التي عرض فيها مجدي مرعي طفلة ذكية وواسعة الحيلة هي مسرحية «سمع هس»، وفيها تفاجأ طفلة بوجودها على خشبة مسرح أمام جمهور، وترتجل أمامه كلامًا يعبر عن مواقف من حياتها، وتفلح في جذب ذلك الجمهور إليها من خلال تمثيلها لتلك المواقف المرتجلة من حياتها.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى