مجدي جعفر - قراءة في رواية ( عرق الجدران ) للدكتور كارم عزيز بقلم / مجدي جعفر

قراءة في رواية ( عرق الجدران ) للدكتور كارم عزيز

بقلم / مجدي جعفر



( 1 )

استطاع كارم عزيز أن يجد لنفسه موطئ قدم بين الشعراء الكبار من أبناء جيله ( جيل السبعينيات تقريبا )، وعرفته الحياة الثقافية والأدبية شاعرا مجيدا وباحثا وناقدا مقتدرا، وأستاذا أكاديميا في الأدب العبري، ويتجه إلى السرد، ويفاجأنا بروايتين بديعتين، ماتعتين.

في روايتيه ( العوجة ) و ( عرق الجدران )، المتصلتان، المنفصلتان، يتخذ لنفسه، أسلوبا متقدما في الكتابة، متجاوزا الرواية التقليدية، بخصائصها وتقنياتها المعروفة، ففي روايتيه نتبين في عجالة :

- اتكأعلى السيرة : فتكاد أن تكون سيرة إنسان ( جابر العزايزي ) وسيرة جيل ( جيل السبعينيات من القرن الماضي )، وسيرة الوطن، ومعها أيضا سيرة ومسيرة الرواية، فيكتب الرواية الجديدة ومن خصائص روايته :

1 - التماهى مع الأساطير القديمة : الفرعونية، والإغريقية، والفارسية، والعبرية، والبابلية، والسومرية .. وغيرها.

2 – استدعاء واسترفاد التراث والأغاني، والرقصات، والفلكور الشعبي، والحكم والأمثال الشعبية وقصائد الشعر، والموسيقى، والرسم.

3 – جماليات تنسيق الصفحات، حيث الفراغات التي يتركها في بعض الصفحات، وطريقة الكتابة نفسها، والتي تأخذ الشكل الرأسي أحيانا، وكأنه يكتب السيناريو، أو يقوم بعرض فيلم سينمائي، وأحيانا تأتي كتابة الجمل والكلمات على شكل المنشور، وتعليقاته في الهوامش على مثل شعبي، أو حكمة أو كلمة.

4 – الخبرات البصرية المتراكمة، وخاصة السينمائية، وتوظيفها ببراعة، والاستفادة من تقنيات : الإخراج والمونتاج والتصوير، وحركة الكاميرا التي لا تتوقف ومهارته في التقاط المشهد.

5 – كتابة كلمات متقطعة، وحروف مبعثرة، ومحاولة القارئ تجميعها، وتشكيل منها كلمات ذات معنى، أو يستشف منها مغزى أو دلالة.

6 – التعاويذ السحرية التي يستخدمها، واللغة الغامضة ذات الشفرات والتي تكشف الكثير والكثير من الخبايا والأسرار، وهذه التعاويذ قد تكون قصيدة شعر غامضة أو قسم صاغه بعبقرية ويأتي هذا القسم مزيجا من كلام السحرة والعرافين ورجال الدين الشعبيين، ليس الدين الخالص، ولكن الدين الذي اختلط بمعتقدات وأعراف وعادات وتقاليد وخرافات وأساطير، وهي صياغة عبقرية ومدهشة :

" بحق ما بيني وبينكن من مطمورات ودفائن وذخائر مما أعرف وأذكر ومما لا أعرف ولا أذكر ..

وبحق ما شهدتن عليه عيانا بيانا – أسرارا ومعلنات – وكتمتنه دهرا فأوفيتن عهد من بنى ومن سكن، من بقى ومن رحل، من صلح ومن بغى، ومن ائتمن ولم يخن ....

وقد يستحلفهن بالعوجة نفسها :

بحق ما همست لكن به العوجة وجنياتها وأشجارها ونسائمها، فكتمتن ولم تبحن ...

وبحق صرخات الموت والميلاد والحزن والفرح، ونفثات العشق والشوق والغضب المخبوءات بين ضلوعكن ..

بحق الشذرات التي انفصلت من أرواحها وانسالت في شراينكن ..

وبحق كل ما تعلمن ولا أعلم، أسألكن أن توسعن لي مقام صدق بينكن! "

ولن نعيد مقولة ( إدوارد الخراط ) : الكتابة عبر النوعية، أو مقولة ( تداخل الفنون )، فكارم عزيز يكتب الرواية الجديدة بوعي بصير، وبفنية واثبة، الرواية التي استفادت من الفنون الأخرى، وكارم عزيز واحد من الشعراء المجيدين، ولكنه اتجه كما قلنا قبلا إلى الرواية، شأنه شأن الكثيرين من الشعراء، الذين اتجهوا إلى الرواية، فاجادوا، وتألقوا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، صديقه الشاعر والروائي الكبير صلاح والي، والذي كان حاضرا بقوة في روايتي كارم عزيز، من خلال بعض الاقتباسات من أعماله.

والرواية الجديدة عموما، وروايتي كارم عزيز خصوصا، يتوجه فيها الكاتب إلى قارئ خاص، القارئ المثقف، الذي يُعمل عقله، ويُشعل خياله، وهو لا يتوجه بها إلى القارئ السلبي، الذي يقدم له الكاتب كل شيء، ولكنه يتوجه إلى القارئ الإيجابي، القادر على ملء الفراغات التي تركها الكاتب في النص، والقادر أيضا على مشاركة الكاتب كما يقول ( رولان بارت ) في إعادة إنتاج النص.

ولعل تعليقات الشاعر وهوامشه، والأساطير الكثيرة التي استدعاها في النص مع الأغاني والرقصات الشعبية والشعر والموسيقى، كل هذا يأخذ المتلقي إلى إعمال العقل في نص مواز، وربما إلى نصوص موازية.

( 2 )

المكان :

يحتفي الكاتب في روايته الأولى ( العوجة ) بالمكان، كفر الإشارة بالزقازيق، وهو أحد الأحياء الشعبية لمدينة الزقازيق.

في البدء كان النهر، والشاعر عاشقا للنهر ( بحر مويس كما يطلق عليه الأهالي ) الذي شق مدينة الزقازيق إلى نصفين، ويكاد يأسطر النهر، فانفصل عن أبيه ( نهر النيل )، طوعا وحبا، ليجري في عروق الأرض العجفاء، فتنبض بالحياة، جاء هذا النهر / البحر :

" فتيا يحمل بين جنبيه ذكريات المنابع الاستوائية ورائحة السودان ولون الشلال الأول "

لما كان النهر كانت المدينة، والحقول والنخلات والأشجار، ولما كان النهر كان الرقص، والعشق والغواية، وكانت ( العوجة ) نهر صغير ( ترعة )، خرج من هذا النهر الفتي، ومن العوجة كانت أيضا ( أم عدس ) والتي لم تكن أبدا في جمال أمها ( العوجة ).

ويضفي الكاتب على المكان في روايته الأولى الكثير من السحر والعجائبية، وفيها بدايات كل شيء، بداية البشر وتكوين العائلات، والبيوت والشوارع والأزقة والمقاهي والمحلات والوكايل، والصراعات، والحكايات، والحكايات عند كارم عزيز لا تنفد، حكايات منفصلة وحكايات متصلة، ونجد عنده الحكاية داخل الحكاية، ونجد أيضا حكايات تتناسل من بعضها وتصنع عالما مدهشا مستمرا استمرار الحياة واستمرار النهر واستمرار البشر.

وسنقتصر في مقاربتنا على روايته الثانية ( عرق الجدران )، وأعتقد أنها الحلقة الثانية من مشروع روائي طموح، يسعى كاتبنا لإنجازة، ليكون إضافة حقيقية لحقل السرد العربي.

( 3 )

يتكأ الكاتب في استهلال روايته ( عرق الجدران ) على ذراع الذكريات، وبطل النص ( جابر العزايزي ) الذي أحسّ بأن منحنى العمر قد بلغ مداه، وأنه ولج إلى الفضاء الأخير، راح يستدعي وجوها وملامح، وأماكن وتواريخ، ومقاه وأضرحة، و .. و ..، ويعيد التأمل والتدبر، وينظر إليها من كل الزوايا، ويقلبها على جميع الجوانب، منها ما ترك ندوبا عميقة في القلب، وجراحا لا تندمل في النفس، لم تزل تؤرقه، وتنغص عيشه، ومنها ماترك ابتسامة على شفاهه وأشاع في داخله البهجة.

ولأن للذاكرة حضورها، فتراوحت بين ذاكرتين، الذاكرة المؤقتة، والذاكرة الارتدادية.

فالذاكرة المؤقتة :

" ربما تشبه :

طغوة الحضور القديم،

أو : دُفيقات وحشة

( عند الغيابات القصيرة )،

أو : ما تيسر من أرق المحبين الأوائل "

أما الذاكرة الإرتدادية :

" تعصر ثدي التواريخ

وتمنحني بعض أخيلة شاحبة

لفرحات عبيطة

وغضبات طرية،

علها تؤنس

في وحشة الفضاء الأخير "

في تكثيف شديد، ولغة مجازية شديدة الثراء، يفتتح الكاتب نصه، وبرمزية يغلفها بعض الغموض، وبهذا الرمز المروغ، يستهل النص، ليأخذ القارئ إلى عوالم مدهشة، غرائبية وعجائبية، عبر مسارات عديدة.

والكاتب في الفصول الأولى، يومئ ولا يصرح، يهمس ولا يصرخ، فانظر إليه وهو يشير إلى التحولات التي حدثت :

" لن أقول ما هذا؟! فهنا مقاه ومحلات جديدة بأضواء اصطناعية وناس جُدد "

" – على الناحية المواجهة من الشارع – فضاءات متراصة تتهيأ للخوازيق الوشيكة، باكية على ثيابها القديمة التي مزقها ( البلدوزرات ) القاسية "

وهذه التحولات : السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستأتي تفصيلا في الرواية، في الفصول التالية، وسيناقشها عبر ثلاثة حقب، الحقبة الناصرية، والحقبة الساداتية، والحقبة المباركية، وسيتوقف الكاتب طويلا عند الحقبة الأولى، وهي الحقبة التي تشكل فيها وعيه، وقد عاشها بكل جوارحه، وكان فاعلا ومشاركا فيها بحب وحماس، وما تلا الحقبة الناصرية، أشار الكاتب إلى زمن السادات ومبارك دون أن يذكر اسم أي منهما، ربما لأنهما لا يستحقان ذلك، فما حدث للكفر من تحولات ومن ثم للوطن كله، كان بسبب حكمهما، وقرارتهما، فهما من ارتميا في أحضان إسرائيل، وكل هذه الأثار بسبب قرار السلام والذي أسماه البعض الاستسلام مع العدو وأيضا قرار الانفتاح الاقتصادي الذي وصفه الكاتب أحمد بهاء الدين بانفتاح ( السداح مداح )، وتوقف الكاتب كثيرا عند ظاهرة الدينيين الجُدد الذين جاءوا لنا من الخليج بثقافته، والتي تختلف بالضرورة عن ثقافتنا، فثمة فارق كبير بين ثقافة الصحراء وثقافة الوادي، وكان للمال الديني هو الآخر أثره البالغ في هذه التحولات، وقد تناول الكثير من الكتُاب ظاهرة ( البترودولار ) والتي أسماها كاتبنا اليمين الديني.

والكاتب قريبا من الفيلسوف أحيانا، وقريبا من عالم النفس أحيانا أخرى، فهذه بعض مقولاته عن الذاكرة :

" ما من حدث يقع في حياة إنسي إلا وله وجود في موضع ما من لا وعيه "

" البشري كلما يكبركلما يصبح أقدر على استدعاء الطبقات القديمة من مخزنة – الأقدم فالقديم وهكذا، .. "

" كل الأحداث محتملة الوجود ما دامت في عالم الممكنات، لكنها تكتسب صفة الوجود إلى الأبد بمجرد هبوطها إلى عالم الواقع وتحققها بالفعل، حتى في حالة زوال آثارها ومرور الأزمان عليها، لأنها تدخل وعاء الذاكرة الذي ربما يزدحم أو حتى ينوء بما يحمل لكنه لا ينخرق أبدا ولا تتبخر منه الأشياء مطلقا "

" المشكلة قد تكمن في وسيلة الاستدعاء – تداع حر أو غيره، ونظن أن الإثارة أو التحفيز من الوسائل الناجعة "

وهذه المقولات قد يفيد منها الباحثين، وعطاءات هذه الرواية كثيرة، فكما استفادت من الفنون الأخرى، فقادرة أيضا على إفادة الفنون والعلوم والآداب، وهذه من حسنات الرواية الجديدة.

........

( 4 )

العنوان .. ( أنسنة الجدران ) :

وتماهى الكاتب مع الجدران، وتماهت معه، بل تماهى مع كل الأشياء والموجودات، فعندما تتحسسها يده :

" ثمة ارتعاشات خفيفة في كل ما ألمس، وأنفاس خافتة تنبعث من كل ما أمر بجانبه "

واحساسه الكوني يجعله يحس بألفة، وأنس مع تلك الأشياء / الكائنات / الموجودات، بل تجعل منه قائدا لها، ويشعر بها تسير خلفه، متخذة منه القائد والزعيم.

وهو قريبا من الصوفي، الذي يعيش حالة من الوجد مع تلك الأشياء، فعندما ينزلق الظلام :

" فيوقفني همس صارخ بلغة أميزها بالكاد : ( النور في الداخل ) .. " ونكتشف فيما بعد أن هذه العبارة صرخ بها الطفل زميله في فصل 6 / 1 والذي مات بأزيز طائرات الفانتوم دون جريرة!.

ويقول :

" أكاد أحس والاحساس يتصاعد مع صدور ضوء شحيح ومعه موجات مغناطيسية طالعة من الجدار على يميني "

ويأخذنا إلى جدران المدرسة :

" تنبعث من داخله أصوات متداخلة وهمهمات وموسيقى مختلطة ثم كلام مقطع .... "

وجدار المدرسة :

" يومض ومضات سريعة متقطعة كأنه تدخله فجأة شحنات كهربية، ثم يخمد ثانية ويطلق نهنهات سريعة يعقبها نشيج متواصل لوقت ما، .. "

ولاحظ استخدامه الموفق للمصطلحين الفيزيائيين : الموجات المغتاطيسية، والشحنات الكهربية، وهي من الظواهر الخفية في الطبيعة، وتم اكتشافها وأفادت البشرية إفادة عظيمة، ولكنه يعيد توظيفها هذه المرة في اكتشاف البعيد الخفي، الذي لا يُرى بالعين المجردة، ولا يُسمع بالأذن، ولا يُلمس باليد.

وهذه الجدران عليها ألغاز وأحاجي وطلاسم :

" تشكيلة متنوعة من النقوش ينفرد كل سطر بمجموعة منها "

" سطر فيه مقاطع تصويرية هيروغليفية، بعده خط هيراطيقي، يعقبه آخر ديموطيقي، ثم كتابة قبطية ثم ... "

ويحاول أن يفك الطلاسم ويحل الألغاز ويزيل الغبار ومن خلال بعض الحروف المبعثرة، والتي تشير إلى ما معناه : هذا مكمن السر، فهلا اخترقت وإلا احترقت ..

" ينشق الجدار وتخرج منه موجات كثيفة من نور غامر تمتصني فأدخل في دواما ت نورانية تتقاذفني بشدة "

ونتفاجأ بخروج أحد من الجدار، فنظنه للوهلة الأولى عفريتا، ولكننا سرعان مانتبين أنه زميله بفصل 6 / 1 وكان ضمن آخر سلالات الحقبة التي انتهت بأزيز الفانتوم، ويذكر لنا الكاتب على ثلاثة أعمدة رأسيا ( 53 ) اسما من هذه السلالة، ثم يذكر في موضع آخر ( 21 ) اسما، ويضع الأسماء هذه المرة على شكل المنشور، ويدور الحوار بينهما حول الجحيم والمطهر والفردوس، وهذه المقولات الثلاثة قد تناولها المعري في رسالة الغفران وتناولها دانتي في الكوميديا وليس بآخرهم سارتر في روايته ( لا مخرج )، والأخيرة اقتصرت على الجحيم فقط، والمقاربة بين رواية كارم عزيز وروايات هؤلاء غير واردة، لأن كارم عزيز تناول الموضوع من زاوية مختلفة، وقد أعاد تحميل هذه المقولات معاني جديدة، ودلالات مختلفة، لا أثر فيها للانحياز الديني، ولا للمقولات المتواترة والمتوارثة. فيقول الكاتب :

" الجحيم هو ما أتى بي إلى هنا .. إنه في الخارج ".

ويضيف :

" حيث دار الجهل والجشع والجور تمتص روح الشوارع والبيوت والناس وتحرق الأنس والأمل والسكينة وتلتهم الجغرافية والديمغرافيا والتاريخ بكل تجلياته الزمنية "

وهنا ربما يتفق الكاتب مع " سارتر " المنظر الأول للوجودية، في مقولة : " بأن الجحيم هو الآخر "، وهي المقولة التي راجت بعد صدور روايته ( لا مخرج ).

ويطول الحوار حول المفاهيم الثلاثة، الجحيم والمطهر والفردوس، ويقدم لها تنظيرا رائعا :

" نعم هي أماكن ثلاثة، لكل منها زمنه وطبيعته ووظيفته وترتيبه في سياق خلق الكون وسيرورة العالم، لكن في وضعنا نحن يمكن للجحيم والمطهر والفردوس أن تكون حالات لأي فرد أو جماعة في زمن أو مكان ما، مع احتمالات تبدل الأحوال، ... "

والمطهر في حالة جابر العزايزي يؤدي إلى الجنة لا إلى الفردوس، لأن الفردوس جنة أخروية مأمولة يطمع فيها الكل، والفردوس المفقود الذي يبحث عنه جابر :

" نموذج ذهني نفسي مصطنع على غرار الحالة الفردوسية ويمكن لأي أحد أن يعيشها في أي زمان وفي أي مكان وهي موقوتة "

والعنوان حاضرا في كل فضاءات الرواية، فعن الجدران يقول :

" فجأة تبدأ الجدران تنز ويتفصد عرقها حكايات، وكأنها صندوق الدنيا "

( 5 )

جابر العزايزي الحر العاشق.

أعتقد أن شخصية جابر العزايزي ستظل من الشخصيات العالقة بالأذهان، وباقية في القلوب، وخالدة لأزمنة طويلة، فنجح الكاتب في أن يصنع منه تمثالا في قلوب القراء، فعبر عن زمنه وعصره وبيئته خير تعبير، ومن أراد أن يتعرف عليه أكثر، فليعد إلى الرواية الأولى للكاتب ( العوجة )، فهي الرواية التأسيسية للأشخاص والأماكن والتي لها تأثيرها في الرواية الثانية ( عرق الجدران ).

وجابر نموذج للمثقف الحائر أحيانا، الذي لا يقنع بالقشور والطلاء، ولكنه يحاول أن يبلغ الطوايا والأعماق، يعمل عقله، ويراجع ما مر به من مواقف، يسعى إلى التطهير طمعا في الفردوس، وفي مراجعاته مع شخوص الجدران، ومحاوراته معهم، نسرد بعض المشاهد والمواقف التي عاشها ومر بها الوطن.

1 – جابر العزايزي لا يحلم بالثروة المالية، ولا المركز الاجتماعي المرموق، ولا المقتنيات الفخمة، لكنه يحلم بالحرية والعشق.

وفي سبيل الحرية :

= تمرد على السلطة الأبوية.

= يتمرد على سوء المعاملة له ولزملائه أثناء فترة تدريبه وإعداده كضابط احتياط، ويرفض الإهانة، ويمضي ليلته في السجن.

= صغيرا كان يحلم بأن يكون ضابطا مقاتلا بالجيش المصري لمحاربة الاستعمار، ولكنه عندما يحصل على الثانوية العامة يرفض أن يقدم أوراقه للالتحاق بكلية الشرطة، ويرفض أن يحقق حلم والده، فهو لن يكون حرا أبدا، بل سيظل مأمورا حتى لو صار مأمورا!. وقناعته بأن المجرمين الذي سيطلب منه انفاذ القانون فيهم لم يُخلقوا هكذا، فهم ضحايا للظلم بكافة أشكاله، فهو يكره الظالمين والمتسلطين، يبغض المنافقين والانتهازيين، يقرف من الأغنياء، يشمئز من الضعفاء المستسلمين، يميل إلى قليلي الحيلة المغلوبين على أمرهم : الأطفال، الفقراء المعتدين بكراماتهم، الشيالين، الفراشين، يشق قلبه بكاء طفل، تاسره ضحكة أنثى، يبكيه بكاء رجل.

= يتعاطف مع الهنود الحمر التي تقدمها أفلام ( الكاوبوي ) وكان يتمنى أن يدخل الفيلم ليقاتل معهم ضد سطوة اللص الأبيض المفتري، ولم تجذبه الدعاية الأمريكية الفجة للحضارة القادمة والتي ستقام على أجساد الضعفاء.

= الحرية منعته من الأدلجة، فهو لا يقبل إلا أن يكون ذاته، لن يكون سلطويا ولا يساريا ولا يمنيا دينيا، قد يصاحب اليساريين والسلفيين مادام إطار العلاقة هو الحب وليس الأفكار والنظريات.

في العشق :

= يعشق الأفق الممتد، الفضاء المنفتح، مجرى مويس المنساب، قضبان السكة الحديد، البوص المتراص المتجاور، القناطر والجسور، الحقول المترامية، الأشجار العالية.

= وفي عالم النساء يستدعي الكثيرات، ويناقش من خلال علاقته بهن، الحب والعشق، الحب البرئ، لإبنة عمه، وهما دون سن المدرسة، عندما ألقت الجدة في روعيهما بأنهما زوجين في المستقبل، ووضعت في أصبع كل منهما ما يشبه دبلة الخطوبة، وأطلقت الزعاريد، وحبه لصفاء وكان أقرب إلى الحب الأفلاطوني الذي لا تدنسه الشهوات، الحب السماوي المقدس، وشادية هي أول من فجرت في داخله الحب الجسدي، وذاق من شفتيها الشهد، وتولد هذا الحب في لظى الحرب والمعارك في السويس، حيث كان يحل ضيفا في بيتهم، وبين عائلتها وعائلته روابط وأواصر نسب، فعرف ارتعاشات الحب معها، وحكايته مع شادية من أجمل الحكايات، وكتبها بلغة شاعرية محلقة، وفيها الكثير من البوح، ويتعالق الحلم بالواقع.

وقصته مع منى، التي أحبها، وشاركه فيها الكثيرين، فانسحب، محافظا على كبريائه، وقد قطف من شاركوه في حبها بعض ثمارها المحرمة، وبلغت الذروة بحملها سفاحا، واللجوء إليه ليتزوجها، وينقذها من الفضيحة، ولكنه يأبى، وتظل هذه الفتاة تؤرقه وتثير بداخله الأسئلة، ويستعيدها بكل مواقفها، يدينها أحيانا ويبرأها أحيانا، ويظل كالمشدود بين حبلين، وقوة الشد في الحبل الأول تكافئ تقريبا قوة الشد في الحبل الثاني، وهذا حاله، في مراجعاته، ومحاولته للتطهر، وهناك أيضا اشواق، عايدة، وماري، ومريم، وهدى، وأخريات كثيرات يستعيدهن.

علاقة العشق بالحرية :

= من ص 52 إلى ص63 يسرد الكاتب قصتين، إحداهما عن الحرية والنضال، والأخرى عن الحب والعشق، وقسم كل صفحة إلى عمودين، ولا يستقيم قراءة القصة إلا بقراءة العمود الأول من الصفحة الأولى تتبعه بقراءة العمود الأول من الصفحة الثانية وتعقبه بقراءة العمود الأول من الصقحة الثالثة، وهكذا حتى يكتمل المعنى، وقراءة العمود الثاني من الصفحة الأولى ويتبعه قراءة العمود الثاني من الصفحة الثانية ويعقبه قراءة العمود الثاني من الصفحة الثالثة وهكذا حتى تستقيم القصة ويكتمل المعنى، وقدم من خلالهما علاقات مهمة عن العشق وعن الحرية والعلاقة بينهما.

ومن أقواله :

" قد يصير العشق حتميا قاهرا لا إرادة فيه ولا اختيار، وهكذا فإنه لا حرية في العشق ولا عشق في الحرية، ولكن كيف؟! أليس في العشق رضا، حتى مع ذوبان إرادة المحب وفقدان استقلال ذاته؟ .. لكن هل الرضا تعبير عن الحرية، وهل يمكن وصف العبد المحب الراضي بعبوديته بأنه حر؟! .. ثم أليست الحرية تقتضي العشق : عشق الذات انطلاقا إلى عشق الكون والناس والوطن والجمال، بل وعشق الحرية نفسها؟!! ... "

........



( 6 )

رغم أن كارم عزيز يكتب الرواية الجديدة، لكنه يختلف عمن يكتبون الرواية الجديدة، قد لا يهتم بعضهم كثيرا بالحكاية، والتي هي العمود الفقري في الرواية الكلاسيكية، ولكن كارم عزيز حكاء ماهر، ويقدم لنا عشرات الحكايات، ويتناولها بتقنيات مختلفة، فهو يكثف القصة في كلمات قليلة جدا، لا تتجاوز بضعة أسطر، ويضعها بين قوسين، ثم يشرع في سرد تفاصيل الحكاية، وسنكتفي منها، بالحكايات والشائعات التي طاردت المعلمين والمعلمات، وينقلها لنا بعين الطفل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

1 – ( الأستاذ رزق يغازل أبلة سهير، رغم أنه يشبه الفأر وهي جميلة جدا لكنها لا ترفض الاستجابة لمغازلاته أو حتى تشكوه إلى الناظرة )

وهذا الموجز، ويبدأ في ذكر التفاصيل، ويعيد تأمل الحكاية، وتحليلها، ومحاولة الوصول إلى الحقيقة.

2 – ( الأستاذ محمد عبدالرحمن بينه وبين أبله سهير علاقة عشق ملتهبة، رغم أنه متزوج وهي كذلك ) ثم يشرع في ذكر التفاصيل.

3 – ( أبلة سعدية محرومة من الإنجاب، لذا هجرها زوجها واتخذ غيرها .. )

4 – ( أبلة رقية الناظرة حُرمت هي الأخرى من الإنجاب، فتبنت بنتا من ملجأ الأيتام والحقتها بمدرسة " نوتردام ديزابوتر " ذات المستوى الاجتماعي الراقي )

ولكن أصحابه الموتى ينكرون عليه مثل هذه القصص، فهي تقريبا سقطت من ذاكرتهم، فهناك القصص الأكثر أهمية، والتي يجب أن تشغله، مثل قصص أبناء المنفى، قصص الذين غادروا الديار قسرا، من أبناء مدن القناة، وهربا من جحيم الحرب، وإقامتهم بمدرسة " الوحدة العربية " بالكفر، فيجب أن يلتفت إلى :

" صراخ طفلة رضيعة جف ثدي أمها رعبا أو جوعا فلا تجد ما تلقمها إلا دموعا فاترة.

أو سعال شيخ عبأ رئتيه دخان القذائف واستبدت بقلبه مرارة علقمية فيطفئ لهيب سعاله بسيجارة تسولها من جاره.

أو أنين أجساد يسحقها المرض أو فحيح شبان وشابات تجلدهم سياط الجسد فيخلص بعضهم نفسه مع نفسه بينما يتصل بعضهم ببعض فتحدث الفضيحة ويلم الناس الموضوع بزواج فقري بدون مهر ولا قائمة عفش "

المهاجرون من مدن القناة الذين اغتالت إسرائيل أمنهم وهدمت بيوتهم وقطعت أرزاقهم، هاهم يسكنون في المدرسة، ويخاطب نفسه :

" هؤلاء هم المهاجرون يا جابر، فعليك أنت وغيرك أن تكونوا الأنصار! "

" وهذه هي الوحدة العربية – حلما ومدرسة – قد تحولت يا جابر إلى مخيمات ومعسكرات للاجئين، .. "

ويسرد الكاتب قصص أبناء المهاجرين الذين أقاموا بالمدرسة، ويوازن بين ثقافة القادمون من الساحل وثقافة الفلاحين، وما شابها من توتر في البداية لنظرة التعالي إلى أبناء الفلاحين، ولكن سرعان ما تم التوافق والتعايش، والاختلاط، وتلاقحت الثقافتين، وأثمرت حبا، وزواجا، ومنهم من آثر البقاء، وعاش في كفر الإشارة بالزقازيق، ورفض العودة بعد تحرير الأرض.

......

( 7 )

من أهم الفترات التي عاشها جابر العزايزي، فترة طفولته، فترة الحقبة الناصرية، وتشكل وعيه، داخل المدرسة، وكانت المدرسة تحمل التبشير بالعصر الجديد، وبالاشتراكية ..

= في طابور الصباح كان هو العازف على آلة ( الإكسيليفون ) ويرد د النشيد الوطني : " تحيا الجمهورية العربية المتحدة .. " وهي إشارة زمنية، زمن الوحدة بين مصر وسوريا، زمن الحلم العربي.

= تأثير العبارات والشعارات المدونة على جدران المدرسة على الطلاب بخط جميل، يستعيدها جابر : " نسالم من يسالمنا ونعادي من يعادينا " .. " الحق لا يُؤخذ إلا بالقوة، ويذكر تفاصيل اللوحة الزيتية الكبيرة المطلة على فناء المدرسة :

" عبدالناصر يبتسم حاملا في يده صرة مال يقدمها لمجموعة من الناس : فلاحة، عامل، طالبة، جندي .. ومكتوب أسفلها ( انصفت أهل الفقر من أهل الغنى ) .. "

= ويذكر كيف كان المعلمين مؤمنين بالوطن، وبالاشتراكية، وبالعصر الجديد، ويذكر النشيد :

" أقسمت باسمك يا بلادي فاشهدي / أقسمت أن أحمي حماك وافتدي.

سآفي بعهدك بالفؤاد وباليد / وبنور حبك أستضيء وأهتدي.

ويقول : ( يتمايل الأستاذ توفيق وهو ينشد، كأنه في حالة شطح صوفي في حلقة ذكر )

= ويستعيد لنا صوت أبله حكمت الذي يبدو ( يعني صوتها ) واثقا مشرقا بنبرته الحماسية التي تشعل دماء التلاميذ وطنية وشجاعة وانتماء :

" ويمتد الوطن العربي من الخليج العربي شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا، ويتميز بتنوع بيئاته المناخية وثرواته الطبيعية – وأهمها النفط، والتي تؤهله لأن يصبح قوة عالمية كبرى .. "

ولكن الكاتب الذي يستعيد المواقف، ويتأملها، يقول :

( لكنك ذات يوم لابد أنه قادم، سوف تترحم على كل هؤلاء وتبكي أو ربما تضحك وأنت تقول :

" لقد أعاد النفط رسم خريطة وطننا، فتفككت أوصاله وصار جزرا منعزلة تتكالب عليها الكلاب " .. )

= ويستعيد قصة جواد حسني طالب الحقوق الذي تطوع لمقاومة العدوان الثلاثي 1956م، فتطوع في كتائب الحرس الوطني، وذهب إلى مدن القناة، وقام مع زملائه بمقاومة دورية إسرائيلية شرق القناة، وأصيب، ولكنه واصل المقاومة واشتبك مع دورية فرنسية وهو ينزف، حتى تم أسره وتعذيبه، فكتب بدمائه الطاهرة قصة أسره وتعذيبه حتى فاضت روحه.

= ويستعيد من ذكريات المدرسة الاحتفالات بعيد النصر في يوم 23 من ديسمبر كل عام، واشتراكه في فريق التمثيل، وأدواره في المسرحيات والإسكتشات التي يدربونهم عليها، وهي تحث على طلب العلم وعلى حب الوطن وتعزز الإنتماء.

= وتظل للرسالة التي أرسلها له الرئيس جمال عبدالناصر أثرها البالغ في نفسه، ويحفظها عن ظهر قلب :

" ولدي العزيز ..تحية أبوية وبعد .. فقد تلقى السيد الرئيس رسالتك وأمرني سيادته أن أنقل إليك شكره البالغ على مشاعرك النبيلة .. ويسرني أن أبعث إليك بوصية السيد الرئيس أنك بالمثابرة على تحصيل العلم والتزود بالأخلاق الكريمة لتكون عدة الوطن في مستقبله الزاهر .. والله أكبر والعزة للعرب .. مدير مكتب الرئيس للشئون العامة : حسن صبري الخولي "

.......

( 8 )

وتظل للنكسة تداعياتها السيئة على جموع الشعب المصري، وخاصة الجيل الذي عاش الحلم الناصري الكبير، فجابر يحلم بسكين سداسية الشفرات تهبط من السماء، وتقطع عضوه الذكري، لكن العضو لم يُبتر نهائيا، بل ظل معلقا من طرف ...

هل هي الحالة التي انتابت بعض أبناء هذا الجيل، عقب وقوع النكسة، فصار عنينا؟! هل هو الإحساس بالخصاء؟!.

ضربة الخامس من يونيو 1967م، دوخت جابر العزايزي، ولكنه لم ينكسر، ولم يفعل كما فعل الشيخ المعبأ بشهوة الشهرة وبالمال النفطي، الذي صلى ركعتين شكرا لله على هزيمة ناصر ( يقصد الكاتب الشيخ الشعراوي )، ولم يتبرأ ( أي الشيخ ) من كونه ابنا لذلك الجيل الذي كان أكثر من أفاد من تلك المرحلة وذاق الشهد قبل المرارة.

حاول جابر العزايزي التطوع لقتال الأعداء فاستصغروه، فشارك في بناء جدران واقية أمام البيوت وفي دهان شبابيكها بالزهرة السائلة الزرقاء.

وراحوا يستعصمون ب : حي على الفلاح، وطني وصبايا وأحلامي، شارع الأمل، عدى النهار، البندقية اتكلمت، ... إلخ.

ويستعيد العزايزي نشيد " الله أكبر .. الله فوق المعتدي "

ويستعيد سير وحياة : عمر المختار، إبراهيم هنانو، يوسف العظمة، الأمير عبدالقادر الجزائري، جميلة بوحيرد، عبدالكريم الخطابي، جول جمال، جواد حسني.

ويرصد أجواء الحرب في السويس، وأثرها على الناس :

" بعد أن دخلنا طريق السويس، فتبدأ روائح الحرب تنتشر في العيون والاسماع والأنوف والأعصاب والأرواح وفي كل شيء "

ويعيش في السويس ما يقرب من الأسبوعين، ينقل لنا مشاهداته، ومنها :

في منطقة الجناين : " كيف نجت أنهار الخضرة هذه من نيران القصف المحموم شبه اليومي التي تنهمر على المدينة؟! ... "

يبدو أن البلح رغم صغر سنه قد تعلم الصمود والمقاومة، فكلما أقذف حجرا يرتد إلىّ فارغا، البلح يأبى السقوط "

وينقل من اماكن متفرقة بالسويس، وكأنه مراسل حربي :

" تتعانق رائحة الملح البحري وبقايا رائحة القصف المدفعي الغشيم .. وجوه الناس جميعا تفترشها سمرة، لا أعلم إن كانت أصيلة أم من آثار دخان الطقس العدواني الكريه، .. "

" كل البيوت تقريبا جزت رؤوسها، وبعضها أصيب بالشلل لكنها لا تزال تنبض بألوان باهتة من الحياة .. "

......

( 9 )

وبطل النص ( جابر العزايزي ) يؤرقه السؤال، والبحث الدائم والمستمر عن إجابات مقنعة، لتبدد حيرته، ولنأخذ بعض الأمثلة التي تؤكد اختلافه عن أقرانه، ولا يدع شي يفوته، فكل شيء عنده يمر على العقل، ويتم اختباره، وتقليبه على جميع الجوانب.

= فالتلاميذ يقولون أثناء تحية العلم : تحيا الجمهورية، ويرددونها ثلاث مرات، وهنا يتساءل الطفل جابر العزايزي :

" لماذا ثلاث مرات؟ هل لو هتفنا مرة واحدة ألن تحيا الجمهورية؟ .."

وتأتي المبررات أثناء المراجعات :

" هي عاداتنا في تثليث أشياء كثيرة في حياتنا، حتى في دعائنا إلى الله "

= ويتوقف أيضا عند لفظة ( لتهل عليكم ) مصححا لها :

" الأصح هنا أن لا نستخدم الفعل ( هلّ ) ، لأن معناه يشير إلى الظهور الموسمي المتقطع – لارتباطه ب ( الهلال ) الذي يظهر أول كل شهر، في حين أن دخولكم إلى الفصول فعل يومي، لذا نقول : لتعانقكم رائحة العلم وعبق المعرفة، مع دخولكم إلى مراعي العقول دافئة الخصوبة "

= ويتذكر عندما سأته الأبله عن أمنيته، فقال أتمنى أن أكون ضابطا لأحارب الاستعمار .. ولكنه في مراجعاته يكتشف أنه كان على خطأ .

" .. هنا نؤكد أيضا على أنك ساعتها لم تكن تدرك أو تتوقع أن الاستعمار يغير جلده وأقنعته على نحو مستمر!! "

= ويحتج على بعض قواعد النحو :

" كنا نود أن نذكر التلميذات أيضا، لكن لغتنا هي الأخرى ذكورية – فاسم مذكر واحد يجاور آلاف الأسماء المؤنثة في موقع نحوي واحد يفرض أن تكون المنعطفات جميعا مذكرة، فلم نشأ الإطالة دون جدوى "

= ويتوقف عن مقولة " البعيد عن العين بعيد عن القلب " والصواب : " البعيد عن العين بعيد عن الخاطر " .. فالخاطر غير القلب، ومن يسكن القلب يفترض أنه لا يغادره حتى وإن ضاع من البال مرات.

....

( 10 )

وجابر العزايزي الذي اقترب من الوصول إلى الحقيقة، تتشكل له محكمة عاجلة، وفيها يكشف عن بعض خبايا السلطة، ودور المال الديني، والصهيونية العالمية، واليساريين والشيوعيينن ودورهم في تجميل السلطة، شأنهم شأن الدينيين الجُدد، ويكشف عن الحالة التي وصلت إليها مدينته، مدينة الزقازيق، والحي الذي نشأ فيه، حي كفر الإشارة، والتحولات الخطيرة التي حدثت للمجتمع كله، وينهي روايته بقصيدة يبحث فيها عن الوطن الذي كان، هل الوطن الذي كان جنة هو الفردوس المفقود الذي يبحث عنه جابر العزايزي / كارم عزيز؟

ربما!!

......

( ورقة نقدية لمناقشة الرواية بقصر ثقافة الزقازيق .. الاثنين الموافق 29 / 11 / 2021م. )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى