د. خالد محمد عبدالغني - قدري حفني عالما وسياسيا

هذه المرة ليست الأولى التي أتحدث فيها عن العلامة قدري حفني ولن تكون الأخيرة ما دمت حيا ، وهو حديث غير مكرور ففي كل مرة يفرض جانب من حياته سطوته على تفكيري فأجدني مشدودا للحديث عنه في جدة وجدية كأنه الحديث الأول، فهو من أكثر أبناء جيله عطاء فكريا وعلميا وحضورا في المشهد الثقافي والعلمي لأكثر من نصف قرن من الزمان لخدمة علمه الذي انتمى إليه علم النفس الذي دعا لتغييره إلى علمين هما علم الوعي وعلم السلوك ، واشتباك مع قضايا وطنه وأمته العربية - الذين عشقهما - سواء كانت السياسية والاجتماعية حيث مجالات علم النفس السياسي والتاريخ الاجتماعي لعلم النفس، والتنشئة الاجتماعية، وعلم النفس الصناعي، ومشكلة الأمية، والقياس النفسي، ومناهج البحث والمراهقة، والصراع العربي الإسرائيلي، والتدريب الإداري، وتنظيم الأسرة، ومشكلات الطفولة والأمراض النفسية وشخصية الفلاح وسيكولوجية الشخصية.
وهكذ عُدَّ قدري حفني من أهم العلماء البارزين في تاريخ علم النفس في مصر والعالم العربي، وهو مفكر كبير قبل أن يكون عالما فذا، فهو الموسوعي التكوين والعطاء في آن. فهو لم يؤسس علم النفس السياسي في مصر فقط بل يعد أحد أكبر علماء النفس العرب ليكون وبحق أحد البنائين الكبار في علم النفس (محمود الورداني :2010).
ولقد كتب مصطفى سويف عن بعض تلك الأعمال التي تقدم بها العلامة قدري حفني للترقية لدرجة أستاذ مساعد:" إنها أعمال تتسم بالأصالة والجدية والغزارة وأن السمة الشائعة لها الشعور بأداء رسالة لها خطرها، هي رسالة المعلم والباحث ويتضح ذلك بصورة خاصة في اختياره للمشكلات التي يدرسها، فهي دائما مشكلات ذات دلالة اجتماعية(مصطفى سويف : 1979)." وليست هناك غرابة في هذا التميز والتنوع في العطاء فهو ابن لمدرسة علمية انفتحت على كافة التيارات الفكرية والنظريات النفسية وقدمت العلم لخدمة المجتمع، إنها مدرسة آداب عين شمس، ونظرة سريعة تلقيها على حياته الخاصة والعامة ومنجزه العلمي والفكري تجعلك تشاهد هذه الحقائق بجلاء لا غيم فيه، وسواء أكنت معه أو ضده في مواقفه السياسية لن تملك إلا الإعجاب به والإشادة بجهده والاحترام لخطابه الإيديولوجي بعامة فالسياسة وجهة نظر في إدارة شئون العباد والبلاد والمهم فيها الانطلاق من أرضية وطنية وقد كان هو كذلك بلا ريب
ونطالع في أحد كتبه المبكرة ما يؤكد ذلك إذ يقول : أقام مصطفى زيور مؤسس قسم علم النفس بآداب عين شمس مدرسته العلمية على قضيتين محوريتين هما حتمية الربط بين العلم والمجتمع وحتمية الحوار بين مختلف الاجتهادات الفكرية" ، ثم يحدثنا قدري حفني عن رؤية جديدة لمقرر بعنوان :الأمراض النفسية الاجتماعية إذ يقول عنها : أن تسمية الأمراض النفسية الاجتماعية يجب أن تكون التسمية "مشكلات نفسية اجتماعية" حيث أنها تتمثل في وجود نوع من المشكلات تتوسط المشكلات النفسية الخالصة والمشكلات الاجتماعية الخالصة، أو التفسير النفسي للمشكلات الاجتماعية باعتبار أن العامل النفسي هو الجذر الرئيسي لتلك المشكلات. وتفسيرا اجتماعيا لمشكلات نفسية خالصة استنادا لكون العامل الاجتماعي هو مصدر كل شيء. وهنا كانت الدعوة لنبذ تلك الأفكار للبحث عن طريق جديد لفهم الظاهرة في بعديها النفسي والاجتماعي.
ثم يقدم لنا طرحا فريدا عن علم النفس بعامة ولقد ذهب في دعوته للحوار إلى أن نفرق بين علمين مستقلين ومتمايزين ضُما تحت عباءة علم النفس هما علم الوعي وعلم السلوك نشأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر للبحث عن علم يقدم اكبر فائدة لصاحب رأس المال بدافعية اكبر لضمان أقصى إنتاجية من العامل ولإثارة أقصى دافعية لدى المستهلك فيزيد من استهلاكه ليزداد صاحب رأس المال ربحا دون وعي من العامل والمستهلك بحقيقة العلاقة بين تكلفة السلعة وسعرها ومدى حاجته الموضوعية إليها ، وحاجة الجماهير العملة للتخفف من معاناتها التي تمثلت في اغترابها، ولما كانت التسمية المريبة لهذا العلم الوليد "علم النفس " فقد حققت الغرض منها فمن خلالها تم استعاد "الوعي" ومحاصرة جذوره الأصيلة داخل حدود الإبداع الفني والفكر الفلسفي والاعتقاد الديني باعتبار أن كل ذلك ليس من العلم في شيء ومن خلال هذه التسمية تبلور "علم السلوك" ونضج وتجددت ملامحه وإن ظل مصرا على التخفي ، وهكذا فإن عباءة علم النفس التي نعرفها اليوم تضم في الحقيقة جسدين متمايزين تاريخا وموضوعا ومنهجا ولا علاقة بين أي منهما وبين مصطلح "النفس" . فعلم السلوك يرجع بتاريخه القديم إلى جذور علم الطبيعي القائم على الملاحظة الموضوعية متخذا من السلوك القابل للملاحظة والضبط موضوعا له ومن التجريب منهجا، أما علم الوعي فيرجع بتاريخه القديم إلى جذور التعبير الفني والعقيدة الدينية والفكر الفلسفي متخذا من الوعي بشقيه الشعوري واللاشعوري موضوعا له ومن الملاحظة بالمشاركة منهجا. ومن هنا فلابد من التكريس للانفصال بين علمي الوعي والسلوك والسعي لتأصيل كل منهما وكل هذا تحت الدعوة لتصنيف جديد للعلوم الإنسانية(قدري حفني :1980).
وهناك رؤيته حول العلم والتفكير العلمي والإرهاب وفيها أنه استرعى انتباهه أن قادة التنظيمات الإرهابية من دارسي كليات القمة الطب والهندسة وفسر ذلك بكونهم من الذين علموا أحادية الرأي والرؤية من خلال دراستهم للعلوم الطبيعية ون مقرراتهم الدراسة تخلو من مواد تتعلق بالتفكير العلمي والتدريب عيه ، أو المنطق أو مناهج البحث أو الفلسفة أو العلوم الإنسانية بعامة ، وخلص إلى أن محاولة القضاء على الأفكار بدعوى اجتثاث الجذور الفكرية للعنف أو للعنف المضاد ليست سوى أوهام تدحضها حقائق العلم والتاريخ معا ، فحين تحاول السلطة ذلك فإنها لا تنجح في المدى البعيد في القضاء على أي من الفكر أو السلوك وكذلك فحين يحاول المتمردون على السلطة توجيه رصاصاتهم إلى من يعتبرونهم بمثابة رموزها الفكرية فإنهم يغامرون بتعريض مجمل مسعاهم للانتكاس. وحول طريقة معالجة أثار العنف والتعصب تبنى المؤلف طريق الرصاصة مقابل الرصاصة والفكرة مقابل الفكرة والقبول بحق الأفكار جميعا في التعبير عن نفسها مهما كانت درجة الاختلاف معها أو النفور منها بما يتضمنه ذلك القبول من تسليم واع بما سوف ينجم عنه من فوضى فكرية ، إن فوضى الأفكار أقل ضررا من إرهاب العنف وضجيج الكلمات مهما كان ما يسببه من إزعاج أهون كثيرا من صوت لعلة الرصاص(قدري حفني :2007) .
وقدري حفني لمن عرفه يتمتع بجهد ومثابرة وعطاء علمي نادر وصفات إنسانية غاية في النبل ليصبح العالم الأواب الذي يصوب ويراجع أفكاره ويعترف بأخطائه ولا يبررها بل ويعتذر عنها كما أن أعماله تكشف عن كونه مُلْهَمًا في ذاته ومُلْهِمًا للآخرين في آن . ففي كتاب القياس النفسي" نجده وقد استهل الكتاب بتقديم اعتذار للطالب الذي سيدرس هذا الكتاب – وهذه سابقة لم نجدها في مؤلفات الأساتذة من قبل – إذ كتب يقول :" ليست المذكرات التي يعدها المدرس بالأسلوب الأمثل لتلقي العلم في الجامعة فإعداد المذكرة لو لم يكن من إعدادها بد هي مهمة الدارس – الطالب – أما مهمة المدرس فهي المحاضرة والمناقشة، هكذا تلقينا العلم في الجامعة على أساتذة لنا أجلاء وهكذا كنا نود أن نحاول الإسهام في نقله إليكم بل هكذا كان سبيلنا بالفعل لسنوات ثلاث مضت منذ العام الدراسي 1973-1974 بل هكذا كنا نأمل أن نستطيع الاستمرار ولكن الخروج عن الصواب – حتى ولو كان ضرورة – لا ينبغي إلا أن يكون من قبيل الاستثناء الذي ينبغي الاعتذار عنه، ومحاولة بل الجهد مستقبلا لتجنبه فبدون مثل هذا الاعتذار قد تختلط الأمور ويصبح الاستثناء بحكم الممارسة قاعدة ، ويصبح الخطأ بحكم العادة صوابا"( قدري حفني :1978).
و كتاب "علم النفس والصراع العربي الإسرائيلي" يراجع أفكاره بعامة وما يتصل بصهيونية فرويد على وجه الدقة، ثم ها هو يقدم مراجعة أكثر شمولية عندما كتبها بعنوان "فرويد جدل لم ينته" قال في نهايتها " لعله ليس مألوفا أن يقدم كاتب على إعلان مراجعته لما سبق أن انتهى إليه ولا أجد حرجا في أن أعبر عما أحسست به من مفاجأة حين اكتشفت أنني حين كتبت ما كتبت كان ثمة تفاصيل غائبة آنذاك ، ولكني لم أجد بدا من الإقدام على إعادة النظر ، ولعل ما شجعني على ذلك أن ما اكتشفته مؤخرا وإن عدل من حقيقة انتماء فرويد للصهيونية فإنه لم يفسر إقدام فرويد على إضفاء تلك الغلالة من السرية على تنظيم التحليل النفسي . ذلك ما قد تكشفه وثائق جديدة أو رؤية جديدة ما زالت في علم الغيب (قدري حفني :2010).
وقد أشار قدري حفني كثيرا لعلاقته الشخصية بالسياسة فيقول: بدأت تلك العلاقة في منتصف الخمسينيات حين التحقت بالجامعة كانت مصر تشهد تبلور ملامح يوليو 1952 كان غبار أحداث ما عرف بأزمة مارس لم يهدأ بعد ، وقبلها كانت أحداث كفر الدوار كانت كلمات الديمقراطية والإقطاع والاحتلال البريطاني والثورة بل والإسلام أيضا تتردد مختلطة بأسماء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وخالد محيي الدين وأيضا خميس والبقري عمال كفر الدوار الذين تم إعدامهم وعدلى لملموم نموذج الإقطاعي الذي حوكم وسجن وفي مثل هذا المناخ تزدهر عادة التساؤلات الكبرى عن حركة التاريخ وتوجهات المستقبل . وهنا كانت بداية تعرفي على الماركسية وعلى التحليل النفسي معا ، لقد بدت لي الماركسية الجديدة المتألقة مع اتجاهات الفرويديين الجدد بمثابة المصدر النموذجي للإجابة على التساؤلات الوطنية الكبرى التي كانت تشغل جيلي آنذاك ومضيت في طريقي إلى أن وقعت واقعة يونيو 1967 وعندها ارتجف الفكر واهتز اليقين وكان الألم أكثر عمقا وتكشف لي سذاجة التصور عن إسرائيل المزعومة وبدأت أتلفت حولي كمتخصص في علم النفس بحثا عن سبيل للتعرف على ذلك المجهول "إسرائيل" ووجدتني غارقا منذ ذلك الحين فيما خضم علم النفس السياسي . وأصبحت آنذاك مطالبا بتبرير لإقدامي على دراسة موضوع إسرائيل دراسة تنتمي لعلم النفس وسرعان ما تبين لي أنه يصعب تحديد تاريخ لبداية تلك العلاقة بين علم النفس والسياسة واتضح لي أن علم النفس الذي ندرسه اليوم قد بزغ من رحم عالم يموج بالتغيرات الاجتماعية الفكرية العنيفة ، عالم الثورة الصناعية بما أفرزته من اغتراب للإنسان عن عمله ومن ثم عن عالمه ، عالم الثورة الفرنسية بما أفرزته من تحطيم لقيم إقطاعية سادت طويلا لترسيخ قيما جديدة تحمل شعارات الحرية والإخاء والمساواة ، عالم الصراع بين فلسفة مثالية ميتافيزيقة تحاول التمسك بمواقعها والتماسك في مواجهة فلسفة مادية ماركسية صاعدة وفي ظل هذا المناخ نشأ فلهلم فونت مؤسس ذلك العلم الجديد الذي كان تجسيدا لمحاولة الإفلات الفكري من مأزق الاختيار بين المادية الماركسية والمثالية الميتافيزيقية بتبني فلسفة ماخ النقدية التجريبية (قدري حفني :2007)" .
وعن فهم دلالة افتتاح فونت لأول معمل يحمل اسم علم النفي في لايبزج عام 1879 يصبح مستحيلا إذا لم نفهم فونت المفكر والإيديولوجي والمناضل السياسي ، فقد كان فونت في النهاية فيلسوفا مثاليا يتبع فلسفة إرنست ماخ فقد كان غارقا في التفلسف حتى إذنيه قبل إنشاء معمله وكان ألمانيا متعصبا وكان سياسيا وكان أقوي دوافعه للانجاز العلمي كانت السياسة واهتم بالسياسة لدرجة انتخابه عضوا في المجلس النيابي لبادن ممثلا لمقاطعة هايدلبرج وكان مرتبطا بالحزب التقدمي الحاكم وموقفه من قضايا الصراع الطبقي والفسيولوجيا ورأي إن علم النفس يجب أن يكون تجريبيا واستخدم منهج الاستبطان وكان علم النفس يهدف في نظر فونت إلى تحليل العمليات الشعورية إلى عناصر. واكتشاف طبيعة الاتصالات بين تلك العناصر . وتحديد القوانين الحاكمة لتلك الاتصالات والروابط . وهكذا اختلطت أفكار العالم وجهوده ونتائج بحوثه بما يعتنقه من أفكار فلسفية ومذاهب سياسية ، ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلى فرويد الذي تستحيل الإحاطة بدلالة نظريته في التحليل النفسي أو فهم طبيعة الخلاف المستعر بينه وبين مخالفيه إذا لم نتعرف على بنائه الفكري وطبيعة انتمائه السياسي والأمر كذلك بالنسبة لدلالة فهم وليم جيمس رائد علم النفس الأمريكي الذي يصعب فهم دلالة إسهاماته في مجال علم النفس دون الإحاطة بظروف سيادة الفلسفة البرجماتية على المناخ السياسي الفكري في أمريكا آنذاك كما أننا لا نستطيع أن نفهم إسهامات سكنر في مجال التعلم بمجرد الإحاطة بنتائج تجاربه على الحمام معزولة عن موقفه السياسي الفكري الذي أفصح عنه في كتابه المعنون "ما وراء الحرية والكرامة" (قدري حفني :2000).
وقدم رؤيته حول السلام الهجومي مع إسرائيل ليقول فيها : لقد ظللت أعواما طويلة منذ توقيع معاهدة كامب دافيد ثم اتفاقية السلام متبنيا لما أطلقت عليه آنذاك إستراتيجية السلام الهجومي, وفصلت في ذلك ما استطعت, وكان أهم ما حذرت منه أن حالة اللاحرب اللاسلم تكفل المناخ الأمثل لازدهار العدوانية الإسرائيلية, ولم تلق تلك الدعوة قبولا حكوميا ولا شعبيا, و كنت موقنا رغم حماسي للفكرة- أنه لا قيمة لها إذا لم تجد مساندة من تيار مؤثر داخل الصف الوطني, ومن ثم أخذت الفكرة في الشحوب تدريجيا خاصة أن العسكرية الإسرائيلية ظلت وما زالت- لا تألو جهدا في سحق أية بادرة تفوح منها رائحة سلام مهما خفتت حني لو صدرت عن يهود أو إسرائيليي (قدري حفني :2018)"
ثم كانت رؤيته حول الوحدة الوطنية وكيفية دعمها وتنميتها تربويا ونفسيا في المجتمع من خلال المدرسة فيقول : تقدمت بمشروع لمركز البحوث الاجتماعية والجنائية منذ أكثر من 25 عاما طالبت فيه بإضافة حصة للقيم المشتركة بين الأديان السماوية بجانب حصص الدين الإسلامي والمسيحي وبدأت أحلم بذلك فمثلا قيمة الصدق يأتي قسيس وشيخ ويتحدثان مع التلميذ، فالقسيس يقول ورد في العهد القديم أن الله يأمرنا بأن لا نكذب وأن المسيح قال كذا وكذا والشيخ يقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام وصف بأنه الصادق الأمين وأن الرسل كلهم الناس صدقوهم لأنهم لم يعرف عنهم الكذب وهكذا، ثم بعد ذلك قدمنا المشروع لوزارة التربية والتعليم وفجأة دارت دائرة الانتقام واتهمنا بأنها مؤامرة لإلغاء حصة الدين اقترحنا بأن يتحدث الأستاذ الذي يدرس الدين المسيحي عن مبادئ الإسلام وبالمثل على من يدرس الدين الإسلامي إن يعطى نبذة عن قيم الدين المسيحي ولكن الفكرة رفضت. وأخيرا تبنت المشروع وزارة السكان ثم جاءت حادثة إحراق كنيسة وتوقف المشروع(قدري حفني :2018)".
وقد أنتج قدري حفني -كما سبق وعرضنا لمجموعة من النماذج التي تؤكد قيمة إسهامه - عالما نفسيا ومفكرا سياسيا وسط تيارات سياسية واجتماعية واقتصادية متصارعة فيما بينها في مصر في منتصف الخمسينيات وكان لانتمائه للحركة اليسارية القاسم الأكبر من التأثير عليه في اهتمامه بتتبع نشأة وميلاد وتطور علم النفس وكان لفترة اعتقاله التي اقتربت من الأربع سنوات تأثير مهم في حياته وعنها يقول : أثناء فترة الاعتقال تلك قمت بمراجعة فكرية لأفكار التنظيم الشيوعي ورفضت الاستمرار في العمل التنظيمي وإن بقيت في عقلي الأفكار الماركسية. ولعل هذا الفعل كان من أسباب قربه النفسي للماركسية والتحليل النفسي وفئة الفرويدببن الجدد وما قاموا به من مراجعة وتمرد على أفكار فرويد ولقد اهتم قدري حفني بفلهلم رايخ وإريك فروم وتناول حياتهم وأعمالهم بكثير من الاهتمام والمتابعة والعرض.
كما ترك التعذيب في المعتقلات أثره على جسمه ونفسه والذي وصفه بأنه نوع فريد من التعذيب يمكن أن نطلق عليه "التعذيب من أجل التعذيب حيث يجري التعذيب ليس للحصول على الاعترافات بل بهدف وحيد هو إذلال الضحايا وكسرهم، فقد تنقلت بين معتقلات القلعة وأوردي ليمان أبو زعبل والفيوم والسجن الحربي ومعتقل الواحات حيث تعددت ألوان التعذيب الفردي والجماعي بين الضرب والجلد وتكسير الحجارة إلى التجويع والعزل والتهديد فضلا عن الإهانات اللفظية ، وظل الحرمان من الزيارات مستمرا في كل الأحوال ، لقد كتب الكثيرون عن ذلك وليس لدى مزيد من التفاصيل التي يمكن إضافتها ما يعنيني في هذا المقام الإشارة إلى أن التعذيب في تلك المعسكرات خاصة أوردي ليمان أبو زعبل كان أشبه بالتعذيب الذي كنت قد قرأت عنه في معسكرات هتلر النازية فيما عدا أفران الغاز الشهيرة، وقد تؤدى عملية التعذيب المبرمجة تلك إلى خلق حالة من الاغتراب وانعدام المعنى وانهار البعض فعلا وسقطوا في هوة الاضطراب العقلي الصريح وكان نظام العمل في الأوردي يمنع الحديث بين المعتقلين وكان الحبس الانفرادي من أشد ألوان التعذيب ولقد مررت بخبرة الحبس الانفرادي أكثر من مرة (قدري حفني :2010).
لقد خرج قدري حفني من المعتقل بعد ما يقترب من أربع سنوات ليرفض عرضا قدمته له السلطة للعمل في الصحافة مفضلا العودة لعمله الأصلي أخصائيا نفسيا بمصلحة الكفاية الإنتاجية ولم نقرأ له في هذه الفترة – بعد الخروج من المعتقل - له سوى ثلاث مقالات تمثل عروض كتب أجنبية في علم النفس والتحليل النفسي منشورة بمجلة "المجلة" عام 1965، وقد سبقتها ترجمته لكتاب مشكلات الحياة الانفعالية 1959. ويبدو هنا أنه سوف يبدأ في الانشغال بقضايا علم النفس بعيد عن السياسة وما جرته عليه من ويلات، وربما سيعد رسالته للماجستير كبقية أبناء جيله وخاصة أنه لم يكن قد تم تعيينه أكاديميا بعد بالجامعة وهو الأول على دفعته وربما واقعة الاعتقال منعت عنه ذلك التعيين وربما أمور أخرى يعلمها معاصرو تلك المرحلة، وإني لأتصور أنا أمرا ما قد وقع بينه وبين مصطفى زيور قاده للهجوم على فرويد عملا بميكانيزم الإزاحة الذي دفعه لتوجيه العدوان لفرويد بدلا من زيور الذي يخرج على المعاش في عام 1967، ولم يتم تعيينه بالجامعة إلا في عام 1972 بعد أن أنجز رسالته للماجستير في مجال علم النفس الصناعي 1971، ونشر كتابه تجسيد الوهم 1971، وفار عنه بجائزة الدولة التشجيعية التي كانت حكرا على العاملين بالجامعة يومذاك، ومنحته تلك الجائزة فرحة صاحبته طوال حياته فيما بعد لذلك السبب. وسجل خطة الدكتوراه 1972 بإشراف أستاذه السيد خيري الذي سبق وأشرف على رسالة الماجستير أيضا، وقد قام قبل ذلك بترجمة كتاب هانز أيزنك، الحقيقة والوهم في علم النفس، 1969. ومعروف بالطبع المدرسة السلوكية التي يمثلها المؤلف وكتابه والانتقاد البالغ للتحليل النفسي الذي يمثله ومؤسسه - في آن - في مصر والعرب مصطفى زيور ليقول قدري حفني عن ذلك: فكتاب الحقيقة والوهم لعالم النفس البريطاني السلوكي هانز أيزنك، والمدرسة السلوكية تقف علي طرف النقيض من مدرسة التحليل النفسي التي يعتبر أستاذي الراحل مصطفي زيور رائدها في مصر والعالم العربي؛ ولم يكن زيور كعادته يخفي رأيه في السلوكية وهانز أيزنك تحديدا، ولكني وجدت لزاما علي وقد صدرت ترجمة الكتاب أن أذهب بها متوجسا إلي أستاذي الجليل زيور، الذي أمسك بالكتاب ناظرا إلي عنوانه متمتما "ألم تجد إلا أيزنك"، وفتح الكتاب، وكنت قد كتبت إهداء له جاء فيه "إلى الدكتور مصطفى زيور الذي لم يشأ أن يعيد صنع تلاميذه على شاكلته" فتبسم وتفهم ومر الموضوع(قدري حفني :2018)".
ثم كانت هزيمة 67 ليصفها بقوله : كانت حادثة كارثية في حياتي وفي حياة كل المصريين والأمة العربية أيضا ، وهزتني أنا ورفاقي فجلسنا ذات ليلة عدة أصدقاء نجتر آلامنا؛ وما تركته في نفسه من رغبة في الكفاح المسلح ضد الصهيونية ولكنه لم يستطع بسب ظروفه الصحية حيث إصابته المبكرة بمرض في القلب تكشف له أثناء فترة الاعتقال، وهنا حدث التحول في حياة قدرى حفني ليتجه نحو علم النفس السياسي محاولا فهم الشخصية الإسرائيلية فيقول : وعزمت على ذلك، ونشرت مقالا في مجلة الفكر المعاصر وفوجئت باتصال تليفوني من جريدة الأهرام، ولقاء سيجمعني مع الأستاذ حاتم صادق سكرتير الرئيس عبدالناصر، وأنجزت كتابا بعنوان "تجسيد الوهم" دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية. (قدري حفني :2018)" . ثم أنجز رسالته للدكتوراه " دراسة في الشخصية الإسرائيلية: الأشكنازيم 1974". ثم أنجز بعد عددا ضخما من البحوث وشارك في الكثير من الندوات والمؤتمرات والمؤسسات المصرية والعربية والعالمية وأشرف وناقش العديد من الأطروحات الجامعية ، كل ذلك مهد السبيل ليصبح قدري حفني مؤسسا لفرع علم النفس السياسي عربيا. وأني لأرى أن حادثة يونيو 67 أخرجته مما كان قد اعتزمه من عزلة أو على الأقل اتخاذ موقف محايد من العمل السياسي الماركسي الذي هجره تنظيما قبل خروجه من المعتقل ليتفرغ لعمله السيكولوجي والبحثي ولتوجهه تلك الحادثة لاتجاه علم النفس السياسي والانشغال بالقضايا التي تخدم الجماهير والمجتمع كما نتابع في مسيرة بقية نشاطاته العلمية والمهنية والفكرية طوال حياته.
وهكذا مثلما حدث مع الأعمدة المؤسسة لعلم النفس من تشابه بين كل من فرويد وفونت ووليم جيمس وسكنر إذا تأثرت أعمالهم العلمية بأفكارهم السياسية والفكرية وظروف النشأة والتربية لهم جميعا كما عرفنا قدري حفني ذلك عنهم بدراساته الرائدة والفريدة التي تناولت حياتهم وأعمالهم برؤية نقدية جامعة . حدث نفس الشيء معه وكأن قدره قاده لأن يكون ضمن مؤسسي علم النفس بتأسيسه لعلم النفس السياسي وما كنا لنفهمه ولا أن نقدر منجزه العلمي ومعرفة دلالة تفضيلاته العلمية واختياراته البحثية ونوعية قضاياه الاجتماعية دون فهم ظروف عصره وما ألمت به من محن وآلام وما تصارع في عقله من تيارات فكرية وسياسية وملابسات حول نشأته وتربيته الجادة التي أبعدته عن الهزل وأغرقته في عالم القراءة مبكرا وما شهده الوطن من خسائر تركت أثرها في شخصيته وما قدمته ثورة يوليو من ايجابيات على رأسها مجانية التعليم التي استفاد منها وسلبياتها التي كان على رأسها قمع الحريات وتكميم الأفواه والاعتقالات والتعذيب وقد ناله منها تنصيب وافر أيضا، ورغم ذاك فقد كان قدري حفني حتى آخر حياته حالما بالعدالة الاجتماعية والحرية الإنسانية.
و تضم قائمة أعماله المنشورة العديد من الكتابات بين مؤلف ومترجم بين كتاب وبحث ومقال وندوة ومحاضرة باللغتين العربية والإنجليزية. وتغطى تلك الأعمال مجالات علم النفس السياسي والتاريخ الاجتماعي لعلم النفس، والتنشئة الاجتماعية، وعلم النفس الصناعي، ومشكلة الأمية، والقياس النفسي، ومناهج البحث والمراهقة، والصراع العربي الإسرائيلي، والتدريب الإداري، وتنظيم الأسرة، ومشكلات الطفولة والأمراض النفسية وشخصية الفلاح وسيكولوجية الشخصية.
وهذه محاولة لإعادة قراءة الأعمال الكاملة للأستاذ الدكتور قدري حفني لبيان مقدار ما تمتع به من جهد ومثابرة وعطاء علمي وعند تحليل النتاج العلمي والفكري الذي قدمه حسب ما جاء بقائمة أعماله المنشورة بمجلة علم النفس (اد.قدري حفني صفحات من السيرة العلمية والمهنية. مجلة علم النفس . العدد 116 . الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2018. ص ص 11- 20)
الأعمال المترجمة بلغت تسعة عشرة عملا ما بين مقالات وبحوث وكتب ومراجعات ومقدمات بدأت منذ عام 1959 أي بعد تخرجه بعد عام واحد حتى عام 2017.
الكتب المؤلفة بلغت ثلاثين كتابا في مختلف القضايا النفسية المجتمعية بدأت من عام 1971 حتى عام 2011.
كتب موجهة للأطفال والمراهقين والشباب وهما كتابين "مصر والجيران والعالم" . و"احترام الآخر" .
مؤلفات باللغة الانجليزية بلغت ثمانية بحوث ودراسات وكتب .
مئات البحوث والدراسات والمقالات والحوارات الصحفية والندوات العامة والمتخصصة واللقاءات الإذاعية والتليفزيونية وورش العمل والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية والإشراف العلمي والمناقشات للأطروحات الجامعية في مختلف الجامعات المصرية طوال تسعة وخمسين عاما. كان آخرها مقاله بعنوان : الإرهاب في بلادنا() والذي نشر بعد يوم واحد من خلوده للرفيق الأعلى.
أولا: كتاب " القياس النفسي()" نجده وقد استهل الكتاب بتقديم اعتذار للطالب الذي سيدرس هذا الكتاب – وهذه سابقة لم نجدها في مؤلفات الأساتذة من قبل – إذ كتب يقول :" ليست المذكرات التي يعدها المدرس بالأسلوب الأمثل لتلقي العلم في الجامعة فإعداد المذكرة لو لم يكن من إعدادها بد هي مهمة الدارس – الطالب – أما مهمة المدرس فهي المحاضرة والمناقشة، هكذا تلقينا العلم في الجامعة على أساتذة لنا أجلاء وهكذا كنا نود أن نحاول الإسهام في نقله إليكم بل هكذا كان سبيلنا بالفعل لسنوات ثلاث مضت منذ العام الدراسي 1973-1974 بل هكذا كنا نأمل أن نستطيع الاستمرار ولكن الخروج عن الصواب – حتى ولو كان ضرورة – لا ينبغي إلا أن يكون من قبيل الاستثناء الذي ينبغي الاعتذار عنه، ومحاولة بل الجهد مستقبلا لتجنبه فبدون مثل هذا الاعتذار قد تختلط الأمور ويصبح الاستثناء بحكم الممارسة قاعدة ، ويصبح الخطأ بحكم العادة صوابا".
ويعرض لنا المؤلف في بداية الكتاب نظرية القياس السيكولوجي ويلاحظ ندرة الكتابة العلمية في نظرية القياس السيكولوجي ولا حتى مجرد استخدام لهذا المصطلح وبالمثل فإن الكتابات المتخصصة في القياس السيكولوجي لا تولي اهتماما مذكورا للنظرية التي تحكم هذا المجال، وهنا يؤكد على أن التيار الفسيولوجي والإحصائي قد تطورا وأسهما في تقدم نظرية القياس السيكولوجي التي تقوم على عدد من المسلمات وهي أن الفروق بين الأفراد فروق كمية، وأن تلك الفروق بين الأفراد تتوزع توزيعا اعتداليا، وهناك مسلمة مهمة وهي العمومية ومن هذا لمفهوم خرج مفهوم العينة الممثلة والتي اتخذت شكلين هما عينة التقنين والعينة السلوكية.
وعرض أيضا للاختبار السيكولوجي من حيث تعريفه ومجالات استخدامه بحيث يشير الاختبار إلى أنه عينة سلوكية مقننة تستهدف القياس الموضوعي لخاصية نفسية معينة، وعن مجالات استخدامه يقول: إن أول الاستخدامات هي الاختيار المهني والتعليمي والتوجيه والتصنيف والتشخيص الإكلينيكي والتقويم المدرسي واختبار الفروض العلمية. وأشار المؤلف فيما يتعلق بتصنيف الاختبارات النفسية حسب ميدان القياس أنها تضم ما يلي: المقاييس العقلية والمعرفية والشخصية والنواحي المزاجية والمقاييس الاسقاطية والمقابلة والاختبارات الموقفية. وذكر أن الاختبارات النفسية حسب المفحوص تنقسم إلى اختبارات فردية وجماعية. وبالنسبة لطريقة الأداء تنقسم إلى اختبارات الورقة والقلم والاختبارات العملية الأدائية. وحسب الزمن المستغرق في تطبيقها تنقسم إلى اختبارات السرعة واختبارات القوة. وحسب المعايير المستخدمة فيها تنقسم إلى اختبارات معيارية المرجع وأخرى محكية المرجع.
كما تناول المؤلف أصول استخدام الاختبار النفسي وتطبيقه وعرضها بمزيد من الإيضاح وهي: الألفة الكاملة بالاختبار. وحيادية القائم بالتطبيق والاستخدام. والعلاقة بين الفاحص والمفحوص. والظروف الفيزيقية المحيطة بجلسة تطبيق الاختبار. والحالة الانفعالية الصعبة للمفحوص. وقيادة موقف الاختبار النفسي. ومستوى الدافعية لدى المفحوص.
وحول تصميم وبناء الاختبار النفسي يشير المؤلف إلى الضرورة التي تفرض القيام بتصميم الاختبار النفسي، وعرض للخطوات اللازمة والمتبعة لتحقيق ذلك وكيفية حساب الصدق والثبات والعوامل المؤثرة فيهما وأهميتهما وطريقة إعداد المعايير المحلية عند تصميم الاختبار حتى يصبح الاختبار صالحا للاستخدام والتطبيق ، وقدم تعريفا عاما وشاملا لعدد من المقاييس الخاصة بالذكاء والميول والاتجاهات والشخصية.
ثانيا : كتاب "تاريخ علم النفس "محاولة اجتهادية"(). فيقول فيه: كانت المكتبة العربية تخلو تماما من أي مرجع مؤلف في هذا الموضوع وهو تاريخ علم النفس، وكان المرجع المترجم الوحيد هو كتاب "علم النفس في مائة عام من تأليف ج فلوجل. وقد ترجمه للعربية لطفي فطيم. وأما المراجع الأجنبية حول تاريخ علم النفس فيسودها طابع تجزيئي يكاد يحيل مضمونها في النهاية إلى مجرد ركام هائل من المعلومات التقريرية المتناثرة حيث الأفكار الأساسية في تاريخ علم النفس تعرض منفصلة عن السياق الاجتماعي التاريخي الذي نبعت منه. وأراء الرواد التاريخيين لعلم النفس تًطرح دون تعرض لأفكارهم السياسية أو لمواقفهم الاجتماعية أو للصراعات الفكرية التي خاضوها خارج نطاق تخصصهم العلمي وكأن تاريخ علم النفس في النهاية يمضي منفصلا تماما عن تاريخ المجتمع بل وعن تاريخ الفكر الإنساني عامة وكأن مؤرخي علم النفس قد اعتبروا أن مهمتهم إنما تنتهي بالوصول إلى حقائق فحسب.
ويحتوي الكتاب على عدد من الدراسات حول تاريخ علم النفس وهي: رأي في نشأة علم النفس تضمن نظرة علم النفس بين العامة وأهل الاختصاص الأكاديمي وعلم النفس بين الصعوبة والاختلاف وهي جملة الصعوبات المتعلقة بالموضوعات التي يتناولها بالدراسة حيث التفرد وعدم التشابه والتغير في مجال السلوك البشري سواء في شكله ومساره بصفة دائمة، وهي الموضوعات التي يدرسها علم النفس. وأخرى متعلقة بالمنهج المستخدم وما به من تحيز فالباحث يعد جزء من موضوع البحث بحكم كونه أنسانا ولذا فقد تكون لتحيزاته نصيب في توجيه نتائج بحثه, وصعوبة التجريب فتحقيق التجريب في علم النفس أمر بالغ الصعوبة ويتعرض لسلبيات شتى تتصل بأخلاق البحث وموضوعه، وقد عرض المؤلف لتجربته أثناء إعداد رسالته للدكتوراه حول الشخصية الإسرائيلية وما واجهه من تحيز ومحاولة التمسك بالموضوعية وكيف يمكن تحقيق ذلك دون ما تأثير على نتائج البحث.
ويضم الفصل الثاني من الكتاب ملامح النظرة المادية لنشأة علم النفس حيث نشأ علم النفس في أتون الثورة الصناعية الأوروبية وقد سيطر عليه أربعة أفكار رئيسية وهي المسمرية نسبة إلى الطبيب النمساوي فريدريك مسمر، وأفكار جوزيت جول المتعلقة بعلم الفراسة، وأفكار جون ستيوارت ميل حول العمليات العقلية ، ومجموعة من الأفكار حول الجهاز العصبي .
وعرض الفصل الثالث لمظاهر الطبقية والموضوعية وعلاقتهما بعلم النفس ونشأته وتطوره، فقد ساهم المجتمع في تطور العلم ووضع أهدافا وحدودا لذلك كما فرض القضايا الاجتماعية الملحة على العلم، وذكر المؤلف إن للبناء الإيديولوجي لرجل العلم يساهم في اختياره للمشكلات التي يتصدى لدراستها وبحثها. وعلاقة علم النفس بالعمل والمعمل حيث بدأت محاولة فهم الشعور الإنساني فهما موضوعيا انطلاقا من شعور الإنسانية بالاغتراب في المجتمع الرأسمالي والصناعي ومن ثم فإن البذور الأولى لعلم النفس الصناعي قد نشأت في إحصاء معمل فونت.
وفي الفصل الرابع تناول المؤلف بوضوح علاقة علم النفس الصناعي بالصراع الطبقي حيث إن الكثير من النتائج التي توصل إليها علم النفس الصناعي تعد جزءا من تراث المعرفة الإنسانية وإذا سلمنا بأن الاشتراكية هي الوريث الشرعي لكافة ايجابيات وسلبيات الرأسمالية فإن علم النفس الصناعي يعد جزءا من تلك الإيجابيات.
وجاء في الفصل الخامس قضية علم النفس الصناعي والاشتراكية وموقف العلم في الدولة العقائدية منذ العبودية حتى النظم الرأسمالية باعتبار العلم في هذه الدولة لا يعدو أن يكون جزء من بنية ذلك المجتمع ينعكس عليه ما فيه من صراعات وتناقضات ومن الأخطار الموجهة للعلم هنا هي خطر الذيلية والانبتار. وعرض المؤلف لخطورة الانزلاق في هوة الانعزال عن قضايا ومشكلات المجتمع أو الإغراق في التلفيقية أي محاولة خلع ثوب التقدمية على مواقف لا يمكن أن توجد ولا تثار إلا في المجتمع الرأسمالي. كما قدم المؤلف تصورا حول علم النفس الصناعي والمسار الصحيح بتغيير قوى الإنتاج الذي يجب أن يسلكه حتى تتحقق أهدافه لخدمة المجتمع ، وتضمن ذلك التصور طبيعة العلم والقضايا التي يتناولها ولذلك فلابد من مواجهة الاغتراب الذي أصبح سمة المجتمع الرأسمالي والعمل على دفع قيم الإنتاج وزيادته والتي ستؤدي بالضرورة لتغيير السلوك لدى الإنسان ولكن ببطء . كما تساءل المؤلف عن سر غياب الصراع عن دراسات علم النفس الصناعي وبخاصة في المجتمع الرأسمالي، وأكد على أن بحوث علم النفس الصناعي نشأت دون أن ترتبط بفرع من فروع علم النفس بل كانت الميدان الأساسي للتجريب في علم النفس بوجه عام.
وتناول في الفصل السادس من الكتاب قضية التفسير النفسي للتاريخ مشيرا إلى الالتزام الاجتماعي والتخصص العلمي والجهود المبكرة لعلم النفس وذكر ما واجه التحليل النفسي من عقبات وصعاب وما قدمه من حلول لقضايا سياسية واقتصادية وتاريخية على يد إريك فروم .
وعرض في الفصل السابع والثامن لقضية الأصول الطبقية لعلم النفس حيث اغتراب الإنسان ومظاهر تطور لم النفس خلال السنوات التالية لمنتصف القرن العشرين وكيف حرصت الثورة الصناعية على المحافظة على اغتراب الإنسان، وجاء في هذا الفصل أيضا أن علم النفس شأنه شأن أي علم يختلف عن بقية العلوم من حيث طبيعة القوانين النوعية التي تحكم الظواهر التي يدرسها ويتفق بدرجة تقل أو تكثر عن بقية العلوم فيما يتعلق بمشكلات المنهج العلمي وأسسه وتطبيقاته. وأن هناك إسهامات أخرى لعلم النفس وأنه من الخطر حصره بأنه لا يزيد عن كونه إسهامات في علم النفس الفسيولوجي أو بحوث التعلم التي قامت على أفكار بافلوف، فقدم المؤلف تأكيدا لذلك عرضا لدراسة حديثة في مجال الإدراك وتطوره لدى الأطفال.
ويختم المؤلف كتابه بفصل حمل عنوان "نظرة طائر" عرض فيه لعلم النفس وقضاياه وموضوعاته كما جاءت بكتاب "قضايا أساسية في علم النفس لمؤلفه ميشيل فيرتيمار وجملة هذه القضايا هي: الإنسان سيد مصيره في مقابل الإنسان ضحية المقادير. والإنسان طيب في مقابل الإنسان شرير. وحاصل الجمع في مقابل النظرة الكلية. والعقل في مقابل الجسم. والذاتية في مقابل الموضوعية. والماضي في مقابل الحاضر. والطبع في مقابل التطبع. والتبسيط في مقابل التركيب. والثراء في مقابل الدقة. والنظرية في مقابل البيانات, وعلم النفس المحافظ في مقابل علم النفس الراديكالي.
ثالثا: كتاب "علم النفس ومشكلات مجتمعنا : نحن والفلاح والمشكلة السكانية()". والكتاب في طبعاته السابقة على هذه الطبعة كان يضم عددا كبيرا من البحوث الميدانية التطبيقية حول المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالفلاح والأمية والعنف والحوادث، - ولسوف نعرض لتلك البحوث لأنه تم نشرها في مواضع أخرها من سلسلة أعماله - ولكن الطبعة الحالية قد اقتصر الحديث فيها على مشكلات تتعلق بالمشكلة السكانية وتم تناولها من خلال قطبين أساسيين هما : دعاة تنظيم الأسرة من ناحية والفلاح المصري من ناحية أخرى ولهذا عرض لمشاركة د.محمد خليل من خلال بحثه لدرجة الماجستير حول الفلاح المصري الذي عده أول المتخصصين في هذا المجال.. ولقد تم الاعتماد على هذه الطبعة الثالثة من الكتاب لما فيها من أهمية تتعلق بما كتبه المؤلف بعنوان "دعوة إلى حوار" وهي مقدمة للطبعة الثانية من الكتاب جاء فيها إشارة إلى قضيتين محوريتين أقام عليهما مصطفى زيور مؤسس قسم علم النفس بآداب عين شمس وهما حتمية الربط بين العلم والمجتمع وحتمية الحوار بين مختلف الاجتهادات الفكرية، ثم جاءت إشارة ثانية حول طبيعة الأمراض النفسية الاجتماعية مفضلا أن تكون التسمية "مشكلات نفسية اجتماعية" تتمثل في وجود نوع من المشكلات تتوسط المشكلات النفسية الخالصة والمشكلات الاجتماعية الخالصة، أو التفسير النفسي للمشكلات الاجتماعية باعتبار أن العامل النفسي هو الجذر الرئيسي لتلك المشكلات. وتفسيرا اجتماعيا لمشكلات نفسية خالصة استنادا لكون العامل الاجتماعي هو مصدر كل شيء. وهنا كانت الدعوة لنبذ تلك الأفكار للبحث عن طريق جديد لفهم الظاهرة في بعديها النفسي والاجتماعي.
والبحوث في هذه الطبعة تدور حول اتجاهات الدعاة الرسميين وغير الرسميين لتنظيم الأسرة وانتهى البحث إلى عدد من النتائج هي : يؤدي العمل في أجهزة تنظيم الأسرة إلى تعديل إيجابي في الاتجاه نحو تنظيم الأسرة بالنسبة للنساء ورجال الدين . وأن اتجاهات النساء أكثر إيجابية بشكل عام نحو تنظيم الأسرة سواء كن من المشتغلات في أجهزة تنظيم الأسرة أم في غيرها. وتعد فئة رجال الدين أكثر الفئات سلبية بشكل عام من حيث اتجاهات الأفراد نحو تنظيم الأسرة سواء كانوا في أجهزة تنظيم الأسرة أم في غيرها، وأما بحث "المصريون ونظرتهم للفلاحين دراسة في شخصية الجماعة " وتتوصل البحث إلى أن الصورة النمطية الحضرية للفلاحين تتميز بالصفات الايجابية التالية وهي مرتبة على التوالي الكرم والبساطة والهدوء والصدق والقناعة والنشاط والنظافة والتفاؤل، وأما الصفات السلبية فهي السذاجة والكسل والخبث والقذارة. وهناك مجموعة من الصفات الجدلية التي لم يحسمها التراث من الناحية القيمية وهي على الترتيب صفات المحافظة على التقاليد والتعصب للعشيرة والاستسلام للقدر والالتصاق بالأرض . ودراسة في تحليل مضمون اجتماعات لجنة تنظيم الأسرة بإحدى الفري المصرية وهي قرية كرداسة وتوصل البحث إلى أن تماسك الجماعة كما تفصح عن محاضر اجتماعات اللجنة يقل عن المستوى المطلوب وغني عن البيان أن ذلك المستوى المطلوب أمر نسبي تماما وأننا لكي نصدر بشأنه حكا دقيقا فإن علينا مقارنة نتائجنا بنتائج غيرنا ممن يدرسون الظاهرة في مواقع أخرى . وان هناك دور بارز للرائدات الريفيات وانه كان هناك إحلال وتجديد لأعضاء اللجنة وان نسبة حضور الاجتماعات كانت متوسطة وان المتطوعين كانوا أكثر حضورا ، ودراسة حول طبيعة ودور المنسقين في مشروع السكان والتنمية و تنظيم الأسرة وكانت النتائج مهتمة بمعرفة أهم الخصائص لمتوفرة في القائمين بالعمل ألتنسيقي في المشروع والتعرف على تصورات المنسقين لطبيعة العمل التنسيقي الموكل إليهم وما يعترض هذا المجال في رأيهم من عقبات وما يقترحونه من حلول . ورصد وتحليل عملية التفاعل الميداني المتبادل بين المنسقين بمستوياتهم المختلفة وبين لجمهور الذي يستهدفه المشروع كل وهو جمهور الفلاحين . وقدم البحث تصور مقترح من أجل زيادة فعالية المنسقين في مشروع السكان والتنمية . ، ونماذج من الدراسات النفسية حول الفلاح المصري. والتكوين السيكولوجي للفلاح المصري ورؤيته لقضية تنظيم الأسرة وموقف الفلاح منها حيث تبين أن نوقف الفلاح يعكس بصدق ظروفه المعيشية الاقتصادية والاجتماعية وأن أي جهد يقف عند حد دعوة الفالح إلى تنظيم الأسرة أنما هو جهد محكوم عليه بالفشل مسبقا إذا لم يصاحبه أو يسبقه سعي إلى تغيير الواقع الفلاحي اقتصاديا وصحيا واجتماعيا ومن ناحية ة أخرى فإن دعوة للفلاح إلى تنظيم الأسرة وكذلك السعي إلى تغيير واقعه لابد وأن يضع في اعتباره دائما ضرورة توافر الفهم الموضوعي المكتمل لسيكولوجية هذا الفلاح .. وأما بحث أنماط الوعي والسلوك لدى الفلاحين المصريين تجاه تنظيم الأسرة فقد خلص إلى أن مشروع السكان والتنمية يعاني نقصا خطيرا في المعلومات المنظمة والصحية والموثقة عن طبيعة أنماط الوعي السائد في الريف المصري واهم ملامح الصورة النمطية لوعي الفلاحين هي ميل الفلاح للشك في الغرباء وفي نواياهم واتجاهاتهم والتدين الصوري والشكلي يرونه يحرم تنظيم الأسرة وتحديد النسل ، وبرزت الحاجة لكهربة الريف وجود هجرة كثيرة للفلاحين داخل الحضر أو خارج الدولة وهجر الفلاحين للأرض الزراعية والاتجاه للعمل الصناعي أو الوظيفي المدني وانتشار السلوك الاستهلاكي الترفي وانتشار دور الحضانات وتأثيره السلبي على زيادة الإنجاب. ودراسة السلوك الإنجابي وتيارات الفكر العالمي. وعلم النفس والسلوك الإنجابي وفيهما استعراض لأحدث البحوث الأجنبية التي اهتمت بفحص السلوك الإنجابي والمسألة السكانية . ومن الجدير أن بعضا من بحوث الكتاب كانت ضمن نشاط وحدة البحوث النفسية التابعة لجهاز تنظيم الأسرة والسكان والتي أنشئت عام 1974. وقد كانت تلك البحوث بإشراف ومشاركة الدكتور قدري حفني مع عدد من الباحثين.
رابعا: كتاب "علم النفس الصناعي()" يقدم المؤلف كتابا يعود به لجذوره الأولى حيث درجته للماجستير في مجال علم النفس الصناعي عام 1971 فجاء الكتاب بهدف المشاركة في التدريس لطلاب علم النفس والاجتماع والخدمة الاجتماعية ويقع الكتاب في 370 صفحة متضمنا أربعة أبواب وخاتمة بعنوان : زيارة لمعمل سيكولوجي. وجاء في الباب الأول الذي حمل عنوان علم النفس الصناعي وقضية الإنتاج حديث المؤلف عن علم النفس وتقسيم العمل باعتبار الإنتاج هو الشريان الأساسي لحياة أية حضارة إنسانية، وكشف عن أن تقسيم العمل يكون بحسب الفروق العمرية والجنسية للأفراد العاملين أو أن يكون التقسيم وفقا لخصائص البيئة الطبيعية مثل الزراعية أو الصناعية أو البيئة الساحلية والصحراوية. وقد يكون التقسيم حسب العمليات المتخصصة حيث تجزئة العمل ليقوم كل فرد بعمل صغير لتكوين الكل الأكبر من عملية التصنيع فمثلا في صناعة السيارات يتم تجزئة العمل بحيث يقوم كل فرد بعمل صغير ليتم جمع تلك الأعمال بعد ذلك في كل كبير هو السيارة أو ما يشبهها . وكان حديثه عن الفروق الفردية وتحليل العمل بحسب القدرات العقلية لكل فرد من أراد العمل وذلك تجنبا لوقوع الحوادث وكذلك لزيادة القدرة الإنتاجية، والخصائص الجسمية وما بها من مواصفات عامة وخاصة كالقوة البدنية أو مظاهر الضعف في الإبصار او السمع.. ألخ والاتجاهات والقيم التي يتبناها العامل نحو العمل. كما عرض المؤلف لإسهامات علم النفس في تحليل العمل وتكمن تلك الإسهامات في تحديد الطرق الفنية التي تحدد بها الصفات الواجب توافرها لكل عمل أي أنه لابد من وجود توصيف خاص بكل عمل أو مهنة. وقام المؤلف بتقديم رؤية شاملة لتحليل الفرد – العامل – من أجل وضع الشخص المناسب في العمل المناسب والمكان المناسب له وهنا تكون الإفادة القصوى من علم النفس الصناعي حيث يوفر ذلك التحليل الكثير من القدرات المهدرة وتحقيق أقصى إنتاجية ممكنة مع توفير كل أشكال الفقد والهدر الإنساني والاقتصادي. وهناك طرق مهمة حول الكشف عن خصائص وسمات الفرد بطريقة موضوعية تبعد بنا عن الذاتية في اختيار العمال والموظفين وذلك باستخدام طلبات التوظيف التي يقدمها العمال، والسير الذاتية وما بها من الخبرات والجوانب المميزة والمهارات الخاصة والمؤهلات العلمية، وضرورة أجراء المقابلة الشخصية مع طالب العمل وتطبيق عدد من الاختبارات النفسية المناسبة لطبيعة العمل وتصحيحها بشكل موضوعي ومهني، كما عرض المؤلف لعدد من الاختبارات النفسية الشائعة في المجال الصناعي والتي تتصل بالمهارات والقدرات العقلية والميول والاتجاهات والتوجيه المهني والصناعي.
وفي الباب الثاني تناول المؤلف وقوع الحوادث في المجال الصناعي وقدم الصورة العامة لموضوع الحوادث والعوامل المؤثرة في وقوع تلك الحوادث وعلاقتها بمظاهر الجمود في الشخصية، وأكد على أن البحوث في هذا المجال قديمة لما لأهميتها في خدمة الإنتاج والمجتمع والفرد وليست حديثة فقط ومع ذلك فالاهتمام بعلم النفس الصناعي قد واكب تطور المجتمعات الأوربية. وتنقسم الحوادث إلى حوادث يصاب فيها العمال وحوادث تؤدي لخسائر مالية في عناصر الإنتاج وهناك أسباب بشرية وأخرى طبيعية للحوادث مثل نقص الخبرة والمهارة ومستوى الذكاء والإضاءة والحرارة والتعب وطبيعة العمل والعلاقات الاجتماعية بين العمال أنفسهم وصاحب العمل والخصائص البدنية لعمال والسن والخبرة وسمات الشخصية.
وتناول الباب الثالث الروح المعنوية في المجال الصناعي واهتم المؤلف بعرض مجالين هما مفهوم الروح المعنوية وتطورها والدراسات التي قامت بفهمها وبيان علاقتها بالسمات الفردية واعتبارها نتاجا للتفاعل بين الفرد والجماعة.
وفي الباب الرابع تتناول معنى الرضا المهني والعوامل المرتبطة به مثل العامل نفسه وحالته الصحية والنفسية والمزاجية وعوامل خارجية مثل ظروف العمل والإدارة والرؤساء المباشرين وعلاقة العامل بالآلات التي يعمل عليها . وحول محددات الرضا المهني تناول المؤلف المكافأة وظروف العمل المشجعة والزملاء المساندون والعمل الذي يتحدى المرء ذهنيا كمحددات للرضا المهني بوجه عام. وعلاقة الرضا المهني بصحة العامل النفسية وخلوه من الأمراض والصراعات النفسية، كما عرض لمجموعة من النظريات المفسرة للرضا المهني كنظرية الحاجات وغيرها.
خامسا: كتاب "لمحات من علم النفس : صورة الحاضر وجذور الماضي" () يقدم مجموعة من البحوث والاهتمامات الفكرية الكثيرة التي عايشها المؤلف وهي في بابين الأول منها بعنوان: تأملات في المسيرة. والثاني بعنوان: علم النفس والمجتمع. ويقول عن الكتاب في مقدمة مقتضبة لم نتعود عليها في كتبه السابقة : منذ سنوات بعيدة تلح على فكرة هذا الكتاب. كتاب يعرض لعلم النفس وعلمائه بشكل يقترب من اهتمامات المثقف غير المتخصص، بحيث يتيح له إطلالة على لمحات مما يدور وراء جدران علم النفس الأكاديمي، وعلى رؤى لتاريخ علم النفس ولسير بعض من رواده البارزين، وكذلك على نماذج مما يمكن أن يقدمه هذا العلم من الناحية التطبيقية. وحين أتيحت لي مؤخرا فرصة للنظر في أوراق لي تراكمت عبر الأعوام انتقيت منها ما توسمت أم يكون مناسبا لتحقيق الهدف، وأضفت إلى بعضها ما بدا لي مناسبا للتحديث. ولست أزعم بحال إنني بصدد تقديم صورة تقترب من الشمول لعلم النفس المعاصر بل هي اقرب للتعبير عن ابرز ملامح تصوري لهذا العلم ونماذج من محاولتي للاقتراب به من نبض المجتمع. ولا استطيع أن أزعم بحال أنها كل أو أفضل ما قدمه علم النفس لبلادنا ولكنها اجتهادات قد تتيح للقارئ أن يتذوق إمكانيات الممارسة التطبيقية في هذا المجال. ونبدأ بدراسة بعنوان: فونت بين العلم والفلسفة والسياسة يتناول فيه حياة وأعمال فونت باعتباره مؤسس علم النفس الحديث ويبدو فيه فونت فيلسوفا مثاليا يتبع فلسفة إرنست ماخ فقد كان غارقا في التفلسف حتى إذنيه قبل إنشاء معمله وكان ألمانيا متعصبا وكان سياسيا وكان اقوي دوافعه للانجاز العلمي كانت السياسة واهتم بالسياسة لدرجة انتخابه عضوا في المجلس النيابي لبادن ممثلا لمقاطعة هايدلبرج وكان مرتبطا بالحزب التقدمي الحاكم وموقفه من قضايا الصراع الطبقي موقف واضح لا لبس فيه فهو يتبني موقفا قوميا متطرفا وكان فونت عالما مهتما بمحتوى العقل والفسيولوجيا ورأي إن علم النفس يجب أن يكون تجريبيا واستخدم منهج الاستبطان وكان علم النفس يهدف في نظر فونت إلى تحليل العمليات الشعورية إلى عناصر. واكتشاف طبيعة الاتصالات بين تلك العناصر . وتحديد القوانين الحاكمة لتلك الاتصالات والروابط . وهكذا اختلطت أفكار العالم وجهوده ونتائج بحوثه بما يعتنقه من أفكار فلسفية ومذاهب سياسية.
ويتضمن الكتاب أيضا فصل بعنوان الإعلام والإنسان المصري وفيه يعرض المؤلف لإطلالة على الواقع المصري وهي تتعلق بما يبدو أنه قضايا إعلامية خالصة من منظور نفسي اجتماعي متخصص كما تدور حول الصورة التي رسمها الإعلام المصري للعامل المصري قبل يوليو 1952 ومقارنتها بالصورة التي رسمها نفس الإعلام في الستينيات وكيف تأثرت الصورة في الحالتين بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعمل فعلها في المجتمع المصري . وكذلك ما يتعلق بسينما الأطفال في مصر وصورة البطل في السينما المصرية .
كما يتناول الفصل الخاص بالاتصال الشخصي الحاجة الإنسانية للاتصال وضرورته الاجتماعية وان إغلاق منافذ الاتصال تؤدي حتما إلى المعاناة النفسية والبدنية وقد تؤدي للانهيار الكامل للشخصية ، وكان اللعب هو الشكل الأولي للاتصال وهذا الاتصال الإنساني جعل هناك ضرورية للاتصال الجماهيري وحيث زادت أعداد البشر، واتسعت الأرض المعمورة والمؤهلة للحياة عليها، وتبلورت ظاهرة السلطة المركزية ، كما ربط المؤلف برؤية عميقة بين الاتصال الشخصي والاجتماعي بقيمة العلاج النفسي بقوله : إن العلاج النفسي الحديث وفي أنماط كثيرة منه لا تعدو أن تكون تشجيعا للفرد على الخروج من قوقعته الانعزالية والاستمتاع بالتعبير اللفظي بل والجسدي أحيانا عن انفعالاته ولكن داخل هذه المرة الجدران السميكة للعيادة النفسية.
وفي فصل بعنوان سيكولوجية متلقي الرسالة الإعلامية يعرض لنا المؤلف لضرورة معرفة خصائص مستقبل الرسالة الإعلامية حتى نتمكن من معرفة كيفية التأثير عليه وأكد ذلك بقوله : لابد من معرفة دور الإشارات الحسية التي يستقبلها الجهاز العصبي ومعرفة دلالتها بالنسبة للمستقبل فهناك إشارات نمطية تحددت دلالاتها ولا سبيل لتغييرها كسماع أصوات مدفع الإفطار والأذان والأجراس، وتحديد أنواع الدوافع لدي مستقبل الرسالة ومجمل الموقف الراهن له، وقيمه ومعاييره التي تبناها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
وفي مجال علم النفس والسياسة يقدم المؤلف عددا من الموضوعات تشمل الطفل والسينما وسيكولوجية العنف السياسي ونظرة تحليلية للعنف الجماهيري تجاه السلطة، والصناعة ومقاومة التغيير، وكلها قضايا اجتماعية قدم المؤلف لها رؤية تحليلية ميدانية من منظور سيكولوجي واجتماعي من أجل النهوض بالمجتمع المصري ومواجهة مشكلاته الحياتية. ليكشف لنا عن أن جوهر العلم هو خدمة المجتمع وكم كان مهموما به ومساهما في حل مشكلاته وهنا تمتزج ملامح العالم والمفكر بإنسانيته الواعية والراعية لحق مجتمعه على ذاته وأدائه لدوره ورسالته ليصبح العالم والمفكر والإنسان هو والدور و الرسالة.
سادسا: كتاب "أضواء نفسية على الصراع العربي الإسرائيلي()" يتناول المؤلف في هذا الكتاب عددا من القضايا السياسية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي من خلال نظرة علم النفس، وبدأت تلك الدراسات بإسقاط الضوء على قضية الصراع وفيها شرح علاقة علم النفس بالصهيونية كمنظومة فكرية حديثة تبلورت مع نهايات القرن التاسع عشر تقوم على التسليم بأن ثمة مشكلة يهودية أزلية لا حل لها إلا بإقامة دولة لليهود وسرعان ما تحول الفكر الصهيوني إلى تنظيم حركي سياسي. ويؤكد على أن الصراع الحضاري مع إسرائيل سوف يستمر حتى بعد استكمال إزالة آثار عدوان 1967 إنه صراع الجيران جغرافيا المختلفون حضاريا وسكانيا وصراع أصحاب التاريخ الطويل الدامي .
وفي الدراسة الثانية التي تحمل عنوان "الخطاب الإسرائيلي بين الاستضعاف والاستقواء" وفيها قدم تفسيرا للخطاب الذي تقدمه إسرائيل من حيث الاستضعاف أمام المنظمات العالمية باعتبارهم معتدى عليهم من الفلسطينيين وفي الوقت نفسه تظهر الخطاب الاستقوائي إلي رفض كافة مبادرات السلام العربية والأوروبية والأمريكية على السواء وممارسة العنف ضد الفلسطينيين ليل نهار وهكذا يتم بث الخطابين معا خطاب الاستضعاف للتخدير وطلب العون والمساندة وتوحيد الشارع الإسرائيلي ، أما خطاب الاستقواء بحيث يفزع الفلسطينيين ومناصريهم.
وفي الدراسة الثالثة يقدم رؤيته حول فرويد والصراع العربي الإسرائيلي - وكانت هذه الدراسة الحالية تطورا ومراجعة فكرية قام بها المؤلف حول موقفه من صهيونية فرويد وقد حرص على نشر تلك الدراسة القديمة أيضا في الفصل الرابع - ويؤكد على أن فرويد صهيونى من نوع خاص فيقول "لقد بدأت الصورة تتضح. إن الصهيونية لم تكن أبدا نسيجا واحدا, وكان التباين بين تياراتها شديدا وما زال كذلك, وكان فرويد متعاطفا مع واحد من التيارات الصهيونية النشطة آنذاك, وبالتالي فقد كان معارضا لتيارات أخرى. ولم تكن تلك الحقيقة متاحة لى آنذاك. ترى ما هى ملامح ذلك التيار الصهيونى الذى كان الأقرب لفكر فرويد؟ يبدو أنه ذلك التيار الذى أشارت إليه يوديت يونج مطلقة عليه اسم "حزب السلام", وغنى عن البيان أنه مجرد تشبيه, فليس ثمة حزب من الأحزاب الصهيونية يحمل هذا الاسم. إنه تحديدا فريق حاييم أورلوسوروف. ترى من هو حاييم أورلوسوروف؟ كان فرويد إذن أقرب إلى ذلك التيار الصهيونى الذى لا ينطلق من رؤية توراتية لأرض الميعاد ولشعب الله المختار. تيار يرى ضرورة أن تكون لليهود دولتهم دون قهر لشعب آخر, وبصرف النظر عن إمكانية ذلك أو استحالته, فقد كان فرويد فى نهاية الأمر صهيونيا ولكن من نوع خاص؛ كما كان أيضا يهوديا من نوع خاص. ويذهب المؤلف إلى أن فرويد يهودى من نوع خاص : فيقول " يتفق ما سبق من موقف خاص لفرويد من الصهيونية, مع كون فرويد ليس باليهودى التقليدي, بل كان أقرب إلى ذلك الفريق من اليهود العلمانيين. لقد كان يهوديا ينتمى لتاريخ اليهود فى أوروبا, بل وفى ألمانيا بالتحديد, يشعر بمشاعر الأقلية اليهودية التى عانت ما عانت من اضطهاد المجتمع الأوروبي, ولكنه لم يكن مؤمنا بالديانة اليهودية ولا بغيرها من الديانات. لقد كان يهوديا من نوع خاص".
وفي الدراسة الرابعة التي حملت عنوان : فرويد بين العلم والصهيونية وقد ذهب المؤلف فيها إلى القول " لقد كان فرويد طموحاً إلى أقصى الحدود فيما يتعلق بالأفاق التى يرجوها لتنظيمه السياسى الصهيونى. ولم يكن يألو جهداً فى مد شبكة التنظيم إلى كل دولة يستطيع الوصول إليها. ووفقًا لما أشار إليه فروم “فقد كان للحركة منظمات أو مجموعات دولية، لكل دولة مجموعة يقودها مسئول مرتبط مركزياً، برابطة التحليل النفسى الدولية، ومركزها زيورخ. وتعمل الحركة على كسب العناصر النشيطة، علمياً واجتماعياً، وتوظيفها لخدمتها...”. وقد كان ذلك الطابع الدولى أمراً تفرضه الطبيعة الصهيونية للتنظيم الفرويدى. ولكى لا يختلط علينا الأمر بالتنظيمات الدولية العلمية الأخرى، والتى لا تأتمر بأمر قيادة سياسية سرية، يكفى أن ننظر إلى رؤية فرويد لآفاق الطابع الدولى لحركة التحليل النفسى. فهو يقرر فى كتابه عن تاريخ حركة التحليل النفسى “... إنه لمن الواضح أن القتال من أجل التحليل النفسى ينبغى خوضه حتى نهاية فاصلة، حيث تتعاظم المقاومة التى يواجهها، أى بالتحديد، فى البلدان ذات الحضارات القديمة...”. ويستطرد قائلا " وموقف فرويد من الصهيونية غنى عن البيان. وهو موقف لا يتعارض بحال مع ما هو معروف عنه من إلحاد صريح. ولقد نشر بيتر جاى المحلل النفسى، وأستاذ التاريخ فى جامعة يال عام 1987 كتابًا بعنوان بالغ الدلالة: “يهودى لا إله له: فرويد، والإلحاد، وخلق التحليل النفسي”. ويشير المؤلف، وهو أيضًا شأنه شأن فرويد يهودى ألمانى ممن عانوا من العسف النازى، يشير إلى أنه رغم أن التحليل النفسى ليس علمًا يهوديًا، إلا أنه “حركة يهودية” قامت على أكتاف يهود ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم يهودًا .فالصهيونية فى النهاية ليست موقفًا دينيًا يهوديًا على عكس ما يشيعه غالبية أنصارها، بل إنها موقف فكرى عنصرى يقوم على التسليم بتمايز اليهود عن غيرهم، وعداء هؤلاء الأغيار لهم، وأن حل تلك المشكلة لا يتأتى إلا بتمسك اليهود بيهوديتهم، وتأكيد تمايزهم، ومقاومة أية مساعى لدمجهم فى مجتمعاتهم الأصلية. وبالتالى فليس ثمة تعارض البتة بين الإلحاد والصهيونية. وبالفعل فإن إلحاد فرويد لم يمنعه من تأكيد انتمائه إلى اليهودية، بل والتزامه بالصهيونية، فكراً وتنظيماً. لقد أنضم فرويد إلى جمعية “بناى بريث” (أبناء العهد) الصهيونية منذ عام 1895، أى وهو فى سن التاسعة والثلاثين، واستمرت عضويته فيها طوال 44 عاماً حتى وافته المنية. كما ظل مواظباً لعدة سنوات، على حضور اجتماعاتها نصف الشهرية، وفيها ألقى أولى محاضراته عن تفسير الأحلام. ولقد عرفت له الجمعية الصهيونية فضله، فاحتفلت فى السادس من مايو1926 بعيد ميلاده السبعين. وكان خطاب فرويد فى هذه المناسبة بالغ الدلالة والوضوح، حيث ورد فيه: "... إن كونكم يهوداً لأمر يوافقنى كل الموافقة، لأننى نفسى يهودى.. إننى مدين بالفضل لطبيعتى اليهودية فيما أملك من صفتين مميزتين لم يكن فى وسعى الاستغناء عنهما حيال حياتى الشاقة... فلأننى يهودى، وجدت نفسى خلوا من التحيزات التى ضللت غيرى وحالت دون استخدام ملكاتهم الذهنية. وكيهودى، كنت مستعداً للانضمام إلى المعارضة وللتصرف دون موافقة الأغلبية الساحقة. وهكذا وجدت نفسى واحداً منكم، أقوم بدورى فى اهتماماتكم الإنسانية والقومية. واكتسبت أصدقاء من بينكم، وحثثت الأصدقاء القليلين الذين تبقوا لى على الانضمام إليكم..." ولكن الأمر بالنسبة إلى فرويد كان مختلفاً تماماً. فهو لم يكن مجرد عالم يهودى ملحد ينتمى الى الفكر الصهيونى ويتعاطف مع المنظمات الصهيونية القائمة، بل انه قد تفرد بإقامة تنظيم صهيونى جمع فيه باقتدار، بين أسس التنظيم السياسى السرى، والهدف الصهيونى المتميز، فى غلالة علمية جذابة حاكتها، فأحكمت نسيجها يد دربة وعقل عبقري.
ثم قدم لنا في الدراسة الخامسة رؤية نفسية عن شارون رئيس وزراء إسرائيل وجرائمه وعنفه ومذابحه التي هدفت لتقوض المقاومة الفلسطينية وكسر روحها ثم الحديث عن الصهيونية وعلاقتها ببعض الإيديولوجيات وموقف العالم العربي وقرارات الجامعة منها وكيفية التعامل معها مستقبلا.
سابعا: كتاب " كتابات في علم النفس السياسي ()" وضع المؤلف افتتاحية شاملة لموضوع علم النفس والسياسة في مصر أشار فيه لعلاقته الشخصية بالسياسة فيقول: بدأت تلك العلاقة في منتصف الخمسينيات حين التحقت بالجامعة كانت مصر تشهد تبلور ملامح يوليو 1952 كان غبار أحداث ما عرف بأزمة مارس لم يهدأ بعد ، وقبلها كانت أحداث كفر الدوار كانت كلمات الديمقراطية والإقطاع والاحتلال البريطاني والثورة بل والإسلام أيضا تتردد مختلطة بأسماء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وخالد محيي الدين وأيضا خميس والبقري عمال كفر الدوار الذين تم إعدامهم وعدلى لملموم نموذج الإقطاعي الذي حوكم وسجن وفي مثل هذا المناخ تزدهر عادة التساؤلات الكبرى عن حركة التاريخ وتوجهات المستقبل . وهنا كانت بداية تعرفي على الماركسية وعلى التحليل النفسي معا ، لقد بدت لي الماركسية الجديدة المتألقة مع اتجاهات الفرويديين الجدد بمثابة المصدر النموذجي للإجابة على التساؤلات الوطنية الكبرى التي كانت تشغل جيلي آنذاك ومضيت في طريقي إلى أن وقعت واقعة يونيو 1967 وعندها ارتجف الفكر واهتز اليقين وكان الألم أكثر عمقا وتكشف لي سذاجة التصور عن إسرائيل المزعومة وبدأت أتلفت حولي كمتخصص في علم النفس بحثا عن سبيل للتعرف على ذلك المجهول "إسرائيل" ووجدتني غارقا منذ ذلك الحين فيما خضم علم النفس السياسي . وهكذا حدث التشابه بين كل من فرويد وفونت ووليم جيمس فكلهم أنتج علما وسط تيارات فكرية وعلمية وسياسية مستعرة وكان ذلك العلم مربطا بتلك التيارات والصراعات .
وقدم المؤلف تعريفا لعلم النفس السياسي مفاده أنه ذلك الفرع من فروع علم النفس الذي يقع على منطقة التماس بين علم النفس والسياسة ، يتفاعل مع السياسة أخذا وعطاء ، ينقل من السياسة لبقية فروع علم النفس الأرضية التاريخية السياسية اللازمة لفهم وتفسير نشأة وتطور وذبول النظريات والتطبيقات النفسية، وينقل إلى السياسة من التقنيات والنظريات النفسية التي تساعد الساسة على تفسير الظواهر السياسية ، وتفيد الخطط السياسية في الحرب والسلم على السواء ومن ثم فإن لعلم النفس السياسي دور في تزويد صاحب القرار بما يلزمه من بيانات موضوعية تتعلق باتجاهات الرأي العام المحلي والعالمي الراهنة والمتوقعة بحيث يضمن للقرار السياسي أكبر قدر ممكن من التقبل والتأثير .
وإذا كان علم النفس مرتبط بالسياسة في العالم ففي مصر أيضا كان هناك ارتباك بينهما حيث قام علم النفس في مصر على أكتاف ثلة معدودة من الرواد لعل في مقدمتهم يوسف مراد ومصطفى زيور الذين اصدر مجلة علم النفس عام 1945 واستمرت حتى فبراير 1953 وموضوعات المجلة مملوءة بالموضوعات السياسية مثل موضوعات تتعلق بالجيش وحرب 1948 وساهم يوسف مراد في إدخال الخدمة النفسية في الجيش أيضا وقدم أحمد زكي صالح وعبدالعزيز القوصي خدماتهما لحركة الضباط الأحرار وظل مصطفى زيور ومصطفى سويف بالرغم من تنافرهما العلمي في مدرستين متباينتين إلا إن موقفهما السياسي كان موحدا من دعم الحرية السياسية ورفض قيام إسرائيل . وعن علم النفس السياسي في الوقت الراهن يقول : تأسست رابطة علم النفس السياسي عام 1978 وبلغ حجم عضويتها 1300 عضو وتصدر الرابطة فصلية ومؤتمر سنوي وانبثق عنها الدعوة لتأسيس فرع الدبلوماسية وعلم النفس عام 2000 ويتطلب مجموعة من المعارف والمعلومات يجب أن يتزود بها الدبلوماسي في عمله .
ويضم الكتاب عددا من الأبواب والموضوعات جاءت متناثرة في كتب أخرى ولكن عددا آخر منها لم يسبق عرضه فيما سبق وهذه الموضوعات هي : العلم والتفكير العلمي والإرهاب وفيه استرعى انتباهه أن قادة التنظيمات الإرهابية من دارسي كليات لقمة الطب والهندسة وفسر ذلك بكونهم من الذين علموا أحادية الرأي والرؤية من خلال دراستهم للعلوم الطبيعية ون مقرراتهم الدراسة تخلو من مواد تتعلق بالتفكير العلمي والتدريب عيه ، أو المنطق أو مناهج البحث أو الفلسفة أو العلوم الإنسانية بعامة . ودراسة حول العنف السياسي والديني خلص منها إلى أن محاولة القضاء على الأفكار بدعوى اجتثاث الجذور الفكرية للعنف أو للعنف المضاد ليست سوى أوهام تدحضها حقائق العلم والتاريخ معا ، فحين تحاول السلطة ذلك فإنها لا تنجح في المدى البعيد في القضاء على أي من الفكر أو السلوك وكذلك فحين يحاول المتمردون على السلطة توجيه رصاصاتهم إلى من يعتبرونهم بمثابة رموزها الفكرية فإنهم يغامرون بتعريض مجمل مسعاهم للانتكاس. وحول طريقة معالجة أثار العنف والتعصب تبنى المؤلف طريق الرصاصة مقابل الرصاصة والفكرة مقابل الفكرة والقبول بحق الأفكار جميعا في التعبير عن نفسها مهما كانت درجة الاختلاف معها أو النفور منها بما يتضمنه ذلك القبول من تسليم واع بما سوف ينجم عنه من فوضى فكرية ، إن فوضى الأفكار أقل ضررا من إرهاب العنف وضجيج الكلمات مهما كان ما يسببه من إزعاج أهون كثيرا من صوت لعلة الرصاص .
وحول الشخصية العربية تناول المؤلف مقومات وخصائص الشخصية العربية والصور النمطية المأخوذة عنها ، وبداية دراسة الجماعة وخصائصها ربما كانت مع كتاب لازاروس وستاينتال بعنوان سيكولوجية وفلسفة الشعوب وكتاب فونت بعنوان علم الأخلاق دراسة في حقائق وقوانين الحياة الروحية وكتاب ماكدوجل بعنوان عقل الجماعة وكتاب جينزبرد بعنوان سيكولوجية المجتمع وكتاب باركر بعنوان الطابع القومي والعوامل المساهمة في تكوينه . وكانت كل تلك البحوث تحاول استكشاف متعمق لمجتمعات منفردة وبعد ذلك حاولت خدمة أهداف سياسية مباشرة بما فيها الحروب العالمية التي شهدنها تلك الفترة من القرن العشرين ، وتضمن البحث الحالي تحليل لمضمون التنشئة الاجتماعية باعتبارها بوتقة الانتماء للإنسان العربي , وعوامل تماسك الجماعة العربية وتناقص قدرة الجماعة على الإشباع لحاجات الأفراد كسبب مباشر لتهديد التماسك واكتساب الجماعة خصائص كريهة وأهمية الموقع الجغرافي وخصائص السكان في العالم العربي وعوامل تجمع العرب كاللغة والإسلام والتاريخ الواحد والجغرافيا السهلة .











[HEADING=3]1 commentaire[/HEADING]


علي لفته سعيد
مبارك لك كبيرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى