محمد السلاموني - عن (الشعور بالذنب ولعبة الطغاة) :

ينتج الإحباط عادة عن الفقدان ؛ فقدان الأمل وما يستتبعه من شعور باليأس ...
هذا والأمل ، فى حقيقته ، (سؤال) متعلق بالمستقبل ...
مما يعنى أن (الإحباط) - فى نهاية الأمر - هو إنهيار الأمل فيما سوف يأتى...
هذا والشعوب التى تتعايش مع الإحباط ويصير جزءا من حياتها اليومية - نظرا لاعتيادها عليه لقرون طويلة - هى تلك التى يتصف وجودها بكونه وجودا شبحيا ، مما يجعلها تحيا على الحافة من كل شئ ، وتعانى من التهديد الدائم والمتواصل بالإنزلاق نحو المجهول ، وهو ما يتراءى لها فى الأحلام والكوابيس ، وينعكس بوضوح فى سردياتها الفولكلورية والميثولوجية ، والدينية وغيرها أيضا ...
كما أن الشعور بالإحباط يتلازم قسرا مع الشعور بالذنب (تجاه الموتى – لاسيما هؤلاء الذين كان موتهم مجانيا ، ولم تستطع الجماعة حمايتهم وإنقاذهم من ذلك المصير غير الحتمى) ...
ما يعنينى هنا - وتواصلا مع نظرية (فرويد) عن نشأة الدين من الشعور بالذنب الناتج عن قتل الأب - هو الكيفية التى يعمل بها (الطغاة) على تأجيج (الشعور بالذنب) لدى (المحكومين) ، فى إطار لعبة السلطة ..
إلقاء الشعوب فى أتون الشعور بالذنب ، هو الذى يحيى عقيدة الموتى ؛ بتحويلهم إلى (رموز متعالية) ؛ إذ يتم دمجهم رمزيا فى التراث الثقافى، مما يعنى أن (الرمز) يتحول إلى مقبرة جماعية حاوية لرفات (الموتى المبدأيين : كالشهداء مثلا ، وكل الذين يصيبهم الموت جرّاء الدفاع عن مبدأ أو عقيدة ...) .
ما يفعله (الطغاة) هنا ، هو أنهم يغذون (الشعور بالذنب) بالوقود اللازم للإبقاء عليه مستعرا ، ذلك أنه هو الضامن السيكولوجى لإعادة إنتاج (الخضوع) ...
ولا يعنى (الخضوع) هنا ، التمسك بالمبادئ التى ناضل من أجلها الشهيد ، ذلك أن رهان الطغاة عادة ما يرتكز على تجريدية الرمز ؛ تلك التجريدية التى تعمل بدأب على (محو الواقع التاريخى - بكل ما يشتمل عليه من وقائع وأسماء محددة) ؛ فـ (الوطن) - على سبيل المثال - تحول الآن إلى رمز مجرد ؛ إلى (مقبرة جماعية) / ولنا أن نلاحظ أن هذا التعبير ، بقدر إرتباطه بالموت فإنما يرتبط حتما بـ (المقدس) ..
عملية الدمج هذه (بين الأسطورة والتاريخ) ، عن طريق الرموز ، هى التى تلقى بالجماعة الشعبية فى متاهة المقدس (المبتلع للجماعة ذاتها - بماهى تاريخ آخر ، تم السكوت عنه ، بإذابته فى شفرة المقدس الغامض) ...
لإيضاح الأمر أكثر ، دعونا نتخذ مثالنا من (داعش) :
(داعش) هى الشعور بالذنب حين يفاقم نفسه بداخلنا ، حين يتلهَّب كبركان ، وتصل ناره عنان السماء ... (داعش) هى (المقدس الوحشى) الكامن بداخلنا .. / وقد أشرت فى مقال سابق إلى أن الثورة المصرية تحمل فى طياتها دلالة إنقلاب الإبن على سلطة الأب ؛ برفض الأبن خرافة التضحية الإبراهيمية بالشاة الذبيحة كبديل عنه ، فى مقابل خضوعه لسلطة الأب ..
وقلت بأن (داعش) هى الذاكرة السلطوية الدينية (التى تتأسس عليها بنيتنا الثقافية) ، أى أن (داعش) هى رمز السلطة التراثية العتيقة ، التى يعيد بها (الأب - السلطة ، الطغاة) تذكيرنا (بوثيقة التضحية ؛ أو العتق من الذبح بشرط الخضوع) ..
الشعور بالذنب - الذى يجتاحنا (عقب رؤيتنا لمشاهد الذبح المتكررة ، التى تأتيها داعش - وكلها تتمحور حول ذبح الشباب تقريبا) ، هو الشعور بالعجز (عجزنا) عن (إنقاذ الأبن) ، وهذا ما يريده (الطغاة) تحديدا ...
هكذا ، يمضى موت الأبن فى مسار دلالى (دينى - سياسى) محدد ، فعندما نضع ما تفعله (داعش) إلى جانب (ضياع حق الشهداء المصريين - بتبرئة مبارك وعصابته) ، مضافا إليه (إعتقال الآلاف من الشبان الثائرين) ، فضلا عن (الشعور بالإحباط ؛ الذى غمر الأجيال الجديدة ؛ إلى الحد الذى أعلن فيه بعضهم عن رغبته فى التخلى عن الجنسية المصرية) ... يبدو لنا بوضوح يند عن الوصف ، كيف تحول (رمز الوطن) إلى محرقة ومذبحة وسجن .
ــــ الخلاصة : الطغاة يعملون معا ، يكمل عمل أحدهم عمل الآخر ، فهل لنا أن نعى العلاقة الوطيدة بين الدين والسياسة ، ونكف عن الخضوع لسلطة الشعور بالذنب والتيه فى سراب الرموز المجردة (بما هى المكان الذى تختبئ فيه السلطة الصانعة لمصيرنا) ؟ ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى