سيدي الفاضل
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
أشاهد برنامجكم الجميل "سيداتي سادتي" الذي يُذاع هذه الأيام على تلفاز "العربي" واستمتع كثيراً بما تُقدِّم من مادة معرفية مهمة، فأنتم من تلك المدرسة "الجاحظية" العظيمة التي تُعلّم الفهم والتفكير المستقيم وتنبذ التفكير الأعوج، وهذه المدرسة قلَّ عدد صفوفها وروادها -بل قُل أُغلقت- في أيامنا العجاف هذه، وراحت تضمحل -كما تعلمون-عاماً بعد عام في ثقافتنا العربية. لذلك لي الشرف في أن أكون من تلاميذ صفكم في هذه المدرسة.
سيدي، أنا لا أكتب هذه الرسالة في مديح عملكم -مع أنه يشهد الله يستحق المديح- ولكن غايتي من هذه الرسالة هي التقريع، وأنتم على دراية بالمثل القائل: "إنَّ العصا قُرعت لذي حُلم" وأنتم كما أعلم من حُلماء العرب، وصدركم أرحب من سماء صيفية صافية، وفي المثل: أحلم من الأحنف. وهو الأحنف بن قيس، وكنيته: أبو بحر، واسمه صخر، من بني تميم، وكان في رجله حنف، وهو الميل إلى إنسيه. وكان حليماً موصوفاً بذلك، حكيماً معترفاً له به. قال قيس ابن عاصم المنقري: حضرته يوماً وهو يحدثنا إذ جاءوا بابن له قتيل، وابن عم له كتيف، فقالوا: إن هذا قتل ابنك هذا، فلم يقطع حديثه، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إليهم فقال: أين ابني فلان؟ فجاءه، فقال: يا بني قم إلى ابن عمك فأطلقه، وإلى أخيك فادفنه، وإلى أم القتيل فأعطها مائة ناقة فإنها غريبة لعلها تسلو عنه.
لذلك آمل أن أكون من مريدي فيلسوف المعرة في قوله: "خفف الوطء" وانظر إلى كتابة هذه الهمزة على السطر ما أقبحها، وقد دوَّخت تلاميذ المرحلة الابتدائية، وبسببها مقتوا النحو وكرهوا العربية من "راسها لساسها".
سيدي، أما من وسيلة لجعل كتابة الهمزات أيسر لطلاب المرحلة الابتدائية بحيث ننتهي من هذه المشكلة الحقيقية والتي يُعاني منها تلاميذ هذه المرحلة معاناة شديدة. وأتذكر هُنا بأنه في سبعينيات القرن العشرين كان مُدرِّس اللغة العربية شاعراً مجيداً في مدينة "إدلب" في الشمال الغربي من سورية في مدرسة "النهضة الإسلامية" التي تعلمتُ فيها واسمه "بديع معلم" وله ديوان شعر مطبوع، وكان مُدرساً -يشهد الله- فذَّاً ولكن كان يطلب منَّا ونحن في الصف الثاني أو الثالث الابتدائي أن نكتب كلمة "شؤون" مئة مرة في عدة صفحات في دفاترنا المدرسية، هي "جزاء" ما اقترفت أيدينا من أخطاء في كتابة الهمزات في مذاكرة الإملاء. ونكتشف بعد سنوات بأن أهل الخليج ومصر يكتبون كلمة شؤون في صُحفهم وكُتبهم "شئون" الهمزة على نبرة، على غير ما نرسمها في بلاد الشام على واو، ولكل منَّا حجته في ذلك. طيب، ما ذنب التلاميذ هنا؟ وما ذنب "سيبويه" حتى نُكيل له الشتائم بمكيال أكبر من مكيال سيئات الكافر؟
ولكم مني أجمل التحيات العطرات من المرتفعات الجبليَّة في مدينة إزمير على شاطئ بحر إيجة.
مساء يوم الجمعة تاريخ 10/12/2021
مودتي
سيداتي سادتي عارف حجاوي
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
أشاهد برنامجكم الجميل "سيداتي سادتي" الذي يُذاع هذه الأيام على تلفاز "العربي" واستمتع كثيراً بما تُقدِّم من مادة معرفية مهمة، فأنتم من تلك المدرسة "الجاحظية" العظيمة التي تُعلّم الفهم والتفكير المستقيم وتنبذ التفكير الأعوج، وهذه المدرسة قلَّ عدد صفوفها وروادها -بل قُل أُغلقت- في أيامنا العجاف هذه، وراحت تضمحل -كما تعلمون-عاماً بعد عام في ثقافتنا العربية. لذلك لي الشرف في أن أكون من تلاميذ صفكم في هذه المدرسة.
سيدي، أنا لا أكتب هذه الرسالة في مديح عملكم -مع أنه يشهد الله يستحق المديح- ولكن غايتي من هذه الرسالة هي التقريع، وأنتم على دراية بالمثل القائل: "إنَّ العصا قُرعت لذي حُلم" وأنتم كما أعلم من حُلماء العرب، وصدركم أرحب من سماء صيفية صافية، وفي المثل: أحلم من الأحنف. وهو الأحنف بن قيس، وكنيته: أبو بحر، واسمه صخر، من بني تميم، وكان في رجله حنف، وهو الميل إلى إنسيه. وكان حليماً موصوفاً بذلك، حكيماً معترفاً له به. قال قيس ابن عاصم المنقري: حضرته يوماً وهو يحدثنا إذ جاءوا بابن له قتيل، وابن عم له كتيف، فقالوا: إن هذا قتل ابنك هذا، فلم يقطع حديثه، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إليهم فقال: أين ابني فلان؟ فجاءه، فقال: يا بني قم إلى ابن عمك فأطلقه، وإلى أخيك فادفنه، وإلى أم القتيل فأعطها مائة ناقة فإنها غريبة لعلها تسلو عنه.
لذلك آمل أن أكون من مريدي فيلسوف المعرة في قوله: "خفف الوطء" وانظر إلى كتابة هذه الهمزة على السطر ما أقبحها، وقد دوَّخت تلاميذ المرحلة الابتدائية، وبسببها مقتوا النحو وكرهوا العربية من "راسها لساسها".
سيدي، أما من وسيلة لجعل كتابة الهمزات أيسر لطلاب المرحلة الابتدائية بحيث ننتهي من هذه المشكلة الحقيقية والتي يُعاني منها تلاميذ هذه المرحلة معاناة شديدة. وأتذكر هُنا بأنه في سبعينيات القرن العشرين كان مُدرِّس اللغة العربية شاعراً مجيداً في مدينة "إدلب" في الشمال الغربي من سورية في مدرسة "النهضة الإسلامية" التي تعلمتُ فيها واسمه "بديع معلم" وله ديوان شعر مطبوع، وكان مُدرساً -يشهد الله- فذَّاً ولكن كان يطلب منَّا ونحن في الصف الثاني أو الثالث الابتدائي أن نكتب كلمة "شؤون" مئة مرة في عدة صفحات في دفاترنا المدرسية، هي "جزاء" ما اقترفت أيدينا من أخطاء في كتابة الهمزات في مذاكرة الإملاء. ونكتشف بعد سنوات بأن أهل الخليج ومصر يكتبون كلمة شؤون في صُحفهم وكُتبهم "شئون" الهمزة على نبرة، على غير ما نرسمها في بلاد الشام على واو، ولكل منَّا حجته في ذلك. طيب، ما ذنب التلاميذ هنا؟ وما ذنب "سيبويه" حتى نُكيل له الشتائم بمكيال أكبر من مكيال سيئات الكافر؟
ولكم مني أجمل التحيات العطرات من المرتفعات الجبليَّة في مدينة إزمير على شاطئ بحر إيجة.
مساء يوم الجمعة تاريخ 10/12/2021
مودتي
سيداتي سادتي عارف حجاوي