اقترب الهجانة من "البربخ" ثمة قول: هذا المكان تسكن عنده الجنية التى خرجت يوم مقتل العمدة، ولأن الحكاية في ليالي الشتاء الطويلة تحتاج المسامرة، وتثير الخوف فقد انزويت في ركن السرير جوار الحائط الطيني ذي الرائحة العتيقة، والتى تشي بأنفاس أجدادي الذين سكنوا المنزل العتيق، جدتي ماهرة في السرد ،ومن يومها كلما جاء المطر، وحين تهب الحسومات برعدها وبرقها، الكفر يضاء بمصابيح "الجاز" تلك منتهى الرفاهية ، ويعلو "صندرة " جدتي صندوق خشبي أتى به جدي "لبيب" لقد كان آخر من حج على الجمال،ومن يومها تحصل جدي على ذلك اللقب العظيم، يركب أتانه وكلما مر عليه ملأ من الناس وقفوا له إجلالا وهيبة،فقد مشى جمله في بلاد الحجاز، نحن آل الحاج لبيب نفتخر دائما بهذا، لكن ولأن البعوض يعرف طريقه إلى المستنقعات، تسلل الفأر إلى عزبة الأوقاف التهم كل خزانة القمح،إنه ماهر استغل مهارته في ألاعيب الحواة، لقد رابى في البورصة، ولأن سرج الجواد يلمع في شمس الضحى،اغتر الجميع فتنافسوا أن يكون العمدة أحدهم، أقرضهم بل وفي الليل يعطي لنفسه الحق في أن يتلصص على الحكايات التى تدور في مخادع ذات الستائر الحمراء حتى ولو كانت الأبواب موصدة بحجر ثقيل،لم تكتمل بعد الحكاية أوقع بخبث طويته بين آل حرب وآل الطيب،ولأن لكل قبيل سمته،وبه علامة تشي به من فأل اللقب،اشتعلت نيران أوقدها،حاول الحاج لبيب محاولة المتدبر المتلمس انتماء لآل الطيب أن يدفع عنه،وفي ذات ليلة غاب القمر،أتى الشر عند "البربخ" هناك خرجت تلك الرصاصات غادرة ؛نالت منه فوقع عن جواده،ومن يومها نار،والقوم هناك تحزبوا،البيوت علتها الكآبة ،اتشحت النسوة بالسواد،جدي غادر القرية،لم تعد آمنة،ظللنا هكذا لاجئين،نترقب أحداثها،نتعلل بتلك الأحاجي،جدتي الحنون التى تعود بجذرها لآل الطيب،استشرفت كل الأمكنة التى دارت في سردها:الزاوية،مقابر المجرية،عزبة الأوقاف دوار الوسية،نعم أنا تذكرت،القرية كانت تقبع عند ضفة النهر،حين اشتعلت النيران بها في أربعينيات القرن جاءت الأميرة" شويكار" عند دوار الشيخ هنداوي ذلك الرجل من آل الطيب،أعطت الأمهات ثيابا وأغطية،لكن ولأن الملوك لا يحفلون بتلك الجزئيات،عاد فنال من تلة "الخير الملكية" يومها سرقت كل الهبة،ولأنه يحتال؛رصدته عين الحاج لبيب،لقد كان يحرس دوار الشيخ هنداوي،هوى بعصاه على الجرذ،صاح في ألم:السماح ياحاج لبيب،ولكن اشترط إن تركه أن يعطيه أرض المعاش،ومن يومها ونحن نمتلكها ولكن الأوراق يكتبها دائما المدلسون فتبدلت،لم تكن غير وقف والآن طردنا منها،لا يهم فيكفي أن تكون الساقية التى تربض عند جسر السكة الحديد ما تزال تحتفظ بلقبها "ساقية لبيب" مجرد لقب لنا،تعاودني ذكرى الحنين إلى أرض جدي،يا لعبق الحكاية!
مات الجميع،وما تزال شخوصهم تتبادلها حكايات السمر،لم يعد من هؤلاء غير أبي وبعض الكبار،إنهم يعرفون سر عزبة الأوقاف،إنه يعشق التزييف،يحاول جاهدا أن يمحو ذاكرة الجيل الحالي،كل آونة تدور فتنة،لم يبق لآل الجرذ غير هذا،أن تدور ولكن غاب جدي!
مات الجميع،وما تزال شخوصهم تتبادلها حكايات السمر،لم يعد من هؤلاء غير أبي وبعض الكبار،إنهم يعرفون سر عزبة الأوقاف،إنه يعشق التزييف،يحاول جاهدا أن يمحو ذاكرة الجيل الحالي،كل آونة تدور فتنة،لم يبق لآل الجرذ غير هذا،أن تدور ولكن غاب جدي!