محمد الكلابي - أين نجمتي انا؟

وأنا اقرأ مذكرات نلسن مانديلا- مسيرة طويلة الى الحرية - بكيت مرات عديدة. بكيت حين عرفت ان مانديلا لم يكن اسمه بل هو اسم اعطته إياه معلمته في الابتدائية لأن الانسان المتعلم لا يمكن ان يحمل اسما افريقيا كاسمه الأصلي-زهوسا. وبكيت وانا اقرأ كيف كان يتمنى ان يكون مواطنا من الدرجة الثانية او الثالثة في الإمبراطورية البريطانية.
في كل لحظات تفاعلي مع الكتاب كنت اتفاعل مع انسان اخر، يلامسني لكنه لا يتكلم عني حتى وصلت الى فقرة كان يتكلم فيها عن اول مرة شعر فيها بأن الوجود كمواطن من درجة ثانية لا يكفي للحصول على إنسانية كاملة.
اثناء قراءة الكتاب، كنت اشعر مثل مانديلا بأنني مواطن من الدرجة الثانية، لكنني كنت قد تقبلت الموضوع فأنا مهاجر من الشرق الاوسط يعيش في أوروبا والاوروبي يعاملني معاملة افضل من معاملة اهل بلدي ليًّ في كل مرة اضطررت أن اخبرهم انني شيعي- كنت مواطنا من الدرجة الثانية وربما الثالثة في العراق وأصبحت مواطنا من الدرجة الثانية في أوروبا وحقوقي كانسان في أوروبا افضل من حقوق المواطن العراقي من الدرجة الاولى فما حاجتي بالتذمر؟
يقول مانديلا في كتابه انه كان واقفا في كلية الحقوق حين جاء شاعر افريقي ليقرأ بعض قصائده فقرأ قصيدة بالإنكليزية وصفق له الأساتذة الانكليز كما يصفقون لدبٍ قدم عرضا في السيرك، حينها توقف الشاعر ورمى أوراقه وقرأ قصيدة بلغته التي كانت أيضا لغة نلسن. قال في قصيدته شيئا عن النجوم في السماء وكيف انه حاول ان يكون انكليزيا فكان كالقمر لكنه أضاع نفسه في الصباح، وحاول ان يكون افريقيا يعشق بريطانيا فكان كنجمة أضاعت مكانها في السماء، ثم تذكر أصله فعاد ليكون دليل الشمس في انبعاث نورها.
في لحظة قراءة تلك الصفحة من الكتاب لم ابك على مانديلا بل بكيت على نفسي- فمن انا حقيقة؟ شيعي من شيعة العراق؟ ابن مجموعة دينية كبيرة هل انا عراقي حقا؟ ما ليَّ اشعر بأن العراق بلد طردني من يسكنه قبل ان يطردني من يحكمه؟ هل انا الأوروبي الذي احرقته شمس العراق واحرقت روحه؟ اما انا مواطن عالمي في عالم ما زال يرفض عالميته؟
اليوم اجدني اتعرف على نجمتي في هذه السماء الواسعة وكلما ازداد نقاء الليل كلما رأيتني افضل- انا انسان له حق الاختيار. له حق ان يقبل وان يرفض. ان يتدين وان يلحد. ان يشعر بالانتماء الى أي شيء او يشعر بأنه عدم ولا شيء. ان يتحسس بصدق انه مات قبل ان يولد او انه لم يولد بعد او انه سوف يحيا الى الابد. نجمتي هي انا تلمع، تنطفئ، تتحرك ثم تتجمد.
أتركوني في حيرتي فحيرتي هي حريتي. لا تخبرونني من انا! لا تخبروني عن عفتكم وما عساي ان اشعر او كيف اعشق او ادير حياتي فأنا مثل كل شيء ولدت دون خيار وأريد ان تغرب الشمس كي أجد نجمتي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى