تجوب حارتنا حكايات مالها حصر، آلاف جاءوا ثم مضوا دون أن يتركوا بصمة، في بلاد تنام من المغرب وتصحو على سياط الذل، وحدها تفرد مساحة من ذاكرتها، أسرار خفية احتفظت بها؛ يوم ضرب وباء الكوليرا الناس؛ مات كثيرون، كان الطوفان الأصفر مثل رياح الخماسين غطى سماء المحروسة، تدوي صافرات الإنذار في فزع، يتملك الناس الخوف؛ يقول عم المواوي: هتلر زحف بجيشه مثل الثعبان؛ يقترب من الإسكندرية، مصيبة كبيرة لو تقابل مع جيش الاحتلال الإنجليزي في المدينة؛ ابن أبو مندور- ربنا يقهره- فرحان؛ ولد مجنون يلف في الحارة ويتطوح وهرتل بكلام غريب؛ حافي ولو لقي فردة حذاء على الكوم وضعها على رأسه؛ ويا سلام ليلة العيد يغطس في النيل؛ ويمكن يستهبل ويخرج عريانا؛ ومن تحت عيونهن البجحة تتشوفه النسوان، هل هو الاشتهاء في زمن كان الرجال يعاقبون بالخصي؛ حتى لا يمارسوا رجولتهم في الخفاء؟
سألتها: ومن أين تأتي البشر، إذا كان الرجال مصابين بالعجز؟
ضربتني في خدي، رمت بالتراب في عيني، اسكت، الخواجه وحده مسموح له بركوب الخيل في الكفر، بنات تحل من على حبل المشنقة، عرائس في طلعة الربيع، في القصر حناء وعسل وقرص خد الجميل.
أم أن النسوان يعجبهن ما يكون غريب الأطوار؟ حتى ولو كانت لأبله؛ حديث عصاري تحت شجرة التوت العاقر؛ كل شيء هنا يحمل سر فنائه، البشر والحجر بل حتى الملك نفسه حاصروه ، يلقون الجوعى عراة لأسود قصر النيل، حكاية بلد مكتوب عليه الحيرة؛ محروم من الفرح، دائما يلبس ثوب الحداد.
هل يكون فقر وقلة حيلة؛ من كرابيج الخواجات؛ وسية والكل فيها عبد؛ ومولانا الملك منشغل بالجميلات؛ وآخر المتمة مد نسبه الطاهر وزوج أخته فريدة من شاه إيران، خلينا في حالنا، السواقي عطشانة والنداهة كل يوم حدأة تخطف أجمل البنات.
والقلعة سجن كبير، والبلد في سكة ندامة تزحف فيها ديدان الأرض، قضبان الدلتا إلتوت وسكنتها الفئران، وجه المحروسة فيه ندوب من ليالي الخمر وطول السهر في شارع محمد علي ألف غجرية تبيع الهوى في درب سعادة تحرسهم عساكر الدورية.
ابن أبو مندور ماشي في الكفر يهرتل؛ يقول المواوي:
يوم زواج الملك كل الكفر سيلبس حذاء جديدا، ويمكن نركب كلنا قطار الدلتا ونبارك لمولانا عند قصر عابدين. زينة ورايات وطبل وزمر وخيل تجري في الساحة؛ ومولانا يشير إلينا من شرفة القصر، ونرجع الكفر الحزين وسط البراري والحامول نغني لمولانا؛ وجمال طلعته وعلو مقامه؛ بلد تعرف المغنى وتنام في الخرابة.
في بلادنا تأتي الحكمة من أفواه المجانين، يا عزيز يا عزيز ؛ كبة تاخد الإنجليز، يوم ما جاءوا يسننوها كتبوا إنها من مواليد هوجة عرابي، هي لا تعرف غير إن المحروسة بلد مبارك، تعبت من النداهة؛ ضحكت عليها؛ طبعا جدتي تسح حكايات؛ وأنا خليفتها؛ ماتت ولم تسر إلي بكل ما اختزنته في حجرة الفرن في ليالي الشتاء الطويلة، يبدأ العفاريت في الحركة، ينصتون إليها، على فكرة؛ جدتي هذه كانت مؤاخية جنية، عندها كلام منسق؛ لا تعرف القراءة ولا الكتابة؛ تذكرت العلبة السوداء التي كانت تتكلم بالليل" راديو" قديم؛ صنعه الخواجة ماركوني الإيطالي؛ تظل جدتي تحكي في متواصلة لا تنقطع حتى آذان الديوك؛ تخطو أقدام مفزعة، مواء القطة السوداء عند عتبة الباب الخشبي المجوف؛ تتمايل أشجار الكافور، دوي الريح أصوات عفاريت في الظلام، من نصف عصر تغلق البيوت على من فيها؛ العسكري الأحمر، ستي قالت إن نسوان الخواجات حلوين، طول عمري وأنا أبحث عن واحدة عينها خضراء وشعرها أصفر؛ كل البنات في حارتنا سود؛ والبنت الحلوة خطفها ابن العمدة؛ حتي النسوان قسمة ونصيب في كفرنا الغلبان.
يضرب كل من يقابله، حتى الغجر الذين لا يقدر عليهم إلا رب القدرة- يصبغون الحمير؛ يلعبون بالبيضة والحجر؛ اختفوا تحت عباءة الليل المظلم، كل واحد هرب بعياله؛ سكن البيوت الرعب؛ السلطة شديدة، والتجريسة في الحارة فضيحة؛ أقوى شنب فيها لو تعاظم يلبس جلباب امرأته؛ ولا يحرؤ واحد أن يعصي الكلام،
منك لله يا جدتي، ابتليت بالحكي؛ أخذتني من أمي؛ أبي عاجز، والعيال كثيرة والفقر مد غطاءه علينا، كنا نقتسم حبات الأرز، على أية حال هرب" روميل" ويومها العمدة جمع الكفر كله؛ والخفراء جرسوا ابن أبو مندور؛ سألتني صغيرتي: يعنى أيه؟
ركبوه حمار بالمقلوب: لبسوه جلابية ستوته العايقة؛ ربطوا له ضفيرة، وكانت حفلة!
ومن يومها وكبر الخوف في كفر أبو مندور؛ سكن الوطواط بوابة الجامع الكبير؛ تغيرت الملامح؛ على كل الألوان تلد النسوان، حتى إن الأولاد تاهت في بعضها؛ غير معروف من لعب في الجينات الوراثية؛ يمكن واحد من أصحاب السوق الذين اعتدوا في السبت عمل خلطة سرية؛ زمان كان عريف الكتاب يخدع سيدنا، يقلده ويحكي لنا حكايات عجيبة؛ القرد ميمون أحب غزالة؛ جرى وراءها، سرق لها سباطة موز، أحضر التمر من أعلى النخلة، سرح به الخيال، نسى نفسه؛ وقع مات.
بهانة بائعة الفجل أسمت ابنتها الكبرى " ديانا" والله البنت عسل؛ يمكن يضرب معها الحظ وتعرف ولد مثل " دودي".
وجدها المواوي حكاية يضرب بها الموسم الجديد، يبدأ بمولد سيدي البدوي وتكون الجمعة اليتيمة قدام ساحة سيدنا الحسين.
وتحضر لي جدتي حمصا وفولا نابتا، وطبلا وشخاشيخ؛ وديكا يرقص، وببغاء يردد الصوت الأخير.
سألتها: ومن أين تأتي البشر، إذا كان الرجال مصابين بالعجز؟
ضربتني في خدي، رمت بالتراب في عيني، اسكت، الخواجه وحده مسموح له بركوب الخيل في الكفر، بنات تحل من على حبل المشنقة، عرائس في طلعة الربيع، في القصر حناء وعسل وقرص خد الجميل.
أم أن النسوان يعجبهن ما يكون غريب الأطوار؟ حتى ولو كانت لأبله؛ حديث عصاري تحت شجرة التوت العاقر؛ كل شيء هنا يحمل سر فنائه، البشر والحجر بل حتى الملك نفسه حاصروه ، يلقون الجوعى عراة لأسود قصر النيل، حكاية بلد مكتوب عليه الحيرة؛ محروم من الفرح، دائما يلبس ثوب الحداد.
هل يكون فقر وقلة حيلة؛ من كرابيج الخواجات؛ وسية والكل فيها عبد؛ ومولانا الملك منشغل بالجميلات؛ وآخر المتمة مد نسبه الطاهر وزوج أخته فريدة من شاه إيران، خلينا في حالنا، السواقي عطشانة والنداهة كل يوم حدأة تخطف أجمل البنات.
والقلعة سجن كبير، والبلد في سكة ندامة تزحف فيها ديدان الأرض، قضبان الدلتا إلتوت وسكنتها الفئران، وجه المحروسة فيه ندوب من ليالي الخمر وطول السهر في شارع محمد علي ألف غجرية تبيع الهوى في درب سعادة تحرسهم عساكر الدورية.
ابن أبو مندور ماشي في الكفر يهرتل؛ يقول المواوي:
يوم زواج الملك كل الكفر سيلبس حذاء جديدا، ويمكن نركب كلنا قطار الدلتا ونبارك لمولانا عند قصر عابدين. زينة ورايات وطبل وزمر وخيل تجري في الساحة؛ ومولانا يشير إلينا من شرفة القصر، ونرجع الكفر الحزين وسط البراري والحامول نغني لمولانا؛ وجمال طلعته وعلو مقامه؛ بلد تعرف المغنى وتنام في الخرابة.
في بلادنا تأتي الحكمة من أفواه المجانين، يا عزيز يا عزيز ؛ كبة تاخد الإنجليز، يوم ما جاءوا يسننوها كتبوا إنها من مواليد هوجة عرابي، هي لا تعرف غير إن المحروسة بلد مبارك، تعبت من النداهة؛ ضحكت عليها؛ طبعا جدتي تسح حكايات؛ وأنا خليفتها؛ ماتت ولم تسر إلي بكل ما اختزنته في حجرة الفرن في ليالي الشتاء الطويلة، يبدأ العفاريت في الحركة، ينصتون إليها، على فكرة؛ جدتي هذه كانت مؤاخية جنية، عندها كلام منسق؛ لا تعرف القراءة ولا الكتابة؛ تذكرت العلبة السوداء التي كانت تتكلم بالليل" راديو" قديم؛ صنعه الخواجة ماركوني الإيطالي؛ تظل جدتي تحكي في متواصلة لا تنقطع حتى آذان الديوك؛ تخطو أقدام مفزعة، مواء القطة السوداء عند عتبة الباب الخشبي المجوف؛ تتمايل أشجار الكافور، دوي الريح أصوات عفاريت في الظلام، من نصف عصر تغلق البيوت على من فيها؛ العسكري الأحمر، ستي قالت إن نسوان الخواجات حلوين، طول عمري وأنا أبحث عن واحدة عينها خضراء وشعرها أصفر؛ كل البنات في حارتنا سود؛ والبنت الحلوة خطفها ابن العمدة؛ حتي النسوان قسمة ونصيب في كفرنا الغلبان.
يضرب كل من يقابله، حتى الغجر الذين لا يقدر عليهم إلا رب القدرة- يصبغون الحمير؛ يلعبون بالبيضة والحجر؛ اختفوا تحت عباءة الليل المظلم، كل واحد هرب بعياله؛ سكن البيوت الرعب؛ السلطة شديدة، والتجريسة في الحارة فضيحة؛ أقوى شنب فيها لو تعاظم يلبس جلباب امرأته؛ ولا يحرؤ واحد أن يعصي الكلام،
منك لله يا جدتي، ابتليت بالحكي؛ أخذتني من أمي؛ أبي عاجز، والعيال كثيرة والفقر مد غطاءه علينا، كنا نقتسم حبات الأرز، على أية حال هرب" روميل" ويومها العمدة جمع الكفر كله؛ والخفراء جرسوا ابن أبو مندور؛ سألتني صغيرتي: يعنى أيه؟
ركبوه حمار بالمقلوب: لبسوه جلابية ستوته العايقة؛ ربطوا له ضفيرة، وكانت حفلة!
ومن يومها وكبر الخوف في كفر أبو مندور؛ سكن الوطواط بوابة الجامع الكبير؛ تغيرت الملامح؛ على كل الألوان تلد النسوان، حتى إن الأولاد تاهت في بعضها؛ غير معروف من لعب في الجينات الوراثية؛ يمكن واحد من أصحاب السوق الذين اعتدوا في السبت عمل خلطة سرية؛ زمان كان عريف الكتاب يخدع سيدنا، يقلده ويحكي لنا حكايات عجيبة؛ القرد ميمون أحب غزالة؛ جرى وراءها، سرق لها سباطة موز، أحضر التمر من أعلى النخلة، سرح به الخيال، نسى نفسه؛ وقع مات.
بهانة بائعة الفجل أسمت ابنتها الكبرى " ديانا" والله البنت عسل؛ يمكن يضرب معها الحظ وتعرف ولد مثل " دودي".
وجدها المواوي حكاية يضرب بها الموسم الجديد، يبدأ بمولد سيدي البدوي وتكون الجمعة اليتيمة قدام ساحة سيدنا الحسين.
وتحضر لي جدتي حمصا وفولا نابتا، وطبلا وشخاشيخ؛ وديكا يرقص، وببغاء يردد الصوت الأخير.