طول عمري أكره اسم فاتن جداً .
لم تكن ثمة مقدمات ، أو أسباب واضحة ، لأن يلقى بهذه العبارة ، في وجهي . احتفظت بهدوئي المعهود : ملأ الله سماءك بالأسماء التي تحبها ، وأزاح عنك ما عداها.
هو يعمل في فرعٍ آخر ، لا أراه إلا في الاجتماع السنوي للشركة ، نسيت الأمر ، فلم أكن بحاجة ، لأسأله : لماذا يكره اسمي ، وما هي الأسماء التي يحبها ؟ .
استيقظ صباحاً ، أتعامل مع أبنائي ،كعادتي لا أعلق على أمور كثيرة لا تعجبني ، لا أرحب بالمناقشات التي تنتهي بإصرار كل على موقفه ، أتغاضى طالما أن الأمر لا يشكل خطورة عليهم ، فَلأبنائي أذواقهم الخاصة بهم في مختلف أمور الحياة ، بينما يرون أمهم نموذجاً تقليدياً ، يعبرون عن ذلك بأنني ( أبيض وأسود )، يتغامزون : ( هذه هي فاتن )
عندما كانوا صغاراً ، إذا راق لهم الطعام ، اسمعهم وأنا بالمطبخ ، يقولون لبعضهم البعض، في مرح ظاهر ، " مطعم فاتن اليوم مئة بالمئة "، فإذا وضع أمامهم طعام من بقايا اليوم السابق ، فإنهم يصمتون ، فأدرك أنه على غير ما يرام ، فأستفزهم : ها : ( أخبار مطعم فاتن إيه ) ؟ يقلبون سحنتهم ، يحركون رؤوسهم في استخفاف . أستغرق في الضحك ، لا بأس هكذا هي الأيام ! .
أبنائي يرونني ( فاتن ) أكثر مما يرونني ( ماما )، فكثيراً ما ينادونني باسمي مجرداً ، يرفعون الكلفة بيني وبينهم ، يعتقدون أن ذلك يزيدهم مني اقتراباً ، أو لعله تأكيد عفوي لهويتي ، فيؤكدون محبتهم لي ، كما أنا ( فاتن ) دون بدائل .
لا أكف عن تجوالي السريع بالبيت ، تأهبا لخروجي لعملي ، أشعر كأن أحدا يتبعني ، أتلفت فلا أراه ، كأنه يجيد نفس الحركة في ذات الوقت ، فأشعر به ، ولا أراه حتى يغادر أبنائي البيت ، إلى مدارسهم ، وأبقى وحدي ، فيتمثل لي كائناً رقييقاً ، جميل الخلق والمحيا بشراً سوياً.
_ " أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّاً " ، من أنت ؟ _ يجيبني بهمس رائق ودود : أنا هدوئك الذي كنت تكرهينه ، في صِغَرك ، ولا تطيقين أن يصفك به أحد ، أتذكرين ؟ _ نعم أذكر ، ولكن لماذا تمثلت لي الآن ؟
_ لأني سئمت ملازمتك.
_ لماذا؟
_ لأني أكره اسمك .
_ لماذا تكرهه ؟ .
_ لأنه الفتنة ، أصل كل شر .
_ ولماذا تأخذ معناه السيئ ؟ لماذا لا تميل إلى معناه الآخر ؟ .
_ ألا تَرَيْنَ أنك تخادعين نفسك ؟ الفتنة سابقة على كل كارثة .
_ بحسبك أن تدرك مدى مغالاتك ، وتعصبك لرأيك ، رغم مجانبته الصواب .
_ بل أنا محقٌّ جداً .
_ وماذا بأيدينا ، وارتباطنا من إملاءات القدر ؟ .
_ سآوي إلى جبل يعصمني.
يعصمك مني ؟ لا عاصم لك من القدر .
_ إذن فلتغيري اسمك .
_ لن أغيره ، وإن قبلتُ ، فهل هذا ممكن ؟ .
_ نعم ، فقد أعلن عن سباق لتغيير الأسماء .
_ ولو كنت لا أرغب ؟.
_ ولكني أرغب ، وقد أرهقتني ، ولكي احتملك ، ساعديني بتغيير اسمك .
_ لنذهب إلى السباق معا .
يهدأ ( الهدوء ) ، الذي استفزه اسمي .
أهرع إلى الحاسوب ، أبحث عن السباق ، ، أسجل كل البيانات كاملة ، ألتفت إليه، انفرجت أساريره المنقبضة أذهب برفقته ، يلازمني ، كالعادة نجلس سويا لا يراه غيري الوجوه حولي مستبشرة بينما أنا أتوجس خيفة .
يرتفع صوتٌ يهزُّ القاعة : كل متقدم يقف هنا ، على هذه المنصة (التي تلوحُ كأنها مقصلة) وأمامه مرآة كبيرة بجانبها زر يضغط عليه ، لينخلع اسم المتقدم ،ومعه شكله وسمته ، لدرجة أنه لا يمكنه التعرف على نفسه ، فإن لم تعجبه الفكرة ، فليضغط على الزر الآخر ، فيعود لسيرته الأولى ، أما إن ألقى اسمه في هذه البئر ، فلن يستطيع استعادته مرة أخرى ، وسوف ينتقل للخطوة التي تليها ، وهي التقاط بطاقة ، من هذا الوعاء باسمه الجديد ،وشكله وسمته الجديد .
البعض يكمل إلى النهاية ، والبعض كان يتراجع ، حتى إذا كان الدَّورُ عليَّ ، وقفت أمام المرآة ، يكاد ينخلع قلبي ويلازمني ذلك الشبح ( هدوئي )، والذي ساعدني ، على رباطة جأشي ، لكي أكمل دون تراجع ،تصلب جسدي وأصبح مصمتاً ، ضغطت على الزر ، بيد مرتعشة ، فانتزع لي اسماً وشكلاً وسمتاً ، فلم أعد أعرفني ، واختفى هدوئي ، ولم أعد أراه ، يا الله : كان يرافق ( فاتن) ، وزال بزوالها .
احتبست أنفاسي ، أكاد اختنق ، أشعر بالضياع ، ماذا لو حل بي شكل وسمت لا أرغبه ؟ كيف أنعم بالسلام النفسي الذي عشته من قبل ؟ ، وكيف أتقبل هذا الشكل ،والسمت الجديد ؟ وهل سيتقبلني مجتمعي ؟، وماذا لو رفضوني ؟ وماذا لو رفضني هدوئي الذي كان ؟.
دهرٌ طويل من التفكير كاد يعصف بي يتعجلني المذيع : من فضلك خذي القرار سريعاً ،، الوقت ليس في صالحك .
نعم سآخذ القرار ، ضغطت على الزر الثاني ، لأعود كما كنت ، تمثل لي هدوئي مرة أخرى ، قفزت سريعا من على المنصة ، فكأنني ولدت من جديد ، لأستكمل مسيرتي على هذه الأرض ، دون تبديل لهويتي .
لانت أعضائي المتيبسة مرة أخرى ، وعاد إلى نفس الشكل والسمت ،وها هو هدوئي الذي بدا أسيفاً ، نظرت إليه متشحة به ، ابتسمت إليه في حبور ، ما كان لي من زينة النساء سواك ، أنا قدرك وأنت قدري..
لم تكن ثمة مقدمات ، أو أسباب واضحة ، لأن يلقى بهذه العبارة ، في وجهي . احتفظت بهدوئي المعهود : ملأ الله سماءك بالأسماء التي تحبها ، وأزاح عنك ما عداها.
هو يعمل في فرعٍ آخر ، لا أراه إلا في الاجتماع السنوي للشركة ، نسيت الأمر ، فلم أكن بحاجة ، لأسأله : لماذا يكره اسمي ، وما هي الأسماء التي يحبها ؟ .
استيقظ صباحاً ، أتعامل مع أبنائي ،كعادتي لا أعلق على أمور كثيرة لا تعجبني ، لا أرحب بالمناقشات التي تنتهي بإصرار كل على موقفه ، أتغاضى طالما أن الأمر لا يشكل خطورة عليهم ، فَلأبنائي أذواقهم الخاصة بهم في مختلف أمور الحياة ، بينما يرون أمهم نموذجاً تقليدياً ، يعبرون عن ذلك بأنني ( أبيض وأسود )، يتغامزون : ( هذه هي فاتن )
عندما كانوا صغاراً ، إذا راق لهم الطعام ، اسمعهم وأنا بالمطبخ ، يقولون لبعضهم البعض، في مرح ظاهر ، " مطعم فاتن اليوم مئة بالمئة "، فإذا وضع أمامهم طعام من بقايا اليوم السابق ، فإنهم يصمتون ، فأدرك أنه على غير ما يرام ، فأستفزهم : ها : ( أخبار مطعم فاتن إيه ) ؟ يقلبون سحنتهم ، يحركون رؤوسهم في استخفاف . أستغرق في الضحك ، لا بأس هكذا هي الأيام ! .
أبنائي يرونني ( فاتن ) أكثر مما يرونني ( ماما )، فكثيراً ما ينادونني باسمي مجرداً ، يرفعون الكلفة بيني وبينهم ، يعتقدون أن ذلك يزيدهم مني اقتراباً ، أو لعله تأكيد عفوي لهويتي ، فيؤكدون محبتهم لي ، كما أنا ( فاتن ) دون بدائل .
لا أكف عن تجوالي السريع بالبيت ، تأهبا لخروجي لعملي ، أشعر كأن أحدا يتبعني ، أتلفت فلا أراه ، كأنه يجيد نفس الحركة في ذات الوقت ، فأشعر به ، ولا أراه حتى يغادر أبنائي البيت ، إلى مدارسهم ، وأبقى وحدي ، فيتمثل لي كائناً رقييقاً ، جميل الخلق والمحيا بشراً سوياً.
_ " أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّاً " ، من أنت ؟ _ يجيبني بهمس رائق ودود : أنا هدوئك الذي كنت تكرهينه ، في صِغَرك ، ولا تطيقين أن يصفك به أحد ، أتذكرين ؟ _ نعم أذكر ، ولكن لماذا تمثلت لي الآن ؟
_ لأني سئمت ملازمتك.
_ لماذا؟
_ لأني أكره اسمك .
_ لماذا تكرهه ؟ .
_ لأنه الفتنة ، أصل كل شر .
_ ولماذا تأخذ معناه السيئ ؟ لماذا لا تميل إلى معناه الآخر ؟ .
_ ألا تَرَيْنَ أنك تخادعين نفسك ؟ الفتنة سابقة على كل كارثة .
_ بحسبك أن تدرك مدى مغالاتك ، وتعصبك لرأيك ، رغم مجانبته الصواب .
_ بل أنا محقٌّ جداً .
_ وماذا بأيدينا ، وارتباطنا من إملاءات القدر ؟ .
_ سآوي إلى جبل يعصمني.
يعصمك مني ؟ لا عاصم لك من القدر .
_ إذن فلتغيري اسمك .
_ لن أغيره ، وإن قبلتُ ، فهل هذا ممكن ؟ .
_ نعم ، فقد أعلن عن سباق لتغيير الأسماء .
_ ولو كنت لا أرغب ؟.
_ ولكني أرغب ، وقد أرهقتني ، ولكي احتملك ، ساعديني بتغيير اسمك .
_ لنذهب إلى السباق معا .
يهدأ ( الهدوء ) ، الذي استفزه اسمي .
أهرع إلى الحاسوب ، أبحث عن السباق ، ، أسجل كل البيانات كاملة ، ألتفت إليه، انفرجت أساريره المنقبضة أذهب برفقته ، يلازمني ، كالعادة نجلس سويا لا يراه غيري الوجوه حولي مستبشرة بينما أنا أتوجس خيفة .
يرتفع صوتٌ يهزُّ القاعة : كل متقدم يقف هنا ، على هذه المنصة (التي تلوحُ كأنها مقصلة) وأمامه مرآة كبيرة بجانبها زر يضغط عليه ، لينخلع اسم المتقدم ،ومعه شكله وسمته ، لدرجة أنه لا يمكنه التعرف على نفسه ، فإن لم تعجبه الفكرة ، فليضغط على الزر الآخر ، فيعود لسيرته الأولى ، أما إن ألقى اسمه في هذه البئر ، فلن يستطيع استعادته مرة أخرى ، وسوف ينتقل للخطوة التي تليها ، وهي التقاط بطاقة ، من هذا الوعاء باسمه الجديد ،وشكله وسمته الجديد .
البعض يكمل إلى النهاية ، والبعض كان يتراجع ، حتى إذا كان الدَّورُ عليَّ ، وقفت أمام المرآة ، يكاد ينخلع قلبي ويلازمني ذلك الشبح ( هدوئي )، والذي ساعدني ، على رباطة جأشي ، لكي أكمل دون تراجع ،تصلب جسدي وأصبح مصمتاً ، ضغطت على الزر ، بيد مرتعشة ، فانتزع لي اسماً وشكلاً وسمتاً ، فلم أعد أعرفني ، واختفى هدوئي ، ولم أعد أراه ، يا الله : كان يرافق ( فاتن) ، وزال بزوالها .
احتبست أنفاسي ، أكاد اختنق ، أشعر بالضياع ، ماذا لو حل بي شكل وسمت لا أرغبه ؟ كيف أنعم بالسلام النفسي الذي عشته من قبل ؟ ، وكيف أتقبل هذا الشكل ،والسمت الجديد ؟ وهل سيتقبلني مجتمعي ؟، وماذا لو رفضوني ؟ وماذا لو رفضني هدوئي الذي كان ؟.
دهرٌ طويل من التفكير كاد يعصف بي يتعجلني المذيع : من فضلك خذي القرار سريعاً ،، الوقت ليس في صالحك .
نعم سآخذ القرار ، ضغطت على الزر الثاني ، لأعود كما كنت ، تمثل لي هدوئي مرة أخرى ، قفزت سريعا من على المنصة ، فكأنني ولدت من جديد ، لأستكمل مسيرتي على هذه الأرض ، دون تبديل لهويتي .
لانت أعضائي المتيبسة مرة أخرى ، وعاد إلى نفس الشكل والسمت ،وها هو هدوئي الذي بدا أسيفاً ، نظرت إليه متشحة به ، ابتسمت إليه في حبور ، ما كان لي من زينة النساء سواك ، أنا قدرك وأنت قدري..