في تبجّحٍ أُنثوي مُستَفِزّ،تقَشعرّ مِنهُ جُلود الذين يخشون العيّبَ ، تَفجّ" أم مرسي" حشود الرِّجال المُتَراصّة فوقَ الدِّكك ، تباغِت أسماعهم بصوتٍ يُجلّجل، تُلوِّحُ بخرقةٍ اصطبغت بوهجِ الدّم القاني، تُبعثِّر النَّظرات باشّة ،تقولُ بعَفويةِ الخَبير:" وشوبش يا حبايب "، تستثير حُمرَة القماشة الجَمع الذي أصابته رِعدة الخَجل ، اجبرت البخيل و المُعثِر فيهم ؛ لأن يبقرَ جيبه ، يَنتَزِع القرشَ من أذنيهِ في ارتياعٍ تنفطِر لهولهِ القلوب ، لمقدمها تَضطربُ مفاصل النّساء ، تمرّر والدة العروس يدها فوقَ رأسها ، وكأنّ الشّيطان يلقي في أذنيها ، عاقدة اللِّسان مبهورة الأنفاس إلى أن يحلَّ المساء ، تُبرِز " أم مرسي" مَحرَمتها ، لحظتئذٍ تَستردّ الوجوه الشّاحِبة ابتسامة تُخالِط نَضارتها ، صَغيرا تَسللُت لغُرفةٍ امتلأت بالإناثِ تقَدّمَ فتى أخضر العود على جَبينهِ نفحات النُّور، تتأرجح كسَفينةٍ في بحيرةٍ تهوي بها الرِّيحُ، اطلقت عروسه لرؤياه صَرخةً ملتاعة ، جاهدت لتفكّ قيودها بعد إذّ نَشبت بها أيدي النّسوة في ضَجعةِ الذّبيحة ، جَالَ صاحبنا ببَصرهِ مَفزوعا ، وجَبينه ينضَحُ بحَباتِ عَرقٍ كما البلور ، يتلاحق صوت لُهاثهِ وقد غامت الدُّنيا أمامه ، يُطَالِع فريسته التي غشيتها سكينةَ المُستَسلِّم، اطلقت " أم مرسي " شخرةً مخيفة ، برّقت في اهتياجٍ ؛ فبدت كوحشٍ مفترس ، فكّت حصار يدها من حَولِ خصرها ، عَاجَلتهُ بلطمةٍ خَلخَلت أسنانه ،صاحت مُوبِّخة:" خشّ عليها يا مره يا خِرع" ، رويدًا سرى تيار الآمال المُنعِش في أوصالهِ ، ليندَفِعَ كمَا الثّور ، مُتحرّرا من خَجلهِ، امسَكَ بالخرقةِ البيضاء مُنتزِعا من فتاتهِ أعزّ ما تملك أنثى ، امتلأ الفَضاء بالزغاريِد وأهازيج الشّرف ، مشى العَريسُ مُستَطِيلا، يُخرِجُ للدُّنيا لسَانهُ بعد إذّ حَاوَلت إِذلالهُ ، تمسك بالمحرمةِ يتناثر دمها الحَار ، لتبدأ بذوي العروس الذين شُدّت شواربهم في شموخٍ ، بعدما جاهدوا تحَتَ غاشيةِ الأماني ، تقول بنات القرية عنها في امتعاضٍ :" هذه المرأة قاسية ، لا تُميّز بينَ اللّحمِ والحَجرِ ، لا تعرف إلّا الدّم"، تسبقها سمعة مشرطها الذي لا يُخطئ هدفه ، فمشاعر القلق التي تسبق حضورها الدّامي ، عالقة في أذهانِ البنات ،وهي تتحسّس بينَ الأفخاذِ، من خَالطَ هذا الغول عن قربٍ يَشفع له، تقول عن نفسها وهي تمَسح يدها في طَرفِ جِلبابها ، يَتموّج دُخان سيجارتها على وجهٍ نحتَ الزّمانُ مسالكه :" وهو فيه حد فينا بيختار قدره ، جينا كدا وهنطلع كدا"، انقطعت فترة عن المجئ ، هبطت القرية " غزلان" الدّاية ، أتى بها " جلال " الخفير نكايةً فيها ، حَمَلَ " فوزي" بائع الفخار ذَاتَ صَباحٍ نبأ الوفاة ، مرّ كحدثٍ تافه :" لقد وجدوا أم مرسي مذبوحة في بيتها ، قتلها عاطلٌ وسَرَقَ مالها "، لم تتوقف الحَياةُ لمصرعها ، لكنّ زفارة الدّم المسفوح خبت هنية من قريتنا ، ريثما يُؤذن لها .