حوار مع الشاعر محمد عمار شعابنية.. (الجزء الأول) أجراه الشاعر والصحفي محمد الهادي الوسلاتي

(الجزء الأول)

الشاعر محمد عمار شعابنية ل"الشعب ":
أدعو إلى تأسيس رابطة للكتاب والفنانين التونسيين


عمار شعابنية شاعر تونسي مخضرم بدأ الكتابة بداية السبعينيات وهو من أشهر المبدعين المنجميين، غزير الإنتاج والنشر . كتب الشعر في كل الأغراض وكتب للمسرح وخاصة لمركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة وكتب للطفل كذلك . تُرجمت بعض أعماله إلى عديد اللغات وحظيت كذلك أغلب أعماله الشعرية بالدراسة من قِبل النقاد والطلبة للحصول على شهادة الماجستير والتبريز .
عمار شعابنية جايل أهم الشعراء التونسيين والعرب وشارك في عديد الملتقيات في تونس والمشرق والمغرب . أسّس عديد الملتقيات الأدبية والمهرجانات الثقافية وأدار دار الثقافة بالمتلوي لسنوات. صاحب نكتة ويتقن رسم الوجوه ( البورتريه) جلسنا إليه فكان هذا الحوار الخاص لجريدة الشعب .
س:الشاعر عمار شعابنية بعد تجربة إبداعية طويلة .لو كنت لوحة كيف ترسمها بالألوان.؟
ج: منذ سنة 1966 وأنا أكتب الشعر الذي عزّزته لاحقا بكتابات مسرحية وسردية وبآراء نقدية وبحوث تاريخية وقد شكّلتْ كل هذه النصوص لوحة تعانقت فيها التوجهات والقناعات الفكرية التي أعتنقها فأصبحتُ أشعر بأن هذه اللوحة تمثّلني أحسن وأصدق تمثيلا واقتنعت بأنني قادر على إبرازها بألفاظ فنية أحلى وأبهى فتجرأت على أن أضيف إليها ألوانا جديدة ناصعة برز بعضها في آثاري الشعرية والمسرحية الرائجة باتساع وسيبرز غيرها في ما سأنشره وأقدّمه للمتلقين وأنا أرى أن المتلقي هو قارئ من ذوي الدرجة الأولى لأنّ العديد من القراء ينتسبون إلى الدرجة الثانية وينسون ما قرؤوا وتلك معضلة يعاني منها الأدب التونسي . أما ألواني التي سأُظهِر بها جمال اللوحة التي هي أنا فهي الصدق والصراحة والمعاناة التي لا يولد أثر أدبي بغير توَفّرها .
س:أستاذ عمار شعابنية الإبداع اليوم تجاوز الأطر التقليدية وأقتحم مجالات جديدة فرضتها الوسائط المتعددة .أين تضع نفسك الآن وهنا ؟
ج:لا ينكر كاتب أنه قد انخدع في بداية مشروعه الكتابي بما يتحرك داخل الأطر التقليدية فانغمست أصوات في الرومانسية وعانق البعض الواقعية التصويرية الفجة وارتمى غيره في الرمزية واحتضن آخر الغموض والدادائية وكلها أصيبت بالجمود والتحجّر ولم تعد صالحة لنقل الخطابات التي تستوحي لغتها وأصواتها من الآن والهنا ، وليس من العيب الانخراط الانطلاقي في ما ذكرت ولكن الذنب يتمثل في أن العديد ممن مارسوا فعل الكتابة لم يغيّروا ما بكتاباتهم وكأن ما تتطلبه المرحلة الحالية يمكن توفيره بأدوات رجعية ..فلو طال عمر امرؤ الفيس أو بديع الزمان الهمذاني أو المتنبي أو حتى أحمد شوقي والشابي وهما القريبان من زماننا لوجدوا أنفسهم بيننا ولاستغلوا الوسائط المتعددة حاليا و لطلعوا علينا بأعمال تختلف أسلوبا ومضموما وتصوّرا عما كانوا ينطقون به لأتباعهم . وأنا في كل حرف أضيفه أبحث عن الجديد وأواكبه وأسعى إلى تجاوزه أحيانا ولو لم أكن كما ذكرت لما شهد لي دارسو أعمالي بذلك وهو في مقالات ودراسات تقيِيمية ـ ولا أقول تقويمية لأنّ التقييم يعني النظر في قيمة الشيء والتقويم يعنى إصلاح الاعوجاج ـ ومجاميعي الشعرية المتواترة تشهد على ذلك وقد ُجمعتُ الأربع الأولى منها في كتاب واحد نشرته مِؤخرا بعنوان ّ مختارات شعرية " والاختيار هنا نسبيّ وقليل لأنني تخليْت فقط عن قصائد كتبتها في مرحلتي التلمذية وهي عادية طبعا .
س:كتبت ونشرت عديد الدواوين الشعرية وكتبت للمسرح و للطفل . واقتحمت عديد المناشط الثقافية.كيف التعامل مع هذا النوع.؟
ج: المجموعات الشعرية التي نشرتها إلى حد الآن عددها ستّة وسابعة لمواكبة الثورة بالاشتراك مع الشاعر حسن بن عبد الله إلى جانب واحدة منها مترجمة إلى اللغة الفرنسية من طرف الناقد والمترجم محمد صالح بن عمر وهي " شقيا.. مرّ ذئب الوقت " المنشورة في ماي 2016 وقد جاء عنوان ترجمتها "Le loup du temps a passé " فأصدتها دار النشر الفرنسية إيديليفرEdilivre في أوت من نفس السنة .وها أنني أعددت مجموعتين جديدتين للطبع وأعمال أخرى منها مسرحيات شعرية للصغار وأغان وأناشيد لهم وحصيلة حوارات أجْرِيَت معي قبل وبعد الثورة ( ستكون محاورتك لي خاتمتها ) لأؤكد على أن قناعاتي ومبادئي لم تتغيّر ولن تتغيّر بفعل التحولات السياسية . لذلك فإن تعاملي مع الأشكال والمضامين التي أنغمس في التعبير من خلالها عمّا أريد تبليغه يتم انطلاقا من إيماني بأن الكاتب شاعرا كان أم ساردا لا ينخرط في غير ما يُمليه عليه فكره لأن الفكر حرّ ومتى عانق الحرية يعانق مقولاتِه الغير ويثمّنون نقاء ما يصدر منه و عنه
س:يشتكي السرديون التونسيون من توجه أكثر النقاد التونسيين إلى الكتابة عن العربي المشرقي .هل وجدت مدونك الإبداعية الاهتمام من النقاد وخاصة الجامعيين.؟
ج: في شهر نوفمبر 2007 شاركت صحبة الكتّاب والشعراء منصور مهني وحاتم الفطناسي ومحمد الهادي الجزيري وسالم المساهلي و عبد الكريم الخالقي ونور الدين بوجلبان في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب بالقاهرة ، وفي أحدى الأمسيات الشعرية بُرمج شعراؤنا مع مجموعة من الشعراء المشرقيين أذكر منهم محمد علي شمس الدين ،وقرأ هؤلاء قبلنا فاستمعنا إليهم بانتباه وعندما فُتح المجال للقراءات الشعرية المغاربية من تونس والجزائر وموريطانيا انسحب الأوائل فاغتنمت الفرصة ، وأنا المدعوّ الأول للقراءة من المستعربين والأمازيغيين الآحرار ونددت بموقف الذين لم تسَوّلْ لهم أنفسهم الاستماع إلينا وكأنهم وحدهم مبدعو الشعر . لذلك فإن انشغال بعض النقاد التونسيين وهم من الجامعيين بالكتابة عن المشرقيين دون التونسيين تعتبر محاولة طمس معالم الأدب التونسي الذي يتوفّر على عدد كبير من التجارب والأعمال التي تستحق الالتفات إليها سواء من طرف الجامعيين أو من طرف طلبتهم لإنجاز بحوث تخرّج في مستوياتها المختلفة . ولئن آمن البعض من أساتذة جامعتنا بأهمية الانشغال بالشعر والسرد التونسيَيْن فإن العديد غيرهم ما زالوا ميّالين إلى أسماء مشرقية . ولكن هذا لا يمنعني من القول بأن أشعاري قد حظيت بمتابعات العديد من النقاد من داخل تونس وخارجها إلى درجة أنْ ثلاث بحوث جامعية قد انكبّت على دراسة قصائدي فتحصل أصحابها على شهادة الأستاذية من كليتَيْ الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس وسوسة وتحصلت طالبة من دار المعلمين العليا بالعاصمة على شهادة التبريز حول " الشعر المنجمي " ، غير أني أشهد بتقصيري لأنّ المكتبات الجامعية تفتقر إلى أعمالي ـ التي نفذت نسخها ـ للتحريض على تناولها من طرف الطلبة، وسأتدارك هذا التقصير قريبا .
س:هناك مجموعة من المبدعين أطلقوا على أنفسهم أدباء الحوض المنجمي وأنت أحدهم .هل من بسطة عن هذه التجربة.؟
ج : لم أسمع بهذه التسمية من قبل ، وإذا كان هناك من أطلقوها على أنفسهم فأنا أتبرأ منهم ولا أسمح بأن يحشروني في زمرتهم لأنني أنتمي إلى الشعراء المنجميين منذ أواخر ستينيات القرن الماضي ، إذن .. فأنا شاعر منجمي كالعامل المنجمي ، هو يشتغل بساعديْه وأنا أشتغل بفكري وأعترض على تسمية شعراء المناجم أيضا لأنها تحدد التواجد الجغرافي ولا ترتبط بالتواجد الاجتماعي والفكري . والمعلوم هو أن الشعر المنجمي ـ الذي ما زلت أواصل الكتابة في أغراضه إلى حد الآن رغم التفاتي إلى كتابة الشعر العمالي والشعر النضالي والإنساني عموما ـ قد نشأ في المتلوي في بداية الستينيات من القرن المنصرم بما كتبه الشعراء أحمد المختار الهادي ومحمد الطاهر سودة ( رحمهما الله) وسالم الشعباني وأنا فكانت دوافعنا واحدة وتوجهاتنا مختلفة وفي ذلك إثراء لنصوص التجربة . والتحق آخرون بنا ولكنهم لم يضيفوا إلى ما أنتجناه باستثناء حسن بن عبد الله . وإذا كان المتابعون يعيبون علينا توقّف هذا المسار فلأنهم ربما يجهلون أن مبررات وجوده الأولى قد اختفت ، ذلك أن الدواميس ـ التي كنا نتحدث عن أهوالها المسلطة على العمال داخلها بانهيارات الكهوف فوق أجسام من فيها متسببة في قتلهم أو كسر عظاهم ـ قد أغْلِقت وأصبح استغلال الفسفاط سطحيا . أما الأجور فقد تضاعفت عديد المرات فأصبح العامل المنجمي الذي لم يكن ما تقبضه يده لا يوفّر الأكل لأسرته يتقاضى أجرا يفوق أدناه ما يحصل عليه موظف صنف أ2 في الوظيفة العمومية ، وهذا بفضل نضالات طويلة ،والمنجميون يستحقون ذلك لأنّ مهنهم أشّق من كل الأشغال في البلاد . غير أن ما يشغلني اليوم هو أن المدن المنجمية تفتقر إلى أدنى مقوّمات التحضّر والتمدّن والرفاهة رغم أن أراضيها قادرة على أن توَفّر للبلاد ما يزيد عن عُشُر ميزانية الدولة عندما يتم إصلاح القطاع ويُعطَى الاعتبار للتجمعات الفسفاطية .. وهذا ما يجب الانخراط في الكتابة من وحْيه لأنني المنخرط بمفردي شعريا في ذلك في الوقت الحاضر، كما أن أغلب الروايات والقصص التي استلهمت مواضيعها ممّا حدث ويحدث في الربوع المنجمية لم تتخلص من تبعيّتها لرواية " جارمينالGerminal التي أصدرها الروائي الفرنسي Emil Zola سنة 1885 .


يتبع



* العدد1675 من جريده الشعب ( لسان الإتحاد العام التونسي للشغل) الصادر يوم الخميس 30 ديسمبر 2021 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى