محمد السلاموني - الحداثية وتجاوز الإنشادية

الأطر المعهودة- أيا كان نوعها- لا تزيد عن برامج، نماذج، هى تصاميم خاضعة لما نعتقد بأنها الأسس الضرورية أو الإشتراطات اللازمة لتحقيق أهداف من نوع ما، لا حياة لنا بدونها.
بينما الواقع التاريخى يثبت، وبما لا يدع مجالا للشك، أن شرط الحياة الحقيقية عادة ما يكون رهنا بإمكانية تجاوز تلك الأطر...
التجاوز الدائم لكل ما توارثناه ونعتقد بأنه المراجع الأصلية للهُوِيَّــة ومن ثم الوجود، هو جوهر "الحداثية" الذى علينا أن نتمثله دائما، لكى نكون حداثيين بحق .
هذا والتجاوز الدائم أو القفز فوق المسلَّمات والبدهيات، وعلى الرغم من أنه شاق وعسير، ويتطلب جهودا مضاعفة، بوصفه "عملية" متواصلة، إلاَّ أنه هو ما تراهن عليه الحداثية فى تحولها إلى ممارسة واقعية...
الحداثية تتأسس على تحرير طاقات الفرد وإطلاق ملكاته الإبداعية فى شتى المجالات، وحثه على المغامرة باقتحام المجهول... لذا فالحداثية تموضع الفرد فى القلب من تجربة الوجود فى العالم، وتتوقع منه عطاءات خارج أفق التوقعات المعهودة، تصب فى المحيط الإجتماعى، لتذهب به "أى بالمجتمع" إلى حد مزاولة المغامرة التاريخية...
وهو ما يتطلَّب إعادة تأسيس "العقل" الفردى والجمعى، وفقا للإشتراطات اللازمة والضامنة لإستمرارية العملية الإبداعية .
// إذن، الحداثية ليست نصوصا صُلبة نرددها كنشيد... الحداثية مضادة لكل مايمكن أن يؤلف "جوقة مُنشِدة"، نعم، الحداثية ليست إنشادية؛ فهذه الأخيرة لا تعترف بالصوت الفردى سوى باعتباره ممثلا للجماعة، ولأنماط التمثيل المجتمعية "بما هى المرجعيات الأيديولوجية المعيارية"/ ومن هنا، إذا ما أعدنا النظر فى "النظام الناصرى"، سنجد أنه إنشادى تماما، ومن ثم معاد للحداثية؛ وهو ما يعنى أنه هو نفسه النظام القديم بعد أن تم طلاؤه بالشعارات الحداثية- وهو ما نعانى منه إلى الآن .
إشكاليتنا الحضارية تتلخص فى أننا قبل أن ننجز "مشروع النهضة- بنقد ونقض البنية التراثية"، أى قبل أن نعيد "حرث العقل العربى" قررنا الولوج مباشرة إلى قلب "المشروع الحداثى"... هكذا، دون أن ندرى بأننا نلج الجديد بعقل ومن ثم بأدوات عتيقة .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى