أمل الكردفاني - الرجل الذي سقط عارياً.. (مسرحية من مشهد واحد)

(المسرح: شارع تحت برج عال بالمدينة).
(في الشارع يلتف رجال الشرطة ومن حولهم بعض الجماهير بحيث يغلقون المشهد على من يقفون خلفهم).

صوت - ابتعد قليلاً .. دعنا نرى معك..
صوت- ماذا تريد أن ترى؟
صوت- أريد أن أرى ما تراه أنت وتحجبه عنا..
صوت- وهل أناْ أرى شيئاً..
صوت- لا تتحذلق..
صوت- لا أتحذلق اذهب إلى جهة أخرى لترى الجثة..
صوت- وهل هي جثة؟
صوت- وكيف أعرف..إنني لا أكاد أرى شيئاً من الزحام..
(يطلق شرطي غير مرئي من وسط الحشد صفارة ويصيح)
الشرطي - إذهبوا..إنكم تؤثرون على مسرح الجريمة..
صوت- جريمة؟
صوت- يبدو أن هناك جريمة قتل..
(يتحرك الحشد في حركة واحدة قليلاً إلى يسار المسرح ويتوقف، وتسمع أصوات مختلفة)
صوت- إحمله جيداً..
صوت- المهمة الوحيدة التي أوكلناها إليك فشلت فيها..
صوت- (نصف باكٍ) لم أفشل ألا ترى هذه الحشود..
صوت- ارفعوا الجثة في العربة..
(تخرج كتلة الجماهير في حركة واحدة من يسار المسرح)
(يبقى المسرح خالياً لبرهة)
(يدخل شرطيان، أحدهما سمين والآخر نحيل)

الشرطي السمين: أرسم هنا..
(ينحني النحيل ويرسم بالطبشور على الأرض)
الشرطي السمين- لا أكاد أستبين الفارق بين المؤخرة والرأس..ارسم جيداً..
الشرطي النحيل- (يتوقف عن الرسم وينظر للسمين بغضب) تعال ارسم انت..لا تخاطبني كما لو كنت رئيسي..
الشرطي السمين- (يملس شاربه باصبعين) تتمرد..
الشرطي النحيل- لست تحت إمرتك لأتمرد .. نحن في درجة واحدة..(ينهض ويلقى الطبشورة على الارض) لن ارسم..
الشرطي السمين- (ببرود) أنت معقد نفسياً.. نحن صديقان..
الشرطي النحيل- لسنا أصدقاء بل زملاء عمل وأنا مجبر على ذلك..
الشرطي السمين- ولماذا لا تقدم استقالتك؟
الشرطي النحيل- لا تستفزني أكثر من ذلك؟
الشرطي السمين- ماذا ستفعل..
الشرطي النحيل- سأشكوك بشكل رسمي..
الشرطي السمين- (بارتباك وتمسكن) هيا هيا .. لا تأخذ الأمور بهذه الحدة.. سأرسم أنا..
(يجثو على ركبتيه ويبدأ في الرسم وهو يلهث)
(يقف النحيل بعيداً وهو يشبك ذراعيه على صدره بغضب)
الشرطي السمين- إن وزن المخ أثبت تورمه إما لأنه ضرب عليه أو لأنه سقط من شاهق.. إن تجمهر الجماهير أضاع كل أدلة الجريمة.. ها..لقد وجدت دليلاً صغيراً.. (ينتبه الشرطي النحيل) ولكي أثبت لك حسن نواياي فسأكتب في التقرير أنك أنت من وجده..
الشرطي النحيل- حقاً؟
الشرطي السمين- (بغضب) لا.. والآن تعال وأكمل عملك..
(يصاب النحيل بالصدمة وينطلق في البحث في الأرض بعدسة مكبرة يخرجها من جيبه).
الشرطي السمين- تريدني أن أزور في محرر رسمي؟ أيها الموظف قليل الأمانة..
الشرطي النحيل- ولكنك أنت من عرض ذلك؟
الشرطي السمين- ولكنك قبلت..لو كنت شرطياً كفوءً لرفضت على الفور ولكنك شرطي فاسد..
الشرطي النحيل- (بخوف) لا لست فاسداً..
الشرطي السمين- بل فاسد وسوف أكتب ذلك في التقرير..
الشرطي النحيل- لا..أرجوك.. أتوسل إليك..سافقد وظيفتي وأنا على وشك الزواج..لقد قبلت خطيبتي بي فقط بسبب لبستي الشرطية هذه..
الشرطي السمين- كان عليها أن تعرف انك شرطي مرتشٍ فاسد.. حتى لا تتورط بالزواج منك..
الشرطي النحيل- لست فاسداً..أقسم لك..
الشرطي السمين- الرؤساء هم من سيحكمون في التقرير الذي سأكتبه عن فسادك..
الشرطي النحيل- أرجوك..أتوسل إليك..
الشرطي السمين- أبداً..
الشرطي النحيل- لا تضيع مستقبلي..
الشرطي السمين- لا.. أبداً أبداً..
الشرطي النحيل- إرحمني..(يبكي)..
الشرطي السمين- (يبدو عليه الإشفاق) حسنٌ حسنٌ.. لا تبكِ .. لقد أشفقت عليك.. ولن أشر في التقرير إلى فسادك (ينهره) ولكن لا تفعلها مرة أخرى..
الشرطي النحيل- أقسم لك لن أفعلها مرة أخرى..
الشرطي السمين- وستنفذ جميع أوامري بدون تذمر؟
الشرطي النحيل- لا.. لن أتذمر أبداً..
الشرطي السمين- طيب..واصل عملك ايها الشرطي المرتشي..
(صمت لبرهة)
الشرطي السمين- لقد تفرقت الجماهير ولم نحظ بشاهد واحد على ما حدث.. يبدو أن الرجل سقط من أعلى البرج..سقط عارياً كما ولدته أمه.. إنه شاب في الثلاثين من عمره.. شاب وسيم.. مفتول العضلات..ويبدو أن الزوج داهمه فاضطر للقفز من الشرفة.. لكن أي طابق وأي شقة تلك التي سقط منها؟ (يرفع رأسه لأعلى ويتأمل البرج).. بالتأكيد لن تكون الطابق الأول ولا الثاني..لأن جسده ترضرض تماماً جراء الإرتطام بالأرض..وتورم مخه من الداخل ونزف حتى الموت..لذلك فمن الغالب أن يكون قد سقط من الطابق الرابع وحتى السادس عشر.. أي أن هناك إثنتا عشرة شقة محتملة..الغريب أنه لم ينزل أي من سكان تلك الشقق لرؤية ما يحدث رغم سماعهم للضجيج..أعتقد بأننا سنقيد الجريمة ضد مجهول إذا لم يظهر أهل للشاب.. يبدو أنه نازح من الأرياف..لا يمكننا تفتيش كل تلك الشقق.. ولنبحث عن ماذا؟ وأين؟.. أسئلة صعبة..(يلتفت إلى النحيل وينهره) لماذا لا تعمل؟
الشرطي النحيل- إنني أعمل إنني أعمل..
الشرطي السمين- هل وجدت شيئاً يسترعي الإنتباه؟
الشرطي النحيل- لا..
الشرطي السمين- (ينهره) قل لا يا سيدي أيها الشرطي المرتشي..
الشرطي النحيل- (بانكسار) لا يا سيدي..
الشرطي السمين- الولد سقط عارياً تماماً.. ويبدو أنه سقط قبل أن ينجز شيئاً لأن الطب الشرعي لم يجد عليه أي حمض نووي لسوائل امرأة.. يا له من تعيس الحظ..على الأقل لو أنجز شيئاً كان سيكون لموته معنى..وربما عرفنا إن كان قد مات مقتولاً ام أنه تأثر بالسقوط فقط..(يلتفت إلى النحيل) لا تضيع زمننا.. علينا أن نعود..هيا..
الشرطي النحيل- حسنٌ..
الشرطي السمين- (يحدجه بنظرة ساخطة).. ماذا قلنا؟
الشرطي النحيل- حسنٌ سيدي..
(يغادر السمين المسرح من الجهة اليسرى ومن خلفه النحيل الذي يسير بإنكسار)..
(برهة من الصمت)
(يخرج زكريا من باب البرج وهو يحمل حقيبة ومن ورائه زوجته زكية)
زكية- (بهلع) أقسم لك أنه لم يكن في شقتنا يا زكريا.. أقسم لك..
زكريا- كنت أشك فيك منذ وقت طويل..
زكية- (تبكي) ولكنه لم يسقط من شقتنا..كيف أثبت لك ذلك..
زكريا- ومن أي شقة سقط؟
زكية- وكيف لي أن أعرف؟
زكريا- ولماذا سقط لحظة دخولي إلى الشقة؟
زكية- وكيف لي أن أعرف؟
زكريا- وبنطلون من ذلك الذي وجدته تحت السرير..
زكية- وكيف لي.. إنه.. إنه بنطلونك يا حبيبي..
زكريا- لا أتذكر بأن لدي بنطلون بهذا الشكل.. أنا لا أرتدي بنطلونات شبابية.. تعرفين ذلك..
زكية- أقسم لك أنه بنطلونك.. أنت تعرف أن الخادمة هي التي تغسل الملابس..لماذا لا تسألها؟
زكريا- هل أنتِ جادة يا امرأة؟ اسأل الخادمة عن بنطلون رجل غريب في الشقة؟
زكية- أقسم لك إنه بنطلونك.. أنا أتذكر أنه بنطلونك..
زكريا- وهل أنتِ من كنتِ ترتدين البنطلونات أم أنا؟
زكية- أنت بالطبع..
زكريا- فهل أنت تتذكرين ما أرتديه أنا وأنا لا أتذكر ما أرتديه أنا؟
زكية- لا تحكم عليَّ بهذه القسوة.. أنا مخلصة لك..أنا أحبك..
زكريا- لن نتحدث في الشارع هكذا أمام الناس.. ستعودي إلى أهلك الآن.. هيا..
(يخرج من يسار المسرح وتخرج هي من خلفه بانكسار)..
(برهة من الصمت)

(تخرج شهيرة من باب البرج، ومن خلفها عبد السميع)
عبد السميع- انتظري يا شهيرة.. ما هذا الجنون؟..
شهيرة- ليس جنوناً يا عبد السميع.. منذ أول ليلة لنا علمت بأنك شاذ.. أنت مثلي.. لكن أن يصل بك الأمر لممارسة هذه الرذيلة في الشقة وأنا نائمة فهذا ما لن أتحمله..
عبد السميع- ما هذا الذي تقولينه يا شهيرة.. أقسم لك بأنني لست شاذاً.. ولم أكن كذلك يوماً ما..
شهيرة- لا تكذب يا عبد السميع.. في اللحظة التي سقط فيها ذلك الشاب استيقظتُ لأجدك عارياً في الشرفة..
عبد السميع- يا للجنون.. أولاً لم أكن عارياً يا شهيرة.. وثانياً الولد سقط قبل أن أصل إلى الشرفة..لقد سمعتُ صوت الارتطام فخرجت إلى الشرفة لأستطلع الأمر..
شهيرة- لا تكذب يا عبد السميع..فأنت وانا نعرف أنك لست رجلاً.. لنا الآن ثلاثة أسابيع نعيش كأخ وأخته..
عبد السميع- (بجزع) هذا مرض عارض يا شهيرة..حالة نفسية مؤقتة..
شهيرة- ليس عارضاً يا عبد السميع.. أنت مدمر تماماً.. وكنتُ حين تحاول دون جدوى كنتُ أرى مؤخرتك اللامعة واتساع حفرتها. هل تعتقد بأنني فتاة غرة ساذجة.. لا يا حبيبي.. أنا أعرف الشواذ جيداً..
عبد السميع- يا إلهي ماذا تقولين؟
شهيرة- أقول ما رايته بأم عيني.. مؤخرتك متسعة..أليس هذا صحيحاً؟
عبد السميع- هذه عملية بواسير..
شهيرة- (تقهقه بتهكم) ليس عليَّ أنا.. وكيف كان الشاب أيها النصف رجل.. هل كان يريحك..
عبد السميع- (يبكي) لماذا تفعلين ذلك بي يا شهيرة..لقد أحببتك..
شهيرة- والآن تبكي كالنساء.. لا تحرجني أمام الناس.. هيا.. سنذهب إلى المأزون وتطلقني هناك..
عبد السميع- لا تتسرعي يا شهيرة..
شهيرة- لن أبق مع قشرة رجل وفوق هذا شاذ..هيا هيا ولا تضيع وقتي..
(تخرج من يسار المسرح ويسير هو خلفها بانكسار)..
(صمت لبرهة)

(يخرج من باب البرج رجل يرتدي نظارات سوداء وهو يتحدث إلى سماعة تختفي داخل أذنه اليسرى)

- لست متأكداً يا سيدي إذا ما كانت زوجتك أم لا....لا لا تخف.. لم يلحظ وجودي أحد وهي تحديداً لا تعرف بأنني كنت أراقب الشقة التي استأجرَتها..أؤكد لك أن هذا الرجل لم يدخل إلى شقتها..إنه ليس من احد اصدقائها.. (يرتبك) لا يا سيدي.. لم أعمل على تصوير المبني من الخارج.. أنا اتتبعها فقط ..حسب أوامرك... نعم.. نعم.. حسنٌ.. نعم يا سيدي الوزير..لقد خرجَت من القصر واتجهت إلى الجيم ثم خرجت بعدها إلى الساونا ومن هناك إلى شقتها السرية هذي.. حسنٌ..حسنٌ..سأعمل على تعزيز المراقبة الخارجية..كما تأمر سيدي.. نعم..تسلم تسلم سيدي..(يخرج السماعة ويدخلها إلى جيبه بعصبية ثم يتحدث إلى نفسه) آه..كذبت عليه..أو.. أو في الواقع انا بالفعل لم أرَ هذا الكلب يدخل إلى شقتها.. نعم قصرت في المراقبة الخارجية وله حق في تعنيفه لي.. لكن ماذا أفعل أنا.. هل أتمزق.. وهو قد أكد لي سابقاً أنه لا يجوز لي الاستعانة بأي أحد.. آه.. لقد سئمت هذا العمل.. لست قواداً لأعمل جاسوساً على زوجات الآخرين.. منذ مولدي والحظ يقف ضدي.. كم حلمت بأن أكون شرطياً أو محقق جرائم وأنا اقرأ الروايات البوليسة.. لكن حياتي كلها مضت بي من فشل إلى آخر..من خيبة لأخرى.. كل يوم كانت دقات الساعة تعلن موت حلم.. واليوم ها أنا بلا أحلام.. كانت أخطاء..أخطائي أنا.. أخطاء الماضي تحدد واقعي الحاضر.. ولا تمنحني أي أمل في تحقق المعجزة.. لكن.. ماذا أفعل.. إن القدر يصر على إذلالي.. وها أنا أعمل جاسوساً على النساء.. ولا أملك حتى عملاً آخر ولو بأقل من هذا لكي ألجأ إليه.. لقد دمر القدر كل ذرة كبرياء في داخلي.. أصبحت هلفوتاً.. أشعر بالدونية.. بالقبح.. لا.. لن أستمر في هذا العمل..(يخرج الهاتف) (ينتظر لبرهة) أل.. ألو.. نعم.. سيدتي.. لا.. لا تعرفينني.. أنا الآن أقف تحت البرج الذي تستأجرين فيه شقتك السرية...أرجوك اهدئي.. (يصيح بتوتر وملامح متقلصة) أرجوك اهدئي يا سيدتي.. فلا وقت لدي.. أعلم كل شيء عنك.. كل شيء.. أعرف أن زوجك الوزير.. أعرف ذلك وعليك أن تنصتي إليَّ لأن حياتك في خطر.. فزوجك يعلم كل شيء عنك.. حسنٌ.. سأنتظرك أسفل البرج.. أرجو أن لا تتأخري..(يغلق الهاتف ويضعه في جيبه) رباه.. ماذا فعلت.. عليَّ أن أتحمل نتيجة هذا الفعل الأرعن.. عليَّ أن أصر عليه وأمشي في طريقه حتى النهاية.. يجب أن لا أضعف أبداً فأنا أمام منعطف حاسم.. حياة أو موت.. ها هي تأتي..
(تخرج امرأة ترتدي نقاباً أسوداً ونظارة شمس كبيرة)..
المرأة- (بارتباك وقسوة تخفي خوفاً) قل لي ماذا تريد بسرعة..
الرجل- يجب أن تفهمي كل شيء يا سيدتي..
المرأة- قل بسرعة..
الرجل- أنا جاسوس أعمل لمصلحة سيدي الوزير..
المرأة- دفع لك لتراقبني؟
الرجل- هذا ما حدث..
المرأة- وهل نقلت له كل أخباري؟
الرجل- نعم سيدتي..
المرأة- كلها كلها؟
الرجل- كلها كلها..عشيقك الذي تقابلينه كل ثلاثاء في يخته على وجه الخصوص..
المرأة- لا يوجد أهم من هذا..
الرجل- لا يا سيدتي..
المرأة- وماذا تريد.. لم يعد لديك ما تبتزني به؟
الرجل- لا يا سيدتي.. بل لدي..
المرأة- ماذا لديك؟
الرجل- ما تنقلينه لعشيقك عبر سيارة زوجك الوزارية.. أقصد البضاعة..
المرأة- إنها مجرد أشياء تافهة..
الرجل- ليست إذا كانت مسحوقاً أبيضاً..
المرأة- (تصمت)
الرجل- لم أخبره بذلك.. لأن هذا لن يفضي إلى نهايتك أنتِ فقط.. بل سيفضي إلى نهايته هو أيضاً..
المرأة- وهل يهمك أمره إلى هذه الدرجة؟
الرجل- ليس كثيراً إذا لم يكن رزقي بيده..
(صمت)
المرأة- كم؟
الرجل- قيمة لفافة واحدة..
المرأة- (بسرعة وتوتر) أنت مجنون..
الرجل- لا.. لست مجنوناً يا سيدتي.. إن لفافة واحدة لا تباع بأقل من بضعة مئات الآلاف من الدولارات.. وأنتِ نقلتِ ما لا يقل عن مائة وتسعين لفافة حتى الآن..
المرأة- (تصمت)
الرجل- لفافة واحدة يمكنها أن تغير كل قدري في هذه الحياة البائسة؟
المرأة- اسمع.. في كل الأحوال سيقتلونك.. أنت لا تفهم شيئاً.. إن هذه الأشياء أكبر مني ومنك ومن الوزير.. إن حياتنا جميعاً رخيصة عند هؤلاء..
الرجل- (يصمت)
المرأة- (تخرج هاتفها) أنظر.. هل ترى الاسم على هذا الرقم..
الرجل- (ينظر إلى الرقم) اللعنة..
المرأة- هل فهمت؟
الرجل- (يرتبك ويصمت)..
المرأة- رصاصة واحدة سينتهي قدرك تماماً بدلاً عن أن يتغير.. هذا إذا كانوا رحماء معك ولم يُدخلوك إلى أماكن تفقد فيها عقلك.. هل فهمتني.. هل تعتقد أنني عشيقة ذلك الكلب.. نعم.. كنت كذلك.. لكنه استغلني والآن أنا عبدته.. كلبته.. هل تتذكر الجنرال الذي سقطت طائرته قبل أيام.. إنه أحد الضحايا.. فمن أنت أيها الحشرة..
(يرن هاتفها فتتحدث فيه) ألو.. حسيب.. نعم.. إنه يقف معي الآن.. ولماذا لم تخبرني بأنه يراقبنا من قبل؟ يا إلهي.. إنكم تستطيعون التضحية بأي أحد وأنت الذي كنت أتصور بأنك تحبني.. (تبكي) كيف لا أبكي يا حسيب وأنت تفعل كل ذلك بي.. والآن هذا الحشرة يريد ابتزازي..(بخوف) ماذا؟.. لا.. لا أرجوك.. (يخاف الرجل الجاسوس).. (تهز رأسها) أرجوك ارجوك إنه شاب صغير السن.. حسنٌ.. سابتعد.. هل أعود إلى الشقة... وإلى أين سأذهب.. إلى قصري.. وزوجي.. ستخبرونه.. لا .. لا يا حسيب.. ليس إلى هذه الدرجة (تصرخ وهي تبكي) لا يا حسيب.. لا يا حسيب.. (يسقط الهاتف من يدها ويغشى عليها فيلتقطها الرجل بين ذراعيه)..
الرجل- سيدتي.. سيدتي..(يمددها على الأرض ويرفع رأسه متلفتاً باحثاً عن مساعدة).. يا إلهي ماذا أفعل..سأتركها وأهرب..
صوت- تعال..
الرجل- (يرفع رأسه) من يتكلم..
صوت- بدون مناقشة..اتجه ناحية يسار المسرح.. (ينهض الرجل) نعم.. سر ببطء.. واتجه لتخرج من يسار المسرح.. اخرج منكسراً.. هل فهمت (يطأطئ الرجل رأسه) نعم هكذا.. أخرج منكسراً كالآخرين.. فلست أفضل منهم..
(يخرج)

(برهة )
(تدخل مجموعة الجماهير من يسار المسرح متحركة في كتلة واحدة، ويدخلون إلى البرج وأثناء حركتهم يتركون شاباً عاريا مسجىً وسط المسرح)..
يدخل الشرطي السمين والنحيل وهما يسيران بحركة عكسية إلى الخلف، يعبران بجثة الشاب العاري ويدخلان البرج)
(تدخل زكية وزكريا بحركة خلفية من يسار المسرح ويعبران الجثة ويدخلان البرج)
(تدخل شهيرة وعبد السميع بحركة عكسية ويدخلان البرج)
(تدخل زوجة الوزير والرجل الجاسوس بحركة عكسية ويدخلون البرج)
وتظل جثة الشاب العارية في وسط المسرح
(صمت لبرهة)
الشاب- آه.. (يضع كفه على رأسه).. آه.. (يئن).. أين أنا؟.. (يحاول النهوض لكنه يفشل).. ماذا حدث لي.. وأين أنا.. وما كل هذه الدماء التي تنزف من جمجمتي.. (يصرخ متألماً).. آآه.. ولماذا.. أنا عارٍ؟ أين كنت؟.. لقد.. يبدو.. ربما.. لا لا.. يبدو أنني فقدت ذاكرتي.. (يرفع رأسه قليلاً)..ها.. نعم.. لقد.. لقد كانت مهمتي أن أحذرهم.. ويبدو أنني لم.. لم أتأخر.. فها هو البرج لا زال قائما..
(صوت طائرة)
الشاب- لا.. لا.. لقد جاءت.. إنها الطائرة.. يا إلهي.. أرجوك.. أرجوك لا تصطدمي بالبرج.. أرجوك.. لا .. لا..
(صوت ارتطام وانفجار) (يحاول الشاب تغطية وجهه بذراعه) آه... لقد حدث ما كنت أخشاه.. (يرفع رأسه) يا إلهي.. إنها الطائرة الثانية.. لا.. لا.. رباه.. ألطف بعبيدك.. ألطف بعبيدك المنكسرين..
(صوت اصطدام وانفجار ويغطي الشاب رأسه بذراعه)..
(تمض برهة)
الشاب- لقد فشلت..فشلت في مهمتي التي أرسلت من أجلها.. ولكن ماذا تبقى للسماء من حيل أمام البشر المنهزمين؟.. سأحلق عائداً إلى موطني.. فلقد تغير كل شيء..كل شيء
(ينهض بصعوبة، ثم يثني ركبتيه قبل أن يقفز صاعداً ليختفي في السماء)..


(ستار)

~النهاية~

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى