أبووردة السعدني - السلطان العثماني بايزيد الأول بين النصر والأسر

... عنوان دراسة - للراجي عفو ربه - صدرت منذ أكثر من عقدين ، أدعو الله أن يوفقني إلى تنقيحها وإعادة طبعها ، ارتأيت أن أنشر أهم نتائج تلك الدراسة ، لعلها تعود بالفائدة على بعض الأصدقاء الكرام ....
... السلطان بايزيد الأول رابع سلاطين الدولة العثمانية ، جلس على العرش عقب استشهاد والده السلطان مراد الأول سنة 791/1389 ، إثر انتصاره على الصليبيين في معركة " قوصوه " الشهيرة ....
تمتع بايزيد الأول بشخصية قوية ، فلقد كان حاضر البديهة ، سريع الحركات ، موفور الذكاء والجسارة ،حتى لقب بلقب " يلدريم " ، أي البرق أو الصاعقة بجدارة ، لانقضاضه على أعدائه - في ساحات الوغى والنزال بطريقة سريعة خاطفة ، كالصاعقة التي تبدد شمل الأعداء فتبيدهم عن آخرهم ...
... خاض السلطان بايزيد الأول معارك عدة ، حيث سار النصر في ركابه ، ورفرفت راياته - في كل معاركه - عالية خفاقة ، ولعل أعظم انتصاراته كان في صليبية " نيكوبوليس " - عام 798/1396 - ، التي تداعى إليها ملوك أوربا وأباطرتها للقضاء على الخطر العثماني الذي لايبقي ولايذر ، اذ حمل العثمانيون - بقيادة الصاعقة - حملة صادقة ، وألحقوا يجحافل الصليبيين هزيمة ساحقة ، فكانوا يقتلون فريقا ويأسرون فريقا ، ولم ينج منهم الا من كان في عمره بقية ....
.... وفي خضم تلك المعارك الظافرة ، وضع الصاعقة - نصب عينيه مدينة " القسطنطينية " ، لفتحها وتحويلها من عاصمة مسيحية إلى عاصمة اسلامية ، فحاصرها مرتين ، سنة 795/1393 ، وسنة 802/1399 ، وكادت تسقط في يديه ، غير أنه اضطر إلى رفع الحصار عنها - بعد فرض شروطه على إمبراطورها - ، ليواجه الخطر الإسلامي الداهم المفاجيء الزاحف على بلاده من جهة الشرق ، بقيادة القائد المغولي المسلم " تيمورلنك " - ت ٨٠٧/١٤٠٥ - ، حيث دارت رحى معركة حامية الوطيس سنة 804/1402 ، بين سلطانين مسلمين ،عرفت باسم معركة " أنقرة " ، قاتل فيها الصاعقة قتال الأبطال ، وأبت عليه شجاعته أن يفر مع الفرار ، فظل يقاتل في صبر وثبات ، حتى لم يعد في طوق المقاومة دفع الهزيمة أكثر مما دفعت ، فلما جن الليل ، أرسل تيمورلنك فرقة عسكرية للقبض على بايزيد ، الذي ظل يقاتلهم إلى أن كبا به جواده ، فألقوا عليه بساطا ، ثم ألقوا بأجسادهم فوق البساط ، حتى تمكنوا من أسره بعد جهد جهيد ، وساقوه إلى تيمورلنك ، فوضعه في قفص من حديد !!.....
.... على الرغم من أن معركة " أنقرة " ليست من المعارك الحاسمة التي غيرت وجه التاريخ ، إلا أنها تمخضت عن نتائج مهمة وخطيرة ، نذكر منها :
....تعد تلك المعركة من أكبر المعارك الميدانية ، التي دارت أحداثها ووقائعها في العالم الاسلامي حتى أوائل القرن العاشر الهجري ( الخامس عشر الميلادي ) ، إذ احتدم فيها النزال بين جيشين من أكبر الجيوش الاسلامية في العالم ، تبارى - لإحراز النصر فيها - خاقانان تركيان مسلمان ، كانا يقتسمان الأقطار الاسلامية بين الصين شرقا والبحر الأدرياتيكي غربا ، ظهرت فيها آيات البطولة والثبات في القتال ، وأزهقت - خلالها - أرواح لا تحصى من جنود الطرفين ...!!..
... توقفت - إلى حين - الفتوحات العثمانية في قارة أوربا ، وتأخر فتح مدينة القسطنطينية خمسين عاما تقريبا ، ويلاحظ أن إنقاذ القسطنطينية أتى من الشرق الاسلامي ، ولم يأت من الغرب الأوربي المسيحي ...!!.....
... استغلت الشعوب المسيحية - في البلقان - هزيمة " أنقرة" ، وقامت بحركات تمرد ضد العثمانيين ، رغبة في التخلص من حكمهم ، فاستقلت كل من : بلغاريا ، والأفلاق ( رومانيا ) ، ودولة الصرب ، بعد أن كانت تلك الدول ولايات عثمانية ...!!...
.... انهارت وحدة الأناضول التي جاهد السلطان بايزيد الأول لتحقيقها ، وانفرط عقد السلطنة العثمانية انفراطا فجائيا ، وتحول الأناضول من دولة موحدة - تقريبا - الى إمارات صغيرة مستقلة متناحرة ، تذكرنا بملوك الطوائف في الأندلس ...!!...
.... اشتعلت الحروب الأهلية بين أبناء السلطان بايزيد الأول ، لاختلافهم على وراثة العرش ، وأطلق على تلك الفترة " فترة دوري " ، ولم تتوحد الدولة العثمانية إلا سنة 816/1413 ، على يد السلطان " محمد الأول " الذي لقب بلقب " مجدد الدولة ".....
.... من النتائج المؤسفة : وقوع السلطان العثماني بايزيد الأول في أسر تيمورلنك ، الذي وضعه في قفص من حديد ، وصار يدخل به المدن ويعجب عليه ، وأذاقه أقسى صنوف الإيلام النفسي ، الذي لا يليق بسلطان في مثل مكانة السلطان بايزيد الأول في إبائه وشجاعته ، فابتلع خاتما - كان في أصبعه - ، وفاضت روحه الى بارئها سنة 805 /1403....!!!.....
..... وبأسر السلطان العثماني بايزيد الأول ، ثم وفاته ، فقد العالم الاسلامي سلطانا عظيما رفع راية الجهاد في سبيل الله ، سلطانا نال - بصورة رسمية - من الخليفة العباسي - بالقاهرة - لقب " سلطان اقليم الروم " ، سلطاناً نظر اليه المسلمون على أنه " سلطان الغزاة " ، و " أكبر بطل اسلامي " ، نعته طاشكبري زاده ب " المجاهد " ، وقال عنه ابن حجر : " كان من خيار ملوك الأرض " ، وقال عنه ابن تغري بردي : " كان من أجل الملوك : حزما ، وعزما ، وشجاعة ".......


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى