أمل الكردفاني- صناديق الإقتراع الكاذبة

صناديق الاقتراع الكاذبة

أمل الكردفاني


إن تاريخ البشرية لم يتأسس يوماً على صناديق الإقتراع، منذ الأزل وحتى اليوم. هذا ما دعا أفلاطون إلى نقد الدموقراطية الأثينية وبناء جمهوريته الطبقية. تأسس التأريخ الإنساني على الحقيقة، لأن المسير البشري كان طبيعياً إلى حد كبير. الممالك والسلطنات والامبراطوريات تأسس على حكم القوة الواحدة المركزية، كل تاريخ الصين والآسيويين والعرب والأوروبيين والأفارقة. البابليين والفراعنة والرومان والفرس والعثمانيين وغيرهم. تبدو الدموقراطية شاذة جداً داخل التاريخ الإنساني.
ومنذ بداية الثورة الصناعية، وهيمنة الرأسمالية، بدأ تصدير الدموقراطية كمنهج جديد للحكم. منهج يتم منحه قداسة يومية، لأنه منهج يدعم الرأسمالية، لأنها تسيطر على (المال والإعلام وسوق السلاح). وهذه هي عناصر السيطرة الأساسية على النموذج الدموقراطي. بامتلاك أي شخص للعناصر الثلاثة، يستطيع أن يسيطر على الحملة الانتخابية لتنتهي الصناديق ممتلئة باسمه. لذلك فإن حملات شيطنة رجل كحميدتي لها مبرراتها القوية جداً. فحميدتي يمتلك المال والسلاح، وهنا كان لا بد من محاصرته لمنعه من السيطرة على الإعلام.
لو تتبعنا تاريخ الدموقراطيات في السودان، فإنها أتت في الغالب بأصحاب الهيمنة التاريخية على المشهد.
إن الإعلام هو الذي يقرر الفائز في الانتخابات. في أمريكا، تسيطر الرأسمالية على إدارة الحملات الانتخابية، ولو تركت العملية الدموقراطية على سجيتها ففي الغالب، ستتحول امريكا إلى دولة اشتراكية، إذ أن أغلب مفكري وفلاسفة أمريكا يساريون.
الدموقراطية في الواقع لا تعتمد على كفاءة المرشح الأكاديمية والعملية، لو كان الأمر كذلك، لفاز ستة من منافسي ترامب ومنهم بروفيسورات في جامعات أمريكية محترمة.
يقوم الإعلام الأمريكي الموجَّه بلفت الأنظار إلى النموذج المعد بعناية لقيادة الفترة التالية بحيث يخدم القوى المهيمنة، لقد نجح ترامب في القفز بإسرائيل إلى الأمام ودعم اللوبي اليهودي بقوة، لكنهم خانوه. لقد غضب ترامب وأعلن ذلك على الملأ قبل بضعة أشهر. أوباما كان دوره بسيطاً وهو إنهاء الحقبة الوحشية التي شوهت صورة امريكا خاصة في العالم الإسلامي بعد حروبها في العراق والصومال، كان لابد من رجل أسود يؤكد بأن أمريكا دولة تحترم التنوع، بدون تمييز. وهذا ما جعل أول مهام أوباما (الذي اشتغل الإعلام كله لمصلحته) هو الذهاب إلى مصر وإلقاء خطاب موجه للعالم الإسلامي.
تعتمد الدموقراطية أو النجاح في صناديق الاقتراع على دعم الرأسمالية أو السلاح أو التحالف الأزلي بينهما، بعد تقليم أظافر السلطة الدينية ونهاية احتكارها لقرون مع الرأسمالية القديمة (الإقطاع التقليدي)، وبعد انتصار الرأسمالية أصبح هناك إقطاع جديد، بمسمى جديد.
فلنتخيل أن أستاذاً جامعياً ذكيا ترشح ضد زعيم طائفي أو ضد رأسمالي، فكيف سيتمكن من الدعاية لنفسه إعلامياً إن لم يكن مدعوماً بالمال؟ هذا مستحيل.
أما في الولايات المتحدة، فإن خروجك عن المنظومة سيعرضك للتهميش والتضييق الإعلامي باستمرار.. قد يرفضون حتى نشر أبحاثك العلمية أو كتبك كما حدث لتشومسكي، أو تتعرض للتضييق كما حدث لادوارد سعيد..أو ربما القتل عندما تتجاوز الحد المقبول cross the boundaries.
لا يمكننا ان نتجاوز الحقبة المكارثية او قوانين حظر الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة الأمريكية وتجريم الانتماء إليه، ومحاصرة كل الأنظمة التي اتجهت خلاف التوجه الرأسمالي. لا يمكننا أيضاً تجاهل القوانين غير المنطقية في فرنسا تجاه قضايا مكانها التاريخ، كالمحرقة وإبادة الأرمن، في الوقت الذي تمس فيه برموز دينية بكل حرية.
هناك حدود لكل شيء boundaries، وصناديق الاقتراع لم تمثل أبداً الغالبية المسحوقة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تفتح أي باب للأكفاء من المفكرين والفلاسفة وأصحاب الرأي الحر. ظلت الدموقراطية تفشل في السودان، لأنها عبرت باستمرار عن القوى المهيمنة (الدينية والرأسمالية، والسلاح) المتحالفة، ثم الآن التحالف بين (المال والسلاح) بعد تهميش وشيطنة القوى الدينية (الأمة، الإتحادي، الحركة الإسلامية). الحملات المستعرة، ضد الكتل المحافظة تعلن عن بداية عصر جديد، عصر انتصار الليبرالية الجديدة العلمانية وتغلغلها في الرقعة السودانية العجفاء، لتمرير أجندة جديدة.
هناك انتخابات ستحدث، وستظهر فيها وجوه جديدة مدعومة بالمال، وجوه مصنوعة، ليست مزيفة لكنها فاعلة في إطار ضيق يخدم مصالح محددة. هناك مخلصون سيتم تهميشهم، ومهمشون سيتم إطعامهم ثم وضعهم في الحجر الذاتي.
هذا كل ما في الامر.
أما صناديق الاقتراع فهي أداة بروباغندا أو إعلام سياسي في العمليات النفسية لا أكثر ولا أقل.
إن العمليات النفسية psychological operations أضحت علماً ضخماً هدفه هو توجيه الشعوب والجماهير، وهو علم يعتمد على نظريات عديدة كنظربة السيطرة ونظرية التحكم ودراسات علم نفس الجماهير مع العلوم الإجتماعية. وعبر هذا العلم سيتم إقناع الحماهير بأن حمدوك هو المخلص، وأن اوباما هو السوبر مان الأسود، وأن ترامب فاشل، وأن أكثر المطربين تفاهة هو أكثرهم عبقرية وإبداعاً.
وياااااا مسهل..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى