محمد السلاموني - 10 يناير.. اليوم العربى للمسرح

[تم اختيار 10 يناير (التاريخ الذي يوافق اليوم الذي تأسست فيه الهيئة العربية للمسرح) ليكون يوما عربيا للمسرح. وقد اختاره المسرحيون العرب لأنه شهد ولادة الهيئة التي رأوا فيها طوق نجاة واعتبروه يوماً عربياً للمسرح بمباركة المشاركين في المؤتمر التأسيسي للهيئة الذي عقد في يناير 2008 (أتحاد الفنانين العرب، ومعظم النقابات الفنية العربية، ومنظمة (الأليكسو)، الهيئة الدولية للمسرح، وممثلين عن المسرح من كل الدول العربية.]
وما أن انتهى المسرح حتى بدأ العرب الإحتفال به، كعادتهم فى الإحتفال بالموتى... ؟!.
لم يعد المسرح دافئا- بل صار باردا، وتلك علامة موته.
هذا ما كنت أشعر به فى السنوات الأخيرة من عمر علاقتى به...
وأعتقد بأن تحوُّله الجذرى من التمحور حول "ماهو جماعى" إلى "ماهو فردى"، كان أقصر السُّبُل التى قطعها نحو نهايته .
ليس فى نِيَّتى الحديث هنا عن هذا الأمر- ومع ذلك، فما يمكن قوله هو أن ازدهار المسرح - بما هو فن جماهيرى بطبعه- قرين ازدهار الأيديولوجيات الشمولية، والأنظمة الشمولية، نعم ، يعد المسرح إحدى المؤسسات السلطوية الراعية للقطيع...
بل وأكثر من هذا- فالمسرح هو ذلك الفن القديم الذى ظل متبقيا من عصور الأيديولوجيات الشمولية، ذات التوجه الجماعى الصاخب/ حتى فى الغرب، مع التحول نحو الليبرالية بمنحاها الفردَوى، ظلت الأيديولوجيا الليبرالية الفردوية هى الداعمة لإستمرارية وجود المسرح...
الآن، لم تتلاشى الأيديولوجيا بقدر ما انقطعت عن شموليتها؛ أى عن كونها تصوِّرات جماعية حاشدة- وهو ما يضعنا أمام انتهاء عصر "السرديات الكبرى"... نعم، لقد كان المسرح هو الفن الذى احتل موقع الصدارة فى أزمنة السرديات الكبرى.
المسرح فن بدائى؛ لصيق الصِّلة بالطقوس الجماعية والعقائد الجماعية، بأشكالها العديدة، القديمة والحديثة... ويتأسس جوهريا على فكرة [تحوُّل الذات الفردية أثناء العرض إلى ذات جماعية كبرى- من خلال الإندماج الجماعى فى شخصية ما أو فكرة ما... على مرجعية أنماط التمثيل الأيديولوجية السائدة فى المجتمع .].
وعندما ترهَّلت وتفتَّتت وتفككت أنماط التمثيل تلك، فقدت الأيديولوجيات شموليتها؛ ولم يعد باستطاعة "المتفرج الفرد" العثور على نموذج مرجعى "= شخصية أو فكرة" يمكن له التماهى بها- هنا ظهر "الممثل الفرد" عاريا على خشبة المسرح- حتى النصوص المسرحية القديمة "شِكسبير وغيره" لم يعد لها من معنى الآن، إذ تؤدَّى خارج سياقها التاريخى- الذى هو السرديات الجمعانية الكبرى.
من هنا صار الممثل فوق الخشبة باردا- كالدجاجة المتجَمِّدة داخل الثلاجة- ولم يعد يحظى من المتفرج سوى بنظرة صاحب الثلاجة الجائع الماثل أمام تلك الدجاجة ولا يستطيع أن يأكلها.
// الآن، فى العروض المسرحية التى تتناسل فى مجتمعاتنا كالخلايا السرطانية، لم يتبق من المسرح سوى ذلك المثول الصورى "بين الممثل والمتفرج"، فى إطار تفكك المجتمعات المعاصرة وتحولها إلى "قبائل صغيرة- جماعات ملتفة حول معان عديدة، تستمد منها الوجود"...
كلمة أخيرة:
المسرح أداة سلطوية ناجزة- لذا قامت الأنظمة السياسية برعايته ودعمه طوال التاريخ، وليست العروض ذات الأيديولوجيات المعارضة للأنظمة سوى إحدى مستلزمات العروض الأخرى، الموالية ...
ومع عثور الأنظمة السياسية على بدائل تكنولوجية أكثر جماهيرية، تراجع- إن لم نقل تلاشى- اهتمام تلك الأنظمة به.
فى اليوم العربى للمسرح- أقول: وداعا أيها المسرح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى