جاكلين سلام - المرأة وغواية الكتابة

المرأة تكتب لأنها تريد أن تكتب وتستمتع بالتعبير عما يجول في رأسها. ولكن الشهرة قد تكون سريعة وعاصفة ما أن تكتب في الجنس حتى وإن كان ينقصه الأدب والنضج، بعد أن كانت أغلب كتاباتها تأوهات شبقية وافتراضات طهرانية.
المرأة تكتب لأنها تريد أن تقول شيئاً لم يقله غيرها.
ولن أنسى صورة تلك الكندية العجوز التي تجاوزت سن التقاعد وما تزال تذهب إلى دراسة الكتابة الإبداعية في الجامعة كي تكتسب مهارة جديدة وهي تعد كتابها الثاني، بعد أن أنجزت مطبوعها الأول وهي في الستينات من العمر. فيما امرأة عجوز أخرى وضعت مخطوط كتابها وهي في السبعينات في عهدة ناشر مع اتفاق على عدم نشره وهي على قيد الحياة كونه يحمل محصلة تجارب حياتية جنسية لا تبعث على السرور لمعارفها ولأفراد عائلتها بوجه خاص.
*
لا شك أن لكل صوت رغبة في الوصول ولفت الانتباه إلى الرسالة التي يحملها. وهناك لاشك فارق ما بين الوصول إلى شهرة في الساحة العربية وبين الهدف من الكتابة بالعربية في المرحنة الراهنة، مرحلة سوشيال ميديا، نفخ الشفاه وتجميل صورة الكاتب(ة) على حساب الصنعة والمهارة الإبداعية. أو لعلها كذلك منذ أزمنة ساحقة، لكن هذا ما نختبره اليوم أمامنا بجلاء
*
المسافة شاسعة ما بين صناعة الأسماء وتصديرها إلى الصحف والمجلات والمهرجانات والأوسمة، وما بين الشهرة المستحقة إبداعيا. "البرباغندا" وهذا الانتشار المرفق بضجيج مفتعل وخلبيّ تحرص عليه جهات معينة، يحتاج إلى طغاة صغار من الطبقة المثقفة. طغاة يضعون تحت عابئتهم طغاة أصغر منهم وأثر دناءة وعدوانية. وهؤلاء سوف يعيقون النهضة العربية، ولن يكونوا من رعاتها، إلا ظاهرياً.
*
وربما يكون الحديث مطروحاً بكثرة بسبب ظهور المرأة الواضح على الساحة الثقافية وما صاحب هذا الظهور من جديد جميل ومن إشكالات وضجيج واختلال في موازين التقييم والتلقي لدى القارئ والناقد، ساهمت المرأة في بعض حالاتها في تأجيجه وانتشت به بعض الأحيان.
*
الشهرة بطاقة عبور مضمونة لتمرير السيء والمتواضع، وتطال كتابات الرجل كما تطال أشغال المرأة الكاتبة، والشواهد حاضرة اليوم وعلى مر العصور.
*
جميل أن نرى كم ازداد عدد الأصوات "النسوية& الأنثوية". ونرى كيف تصاعدت نبرة الجسد على حساب الشعرية والتحديث في المضمون والصيغة الجمالية.
*
ظهرت في كتابات المرأة بعض الطفرات الفحولية كما أخذت المرأة المبادرة بأن تتغزل بنفسها بعد أن تغزل بأوصافها الرجل دهراً. بينما نجد كاتبة غربية قطعت شوطاً أكبر وفرغت من الكتابة عن جنسها وجسدها، فراحت تنبش في مناطق أخرى، وتكتب عن الدودة، الخنزير، القرد، الفأرة ووحيد القرن بقوة وإبداع.
*
وقد يكون غياب النظريات والدراسات النقدية المجتهدة الجادة في صنعتها هو الذي يحدّ من تطور كتابة المرأة والكتابة في العموم.
الحرية هي التي تتيح للمرأة أن تتحرر من أساليب الآخرين وآلية نقدهم، تتحرر من النسق المعدّ لها سلفاً. قليلا، خطوة، واقعاً وفكرا.
*
ليست غاية المرأة من الكتابة حيازة السلطة، أي استبدال السلطة القديمة الذكورية بنموذج من آخر يحل في صورتها ومقامها ولغتها وأساليها. فاللغة تتسع للجميع، والكتابة بمحمولها الروحي والنفسي تعكس خصوصية ما تدلنا على بصمة المبدعة، كذلك البعد الجمالي الطازج والمغاير الذي يحمله النص هو الدلالة على اجتياز المرأة عتبة التبعية وصولاً إلى ضفة جديدة كانت مهمشة منذ قرون.
*
كي تحقق الكاتبة نقلة في هذا المجال، عليما أن نسأل: إلى أي مدى تحققت حرية المرأة العربية في البيت والقانون والشارع؟
وهنا سنجد الثغرات كثيرة ومتفاوتة من بلد إلى آخر ومن بيت إلى آخر، ومن كتاب إلى آخر.
ويذهب بنا هذا السؤال إلى منطقة أخرى مهمة وهي "كيف نقرأ" فالقراءة فن ومشاركة في الإبداع، فعالية حثيثة ومتواصلة توليها الدول الغربية اهتماما.
أذكر كتاباً صدر بالإنكليزية في الأربعينات بعنوان "كيف تقرأ كتاباً" يضع بين يدي القارئ(ة) درساً تعليمياً تثقيفياً للمبتدأين وإلى أعلى طبقات القراء المجتهدين. تُرجم الكتاب إلى لغات عدة-ماعدا العربية- ومايزال يطبع من جديد.
*
المرأة تكتب حين لا تستطيع أن تصمت وفي دمها تلك الخلطة السحرية من غواية شهرزاد والحكايا التي تحوم حول موقد الحرية ونيرانها المستترة.


( النص من مشروع كتاب عن تحولات صوت الكاتبة وصورتها في ثقافة البيت العربي المعاصر)


نشر في موقع الحوار المتمدن 11/1/2022


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى