السلم مظلم، لا يسرج لمبة السلم من الجيران سوانا، ذكرتِني كثيرا أن أشتري لمبة للسلم بدلا من التي تلفت، فلأصوب (فلاش ) الهاتف علي ( كالون ) الباب وأفتحه على ضوئه، الشقة على حالها منذ تركتها، الغسيل الذي جمعته من على منشر الغسيل كما هو على كنبة ( الأنتريه ) في الصالة، أوه ...ما هذه الرائحة المنتنة التي تملأ المكان ؟ لم أشحن كارت الكهرباء منذ أن تركت الشقة، الآن فقط تذكرت أن الثلاجة كان بها أطعمة، هذه الرائحة الكريهة تنبعث منها، فلأخلع ملابسي أولا، فأمامي معركة كبيرة في المطبخ، إيمان تحب النظافة جدا ولا تسمح بأن يوضع شيء في غير مكانه، فلأخرج كل هذه الأطعمة من الثلاجة وأضعها في كيس كبير وأخرجها أولا من الشقة حتى أخفف الرائحة ولو قليلا، ثم أعود وأغسل الثلاجة جيدا، وأعيد المطبخ لامعا كما تركته إيمان، لكن يا ترى أين وضعتِ أعواد البخور التي كنت تبخرين بها الشقة بعد طهيك للأسماك بالذات؟
يجب أن أعيد شقتنا كما كنت تحبينها، لعله في أدراج المطبخ، قلبت كل محتوياتها لم أجده، ربما في ضلف ( النيش ) وقفت أتأمل تنسيقك يا إيمان لمحتوياته، فنانة أنت كل أطقم الشاي وضعتيها بتدرج ألوانها ونسقتيها على شكل وردة كبيرة، لن ألمسها كما كنت تطلبين مني؛ فكلها قديم وقد أصبح نادرا الآن ولو كسرت قطعة منه فلن أعوضها، ورثتها عن أمي التي ورثتها عن جدتي وسأورثها لابنتي ياسمين.
حاضر يا إيمان سأتركها ولن ألمسها؛ لا لأنها نادرة ولا تعوض، ولكن لأن عليها لمسات يدك، تلك اليدان الحبيبتان، اللتان صنعتا لي أشهى الأطعمة، ولمست كل شيء هنا فجعلته جميلا زاهيا، هاهو عود البخور يا حبيبتي لقد وضعته بين الورود في المزهرية التي على السفرة، سأشعلهما وأضعهما في الموضعين المفضلين لديك، واحد في المطبخ وآخر هنا في مدخل الشقة علي (الكنسول )، كنت كلما دخلت البيت قابلني عطر بخورك ( الفرجيني ) المفضل لديك.
سأطوي الملابس، لكن أين كنت تضعينها يا إيمان؟
لم أكن أعرف عن هذه الأمور شيئا، أنت من كنت تناولينني غياراتي وتنسقين لي مظهري، كان يكفي أن أقول لك: أريد غيارا نظيفا، فتسرعين و تخرجين لي ما أريد ثم تقترحين عليّ ما ألبس، ذلك اللبس الذي طالما كان يغبطني زملائي على اختياره المميز.
سأفتح خزينة الملابس وأنظر إلى الرصات التي لا أعلم عنها شيئا وأفعل كما كنت تفعلين.
طالت غيبتك يا إيمان ، لكن أنفاسك في كل ركن وزاوية من البيت، هذه المصلية التي كنت تطيلين القيام والركوع والسجود عليها، هذا مصحفك بجانب سريرك على المنضدة، حتى العلامة وضعتِها على السورة التي توقفتِ عندها بلمسة يدك؛ سورة المؤمنون، كنت تحبين هذه السورة جدا، ومن العجيب أنك تركت الشريط الأحمر عندها.
جئت اليوم يا غالية لأخذ أشيائي، سأترك كل شيء لابنتك، لم أشأ أن آخذ حقي في ميراثك؛ تركته طواعية لوحيدتك لأني أريد أن أسعدك، حتى وأنت هناك، فياسمين كانت زهرة عمرك، كما كنت ترددين دائما.
قلت لها واشهدي علينا يا إيمان : أمك يا ياسمين كانت هي السعادة التي أجلها الله لي؛ فمنحها لي بعد أن تجاوزت الأربعين، خرجت من زواج غير موفق بأربعة أبناء ونفسية كسيرة، ارتبطت بوالدتك وكنت ربيبتي؛ بل ابنتي الغالية، عشت معكما سبعة عشر عاما ، منذ أن كان عمرك يا ياسمين عشر سنوات، كانت كلمة بابا ثقيلة عليك في البداية، إلي أن خرجت منك عفوا يوم أن حصلت علي الإعدادية وكنت قد أعددت لك حفلا جميلا بهذه المناسبة، وأنا أناولك الهاتف ذو الكاميرتين هديتك التي كنت قد وعدتك بها إذا حققت مركزا من المراكز الخمسة الأولى ، رأيت السعادة تشرق في وجهك وأنت تقولين لي شكرا يا بابا، ربي لا يحرمني منك، ساعتها عرفت أني أصبحت بابا بحق، ومن يومها وأنت تقولينها وأنا أستعذب حلاوتها من فمك.
أين يا إيمان الحقيبة الصغيرة التي كنت تضعين لي فيها الأوراق والوثائق؟
كنت تأخذين مني الأوراق وتدخلين حجرة النوم، ثم تعودين بعد أن تضعيها في حقيبة لي قديمة، إذا هي هنا، ربما في الضلف البليكار التي تعلو ضلف الملابس، فلأقف علي الكرسي وأبحث فيها، كلهابطاطين ومفارش قلبت فيها، لم أجدها يا إيمان، سأحاول أن أتذكر يا حبيبتي، لعلها في أدارج التسريحة، لا ليست فيها، رأيتك مرة تنحنين تحت السرير لتضعي شيئا، فلأرفع غطاء السرير وأنظر، نعم هنا خزينة في جسم السرير، ربما الحقيبة داخلها، نعم هنا ، خلاص يا إيمان وجدتها.
هذه الحقيبة وبعض متعلقاتي فقط يا غالية وكل ما في الشقة لياسمين، إن أرادت أن تنتقل هي وزوجها وأسرتها للسكن فيها فلها ذلك.
أفقت من نظرة طويلة تركتها في الشقة وأدرت المفتاح لأخر مرة وأنا أغلق بابا طالما أدرته لسبعة عشر عاما..
يجب أن أعيد شقتنا كما كنت تحبينها، لعله في أدراج المطبخ، قلبت كل محتوياتها لم أجده، ربما في ضلف ( النيش ) وقفت أتأمل تنسيقك يا إيمان لمحتوياته، فنانة أنت كل أطقم الشاي وضعتيها بتدرج ألوانها ونسقتيها على شكل وردة كبيرة، لن ألمسها كما كنت تطلبين مني؛ فكلها قديم وقد أصبح نادرا الآن ولو كسرت قطعة منه فلن أعوضها، ورثتها عن أمي التي ورثتها عن جدتي وسأورثها لابنتي ياسمين.
حاضر يا إيمان سأتركها ولن ألمسها؛ لا لأنها نادرة ولا تعوض، ولكن لأن عليها لمسات يدك، تلك اليدان الحبيبتان، اللتان صنعتا لي أشهى الأطعمة، ولمست كل شيء هنا فجعلته جميلا زاهيا، هاهو عود البخور يا حبيبتي لقد وضعته بين الورود في المزهرية التي على السفرة، سأشعلهما وأضعهما في الموضعين المفضلين لديك، واحد في المطبخ وآخر هنا في مدخل الشقة علي (الكنسول )، كنت كلما دخلت البيت قابلني عطر بخورك ( الفرجيني ) المفضل لديك.
سأطوي الملابس، لكن أين كنت تضعينها يا إيمان؟
لم أكن أعرف عن هذه الأمور شيئا، أنت من كنت تناولينني غياراتي وتنسقين لي مظهري، كان يكفي أن أقول لك: أريد غيارا نظيفا، فتسرعين و تخرجين لي ما أريد ثم تقترحين عليّ ما ألبس، ذلك اللبس الذي طالما كان يغبطني زملائي على اختياره المميز.
سأفتح خزينة الملابس وأنظر إلى الرصات التي لا أعلم عنها شيئا وأفعل كما كنت تفعلين.
طالت غيبتك يا إيمان ، لكن أنفاسك في كل ركن وزاوية من البيت، هذه المصلية التي كنت تطيلين القيام والركوع والسجود عليها، هذا مصحفك بجانب سريرك على المنضدة، حتى العلامة وضعتِها على السورة التي توقفتِ عندها بلمسة يدك؛ سورة المؤمنون، كنت تحبين هذه السورة جدا، ومن العجيب أنك تركت الشريط الأحمر عندها.
جئت اليوم يا غالية لأخذ أشيائي، سأترك كل شيء لابنتك، لم أشأ أن آخذ حقي في ميراثك؛ تركته طواعية لوحيدتك لأني أريد أن أسعدك، حتى وأنت هناك، فياسمين كانت زهرة عمرك، كما كنت ترددين دائما.
قلت لها واشهدي علينا يا إيمان : أمك يا ياسمين كانت هي السعادة التي أجلها الله لي؛ فمنحها لي بعد أن تجاوزت الأربعين، خرجت من زواج غير موفق بأربعة أبناء ونفسية كسيرة، ارتبطت بوالدتك وكنت ربيبتي؛ بل ابنتي الغالية، عشت معكما سبعة عشر عاما ، منذ أن كان عمرك يا ياسمين عشر سنوات، كانت كلمة بابا ثقيلة عليك في البداية، إلي أن خرجت منك عفوا يوم أن حصلت علي الإعدادية وكنت قد أعددت لك حفلا جميلا بهذه المناسبة، وأنا أناولك الهاتف ذو الكاميرتين هديتك التي كنت قد وعدتك بها إذا حققت مركزا من المراكز الخمسة الأولى ، رأيت السعادة تشرق في وجهك وأنت تقولين لي شكرا يا بابا، ربي لا يحرمني منك، ساعتها عرفت أني أصبحت بابا بحق، ومن يومها وأنت تقولينها وأنا أستعذب حلاوتها من فمك.
أين يا إيمان الحقيبة الصغيرة التي كنت تضعين لي فيها الأوراق والوثائق؟
كنت تأخذين مني الأوراق وتدخلين حجرة النوم، ثم تعودين بعد أن تضعيها في حقيبة لي قديمة، إذا هي هنا، ربما في الضلف البليكار التي تعلو ضلف الملابس، فلأقف علي الكرسي وأبحث فيها، كلهابطاطين ومفارش قلبت فيها، لم أجدها يا إيمان، سأحاول أن أتذكر يا حبيبتي، لعلها في أدارج التسريحة، لا ليست فيها، رأيتك مرة تنحنين تحت السرير لتضعي شيئا، فلأرفع غطاء السرير وأنظر، نعم هنا خزينة في جسم السرير، ربما الحقيبة داخلها، نعم هنا ، خلاص يا إيمان وجدتها.
هذه الحقيبة وبعض متعلقاتي فقط يا غالية وكل ما في الشقة لياسمين، إن أرادت أن تنتقل هي وزوجها وأسرتها للسكن فيها فلها ذلك.
أفقت من نظرة طويلة تركتها في الشقة وأدرت المفتاح لأخر مرة وأنا أغلق بابا طالما أدرته لسبعة عشر عاما..