كانت على أطراف الكون هناك ، مالذي أتى بها هنا ؟!! أغمضت عينيها المثقلتين وهي لا تكاد تفتحمها وكأنَّ رمل الدنيا كله اجتمع فيهما ، تعود لاغماضهما مرغمة ، فمهما إجتهدت فهي لا ترى إلا قليلاً .
ترى . . ما الذي يجري ؟ أهو تفكيرٌ إجراميٌّ أم خيال بوليسي ، أم ماذا!؟ ما الذي ألقى بها هنا؟ !! وتركها عالقة بأطراف الكون ليس بمقدورها التحرك قيد أُنملة ، تشعر وكأنَّها تحلق في ارتفاعٍ مهيب لا يتصوره عقل !! علوُّ شاهق بعيد عن الخيال !! مالذي أتى بها الى هنا ؟ عالقة كالقشة في مهب الريح ، لكنها تتذكر جيداً كيف جاء بها والدها تحت جنح الليل وتركها تواجه مصيرها وهي طفلة ، بقيت وحيدة تنظرُ حولها علَّها تجد من يرحمها فيأخذها إلى بيته أو يتبناها ابنة له !! لكن القدر لم يمنحها تلك الفرصة وكأن ينابيع الرحمة جفت ونضبت في قلوب البشر ، لقد عاشت منبوذة وهي في كنف والديها ، كانوا دائما يدعونها باللقيطة !! كانت تعاني من وطأة هذه الكلمة وتشعر وهي معهم أنها تعيش تحت التهديد ، وبأنَّهم ربما سيرمونها يوماً طعاماً للكلاب ، وأنَّها مجهولة النسب وقد يجري التخلص منها في أي فرصة ، وليس بعيداً أن يجري رميها في مكبِ النفايات ، كانت تعيش دائماً تحت تأثير هذا الهاجس المرعب ، وترى أنَّها منبوذة من بين اخوتها الستة والتي لم تستطع رغم جمال عينيها ، وانسدال جديلتها النحاسية من إستعطافهم ، وكسب ودهم ، ولا شيء هنا يشفع لها !! ، إنَّها تقاسي أنواع الضغوط النفسية التي تشعُرُ وكأنها تحاصرها وتطاردها كظلها أينما كانت !! ثمة حمل ثقيل كانت تشعر به يكتمُ أنفاسها بحيث يجعلها لا تستطيع الحراك ، ويضعها في موقفٍ لا تُحسدُ عليه ، كما أنَّها تشعرُ دائما وكأنها عالقة تحت أوزار قد تفوقُ طاقتها !! فهي بلا حول ولا قوة ترزحُ تحت تلك الضغوط !! لاتستطيع أن تستوعب كيف أنَّ والدها رماها في خربة مهجورة وأغلق عليها الباب كي تموت جوعاً وعطشاً وتلفظ أنفاسها هناك بين الجرذان الشرسة التي تبين لها أنها أقل قسوة بل أكثر رحمة بها ممن ظنت بهم الرحمة حيث أنها لم تؤذها أبداً ، ولسوء حظها أن الموتُ هو الاخر كان عصياً عليها فلم يبادر بتخليصها من عذاباتها !!
للصدفة كان دورها إنهُ موعد هدم ذلك البيت و إزالته ليجري تشييد مطعمٍ مكانه ، وليتهُ بدل المطعم بُنيَ مأوىً للتعساء والمشردين وأبناء الخطيئة الذين يُلقى بهم ليلاً وتحت جنح الظلام أمام المساجد والمتاجر المغلقة والأماكن المهجورة أو في حاويات النفايات ، أبناء أنجبتهم الصدفة فكانوا نتاج نزوات عابرة ، ومن ثم ليتم رميهم بغية التخلص منهم بأي طريقة ، دون مراعاة لأدنى " حقوق الإنسان " في العيش ، ولحرمة الطفولة ولا لأي إعتبار ، إنَّما لإشباع شهوة حيوانية لحظية ، دون اي حساب للنتائج !!
لا تدري من المجرم الحقيقي وراء معاناتها ، أهي الأم ياترى أم الاب ؟!! أم الاثنين معاً ؟ فهي لايمكن أن تهتدي للجاني الحقيقي من بينهم ، لكن ربما هم أيضاً كانوا أبناء الصدفة ، أو أنَّهم يعانون من اختلالات نفسية وعقلية كبيرة ، سببها حرمانهم من العاطفة والرعاية في صغرهم ، وعدم ترعرعهم في بيئة هادئة آمنة ، أو ربما تعرضت والدتها للإغتصاب والتعدي على حُرمةِ جسدها الضعيف . . ولا أدري لماذا تمنت وقتها أن تغدو حفلةً للشواء ووليمة يتناولها الصغارُ برفقةِ آبائهم الرحماء الذين لم يغدروا بهم بل عززوهم وكرموهم وألبسوهم أجمل الثياب وأتوا بهم إلى المطعم هنا !! في حين أنها الجائعة الظامئة المتعطشة لنظرة عطفٍ ولمسة رحمة ، إنها الآن وبالدرجة الأساس بحاجة للرعاية الأولية الأبوية ومن ثم في ظلها تتم الأمور الأخرى كالطعام والرعاية الصحية . . قطعت الأمل ببناء الميتم لأنَّ العمال كانوا يصرخون متجاذبين الحديث حول بناء المطعم الفاخر ، وكم تمنت تلك اللحظة لو أنها قُدِمَت وجبةً شواء لأولئك الآباء الأفاضل الذين كانوا قمةً في الروعة والكرم مع أبنائهم ، وكم تمنت أن تمتد يد الإنسانية الرحيمة لتنتشلها مما هي فيه من معاناة ، تشعرُ بالإهانة والإذلال كما تشعر أنها منبوذة في كل مكان !! شعرت بجسدها الهزيل بين يدي أحد العمال وقد أشفق عليها و أخذها معه إلى بيته وليتهُ لم يأخذها ، فلقد عاشت لحظات صراعٍ عصيب بين الرجل وزوجته التي كانت تتأفف من وجودها ويجن جنونها وتستشيط غضباً من هذه اللقيطة ، وتطلب التخلص منها بأية وسيلة وبأسرع مايمكن ، وبين إصرار الرجل على تبنيها و إن كانت لقيطة ، نعم " لقيطة " ولأبويها شرفُ الفعلة والتفاخر !!!! لا أن يندى جبينهم الموصومُ بالعار الأزلي .
ومع مرور الأيام وهذا الصراع بين الرجل وزوجته باتت طفلة هزيلة عظامها تكادُ تخرجُ من جلدها وتعيش أسوء حالاتها في كنف أسرة باتت لا ترتضيها وتشعر معها بالعار ، بقيت على تلك الحال لسنوات عدة عاشتها مهينةً مُهددةً إلا أنَّهم حسموا الأمر أخيراً بطردها لتواجه مصيرها بنفسها الضياع وسط الظلام ، و لربما رَحِمها أحد أو ارتطم بها " القدر " صدفة وأثارَ ذلك عندهُ شيء من الشفقة !! أين منها الإنسانية ؟!! أغمضت عينيها بإحكام تحت ذاكَ الثقل على الجسد هناك في أطراف الكون إنه ثقل العار والمذلة الذي يُلاحقُها وفي لحظةٍ ما شعرت براحةٍ تامة ، فأغمضت عينيها واستسلمت لاغفاءة أزلية بينما روحها انسلت نسمة ندية عبر الفضاء تتوق للقاء من هو أرحم الراحمين ، حيثُ الأطفال هناك سُعداء ، ولا أحد يُعيرُها بأنها لقيطة ، تحلقُ بأجنحة البراءة بين أشجار الجنان.
الروائية
أمل شيخموس
ترى . . ما الذي يجري ؟ أهو تفكيرٌ إجراميٌّ أم خيال بوليسي ، أم ماذا!؟ ما الذي ألقى بها هنا؟ !! وتركها عالقة بأطراف الكون ليس بمقدورها التحرك قيد أُنملة ، تشعر وكأنَّها تحلق في ارتفاعٍ مهيب لا يتصوره عقل !! علوُّ شاهق بعيد عن الخيال !! مالذي أتى بها الى هنا ؟ عالقة كالقشة في مهب الريح ، لكنها تتذكر جيداً كيف جاء بها والدها تحت جنح الليل وتركها تواجه مصيرها وهي طفلة ، بقيت وحيدة تنظرُ حولها علَّها تجد من يرحمها فيأخذها إلى بيته أو يتبناها ابنة له !! لكن القدر لم يمنحها تلك الفرصة وكأن ينابيع الرحمة جفت ونضبت في قلوب البشر ، لقد عاشت منبوذة وهي في كنف والديها ، كانوا دائما يدعونها باللقيطة !! كانت تعاني من وطأة هذه الكلمة وتشعر وهي معهم أنها تعيش تحت التهديد ، وبأنَّهم ربما سيرمونها يوماً طعاماً للكلاب ، وأنَّها مجهولة النسب وقد يجري التخلص منها في أي فرصة ، وليس بعيداً أن يجري رميها في مكبِ النفايات ، كانت تعيش دائماً تحت تأثير هذا الهاجس المرعب ، وترى أنَّها منبوذة من بين اخوتها الستة والتي لم تستطع رغم جمال عينيها ، وانسدال جديلتها النحاسية من إستعطافهم ، وكسب ودهم ، ولا شيء هنا يشفع لها !! ، إنَّها تقاسي أنواع الضغوط النفسية التي تشعُرُ وكأنها تحاصرها وتطاردها كظلها أينما كانت !! ثمة حمل ثقيل كانت تشعر به يكتمُ أنفاسها بحيث يجعلها لا تستطيع الحراك ، ويضعها في موقفٍ لا تُحسدُ عليه ، كما أنَّها تشعرُ دائما وكأنها عالقة تحت أوزار قد تفوقُ طاقتها !! فهي بلا حول ولا قوة ترزحُ تحت تلك الضغوط !! لاتستطيع أن تستوعب كيف أنَّ والدها رماها في خربة مهجورة وأغلق عليها الباب كي تموت جوعاً وعطشاً وتلفظ أنفاسها هناك بين الجرذان الشرسة التي تبين لها أنها أقل قسوة بل أكثر رحمة بها ممن ظنت بهم الرحمة حيث أنها لم تؤذها أبداً ، ولسوء حظها أن الموتُ هو الاخر كان عصياً عليها فلم يبادر بتخليصها من عذاباتها !!
للصدفة كان دورها إنهُ موعد هدم ذلك البيت و إزالته ليجري تشييد مطعمٍ مكانه ، وليتهُ بدل المطعم بُنيَ مأوىً للتعساء والمشردين وأبناء الخطيئة الذين يُلقى بهم ليلاً وتحت جنح الظلام أمام المساجد والمتاجر المغلقة والأماكن المهجورة أو في حاويات النفايات ، أبناء أنجبتهم الصدفة فكانوا نتاج نزوات عابرة ، ومن ثم ليتم رميهم بغية التخلص منهم بأي طريقة ، دون مراعاة لأدنى " حقوق الإنسان " في العيش ، ولحرمة الطفولة ولا لأي إعتبار ، إنَّما لإشباع شهوة حيوانية لحظية ، دون اي حساب للنتائج !!
لا تدري من المجرم الحقيقي وراء معاناتها ، أهي الأم ياترى أم الاب ؟!! أم الاثنين معاً ؟ فهي لايمكن أن تهتدي للجاني الحقيقي من بينهم ، لكن ربما هم أيضاً كانوا أبناء الصدفة ، أو أنَّهم يعانون من اختلالات نفسية وعقلية كبيرة ، سببها حرمانهم من العاطفة والرعاية في صغرهم ، وعدم ترعرعهم في بيئة هادئة آمنة ، أو ربما تعرضت والدتها للإغتصاب والتعدي على حُرمةِ جسدها الضعيف . . ولا أدري لماذا تمنت وقتها أن تغدو حفلةً للشواء ووليمة يتناولها الصغارُ برفقةِ آبائهم الرحماء الذين لم يغدروا بهم بل عززوهم وكرموهم وألبسوهم أجمل الثياب وأتوا بهم إلى المطعم هنا !! في حين أنها الجائعة الظامئة المتعطشة لنظرة عطفٍ ولمسة رحمة ، إنها الآن وبالدرجة الأساس بحاجة للرعاية الأولية الأبوية ومن ثم في ظلها تتم الأمور الأخرى كالطعام والرعاية الصحية . . قطعت الأمل ببناء الميتم لأنَّ العمال كانوا يصرخون متجاذبين الحديث حول بناء المطعم الفاخر ، وكم تمنت تلك اللحظة لو أنها قُدِمَت وجبةً شواء لأولئك الآباء الأفاضل الذين كانوا قمةً في الروعة والكرم مع أبنائهم ، وكم تمنت أن تمتد يد الإنسانية الرحيمة لتنتشلها مما هي فيه من معاناة ، تشعرُ بالإهانة والإذلال كما تشعر أنها منبوذة في كل مكان !! شعرت بجسدها الهزيل بين يدي أحد العمال وقد أشفق عليها و أخذها معه إلى بيته وليتهُ لم يأخذها ، فلقد عاشت لحظات صراعٍ عصيب بين الرجل وزوجته التي كانت تتأفف من وجودها ويجن جنونها وتستشيط غضباً من هذه اللقيطة ، وتطلب التخلص منها بأية وسيلة وبأسرع مايمكن ، وبين إصرار الرجل على تبنيها و إن كانت لقيطة ، نعم " لقيطة " ولأبويها شرفُ الفعلة والتفاخر !!!! لا أن يندى جبينهم الموصومُ بالعار الأزلي .
ومع مرور الأيام وهذا الصراع بين الرجل وزوجته باتت طفلة هزيلة عظامها تكادُ تخرجُ من جلدها وتعيش أسوء حالاتها في كنف أسرة باتت لا ترتضيها وتشعر معها بالعار ، بقيت على تلك الحال لسنوات عدة عاشتها مهينةً مُهددةً إلا أنَّهم حسموا الأمر أخيراً بطردها لتواجه مصيرها بنفسها الضياع وسط الظلام ، و لربما رَحِمها أحد أو ارتطم بها " القدر " صدفة وأثارَ ذلك عندهُ شيء من الشفقة !! أين منها الإنسانية ؟!! أغمضت عينيها بإحكام تحت ذاكَ الثقل على الجسد هناك في أطراف الكون إنه ثقل العار والمذلة الذي يُلاحقُها وفي لحظةٍ ما شعرت براحةٍ تامة ، فأغمضت عينيها واستسلمت لاغفاءة أزلية بينما روحها انسلت نسمة ندية عبر الفضاء تتوق للقاء من هو أرحم الراحمين ، حيثُ الأطفال هناك سُعداء ، ولا أحد يُعيرُها بأنها لقيطة ، تحلقُ بأجنحة البراءة بين أشجار الجنان.
الروائية
أمل شيخموس