في المدينة العتيقة تشخص عيون عسس في وجوه المارين، مكلفون بتفحص الإبل؛ يترصدون ألسنة الشعراء الذين تتخفى مفرداتهم في بخور عتيق يتماوج عطره عند أم المساكين حيث آخر أثر لموسى الذي يسري الحلم به في الخروج الكبير، حدث ما يتوقعه القوم؛ حين تتشابك خيوط الليل يترقبون هلال القمر، لا يحركون غير تلك الأماني يحلمون بها في سراديبهم العتيقة؛ تمعنت في تلك الكوة في جدار الصمت القهري؛ أعدو بجواره، بي شغف أن أرمي بنفسي أعلى السور الحجري.
يمنعني عجز تربيت عليه؛ فالفقر قيد والسوط يد تنوء بحملها كواهل الرجال.
بدأت أستعيد سنوات عمري؛ معلم الفصل ينهرني إذا ما رفعت إصبعي طالبا أن أعترض على قول؛ الزائدة الدودية بفمي لا تكف عن الصراخ، أحاول الخروج من حجرة الصف؛ يلوح بعصاه مهددا، أنظر وجه زميلتي فتاة أحلامي، أتفرس وجه طفلة بعينيها وطف وشعرها المنسدل موج بحر يتراقص على جبهتها؛ أتلمس باب بيتها؛ يعدو خلفي كلبها الأسود؛ يملأ الدنيا نباحا.
هل أقفز فوق ذلك البناء المرتفع وحدي؟
كيف أترك الفتاة التي أرسلت إليها رسائل الحب؛ تبينت أخيرا أن ساعي البريد كان يلقي بأوراقي في النهر، يعاني الخرف؛ عجزت كل العقاقير التي أوصى بها العطار في أن تعيد إليه زمن الصبا. أدرك أنني أحد هؤلاء المجانين؛ الذين يصخبون ليل نهار بثرثرة فوق النيل لا تحتمل.
في زمن مضى ولربما لن يأتي قريبا صدحت حنجرتي بهتاف، تسلق صوتي أسوار المدينة المحرمة؛ كل تلك القلاع والوجوه المختبئة وراء أقنعة سوداء تقف حاجز عبور إلى يوم يجمع الناس فيه ضحى؛ يختال السامري وسط خيله ورجله؛ سباق المسافات الطويلة في مدن الملح تحاصره جموع المجاذيب القادمين من سرداب يسكنه المنتظرون، حارات المدينة المصابة بالتشرذم، من برحوان والعتبة وبولاق تعبر الجسر فوق نهر من الجنة.
خذائي الممزق وشعري المتنافر، جيب بنطالي مثقوب سكنته الفئران؛ لست ذلك المتدثر بعباءة جده المنسوجة من صوف الشياة الرحمانية، يقذفني الصغار في الحارة بحجارة؛ بعضهم يسخر من وجهي الذي يشبه وجه القن السماك تروى عنه حكايات، عابثه الغجر؛ ربطوا حماره بحبال تتدلى- وسيلة ارتزاقه- من فوق حظيرته رفعوه بها؛ يهذى القن السماك: حماري المبارك يرفعه الله إلى السماء، يبدو أن الهلوسة تنتاب المجاذيب في أزمنة الجوع؛ فالمعجزات انقضى أوانها كانت لأنبياء الله دليل؛ حنية ظهري تثقلها الحدبة أشبه بسلحفاة عجوز.
هل ستخدع تلك الفتاة وتقبل بذلك الأحدب الهارب من سور المدينة؟
تركت قدمي يحمل جسدي المرهق، إنهم يتدافعون إلى وجهة غير محددة؛ يعلوهم التيه؛ يحلم كل واحد منهم بكرسي الولاية؛ ربما كانوا أطهارا لكنهم فوضويون؛ فالتائهون لا يعرفون مواضع المفاتيح في بوابة المتولى، تدوي الريح وتدفع برأس طومان باي التي تتراقص فوقهم، يهزأون بها؛ لا يدركون أن كل واحد منهم ينتظر دوره ليضع رأسه في خية المقصلة.
أتحسس رقبتي المهددة بنصل حاد، يا لغباء هؤلاء الذين دبوا في حارات المحروسة، لم تعد تحلو تلك الخدع وتغري هؤلاء الحالمين بوهم؛ ألف وطواط يسكن خرابة مجرى العيون،
عمائم مزيفة ولحى كاذبة أوهمت المعدمين بالمن والسلوى، هؤلاء كانوا وقود نار لبراعم حاولت أن تتشم هواء الفجر المندى.
تعدو الخيل والبغال في شوارع المحروسة قادمة من الصحراء؛ فالأعراب أشد كراهية لأهل المدينة المسكونة بنساء يرفلن في ثياب الحرير.
يمنعني عجز تربيت عليه؛ فالفقر قيد والسوط يد تنوء بحملها كواهل الرجال.
بدأت أستعيد سنوات عمري؛ معلم الفصل ينهرني إذا ما رفعت إصبعي طالبا أن أعترض على قول؛ الزائدة الدودية بفمي لا تكف عن الصراخ، أحاول الخروج من حجرة الصف؛ يلوح بعصاه مهددا، أنظر وجه زميلتي فتاة أحلامي، أتفرس وجه طفلة بعينيها وطف وشعرها المنسدل موج بحر يتراقص على جبهتها؛ أتلمس باب بيتها؛ يعدو خلفي كلبها الأسود؛ يملأ الدنيا نباحا.
هل أقفز فوق ذلك البناء المرتفع وحدي؟
كيف أترك الفتاة التي أرسلت إليها رسائل الحب؛ تبينت أخيرا أن ساعي البريد كان يلقي بأوراقي في النهر، يعاني الخرف؛ عجزت كل العقاقير التي أوصى بها العطار في أن تعيد إليه زمن الصبا. أدرك أنني أحد هؤلاء المجانين؛ الذين يصخبون ليل نهار بثرثرة فوق النيل لا تحتمل.
في زمن مضى ولربما لن يأتي قريبا صدحت حنجرتي بهتاف، تسلق صوتي أسوار المدينة المحرمة؛ كل تلك القلاع والوجوه المختبئة وراء أقنعة سوداء تقف حاجز عبور إلى يوم يجمع الناس فيه ضحى؛ يختال السامري وسط خيله ورجله؛ سباق المسافات الطويلة في مدن الملح تحاصره جموع المجاذيب القادمين من سرداب يسكنه المنتظرون، حارات المدينة المصابة بالتشرذم، من برحوان والعتبة وبولاق تعبر الجسر فوق نهر من الجنة.
خذائي الممزق وشعري المتنافر، جيب بنطالي مثقوب سكنته الفئران؛ لست ذلك المتدثر بعباءة جده المنسوجة من صوف الشياة الرحمانية، يقذفني الصغار في الحارة بحجارة؛ بعضهم يسخر من وجهي الذي يشبه وجه القن السماك تروى عنه حكايات، عابثه الغجر؛ ربطوا حماره بحبال تتدلى- وسيلة ارتزاقه- من فوق حظيرته رفعوه بها؛ يهذى القن السماك: حماري المبارك يرفعه الله إلى السماء، يبدو أن الهلوسة تنتاب المجاذيب في أزمنة الجوع؛ فالمعجزات انقضى أوانها كانت لأنبياء الله دليل؛ حنية ظهري تثقلها الحدبة أشبه بسلحفاة عجوز.
هل ستخدع تلك الفتاة وتقبل بذلك الأحدب الهارب من سور المدينة؟
تركت قدمي يحمل جسدي المرهق، إنهم يتدافعون إلى وجهة غير محددة؛ يعلوهم التيه؛ يحلم كل واحد منهم بكرسي الولاية؛ ربما كانوا أطهارا لكنهم فوضويون؛ فالتائهون لا يعرفون مواضع المفاتيح في بوابة المتولى، تدوي الريح وتدفع برأس طومان باي التي تتراقص فوقهم، يهزأون بها؛ لا يدركون أن كل واحد منهم ينتظر دوره ليضع رأسه في خية المقصلة.
أتحسس رقبتي المهددة بنصل حاد، يا لغباء هؤلاء الذين دبوا في حارات المحروسة، لم تعد تحلو تلك الخدع وتغري هؤلاء الحالمين بوهم؛ ألف وطواط يسكن خرابة مجرى العيون،
عمائم مزيفة ولحى كاذبة أوهمت المعدمين بالمن والسلوى، هؤلاء كانوا وقود نار لبراعم حاولت أن تتشم هواء الفجر المندى.
تعدو الخيل والبغال في شوارع المحروسة قادمة من الصحراء؛ فالأعراب أشد كراهية لأهل المدينة المسكونة بنساء يرفلن في ثياب الحرير.