حينما عزمت على كتابة مذكراتي .. طرأ على بالي سؤال : من سيهتم بقراءة مذكرات قاتل مأجور سيعدم بعد أشهر .. لم أعثر على جواب لكن وجدت أن الوقت الذي أمضيه في الكتابة سيمنع عني التفكير في الموت وما سيحدث لي بعده .. هناك سبب ثانٍ سأخبركم به في نهاية المذكرات.
اسمي طه الأسمر .. لا أدري هل هذا اسمي الحقيقي أم الاسم الذي أطلقوه عليّ في الملجأ الذي تربيت فيه أما الأسمر فهو لقب لصق بيّ بسبب لون بشرتي الداكن.
وجدت نفسي حين كبرت قليلًا وسط أطفال كثيرين نتقاسم كل شيء بيننا .. اللعب والأكل والضرب والإهانة لهذا لم نكنّ لبعضنا أية مشاعر حقد أو بغض .. المدرسة هي المكان التي جعلتني أكره العالم لأنني فيها شعرت بالوحدة إذ كان من حق أي شخص أن يضربني دون أن أجد من يرد الآذى عني باستثناء صديقي جلال الذي لطالما تحمل الضرب معي وهو يبعد الأطفال عني ..جلال كان ابن عائلة غنية .. والده يعمل في الجيش برتبة عالية أما والدته فكانت مديرة مدرسة توفيت حينما كان جلال في سن الرابعة عشر .. ربما لهذا السبب كان متعاطفا معي أوهكذا ظننت وقتها .
في عمر الخامسة عشر هربت من الملجأ الذي كنت أظنه أسوأ مكان في العالم .. بعد يومين من النوم في الشوارع وآلام الجوع التي قطعت أحشائي عرفت أن هناك ما هو أسوأ منه .. مع ذلك لم أفكر في العودة إليه ليس فقط لأن الآوان قد فات على ذلك بل الحرية التي أشعر بها لأول مرة في حياتي غطت على كل شعور آخر.
أيام عديدة مرت وأنا أدور في الشوارع .. في النهار أبحث في حاويات القمامة عن شيء أكله .. في الليل الأمر أسهل أذ أدخل حين أشعر بالنعاس إحدى الحدائق أو بيتا مهجورًا لأغط بعدها في نوم عميق .. لكن المكان الأكثر أمانًا كان تحت أحد الجسور .. حتى جاء ذلك الصباح التي تغيرت بعده حياتي للأبد.
استيقظت على إثر رفسات وركلات وأصوات تدعوني لأصحو من النوم .. فتحت عيني لأجد اثنين من رجال الشرطة واقفين فوق رأسي .. وقبل أن استوعب ما يحدث .. سحبني أحدهما وهو الأقصر قامة من ياقة قميصي قائلًا لي :
- ما الذي تفعله هنا .. ألا تعرف أن ذلك ممنوع ؟
غدوت بين يديه كعصفور يرتعش فلم استطع الكلام .. شجعه ذلك على أن يدفع بجسدي وهو ما يزال ممسكا بي مرة للوراء وأخرى للأمام وهو يكيل لي الشتائم ناعتًا أمي بأقبح الكلمات .. في النهاية قال للشرطي الآخر :
- خذه إلى السيارة .
سار بيّ الشرطي الثاني حتى أصبحنا فوق الجسر حيث تقف سيارة تشبه الصندوق ثم دفع بيّ بقوة للصعود.
الخوف والاضطراب منعاني من رؤية الأولاد الذين كانوا معي في السيارة إلى أن زحف أحدهم مقتربا مني وسألني:
- اسمي طالب .. وأنت ما اسمك ؟
لا أدري لم شعرت بالأمان حينما سمعت صوته .. فأجبته:
- أنا طه ..
- صعود صبي آخر معنا قطع الحديث بيني وبين طالب .. بعدها انطلقت بنا السيارة .
.......................................
لم أعرف في حياتي سوى الملجأ .. فكنت أقارن كل مكان فيه .. وهذا المركز لم يكن بأفضل منه.. بعد مرور ساعات طويلة قضيتها في الاستجواب و التوقيف .. أدخلوني غرفة فيها ضابط علمت أنه ضابط المركز .. عرفت من لوحة كانت على سطح المكتب أنه النقيب عادل سليمان .. تذكرت مديرة الملجأ .. التواجد في غرفتها يعني التعرض للضرب و الشتائم .. ولكنني ولسبب أجهله حتى هذه اللحظة بدوت مترابطًا وغير خائف .. ربما لأنني تعودت الضرب فكانت النتائج معروفة لدي .
طلب مني النقيب التقدم قليلًا .. كان ينظر في عينيّ مرة وعلى ملف أمامه يحوي أوراقًا مرة أخرى .. رجع بظهره على الكرسي الذي كان يدور به مرة لليمين وأخرى لليسار واضعًا يديه على المساند وهو مستمر بالنظر إلي .. قال بهدوء:
- أسمع يا طه .. مكتوب هنا أنك هربت من الملجأ ..
قال هذه الكلمات وهو ينظر في عيني التي سرعان ما لمع فيهما بريق حزن واعتلت ملامحي حيرة كبيرة .. مرت دقيقتان كانت أطول من عمري كله .. قلت له:
- لكني لا أريد العودة إلى هناك !!
يوجد حل واحد يمكنك من البقاء خارج الملجأ .. ما رأيك ؟
سنين عمري القصير آنذاك لم تمكني من فهم ما يعني فبقيت ساكتًا .. وربما أغراه صمتي فقفز من مكانه متجها نحوي ساندًا جسده على حافة المكتب سائلًا إياي:
- ما رأيك بالعمل معنا ؟
أجبته على الفور وكأنه ألقى إلي بمفاتيح الجنة هازًا رأسي :
- سأعمل أي شيء .. أرجوك لا تعيدني للملجأ .
......................................................
في هذه اللحظة وأنا أكتب لكم مذكراتي فات على ذلك اليوم أكثر من عشرين عامًا .. خلال هذه الأعوام التي مرت تزوجت وأنجبت ثلاثة أبناء .. أكبرهم يدرس الآن في الجامعة أما الصغيرة ما زالت في المدرسة الابتدائية .. زوجتي لم تحتمل الصدمة ولم تستطع مسامحتي حينما علمت بحقيقة كوني قاتل مأجور فطلبت الطلاق ولم أسمع عنهم شيئًا بعد ذلك .
.........................................
كل شيء تم بسرعة ووجدت نفسي مع مجموعة من الصبيان مثلي نتدرب على القتال ورمي السلاح .. كنت بعد كل تدريب أشعر بالراحة وكأن شيئًا ثقيلًا يخرج مني فأبدو أكثر خفة و نشاطًا وكلمات التشجيع التي كنت اتلقاها من مدربي تبث بيّ سعادة لم أتعرف عليها في حياتي .. كنت أطولهم وأسرعهم حركة لهذا أحاطني المدرب بالكثير من الاهتمام والتوجيه.
مرت ثلاثة أعوام قبل إعلان تخرجي وحصولي على شهادة تمكنني من العمل في سلك آمن الدولة تحت وصاية وإشراف النقيب عادل ..
استغربت منه وهو يدعوني للعشاء في أحد المطاعم .. فتلك سابقة لم يفعلها معي وظننت حينها أنه لم يفعلها مع غيري .. قال لي وهو يمضغ قطعة لحم كبيرة:
- أسمع يا طه .. أمن هذه الدولة أمانة في اعناقنا .. أن لم نكن أقوياء شديدي القسوة لأكلنا أعداؤنا ..
كنت أصغي لما يقول بدقة .. فعرفت أن هناك شيئًا مهمًا يود قوله .. قلت له مؤكدًا كلامه:
- ونحن ياسيدي مستعدون لهم .
- ممتاز .. أسمع يا طه .. مهمتك الأولى ستكون قتل رجل الأعمال فهمي أبو شرارة .. هذا الرجل يشكل خطرًا على اقتصاد البلد الذي يمر بظروف صعبة .. مكانتك عند رؤسائك ستتوقف على نجاحك بهذه المهمة .
لا أقول أنني لم أتفاجأ بطلبه .. لكن ذلك الشعور لم يدم طويلًا أمام كلمات الثناء التي بثها فيّ .
بعد مرور شهر كلفني بقتل كاتب معروف متهم بإفساد العقول وأكد على أن تتم العملية كسابقتها التي أثبت فيها مهارتي في القتل دون أن أترك أثرًا بعدي .. قتلت رجل دين ثم في الليلة التي تلتها وعلى غير العادة نفذت عملية اغتيال مذيع تلفزيوني.
الآن .. لم أعد أتذكر جميع من قتلتهم .. لكن الشيء الذي يخصهم كانوا جميعًا أسماء لامعة ومعروفة.
لم يخطر في بالي ولو لمرة واحدة أن نهاية العقيد عادل سليمان ستكون على يدي وهذا هو السبب الذي سيودي بيّ إلى حبل المشنقة .
استدعاني العقيد عادل وكان على عجل .. إذ ناولني ملف المجرم الذي ستتم تصفيته قبل مغادرته و أوصاني بكثير من الحذر على أن تتم عملية القتل وهو على فراشه.
كانت ليلة أربعاء .. كعادتي أخبرت زوجتي وأولادي أنني في مهمة عمل خارج العاصمة وسأعود بعد يومين .. توجهت بسيارتي إلى محل إقامته حيث يسكن حيًا راقيًا .. فشعرت بالحقد يتصاعد داخلي ودمي بدأ بالغليان .. كنت أريد إنهاء حياة واحد من هؤلاء الذين كانوا يكيلون لي الضرب حينما كنت في المدرسة .. لم يطل الوقت بيّ حتى دخلت بيته الذي كان شبه مظلم .. كانت معي خارطة للبيت من الداخل .. وأنا أسير نحو الممر المؤدي إلى غرفة نومه .. لاحت لي صورة كبيرة معلقة على حائط الصالة .. كانت الصورة لأكثر من عشرين طفلًا اصطفوا جنب بعضهم وأخرين يجلسون أمامهم ورجل يبدو أنه معلمهم يظهر على الجانب الأيمن للصورة .. حدقت في الصورة بعد أن أضأت المصباح الذي في يدي لأتمكن من الرؤية بصورة أوضح .. هذا أنا أقف بجانب صديقي جلال.
هل أنا مكلف بقتل أشهر صحفي في البلاد ؟؟ قبل أيام رأيته على شاشة إحدى القنوات وهو يفضح عملية فساد كبيرة .. هل جلال الذي كان يحميني في المدرسة هو الرجل الذي عليّ قتله الليلة ؟ ..
فجأة .. أشباح من قتلتهم جميعا ظهرت لي وأنا أجوب الطرقات بسيارتي منتظرًا الفجر أن يبزغ ..
شعرت بالغباء .. ألم هذا الشعور أكبر من أي شعور آخر حين يتعلق بسنين مضت كنت فيها لا أفقه شيئا .. تذكرت حياتي في الملجأ .. هل يعقل أنني الآن أحن إلى أيام المدرسة ؟
تركت أفكاري خارجًا و أنا أخطو داخل المبنى .. كان باب غرفة العقيد عادل سليمان مواربًا قليلًا .. لكنه كان كافيًا لأسدد له كل ما في المسدس من طلقات .
اسمي طه الأسمر .. لا أدري هل هذا اسمي الحقيقي أم الاسم الذي أطلقوه عليّ في الملجأ الذي تربيت فيه أما الأسمر فهو لقب لصق بيّ بسبب لون بشرتي الداكن.
وجدت نفسي حين كبرت قليلًا وسط أطفال كثيرين نتقاسم كل شيء بيننا .. اللعب والأكل والضرب والإهانة لهذا لم نكنّ لبعضنا أية مشاعر حقد أو بغض .. المدرسة هي المكان التي جعلتني أكره العالم لأنني فيها شعرت بالوحدة إذ كان من حق أي شخص أن يضربني دون أن أجد من يرد الآذى عني باستثناء صديقي جلال الذي لطالما تحمل الضرب معي وهو يبعد الأطفال عني ..جلال كان ابن عائلة غنية .. والده يعمل في الجيش برتبة عالية أما والدته فكانت مديرة مدرسة توفيت حينما كان جلال في سن الرابعة عشر .. ربما لهذا السبب كان متعاطفا معي أوهكذا ظننت وقتها .
في عمر الخامسة عشر هربت من الملجأ الذي كنت أظنه أسوأ مكان في العالم .. بعد يومين من النوم في الشوارع وآلام الجوع التي قطعت أحشائي عرفت أن هناك ما هو أسوأ منه .. مع ذلك لم أفكر في العودة إليه ليس فقط لأن الآوان قد فات على ذلك بل الحرية التي أشعر بها لأول مرة في حياتي غطت على كل شعور آخر.
أيام عديدة مرت وأنا أدور في الشوارع .. في النهار أبحث في حاويات القمامة عن شيء أكله .. في الليل الأمر أسهل أذ أدخل حين أشعر بالنعاس إحدى الحدائق أو بيتا مهجورًا لأغط بعدها في نوم عميق .. لكن المكان الأكثر أمانًا كان تحت أحد الجسور .. حتى جاء ذلك الصباح التي تغيرت بعده حياتي للأبد.
استيقظت على إثر رفسات وركلات وأصوات تدعوني لأصحو من النوم .. فتحت عيني لأجد اثنين من رجال الشرطة واقفين فوق رأسي .. وقبل أن استوعب ما يحدث .. سحبني أحدهما وهو الأقصر قامة من ياقة قميصي قائلًا لي :
- ما الذي تفعله هنا .. ألا تعرف أن ذلك ممنوع ؟
غدوت بين يديه كعصفور يرتعش فلم استطع الكلام .. شجعه ذلك على أن يدفع بجسدي وهو ما يزال ممسكا بي مرة للوراء وأخرى للأمام وهو يكيل لي الشتائم ناعتًا أمي بأقبح الكلمات .. في النهاية قال للشرطي الآخر :
- خذه إلى السيارة .
سار بيّ الشرطي الثاني حتى أصبحنا فوق الجسر حيث تقف سيارة تشبه الصندوق ثم دفع بيّ بقوة للصعود.
الخوف والاضطراب منعاني من رؤية الأولاد الذين كانوا معي في السيارة إلى أن زحف أحدهم مقتربا مني وسألني:
- اسمي طالب .. وأنت ما اسمك ؟
لا أدري لم شعرت بالأمان حينما سمعت صوته .. فأجبته:
- أنا طه ..
- صعود صبي آخر معنا قطع الحديث بيني وبين طالب .. بعدها انطلقت بنا السيارة .
.......................................
لم أعرف في حياتي سوى الملجأ .. فكنت أقارن كل مكان فيه .. وهذا المركز لم يكن بأفضل منه.. بعد مرور ساعات طويلة قضيتها في الاستجواب و التوقيف .. أدخلوني غرفة فيها ضابط علمت أنه ضابط المركز .. عرفت من لوحة كانت على سطح المكتب أنه النقيب عادل سليمان .. تذكرت مديرة الملجأ .. التواجد في غرفتها يعني التعرض للضرب و الشتائم .. ولكنني ولسبب أجهله حتى هذه اللحظة بدوت مترابطًا وغير خائف .. ربما لأنني تعودت الضرب فكانت النتائج معروفة لدي .
طلب مني النقيب التقدم قليلًا .. كان ينظر في عينيّ مرة وعلى ملف أمامه يحوي أوراقًا مرة أخرى .. رجع بظهره على الكرسي الذي كان يدور به مرة لليمين وأخرى لليسار واضعًا يديه على المساند وهو مستمر بالنظر إلي .. قال بهدوء:
- أسمع يا طه .. مكتوب هنا أنك هربت من الملجأ ..
قال هذه الكلمات وهو ينظر في عيني التي سرعان ما لمع فيهما بريق حزن واعتلت ملامحي حيرة كبيرة .. مرت دقيقتان كانت أطول من عمري كله .. قلت له:
- لكني لا أريد العودة إلى هناك !!
يوجد حل واحد يمكنك من البقاء خارج الملجأ .. ما رأيك ؟
سنين عمري القصير آنذاك لم تمكني من فهم ما يعني فبقيت ساكتًا .. وربما أغراه صمتي فقفز من مكانه متجها نحوي ساندًا جسده على حافة المكتب سائلًا إياي:
- ما رأيك بالعمل معنا ؟
أجبته على الفور وكأنه ألقى إلي بمفاتيح الجنة هازًا رأسي :
- سأعمل أي شيء .. أرجوك لا تعيدني للملجأ .
......................................................
في هذه اللحظة وأنا أكتب لكم مذكراتي فات على ذلك اليوم أكثر من عشرين عامًا .. خلال هذه الأعوام التي مرت تزوجت وأنجبت ثلاثة أبناء .. أكبرهم يدرس الآن في الجامعة أما الصغيرة ما زالت في المدرسة الابتدائية .. زوجتي لم تحتمل الصدمة ولم تستطع مسامحتي حينما علمت بحقيقة كوني قاتل مأجور فطلبت الطلاق ولم أسمع عنهم شيئًا بعد ذلك .
.........................................
كل شيء تم بسرعة ووجدت نفسي مع مجموعة من الصبيان مثلي نتدرب على القتال ورمي السلاح .. كنت بعد كل تدريب أشعر بالراحة وكأن شيئًا ثقيلًا يخرج مني فأبدو أكثر خفة و نشاطًا وكلمات التشجيع التي كنت اتلقاها من مدربي تبث بيّ سعادة لم أتعرف عليها في حياتي .. كنت أطولهم وأسرعهم حركة لهذا أحاطني المدرب بالكثير من الاهتمام والتوجيه.
مرت ثلاثة أعوام قبل إعلان تخرجي وحصولي على شهادة تمكنني من العمل في سلك آمن الدولة تحت وصاية وإشراف النقيب عادل ..
استغربت منه وهو يدعوني للعشاء في أحد المطاعم .. فتلك سابقة لم يفعلها معي وظننت حينها أنه لم يفعلها مع غيري .. قال لي وهو يمضغ قطعة لحم كبيرة:
- أسمع يا طه .. أمن هذه الدولة أمانة في اعناقنا .. أن لم نكن أقوياء شديدي القسوة لأكلنا أعداؤنا ..
كنت أصغي لما يقول بدقة .. فعرفت أن هناك شيئًا مهمًا يود قوله .. قلت له مؤكدًا كلامه:
- ونحن ياسيدي مستعدون لهم .
- ممتاز .. أسمع يا طه .. مهمتك الأولى ستكون قتل رجل الأعمال فهمي أبو شرارة .. هذا الرجل يشكل خطرًا على اقتصاد البلد الذي يمر بظروف صعبة .. مكانتك عند رؤسائك ستتوقف على نجاحك بهذه المهمة .
لا أقول أنني لم أتفاجأ بطلبه .. لكن ذلك الشعور لم يدم طويلًا أمام كلمات الثناء التي بثها فيّ .
بعد مرور شهر كلفني بقتل كاتب معروف متهم بإفساد العقول وأكد على أن تتم العملية كسابقتها التي أثبت فيها مهارتي في القتل دون أن أترك أثرًا بعدي .. قتلت رجل دين ثم في الليلة التي تلتها وعلى غير العادة نفذت عملية اغتيال مذيع تلفزيوني.
الآن .. لم أعد أتذكر جميع من قتلتهم .. لكن الشيء الذي يخصهم كانوا جميعًا أسماء لامعة ومعروفة.
لم يخطر في بالي ولو لمرة واحدة أن نهاية العقيد عادل سليمان ستكون على يدي وهذا هو السبب الذي سيودي بيّ إلى حبل المشنقة .
استدعاني العقيد عادل وكان على عجل .. إذ ناولني ملف المجرم الذي ستتم تصفيته قبل مغادرته و أوصاني بكثير من الحذر على أن تتم عملية القتل وهو على فراشه.
كانت ليلة أربعاء .. كعادتي أخبرت زوجتي وأولادي أنني في مهمة عمل خارج العاصمة وسأعود بعد يومين .. توجهت بسيارتي إلى محل إقامته حيث يسكن حيًا راقيًا .. فشعرت بالحقد يتصاعد داخلي ودمي بدأ بالغليان .. كنت أريد إنهاء حياة واحد من هؤلاء الذين كانوا يكيلون لي الضرب حينما كنت في المدرسة .. لم يطل الوقت بيّ حتى دخلت بيته الذي كان شبه مظلم .. كانت معي خارطة للبيت من الداخل .. وأنا أسير نحو الممر المؤدي إلى غرفة نومه .. لاحت لي صورة كبيرة معلقة على حائط الصالة .. كانت الصورة لأكثر من عشرين طفلًا اصطفوا جنب بعضهم وأخرين يجلسون أمامهم ورجل يبدو أنه معلمهم يظهر على الجانب الأيمن للصورة .. حدقت في الصورة بعد أن أضأت المصباح الذي في يدي لأتمكن من الرؤية بصورة أوضح .. هذا أنا أقف بجانب صديقي جلال.
هل أنا مكلف بقتل أشهر صحفي في البلاد ؟؟ قبل أيام رأيته على شاشة إحدى القنوات وهو يفضح عملية فساد كبيرة .. هل جلال الذي كان يحميني في المدرسة هو الرجل الذي عليّ قتله الليلة ؟ ..
فجأة .. أشباح من قتلتهم جميعا ظهرت لي وأنا أجوب الطرقات بسيارتي منتظرًا الفجر أن يبزغ ..
شعرت بالغباء .. ألم هذا الشعور أكبر من أي شعور آخر حين يتعلق بسنين مضت كنت فيها لا أفقه شيئا .. تذكرت حياتي في الملجأ .. هل يعقل أنني الآن أحن إلى أيام المدرسة ؟
تركت أفكاري خارجًا و أنا أخطو داخل المبنى .. كان باب غرفة العقيد عادل سليمان مواربًا قليلًا .. لكنه كان كافيًا لأسدد له كل ما في المسدس من طلقات .