محمد السلاموني - سيد القمنى.. المشروع والنوافذ المتَّسِعة

اقتربت من "سيد القمنى" شخصيا لبعض الوقت، فى منتصف التسعينيات تقريبا، ورافقته فى الندوات والبيت والمناقشات التى لا تنتهى حول مشروعه...
ومن قراءتى لكتبه واستماعى إليه، يمكن لى الإنتهاء إلى الآتى:
"القمنى" يرى أن كل ما جاء به الإسلام، من عبادات ومعاملات وعقيدة، لم يكن به جديد البتَّة، وبذا فهو دين "تجميعى"؛ تجميع أشتات مختلفة من عقائد عديدة سابقة عليه فى الوجود .
من هنا تمحور مشروعه فى جانب منه حول الكشف عن الأصول العقائدية القديمة التى انحدر منها الإسلام .
مشروعه، فى مجمله، ينصب على تفكيك "التاريخ المقدس"، وبكلمة واحدة، هو يسرِد علينا حكايات أخرى مضادة للحكايات التاريخية المقدسة، كاشفا عن تناقضات هذه الأخيرة..
لذا فهو "سارد تاريخى وأنثربولوجى"، يرتكز عمله على تدمير فكرة "الأصول الدينية"، باقتراح بدايات أخرى، ومسارات تاريخية مختلفة عن تلك المتداولة دينيا .
وتكمن أهمية مشروعه فى ارتكازه على فكرة "البداية" عوضا عن فكرة "الأصل"؛ ذلك أن قكرة "الأصل - الدينية" تعنى الإمساك بالبذرة الأولى التى انحدرت منها الشجرة الدينية برمتها ومن ثم المعرفة اللاهوتية عامة .
هذا وفكرة "الأصل" قرينة الصلة بالتراث "الماورائى" برمته، وفيها تولد الأشياء كاملة، بفعل قوة ماورائية، أما فكرة "البداية"، ففيها لا تولد الأشياء، ذلك أننا لا نعرف، ويستحيل علينا أن نعرف على وجه الدقة كيفية ذلك، وكل ما يمكننا الإمساك به هو ما نفترض فقط أنه البدايات الأولى، كما تكشف عنها "الآثار أو المخطوطات"...
أهمية مشروع القمنى تكمن فى ارتكازه على "التأويل"، أى على "إمكانية قراءة وإعادة قراءة التراث والتاريخ المقدسين من مناظير عديدة"، كبديل عن المنظور الدينى الواحد الوحيد "المطلق". وبذا، يمكن تمزيق الحقيقة الدينية، والتشكيك فى المعرفة المقررة من خلالها- ذلك أنها ستبدو، حينئذ، مجرد منظور مثل غيره من المناظير.
/ أما عن السرد التاريخى والأنثروبولوجى الذى انتهجه كبديل عن السرد المقدس، واهتدى من خلاله إلى منظور آخر، فقد كان يروم من خلاله الكشف عن الكيفية التى تمت بها "أسطرة" التاريخ، ومن ثم نزعه من سياقه الحضارى، ليعلو فوق الشروط التى ألحَّت به.
/ مشروع القمنى- كان محاولة لـ "عقلنة" التراث والتاريخ الدينيين، بأدوات ومرجعيات علمية/ وإن رأى البعض أن تلك الأدوات والمرجعيات لديه، لم تكن كافية أو كانت بحاجة إلى مزيد من الإستقصاء "العلمى" الدقيق؛ يشى بهذا "قفزه السريع إلى النتائج"، قبل استيفاء شروط البحث العلمى .
ومع ذلك، وبغض النظر عن الغبار الكثيف الذى أثير من حوله، سيظل مشروع القمنى مستَحِقَّا للتوقير والإحترام، ويكفيه أن محاولته تلك، بجرأتها النادرة، تصب، فى نهاية الأمر، فى توسيع النوافذ التى يمكن لنا أن نرى "المقدس" من خلالها...


  • Like
التفاعلات: مصطفى زكي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى