ثمة إعلان في صحيفة يومية مزينة بصدور عارية وبخواصر تتثنى، بها أخبار عن صفقات هنا ومذابح تجري في بلاد أخرى، تعرفون أنني لا أشتري تلك الأوراق التي تمتليء بالوشاية والنميمة، إنها تهتم بعالم الأزياء وأدوات الزينة وقد تكتب عن الفن وسقطاته، يحلو لي أن أصفها بالمرأة الناشز عن بيت الطاعة، يراها كثيرون واجهة للحياة بكل تناقضاتها؛ دفعني الفضول أو ربما تزجية لوقت الفراغ الذي يحيط بي أن أنقد البائع ثلاثة جنيهات، مبلغ كبير كان علي أن أتناول به رغيف خبز محشو بلحم مفروم؛ لا أهتم بنوعيته أو مصدره، يكفي أن يسد جوعي؛ لو انشغلت بالإجابة عليه ما أكلت ولا شربت؛ شائعات تلف الأحياء الفقيرة أن رؤوس حيوانات نافقة مكدسة بالقرب من مجاري المياه.
نظرت في أسفل صفحة الإعلانات المبوبة فوجدت: حجرة في بناية عتيقة، أسفل السلم، يريد صاحبها ثمنا غريبا، أن ينقده المشتري ثمن ثلاث وجبات يومية وكسوتين واحدة في الصيف وأخرى في الشتاء، علاوة على ثمن الشاي وعيدية!
أول مرة يشدني أمر مثل هذا، تساءلت: هل يعيش هذا الرجل وحيدا؟
يبدو أنه كبير في السن؟
خشيت أن يكون وراءه تدبير ما؛ اللصوص يتحايلون على السذج بمثل تلك الأشياء؛ ربما جهة ما تتعمد الإيقاع بي، أعيش حالة من الوسواس القهري، أعاود النظر في غلق الأبواب والنوافذ، آكل كثيرا خشية أن أنسى.
ذات مرة طلب مني رجال السلطة بطاقة هويتي، أخرجت لهم أرقام هاتفي، هزأوا بي، لولا أن وجهي مألوف لديهم لكنت الآن في مكان لا تراني فيه الشمس.
انتابتني تلك الحالة منذ زمن بعيد، حين أنام أحلم بأنني فقدت حذائي؛ أقوم فزعا وأتأكد أنه مايزال في مكانه، راتبي أظل أعده ليلة بأكملها، وفي الصباح أجري مكالمة بزميل لي أسأله هل تفضلت علينا الحكومة بالراتب أم لا؟
كثيرا ما يمزح معي؛ يقسم لي بمحبته إياي أننا في انتظاره، يشاغب علي بهذا.
صاحب الإعلان لم يحدد ثمن الوجبة، وبالتالي ترك الأمر مبهما إلا من رقم هاتف أرضي، حين ضربت أرقامه ردت علي فتاة يمتليء صوتها أنوثة، في هذه اللحظة عاودني حذري القديم، صيد يلوح في الأفق، ألحت في طلبها أن آتي حالا، ترى ما الذي يخبأه القدر لي؟
انصرفت عن حالة الفضول تلك، شعرت بالجوع، انعطفت على بائع الأطعمة عند ناصية شارع الجمهورية، مسميات تشي بدلالة عجيبة في بلاد ماتزال في عصر الشعارات التى عفى عليها الزمن.
وﻷن الفراغ لا يجد غيري يحيط به؛ لا عمل لدي بعد انتهاء الدوام المدرسي، أبلغ من العمر أربعين عاما، ترفض امرأة أن تتزوج برجل لا مسكن لديه.
خايلني إحساس بأن هذا الرجل يبحث لابنته عن زوج متعدد المواهب مثلي، يجيد حياكة الثياب ويقرأ كتب العبقريات، لا يهتم بما يدور في البلاد، مواطن ينتمي لزمنه، يصدق ما يبثه رؤساؤه من أخبار عن التغير الذي يملأ الدنيا من حوله.
تحسست هاتفي؛ عفوا لقد نفد رصيدكم، يمكنكم تكملة المكالمة لمدة ثلاث دقائق بستين قرشا، يالها من مفارقة عجيبة؛ كيف أطلب حجرة للإيجار؛ وهاتفي معطل؟
الفضول هو الذي يحركني كما أخبرتكم، عاودت الاتصال، هذه المرة أجابني صوت رجل يبدو أنه الأب، يستدر عطفي أن آتي مسرعا، إنه لم يتناول طعاما منذ الصباح.
تخوفت منه، أغلقت الهاتف، مشيت في طرق تضج بأصوات أناس يتزاحمون عند أفران العيش المدعم.
تتردد شائعات أن الرغيف سيكون في أيام العيد محشوا باللحم، وجدت بعضهم يرسم على الحوائط دوائر تشبه أرغفة شهية.
لم أكد أبلغ شارع الحرية حتى أخذ هاتفي في الشدو بصوت الفتاة؛ إنهم ينتظرونني، أعدت أمها وجبة طعام على حسابي، مما سيتم الاتفاق بشأنه.
عرفت أنها تدعى صفاء، قالت يكفي هذا الآن، رسمت لها صورة تماثل صوتها الجميل؛ لكنه تردد في أذني من قبل، أية صفاء تلك؟
في زحمة الحياة ينسى الإنسان من يتعرف عليهم في لقاءات عابرة؛ أو لعل ذاكرتي صارت مشوشة كما عناوين الأخبار التي يلفها الضباب.
اقتربت من العنوان الذي كان مدونا في الصحيفة، فتحوا لي الباب، يا للمفاجأة إنها زميلتي في العمل، لم أفكر في الزواج منها؛ كانت تضع حاجزا بيني وبينها، تشي بي عند رئيس العمل؛ تطلق الشائعات حولي، لا تترك فتاة تعرفني إلا وأوسعتني ذما أمامها؛ لذلك بقيت دون زواج حتى الآن!
أما سر الإعلان، فقد أوصت زميلا لها بأن يضع تلك النسخة المزيفة من صحيفة الصدق عند بائع الجرائد وظلت تراقبني طيلة أسبوع.
عرفت هذا حين أنجبت الولد الرابع في مدة لا تزيد عن خمس سنوات؛ لم تعد تنسج حولي خيوط الوهم، صرت أتبعها كظلها، حين كانت حاملا في الولد الأول كانت تتبعني مزهوة، الآن لا حاجة بها إلى الزهو، عدت لهوايتي القديمة؛ أرتق الثياب الممزقة وأمتثل لما تأمرني به.
نظرت في أسفل صفحة الإعلانات المبوبة فوجدت: حجرة في بناية عتيقة، أسفل السلم، يريد صاحبها ثمنا غريبا، أن ينقده المشتري ثمن ثلاث وجبات يومية وكسوتين واحدة في الصيف وأخرى في الشتاء، علاوة على ثمن الشاي وعيدية!
أول مرة يشدني أمر مثل هذا، تساءلت: هل يعيش هذا الرجل وحيدا؟
يبدو أنه كبير في السن؟
خشيت أن يكون وراءه تدبير ما؛ اللصوص يتحايلون على السذج بمثل تلك الأشياء؛ ربما جهة ما تتعمد الإيقاع بي، أعيش حالة من الوسواس القهري، أعاود النظر في غلق الأبواب والنوافذ، آكل كثيرا خشية أن أنسى.
ذات مرة طلب مني رجال السلطة بطاقة هويتي، أخرجت لهم أرقام هاتفي، هزأوا بي، لولا أن وجهي مألوف لديهم لكنت الآن في مكان لا تراني فيه الشمس.
انتابتني تلك الحالة منذ زمن بعيد، حين أنام أحلم بأنني فقدت حذائي؛ أقوم فزعا وأتأكد أنه مايزال في مكانه، راتبي أظل أعده ليلة بأكملها، وفي الصباح أجري مكالمة بزميل لي أسأله هل تفضلت علينا الحكومة بالراتب أم لا؟
كثيرا ما يمزح معي؛ يقسم لي بمحبته إياي أننا في انتظاره، يشاغب علي بهذا.
صاحب الإعلان لم يحدد ثمن الوجبة، وبالتالي ترك الأمر مبهما إلا من رقم هاتف أرضي، حين ضربت أرقامه ردت علي فتاة يمتليء صوتها أنوثة، في هذه اللحظة عاودني حذري القديم، صيد يلوح في الأفق، ألحت في طلبها أن آتي حالا، ترى ما الذي يخبأه القدر لي؟
انصرفت عن حالة الفضول تلك، شعرت بالجوع، انعطفت على بائع الأطعمة عند ناصية شارع الجمهورية، مسميات تشي بدلالة عجيبة في بلاد ماتزال في عصر الشعارات التى عفى عليها الزمن.
وﻷن الفراغ لا يجد غيري يحيط به؛ لا عمل لدي بعد انتهاء الدوام المدرسي، أبلغ من العمر أربعين عاما، ترفض امرأة أن تتزوج برجل لا مسكن لديه.
خايلني إحساس بأن هذا الرجل يبحث لابنته عن زوج متعدد المواهب مثلي، يجيد حياكة الثياب ويقرأ كتب العبقريات، لا يهتم بما يدور في البلاد، مواطن ينتمي لزمنه، يصدق ما يبثه رؤساؤه من أخبار عن التغير الذي يملأ الدنيا من حوله.
تحسست هاتفي؛ عفوا لقد نفد رصيدكم، يمكنكم تكملة المكالمة لمدة ثلاث دقائق بستين قرشا، يالها من مفارقة عجيبة؛ كيف أطلب حجرة للإيجار؛ وهاتفي معطل؟
الفضول هو الذي يحركني كما أخبرتكم، عاودت الاتصال، هذه المرة أجابني صوت رجل يبدو أنه الأب، يستدر عطفي أن آتي مسرعا، إنه لم يتناول طعاما منذ الصباح.
تخوفت منه، أغلقت الهاتف، مشيت في طرق تضج بأصوات أناس يتزاحمون عند أفران العيش المدعم.
تتردد شائعات أن الرغيف سيكون في أيام العيد محشوا باللحم، وجدت بعضهم يرسم على الحوائط دوائر تشبه أرغفة شهية.
لم أكد أبلغ شارع الحرية حتى أخذ هاتفي في الشدو بصوت الفتاة؛ إنهم ينتظرونني، أعدت أمها وجبة طعام على حسابي، مما سيتم الاتفاق بشأنه.
عرفت أنها تدعى صفاء، قالت يكفي هذا الآن، رسمت لها صورة تماثل صوتها الجميل؛ لكنه تردد في أذني من قبل، أية صفاء تلك؟
في زحمة الحياة ينسى الإنسان من يتعرف عليهم في لقاءات عابرة؛ أو لعل ذاكرتي صارت مشوشة كما عناوين الأخبار التي يلفها الضباب.
اقتربت من العنوان الذي كان مدونا في الصحيفة، فتحوا لي الباب، يا للمفاجأة إنها زميلتي في العمل، لم أفكر في الزواج منها؛ كانت تضع حاجزا بيني وبينها، تشي بي عند رئيس العمل؛ تطلق الشائعات حولي، لا تترك فتاة تعرفني إلا وأوسعتني ذما أمامها؛ لذلك بقيت دون زواج حتى الآن!
أما سر الإعلان، فقد أوصت زميلا لها بأن يضع تلك النسخة المزيفة من صحيفة الصدق عند بائع الجرائد وظلت تراقبني طيلة أسبوع.
عرفت هذا حين أنجبت الولد الرابع في مدة لا تزيد عن خمس سنوات؛ لم تعد تنسج حولي خيوط الوهم، صرت أتبعها كظلها، حين كانت حاملا في الولد الأول كانت تتبعني مزهوة، الآن لا حاجة بها إلى الزهو، عدت لهوايتي القديمة؛ أرتق الثياب الممزقة وأمتثل لما تأمرني به.