وكأنها نبات همجي لا أعرف لها أما ولا أبا .تقوم مع الشمس. تجلس أمام بيت طيني متهدم والذباب يغطي فتحات وجهها الذي تعلوه جبهة عريضة وتتوسطه َوجنة شديدة البروز حتى تكاد تخفي عينيها .
تظل جالسة حتى تغرب الشمس فتغرب عن العيون معها . في نهاية العقد الثالث من عمرها وجدتها تسير بجانب رجل ضرير مسن نحيل
.تقوده ببصيص بصرها نحو موقف السيارات .يتجهان نحو المدينة مع شروق الشمس يحملان ورق اليا نصيب ويعودان مع غروبها .بعد عام وجدتها تقود الضرير بيد وتحمل الرضيع على الكتف الأخرى .وبعد أشهر اختفى الضرير ولم يتبق منه سوى عصاه وأوراق اليانصيب والطفل ,ومازالت دورة الطبيعة . فهاهو طفلها الأبله يسير بجانبها يسيل الماء من عينيه وأنفه صيف شتاء يصبان في مجرى منحوت في وجهه ليصبا في فمه وهو يلعقهما بلسانه بابتسامته البلهاء .....لا يختلف سبتها عن جمعتها ,كل الأيام متشابهة إلى أن كان هذا اليوم الذي فضلت فيه الجلوس بجوار إشارة المرور عن التجول المعتاد .فراحت في غفوة استيقظت منها تنادي عبدالله عبدالله ..ولما تيقنت من خلو المكان من أنفاسه انتفضت مستندة على عكازها فصار لها عينا وقدما .الوقت سكين يمزق قلبها .اصطحبها رجل لموقف السيارات المتجهة لقريتنا لعل من يعرفونها يتولون مساعدتها بالبحث .
جلست لا تصرخ لا تتكلم بل تزوم في زمجرة غاضبة تشبه عواء كلبة جريحة خطف الأشقياء جروها وسحبوه بحبل وكلما تمرد أجبره الحبل الذي في رقبته على الزحف خلفهم .وأنا أراقبهم يكويني ألم العجز عن تخليصه ,انتفضت لأخلصه منهم فخانتني شجاعتي خوفا من أن يرشقوني بالألفاظ النابية والحجارة ..لم تتخلى عني شجاعتي في المواقف الحاسمة ؟
أنظر لعينيه الباكيتين وهو يرسلهما للصبية متوسلا كالعبيد في سلاسلهم .يارب.... أهؤلاء خلفاؤك على الأرض ؟ من هؤلاء الأشقياء الذين اختطفوا جروها ؟
مازالت تزمجر وتعوي تضرب بعصاها الأرض وهي تحاول استجلاء الصورة ببصيص النور المتسرب لعينيها .ولكنها لا ترى شيئا!!
يا من منحت النور لعيون تنظر بها للحرام ليل نهار امنحها نورا ريثما ترى به وليدها .
أفقت على الولد يدنو من بعيد في يد نفس ذلك الرجل الذي أتى بها هنا من قبل .فلما لامسها ضمته مزمجرة وهي تعوي لصدرها في مشهد عجزت فيه عن تحديد ملامح الصبي أيبكي أم يضحك فلم تسعفني ملامحه البلهاء .
دلفتْ الباص عائدة لقريتها ومازال جسدها ينتفض .سألت الجالس بجواري أليست زاهية جارة للشيخ رضا الذي تنهال عليه التبرعات بالجمعية الشرعية لمساعدة المحتاجين؟أليست أحق من غيرها؟قال بحزن وسخرية:زاهية لاتحمل بطاقة انتخابات .
أليست والدة أحمد باشا منير وزير العدل تقطن في هذه الحارة وسيادة الوزير يزور أمه في الأعياد ويتوافد عليه الناس فيعطيهم ؟لم لايجعل لها راتبا شهريا؟
رد بحزن :ليس لها أهل وعشيرة يعطيها ليرضيهم .سنوات سافرتها للخارج عدت بعدها لقريتي لأسلم على أخوتي وأخداني .دخل ابن أخي يطلب من والده بعض المال ليذهب مع أصدقائه لمشاهدة الليلة الكبيرة من مولد الشيخة زاهية .تعجبت .من الشيخة زاهية ؟ضحك أخي من لا يعرف الشيخة زاهية؟
الناس تتوافد لمقامها من شتى البلاد ..لقد ماتت ببيتها ولم يشعر بها أحد إلى أن فاحت رائحتها فاتفق أهل الحل والعقد على إهالة البيت على جسدها .والعام قبل الماضي كانت شاهندا هانم زوجة أحمد باشا منير تسير بجانبه لزيارة والدته فانزلقت قدمها أمام قبر زاهية فحملها الباشا حتى البيت وشاءت إرادة الله أن تحمل بعد عقم دام خمس عشرة سنة .فنذرت أن تحول القبر لمقام, لأن الشيخة زاهية مباركة ومنذ هذا اليوم والناس يتقاطرون إليه ويتركون النذور ويذبحون الذبائح .قادني الفضول للذهاب ,لا موضع لقدم .زاحمت حتى وصلت للمقام المغطى بالحرير والمرشوش بروائح وعطور وبخور رائع والأنوار تزيد من لمعان الحرير الأخضر والشيخ رضا يجلس أمام المقام بجلبابه الأبيض ولحيته الطويلة وصندوق النذور على يمينه وحوله علية القوم بأبهى ملابسهم والناس تتمايل مع( الصييت)المنبعث صوته من مكبرات الصوت صادحا :................. مشيت تدور على الأولاد **حُرُم عليها النوم والزاد ..
من مجموعة الرجم على أعتاب الحياة
تظل جالسة حتى تغرب الشمس فتغرب عن العيون معها . في نهاية العقد الثالث من عمرها وجدتها تسير بجانب رجل ضرير مسن نحيل
.تقوده ببصيص بصرها نحو موقف السيارات .يتجهان نحو المدينة مع شروق الشمس يحملان ورق اليا نصيب ويعودان مع غروبها .بعد عام وجدتها تقود الضرير بيد وتحمل الرضيع على الكتف الأخرى .وبعد أشهر اختفى الضرير ولم يتبق منه سوى عصاه وأوراق اليانصيب والطفل ,ومازالت دورة الطبيعة . فهاهو طفلها الأبله يسير بجانبها يسيل الماء من عينيه وأنفه صيف شتاء يصبان في مجرى منحوت في وجهه ليصبا في فمه وهو يلعقهما بلسانه بابتسامته البلهاء .....لا يختلف سبتها عن جمعتها ,كل الأيام متشابهة إلى أن كان هذا اليوم الذي فضلت فيه الجلوس بجوار إشارة المرور عن التجول المعتاد .فراحت في غفوة استيقظت منها تنادي عبدالله عبدالله ..ولما تيقنت من خلو المكان من أنفاسه انتفضت مستندة على عكازها فصار لها عينا وقدما .الوقت سكين يمزق قلبها .اصطحبها رجل لموقف السيارات المتجهة لقريتنا لعل من يعرفونها يتولون مساعدتها بالبحث .
جلست لا تصرخ لا تتكلم بل تزوم في زمجرة غاضبة تشبه عواء كلبة جريحة خطف الأشقياء جروها وسحبوه بحبل وكلما تمرد أجبره الحبل الذي في رقبته على الزحف خلفهم .وأنا أراقبهم يكويني ألم العجز عن تخليصه ,انتفضت لأخلصه منهم فخانتني شجاعتي خوفا من أن يرشقوني بالألفاظ النابية والحجارة ..لم تتخلى عني شجاعتي في المواقف الحاسمة ؟
أنظر لعينيه الباكيتين وهو يرسلهما للصبية متوسلا كالعبيد في سلاسلهم .يارب.... أهؤلاء خلفاؤك على الأرض ؟ من هؤلاء الأشقياء الذين اختطفوا جروها ؟
مازالت تزمجر وتعوي تضرب بعصاها الأرض وهي تحاول استجلاء الصورة ببصيص النور المتسرب لعينيها .ولكنها لا ترى شيئا!!
يا من منحت النور لعيون تنظر بها للحرام ليل نهار امنحها نورا ريثما ترى به وليدها .
أفقت على الولد يدنو من بعيد في يد نفس ذلك الرجل الذي أتى بها هنا من قبل .فلما لامسها ضمته مزمجرة وهي تعوي لصدرها في مشهد عجزت فيه عن تحديد ملامح الصبي أيبكي أم يضحك فلم تسعفني ملامحه البلهاء .
دلفتْ الباص عائدة لقريتها ومازال جسدها ينتفض .سألت الجالس بجواري أليست زاهية جارة للشيخ رضا الذي تنهال عليه التبرعات بالجمعية الشرعية لمساعدة المحتاجين؟أليست أحق من غيرها؟قال بحزن وسخرية:زاهية لاتحمل بطاقة انتخابات .
أليست والدة أحمد باشا منير وزير العدل تقطن في هذه الحارة وسيادة الوزير يزور أمه في الأعياد ويتوافد عليه الناس فيعطيهم ؟لم لايجعل لها راتبا شهريا؟
رد بحزن :ليس لها أهل وعشيرة يعطيها ليرضيهم .سنوات سافرتها للخارج عدت بعدها لقريتي لأسلم على أخوتي وأخداني .دخل ابن أخي يطلب من والده بعض المال ليذهب مع أصدقائه لمشاهدة الليلة الكبيرة من مولد الشيخة زاهية .تعجبت .من الشيخة زاهية ؟ضحك أخي من لا يعرف الشيخة زاهية؟
الناس تتوافد لمقامها من شتى البلاد ..لقد ماتت ببيتها ولم يشعر بها أحد إلى أن فاحت رائحتها فاتفق أهل الحل والعقد على إهالة البيت على جسدها .والعام قبل الماضي كانت شاهندا هانم زوجة أحمد باشا منير تسير بجانبه لزيارة والدته فانزلقت قدمها أمام قبر زاهية فحملها الباشا حتى البيت وشاءت إرادة الله أن تحمل بعد عقم دام خمس عشرة سنة .فنذرت أن تحول القبر لمقام, لأن الشيخة زاهية مباركة ومنذ هذا اليوم والناس يتقاطرون إليه ويتركون النذور ويذبحون الذبائح .قادني الفضول للذهاب ,لا موضع لقدم .زاحمت حتى وصلت للمقام المغطى بالحرير والمرشوش بروائح وعطور وبخور رائع والأنوار تزيد من لمعان الحرير الأخضر والشيخ رضا يجلس أمام المقام بجلبابه الأبيض ولحيته الطويلة وصندوق النذور على يمينه وحوله علية القوم بأبهى ملابسهم والناس تتمايل مع( الصييت)المنبعث صوته من مكبرات الصوت صادحا :................. مشيت تدور على الأولاد **حُرُم عليها النوم والزاد ..
من مجموعة الرجم على أعتاب الحياة
