د. علي خليفة - شخصية شهرزاد في المسرح المصري الحديث

(١)
كتاب ألف ليلة وليلة من أهم كتب التراث العربي، وتأثر به الأدب العالمي كثيرا بعد ترجمته في القرن الثامن عشر للغة الفرنسية على يد أنطوان جالان، وتتابعت ترجماته إلى كثبر من لغات العالم بعد ذلك.
ووضح تأثر كثير من الشعراء والأدباء العرب بكتاب ألف ليلة وليلة في العصر الحديث، وكان من أبرز من تأثروا به في العالم العربي كتاب المسرح، وكثير منهم جذبهم القصة الإطار له أكثر مما جذبهم القصص الداخلية به، وذلك خلال كتابتهم مسرحيات يستوحونها منه.
وسوف أرصد في هذا المقال تصوير بعض كتاب المسرح العرب لشخصية شهرزاد في المسرحيات التي استوحوا فيها القصة الإطار لكتاب ألف ليلة وليلة.
(٢)
كان توفيق الحكيم هو أول كاتب مسرح عربي يهتم بالقصة الإطار لكتاب ألف ليلة وليلة في مسرحية له، وكان ذلك في مسرحية شهرزاد، وشهرزاد في هذه المسرحية ليست امرأة من لحم ودم، بل إنها تكونت في معمل أفكار توفيق الحكيم، ولهذا رأيناها في هذه المسرحية لغزا كبيرا، وكل شخص يرها في هذه المسرحية من خلال رؤيته الشخصية لها، فالعبد الشهواني يراها جسدا جميلا، وقمر الرومانسي يراها قلبا كبيرا، وشهريار - الذي صار بسبب قصص شهرزاد له عاشقا للمعرفة - يراها عقلا كبيرا، وهي حين تسمع كل واحد من هؤلاء الثلاثة يصفها برؤيته الخاصة به، تقول في هدوء: كل يراني في مرآة نفسه.
ولا شك أن هذه المرأة اللغز التي جمعت كل حكايات الدنيا بما فيها من حقائق وخيال وحكم قد استطاعت قهر التوجه الدموي عند شهريار - في فتكه كل ليلة بعذراء إرضاء لرغبته في الانتقام من زوجته الأولى التي خانته مع أحد العبيد -وجعلته يعشق روحها، ثم جعلته يعشق المعرفة، ويسعى لها من كل سبيل.
وشخصية شهرزاد ثابتة طوال مشاهد هذه المسرحية، وهي تنظر لشهريار كأنه حالة لديها تقوم بالتجارب عليها؛ لترى إلى أين يصل وينتهي به الأمر، وحين تراه قد أراد أن يصير عقلا محضا ويخلع المكان عن نفسه، حاولت أن ترده للأرض، فكررت معه المشهد الذي رأى فيه زوجته الأول؜ى مع عبد، وحين رأته لم يحفل بهذا، فلم يقتل العبد ولم يقتلها، واجهته بأنه شخص هالك، وأنه ما لم يرتد للأرض والطبائع الناس فيها فإنه لا مستقبل له، وسيكون كشعرة بيضاء، فارقت الرأس، وضاعت في الفضاء.
(٣)
أما شهرزاد في مسرحية سر شهرزاد لعلي أحمد باكثير فإنها امرأة عاقلة حكيمة، وعلى علم بالنفوس البشرية؛ وقد عرفت بذكائها ومن خلال رضوان طبيب شهريار قبل أن تدخل على شهريار بعد زواجها منه - أنه مريض بالعنة لإفراطه في الجنس، فحاولت ألا يقربها بعد زواجه منها؛ حتى يشفيه الطبيب رضوان بعقاقيره من تلك العلة، وفي الوقت نفسه عرفت شهريار من خلال قصصها على أن هناك ما هو أهم من إرضاء الغرائز وأروائها، وهو المعرفة، وبفضل شهرزاد والطبيب رضوان شفي شهريار من عتنه، وأدرك من خلال شهرزاد قيمة المعرفة، فندم على ماكان منه في قتل زوجته الاولى ظلما وغيرها من العذارى اللائي كان يتزوج كل واحدة منهن ويأمر بقتلها مع الفجر ليدفن سر عجزه الجنسي معها، وشفته شهرزاد من أوجاعه للنفسية بشعوره بالذنب لهذه الجرايم التي ارتكبها في حق هؤلاء النساء بحثها له على التوبة والاستغفار إلى الله عز وجل.
وبذلك نلاحظ أن شهرزاد في مسرحية سر شهرزاد لباكثيرةشخصية ذات ملامح ثابتة من أول هذه المسرحية لنهايتها، وأنها مثال جيد للمرأة العاقلة الحكيمة التي تستخدم الحكمة والقص والتوجه الديني في علاج المشاكل النفسية التي كان يعاني منها زوجها شهريار، وساعدها الطبيب الحكيم في ذلك.
(٤)
أما شهر زاد في مسرحية شهريار للعزيز أباظة وَعَبَد الله البشير فإنها امرأة عاقلة مهذبة فاضلة، ويقف شهريار حائرا بينها وبين أختها دنيازاد التي تفتنه بجمالها ووأنوثتها الطاغية، ويظل شهريار في هذه المسرحية موزع الفكر بينهما، ولكنه في نهاية هذه المسرحية، يتوجه توجها صوفيا خالصا، ويشعر بالرغبة في التوبة عن كل ما اقترفه في حياته.
(٥)
وشهرزاد في مسرحية بلغني أيها الملك لفتحي فضل امرأة جميلة تحاول ان تنقذ نفسها من شهريار وهي تحكي له قصصها في الليالي الأول؜ى لها معه، ولم يكن بعد قد تم ترويضه بتلك القصص، كما أن سحر هذه القصص لم يكن قد تمكن من عقله بعد، فكانت لهذا تشعر بقدر من الخوف وهي تحكي لها قصصها، وتخشى ان يأمرها بالكف عنها، ويأمر السياف بقتلها؛ ولهذا نراها تحاول ان تغريه بهذه القصص، وبأسلوب الحكي المثير منها، كما أنها تحاول من خلال ما تحكيه من حكايات عن هاورون الرشيد الحاكم العادل أن تغريه بأن يكون عادلا مثله.
ونشعر أن شهرزاد مع نهاية هذه المسرحية لا زالت تشعر أنها لم تتمكن بعد من ترويض حيوانية شهريار، وإشعاره بقيمة العقل والتوقف عن سفك دم الأبرياء في سبيل إرواء شبقه لقتل العذارى والتلذذ برؤية دمائهم.
(٦)
أما شهرزاد في مسرحية شهريار لأحمد سويلم فإنها امرأة جميلة تهوى القص والحكي، وحاولت من خلال زواجها من شهريار أن تغريه بجمالها وقصصها؛ حتى لا يستمر في قتل الفتيات العذراوات، والغريب أن شهريار بعد زواجه منها لم يهتم بجمالها وبفتنة جسدها؛ وذلك لأنه كان مثل شهريار في مسرحية سر شهرزاد لباكثير مريض بالعنة، ولكن الشيء الذي خدر شهريار عن أمره بقتل شهرزاد هو انجذابه لقصصها، ولكنه لما فيه من شذوذ غريب كان يأتي كل ليلة لشهرزاد بعبد يجعله ينام معها بعد أن يستمع معه لبعض قصصها.
وقد ضاقت شهرزاد من شذوذ شهريار، وأدركت أنه لا يمكن شفاؤه او إصلاحه، فاتفقت مع سيافه مسرور على قتله، فقتله، وتزوجها وأخضع بطانة شهريار له ولشهرزاد بقوة السيف.
وشهرزاد في هذه المسرحية امرأة ذات عقل وجمال، وحين أدركت أن قصصها وحكمتها لا تسعفانها في علاج شذوذ شهريار لجأت للقوة متمثلة في مسرور السياف، وتخلصت من كابوس شهربار، وفتحت لها ولمن حولها مستقبلا جديدا، لم يكن ليكون إلا بتحالف حكمة شهرزاد مع قوة مسرور.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى