محمد حامدي - صعاليك الرومبلي

"من لمْ يمشِ على ظهر الرومبلي حافياً لن يُحْشَرَ مع الصعاليك"
هكذا كان يشحن كبيرُنا إرادتَنا ، ويحكي لنا عن رواد الصعلكة والشَّغَب عبر التاريخ، عشقنا فيهم عَدْوَهم وهجومهم حتى تمثَّلْناهم .. كان يحلو لنا المشي حفاة بزعم أننا نقضي حوائجنا خفافاً، كان ظهر الرومبلي تحت أقدامنا ذلولا .. نتأبط نعالنا البلاستيكية أو نُدخل أكفنا فيها ونجري إلى أن نتقيأ أحشاءنا الخاوية أصلاً .. كنا نعدو لمسافات لم نكن نحدد لا بداياتها ولا نهاياتها، فقط نجري لنجري .. كانت تلك المسافات تشبه حياتنا الصغيرة تماماً .. نكرر قطعها يومياً موهمين أنفسنا أننا نتجدد، كنا نجري فقط لنجري ، وكنا نسمع أن آباءنا هم كذلك يجرون وراء الخبزة ويجرون من أجل مستقبلنا .. لم نعلم حينها أن الجري بهذا الشكل جد متعب .. كنا نعشق لعبة الفر والكر إلى حد المغامرة المميتة إذ كنا ندق أبواب جيراننا ونلوذ بالفرار، نقيم معارك موسمية تماماً كما داحس والغبراء، كل منا يدافع عن حيه ، نتراشق بالحجارة والتين المتساقط والأحذية الممزقة ، وإذا مَرَرْنا بزنقة أتلفنا وقارها بعباراتنا النابية الجارحة وأفرغنا زبلها على عتباتها، ثم نفر خفافاً كالنُّمُوس الصغيرة ناعتين من يتخلف منا بِمَامَا .. كنا نفر كلما مر بحينا معلم أو دركي ، ونكر كلما دخل حارتنا غريب ، وإذا لم نظفر بشيء منه صببنا عليه وابلا من "الوَكْوَكات" وأربكنا مشروعه الغرامي بالصراخ والصفير وبعض الزخات السوقية لنرغمه على الانصراف ، وترك الدجاجة لأهلها.. كنا نُمُوساً بامتياز وكان الرومبلي يتحدانا بامتياز كذلك ، وظلت المعركة بيننا وبينه ، وقد قطع من الأرجل والأيدي ما قطع ، ورمّلَ ما رَمَّلَ ، وأثْكَل ،ويتَّمَ ، ولكن كنا نُولدُ له بالجملة حتى يرى ما كان عليه آباؤنا قادرين، وظللنا نولد ونكبر في رحم الرومبلي في كل عام ومناسبة ، وسار ذلك في الركب وحكاه من عايشه لمن بعده ، وحكى من بعده لأحفاده ، وظل الوادي يسير بهدوء في مجراه...
ه------ه
محمد حامدي
من المجموعة القصصية (أخاديد جبل الفحم)



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى