د. أحمد الحطاب - من المصطلح العلمي إلى ترجمة النص العلمي : من المصطلحات العلمية إلى النص العلمي (جزء ثالث)

(جزء ثالث)


عندما تتوفر للباحثين كل المصطلحات لتكوين نظرة عن نتائج أبحاثهم، فإنهم ينتقلون من مرحلة التفكير إلى مرحلة التعبير، الشيء الذي يؤدي بهم الى صياغة نصوص استطاعوا من خلالها تأليفَ العديد من الكتب ذات الطابع التخصصي التي أصبحت جزأ لا يتجزأ من الثرات العلمي البشري.
غير أن المصطلحات العلمية استُعمِلت كذلك و لاتزال لصياغة نصوص لأغراض مختلفة ثقافية، تعميمية، تعليمية، تربوية، الخ. فالنصوص العلمية إذن أنواع تختلف أهميتُها باختلاف أهمية المصطلحات المستعملة لصياغتها. و فيما يلي بعض النمادج من النصوص العلمية حسب الأغراض المسخرة لأجلها.
النص العلمي التخصصي
Chez l'homme adulte, la moelle rouge est localisée surtout dans la substance spongieuse des épiphyses des os longs, dans les côtes, le sternum et les corps vertébraux. Elle est constituée par une charpente de fibrilles conjonctives avec quelques cellules conjonctives anastomosées. Dans les mailles de ce réseau, on trouve des cellules différenciées à partir des éléments mésenchymateux, qui subissent d'actives mitoses suivies d'une différenciation qui aboutit à la constitution des éléments du sang, hématies et leucocytes granuleux. Autrement dit, on trouve des érythroblastes et des myéloblastes à divers stades de leur évolution. La moelle est, en effet, essentiellement un tissu hématopoïétique.
Quand au tissu osseux, il n'apparaît qu'à un certain stade du développement de l'individu. Chez l'embryon, les pièces squelettiques, modèles réduits des os définitifs, sont d'abord des membranes conjonctives fibreuses ou des pièces cartilagineuses, ou des pièces à la fois membraneuses et cartilagineuses. L'ostéogénèse, ou ossification, est la transformation du tissu membranaire ou du tissu cartilagineux en tissu osseux. Dans le premier cas, il s'agit d'une ossification endoconjonctive qui donne naissance à du tissu osseux fibreux. Dans le deuxième cas, c'est une ossification endochondrale qui donne surtout du tissu spongieux.
يتضح من النص السابق أن كاتبَه أراد أن يصف النخاع الأحمر للعظام و كيف تتكون انطلاقا منه خلايا الدم. كما أراد نفسُ الكاتب أن يبيِّن كيف يتكون النسيج العظمي انطلاقا من بعض الأنسجة الأخرى. و في كلتي الحالتين، لجأ الكاتبُ إلى لغة علمية تتميز بمصطلحات لا يستطيع أن يُدركَ معناها إلا القارئ أو الدارس المتخصص.
النص العلمي غير التخصصي
Vers la fin du deuxième mois, des cellules osseuses remplacent les cellules cartilagineuses. C'est ce qu'on appelle l'ossification. Les os ne proviennent cependant pas tous d'une ébauche cartilagineuse. Les os plats du crâne et le sternum par exemple, proviennent de l'ossification de membranes. Si on coupe un os long dans son grand axe, on y distingue plusieurs parties. Parmi ces parties, on trouve le tissu osseux, compact et dur dans la région médiane et spongieux et poreux dans les extrémités de l'os. Plusieurs os présentent, à leur centre, une cavité remplie d'un tissu mou, la moelle, qui contient de nombreux nerfs et vaisseaux sanguins. Les os plats, les côtes et le sternum par exemple, les extrémités des os longs et les vertèbres contiennent de la moelle rouge. Elle fabrique les globules rouges et une grande partie des globules blancs du sang.
من خلال هذا النص، يتضح جليا أن كاتبَه أراد أن يصف نفسَ الظاهرتين المشار إليهما في النص الأول، أي تكوين العظام إضافة إلى تكوين خلايا الدم انطلاقا من النخاع الأحمر. لكن في هذه الحالة، لجأ الكاتب الى أسلوب مبسَّط كما يحدث عادة عندما يُقصد من هذا التبسيط تعميمُ المعرفة العلمية أو وضعُها في قالب يخدم أهداف التربية و التعليم .
فإذا كان هناك تقارب بين هذين النصين بحكم تناولهما لظاهرتي تكوين العظام و خلايا الدم، فإنه، رغم هذا التقارب، يوجد بينهما فرق أساسي يكمن في نوعية ومستوى المصطلحات المستعملة لصياغتهما. ففي النص الثاني، لجأ الكاتبُ الى مصطلحات علمية لكنها مصطلحات متداولة و مفسرة في جميع القواميس و المعاجم. بينما في النص الأول، استعمل الكاتبُ مصطلحاتٍ علميةً متخصصةً دقيقة المعني نادرا ما تشير لها المعاجم. و لهذا، فإن هذا النص، إذا كان لا يطرح أية مشكلة للباحث أو الدارس أو القارئ المتخصص من حيث استيعابه في لغته الأصلية، فإنه يطرح له بعض الصعوبات إذا أراد أن يحوله أو أن يترجمه الى اللغة العربية.
من المصطلح العلمي إلى ترجمة النص العلمي
إن الصعوبةَ الأساسيةَ التي يعاني منها المترجمُ عندما يريد نقل ما أنتجه الفكر العلمي من معرفة من اللغة الأجنبية، و يتعلق الأمر هنا باللغة الفرنسية، إلى اللغة العربية، تكمن في إيجاد المصطلح المناسب لوضعه في المكان المناسب. و تجدر الإشارة هنا أنه إذا كان بإمكان الباحثين الناطقين باللغة الفرنسية أن يصيغوا و أن يبتكروا مصطلحات جديدة بإتباع عدة طرق كما سبق الذكر، فإن الأمرَ يختلف تماما بالنسبة للغة العربية.
و سيتضح لنا هذا من خلال الرجوع الى النصين الفرنسيين السابقين المتعلقين بتكوين العظام و الخلايا الدموية. و كما سبق الذكر، فإن المصطلحات الواردة في النص الثاني كلها لها مقابلاتها باللغة العربية و بالتالي، فترجمة هذا النص لا تطرح أية مشكلة. غير أنه عندما نتطرق للنص الأول، فإن بعض المصطلحات قد لا يكون لها مقابلات باللغة العربية. و يتعلق الأمر هنا بالضبط بــ :
-Mésenchymateux
-Erythroblastes
-Myéloblastes
-Hématopoïétique
-Endoconjonctive
-Endochondrale
و إذا تفحَّصنا هذه المصطلحات، فسنجد أن واضعَها اتَّبع مــن أجــل صياغتهـا البعض مـن الطـرق التـي سبـق أن تمـت الإشـارة إليهــا في مقالةٍ سابقة (جزء ثاني).
فمصطلـــح (Mésenchymateux) مركَّب مـن (Mes) بمعنى وسيـط و مـن (Enchym) بمعنى نسيـج نبـات أو حيوان. و المصطلح يُشير هنا إلى نسيج وسيط سيتحول ليكوِّن نسيجا آخــر. أمـا مصطلـح (Erythroblaste) فهــو مركــَّب مــن (Erythro) التــي تم اشتقاقُها مــن (Eryth) و مــن(Erythr) بمعنى أحمر و من (Blaste) المشتقة من (Blast) بمعنى بُرعُم. و المقصود من المصطلح هنا هو الخلايا البُرعمية التـي تتولـد عنهــا الكُريــات الدمويـة الحـمراء. أما مصطلـح (Myéloblaste)، فهو الآخر مركَّب من لفظة (Myélo) المشتقة من (Myel) بمعنى نُخاع و كالمصطلح السابق من (Blaste) أي البراعم النخاعية التي تتولَّد عنها الكُريات الدموية البيضاء. و فيما يخص مصطلح (Hématopoïétique)، فإنه مركَّب من (Hémato) المشتقة من (Hemat) بمعنى الدم و من (Poies) أو (Poïet) بمعنى كون أو صُنعٌ. و المقصود هنا من المصطلح هو صُنعُ الدم. و بالنسبة لمصطلح (Endoconjonctive) فهو مركَّب من (Endo) بمعنى "بالداخل" و (conjonctive) المشتقة من (Conjunct) بمعنى ضمَّ و المقصود هنا من هذا المصطلح هو التكوين العظمي الذي يتم داخل نسيج ضام. أما مصطلح (Endochondrale)، فإنه يتركَّب من (Endo) و من (chondrale) المشتقة من (chondr) بمعنى غُضروف.
و هكذا، فإن جميع المصطلحات السابقة مركَّبةٌ من لفظتين تُشير كل واحدة منهما إما إلى لون و إما إلى فعل. و الصعوبة تكمن هنا في كون كل هذه الألفاظ (Etythr, Blast, Myel, Hemat, Poies,...) ليس لها مقابلات باللغة العربية يمكن اللجوء إليها لدمجها مع بعضها أو مع ألفاظ أخرى لصياغة و ابتكار مصطلحات علمية جديدة كما هو الشأن بالنسبة للغة الفرنسية. في هذه الحالة، لم يبق أمام المترجم إلا الاجتهادُ لإيجاد حلٍّ لمشكلة صياغة أو ابتكار مصطلحات ملائمة تؤدي المعنى المطلوب. فما هي المنهجية المطلوب إتباعُها لتجاوز هذه المشكلـة؟
يمكن تلخيص هذه المنهجية في العمليات التالية :
1.قراءة النص المراد ترجمتُه قراءةً مستفيضةً لاستيعاب ما يريد الكاتب تبليغَه مــــن أفكـــار
2.جردُ المصطلحات العلمية التي يحتوي عليها النص
3.وضعُ لائحة لتلك التي لا مقابل لها باللغة العربية
4.التفريقُ بين المصطلحات التي تشير إلى صور فكرية و تلك التي هي تسميات لأشياء أو لمكونات
5.تحليل كل مصطلح على حدة تمهيدا لمرحلة الاجتهاد.
وفيما يلي، سنكتفي بالتطرق للعمليات الثلاث الأخيرة من هذه المنهجية، الشيء الذي سيؤدي بنا في أول مرحلة إلى وضع لائحة للمصطلحات التي ليست لها مقابلات باللغة العربية :
-Mésenchyme
-Mésenchymateux
-Erythroblaste
-Myéloblaste
-Hématopoïèse
-Tissu hématopoïétique
-Ossification endoconjonctive
-Ossification endochondrale
في مرحلة ثانية، تأتي عملية التفريق بين المصطلحات المعبرة عن صور فكرية والمصطلحات التي سميت بها الأشياء و المكونات، الشيء الذي يؤدي إلى التصنيف التالي :
المصطلحات المعبرة عن صور فكرية
-Hématopïèse
-Ossification endoconjonctive
-Ossification endochondrale
المصطلحات كألفاظ تقنية
-Mésenchyme
-Erythroblaste
-Myéloblaste
في مرحلة ثالثة، تأتي عملية تحليل المصطلحات، أولا، لمعرفة كيف تمت صياغتُها في اللغة الأصلية. ثانيا لمعرفة ما هي الصور أو الأفكار التي ترمز لها هذه المصطلحات.
و هكـذا، و كمـا سبـق الذكـر، فإن مصطلـح (Mésenchyme) مـركَّب مـن (Mes) بمعنى وسيط و (Enchym) بمعنى نسيج حيواني أو نباتي. و قد لجأ الكاتبُ إلى هذا المصطلح ليبيِّن أن الخلايا الأصلية المتواجدة في النخاع الأحمر، قبل أن تتحول إلى خلايا نهائية شكلاً و وظيفةً، تطرأ عليها تغييراتٌ. و بعبارة أخرى، فإن ما سمَّاه الكاتبُ (Mésenchyme) عبارة عن خلايا عابرة تخضع لعدة تغييرات في شكلها و تركيبها لتصبح قادرة على تأدية عملٍ ما داخل الجسم. و في هذه الحـالة، يمكن إيجاد مقـابـل عـربـي لمصطلــح (Mésenchyme ) و هــو مـــا يمكــن الإشـــارة إليــه ب"نسيج عابر" أو "نسيج مرحلي" أو "نسيج وسيط" غير أنه بالنسبة للنص الحالي، من الأفضل أن يُستعمل مصطلح "نسيج وسيط" لأنه يؤدي المعنى أكثر من الاقتراحين الأول و الثاني.
أما بالنسبة لمصطلحي (Erythroblaste) و (Myéloblaste)، فهما، كما سبق الذكر، يحتويان معا على لفظة (Blast) بمعنى بُرعُم و لفظتي (Erythr) بمعنى أحمر و (Myel) بمعنى نُخاع. و المصطلحان يُطلقان معا على الخلايا المنحدرة من النسيج الوسيط المشار إليه أعلاه. غير أنها تتميَّز عن خلايا هذا النسيج بكونها توجد في مرحلة متقدمة من النمو، أي أنها على وشك أن تُحوَّلَ إلى خلايا دموية بصفة نهائية. و قد لجأ الكاتب إلى لفظة (Blast) أي بُرعُم لكون هذا النوع من الخلايا ستتولَّد عنه الخلايا الدموية. في هذه الحالة، فإن الخلايا المعنية هي الأخرى خلايا مرحلية لكنها تختلف عن خلايا النسيج الوسيط بأنها متقدمة في النمو. و انطلاقا مـن هـــذه التـوضـيـحـــات، يمـكــن إيجــــاد مـقـابلــــين عـــربيين لـكــل مـــــن (Erythroblaste) و .(Myéloblaste) بالنسبة للأول، يمكن أن نقول "مولدة حمراء" أو "مولدة الكريات الحمراء". و بالنسبة للثاني، يمكن أن نقول "مولدة نخاعية " أو مولدة الكريات البيضاء". ويُستحسن استعمال الاقتراح الثاني بالنسبة لكل من الحالتين .
أما بالنسبة لمصطلح (Hématopoièse) فإنه، كما سبق الذكرُ، مركَّب من (Hemat) بمعنى الدم و (Poies) بمعنى صُنعٌ. و المصطلح يُطلق على كل المراحل التي تمر منها خلايا النسيج الوسيط بما في ذلك مولدات الكريات الحمر ومولدات الكريات البيض لتتحول في نهاية المطاف إلى خلايا دموية. في هذه الحالة، يمكن إيجاد مقابل عربي لمصطلح (Hématopoièse) و نقول "تكـوين خلايا الـدم" أو "تكوين الخلايا الدموية". أما مصطلحا (Ossification endoconjonctive و Ossification endochondrale)، فهما يشيران معا إلى الطريقة التي يتم بها التَّعظُّم أو تكوين النسيج العظمي. فمصطلحُ (Endoconjonctive)، كما سبق الذكر، مركَّب من ( Endo ) بمعنى باتجاه الداخل و (Conjonctive) المشتقة من ( Conjunct ) بمعنى ضمَّ. و قد لجأ الكاتبُ لاستعمال هذا المصطلح ليبيِّن أن التَّعظُّمَ يتم انطلاقا من النسيج الضام المحيط بجسم العظم في اتجاه داخل هذا الأخيـر. في هـذه الحالـة، يمكـن إيجـاد مقابـل عربـي لمصطـلـح (Endocojonctive) لنقــول "ضـــام داخـلــي". نفــس الشـيء يمكـن أن يتـم بالنسبـة لمصطلــح (Endochondrale) فنقول "غضروفي داخلي".
وفيما يلي، اقتراح لترجمة النص الأول (النص التَّخصُّصي)
عند الانسان الراشد، يوجد النخاع الأحمر على الخصوص داخل المادة الأسفنجية التي يتألف منها كـُـردوس العــظــام الطويلــــة و كـــذلك بداخــل الأضـــلاع و القــص و الأجسام الفِقرية. يتكون النخاعُ الأحمر من هيكل من الألياف الضامة تتخللها بعض الخلايا الضامة المتشابكة التي تشكل شبكة توجد بداخل زرداتها خلايا تخلَّقت انطلاقا من عناصر نسيجية وسيطة. و قد خضعت هذه الأخيرة لانقسام خلوي نشيط تلاه تخلُّقٌ أدى إلى تكوين عناصر الدم من كُريات حُمر و كريات بيض حُبَيبية. و يمكن القولُ أن هناك مُولِّدات الكُريات الحمر و مُولِّدات الكُريات البيض التي تظهر و هي في مختلف مراحل نموها. إن النخاع يشكل فعلا أهم نسيج مكوِّنٍ لخلايا الدم.
أما النسيج العظمي، فإن تكوينَه لا يبدأ إلا بعد أن يصل الشخصُ إلى مرحلة معينة من النمو. فعند الجنين، تظهر القطع العظمية الهيكلية التي هي عبارة عن نماذج مُصغَّرة للعظام النهائية على شكل أغشية ضامة ليفية أو على شكل أجزاء غضروفية، أو في نفس الوقت، على شكل أجزاء غشائية و غضروفية. و هكذا، فإن ما يسمى بتكوين العظام أو التَّعظَّم يتمثل في تحوُّل النسيج الغشائي أو النسيج الغضروفي إلى نسيج عظمي. في الحالة الأولى، يتعلق الأمر بتَعظُّم ضام داخلي الذي يؤدي إلى ظهور نسيج عظمي ليفي بينما فـي الحالـة الثانيـة، يتعلق الأمر بتَعظُّم غضروفي داخلي الذي يؤدي على الخصوص إلى تكوين نسيج إسفنجي.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى