د. أحمد الحطاب - من المصطلح العلمي إلى ترجمة النص العلمي : معوقات إنتاج المصطلح العلمي العربي (جزء رابع و أخير)

[HEADING=2]معوقات إنتاج المصطلح العلمي العربي[/HEADING]
(جزء رابع و أخير)


إن ترجمةَ النُّصوص العلمية من اللغة الأجنبية (الفرنسية) إلى اللغة العربية ليست بالأمر الهين، لكنها في نفس الوقت، ليست بالأمر المستحيل. إن الشرطَ الأساسيَ الذي بدونه لا يمكن تحقيقُ هذه الترجمة، يتمثل في توفير مقابلات عربية للمصطلحات الأجنبية. و إذا كان العديدُ من هذه المصطلحات العلمية لها مقابلات باللغة العربية، فإن أعدادا مضاعفة تنتظر أن توجدَ لها هذه المقابلات. و الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية متعددة نذكر منها على سبيل المثال :
1.التقدم السريع و المُهول الذي عرفته العلوم و التكنولوجيا و خصوصا ابتداء من القرن التاسع عشر
2.تشعُّب و تفرُّع هذه العلوم إلى اختصاصات متناهية الدقة، الشيء الذي أدى الى إنتاج المئات إن لم نقل الآلاف من المصطلحات الجديدة قد يصعب على العديد من اللغات استيعابَها في قتٍ وجيزٍ. و الدليل على ذلك أن فرنسا، البلد الذي يُعد واحدا من أقطاب العلم و التكنولوجيا في العالم، تجد صعوبةً في مسايرة ما تنتجه الدول الأنجلوساكسونية من مصطلحات علمية سنويا. و ذلك راجعٌ لكون جزءٍ كبير من الأبحاث العلمية، التي تُتوَّجُ بإنتاج غزير للمصطلحات العلمية، يتم بهذه الدول.
و في هذا الصدد، كي تواكبَ فرنسا هذا السَّيلَ الهائل من المصطلحات، فإنها تتوفَّر على لجنةٍ تُدعى "لجنة إغناء اللغة الفرنسية" commission d'enrichissement de la langue française. هدفُها الأساسي، تحت إشراف الوزير الأول، هو التَّعرُّف على المصطلحات و المفاهيم الجديدة التي تظهر في العالم بتسمياتٍ أجنبية و محاولة إيجاد مقابلات لها باللغة الفرنسية. تتركَّب هذه اللجنةُ من خبراء في جميع المجالات العلمية و التكنولوجية إضافةً إلى ممثلين من الإدارات العمومية و متخصِّصين جامعيين في اللغات و أكاديمية العلوم و الأكاديمية الفرنسية. و كل المصطلحات التي يتم الاتفاق عليها، تُنشر بالجريدة الرسمية الفرنسية لتصبح مُلزِمةً على الأقل للإدارات العمومية و مؤسسات الدولة، بما فيها مؤسسات التعليم، علما أنها تشكِّل رصيداً مرجعيا هائلا للمُترجمين و المحرِّرين التقنيين.
و هنا، لا داعي للقول أن مثلَ هذه اللجنة لا وجودَ لها في الدول العربية. البِنية الوحيدة التابعة للجامعة العربية، المسماة "مكتب تنسيق التَّعريب" و التي أنشِئت من أجل توحيد المصطلحات العلمية في العالم العربي، عبارة عن قوقعةٍ فارغة لا تتوفَّر لا على الموارد المالية الأزمة لأداء مهامها و لا على المتخصِّصين سواءً في مختلف المجالات العلمية و لا في مختلف مجالات اللغة العربية. إلى يومنا هذا، كل بلاد عربية "تُغني على ليلاها" فيما يخصُّ توحيدَ المصطلحات العلمية و التكنولوجية.
3.انعدام الإرادة السياسية لا على المستوى القومي و لا على المستوى الوطني و بالتالي، عدم وجود سياسات وطنية و جهوية و قومية موحدة لمسايرة التقدم العلمي و التكنولوجي.
4.عدم وجود خطة عربية موحدة للتصدي لمشكل إنتاج المصطلحات العلمية العربية
5.عدم التعريف بالتراث العلمي العربي و استغلاله استغلالا يفيد لإغناء المعاجم العربية المعمول بها حاليا.
6.إقصاء اللغة العربية كلغة للقيام بالبحث العلمي و نشر نتائجه علما أن المنطقَ، فيما يخصُّ التعريب، يفرض أن يبدأ هذا التعريبُ من الجامعة التي هي المنتج الأول و الأخير للموارد البشرية المتخصِّصة في جميع المجالات العلمية و التكنولوجية. و المتخرِّجون من التعليم الجامعي هم الذين يُعوَّل عليهم في تحريك عجلة البناء و التنمية و التطوير.
7.الاستلاب اللغوي و الثقافي الذي، في غالب الأحيان، يظهر اللغة العربيةَ كلغة متأخرة و غير قادرة على مواكبة ركبِ الحداثة و التَّقدُّم. في حين أن المشكلَ لا يكمن في اللغة العربية في حد ذاتها و لكن في مَن يستعملونها و مَن هم مُطالبون برعايتها و تطويرها. و هذا يعني أن العيبَ ليس في اللغة العربية و لكن في مَن هم مُصرُّون على تهميشها و اللجوء إلى لغاتٍ أخرى في حياتهم العملية و اليومية. و لا داعي للقول أن التهميش الذي تعاني منه اللغة العربية، كلغة علم و تكنولوجيا، راجعٌ كذلك إلى فترات الاستعمار الذي كان يفرض على الشعوب العربية لغتَه كلغة رسمية تُسيَّر بها كل المؤسسات و المرافق العمومية.
8.عدم قيام المجامع اللغوية، إن وُجِدت، بالدور المنوط بها و المتمثل في مواكبة كل جديد لا من حيث تعريب المصطلحات و لا من حيث الاطلاع على ما استجدَّ من أبحاث علمية و ترجمتها إلى اللغة العربية.
و هكذا، فإذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فسيعرف الركب العلمي العربي مزيدا من التأخر عن الركب العلمي العالمي و خصوصا أن العلوم بشتى أنواعها بمختلف فروعها عرفت و تعرف قفزات جبارة أدت إلى تراكم هائل في المعلومات قد يتطلَّب التكيُّفُ معها و استيعابُها و امتلاكُها وقتا طويلا يُعد بعشرات السنين.
لا بد إذن من بدل أكثر ما يمكن من الجهود للتصدي لهذه المشكلة بكيفية فعالة.
فعلا، لقد بُدِلت جهودٌ و لا تزال تُبدل في مجال إنتاج المصطلح العلمي العربي، لكنها تظل غير كافية بالمقارنة مع السرعة التي يتم بها هذا الإنتاج على الصعيد العالمي. و يكفي أن نتصفَّح المجلات و الدوريات العلمية المتخصصة لنلاحظ العدد الكبير من المصطلحات الجديدة التي يبتكرها الباحثون للتعبير عن ما جد في مجال الفكر العلمي و التكنولوجي.
إن لغةُ كاللغة العربية التي كان لها الفضلُ في تقدُّم العلم و نشره في أرجاء أوروبا، لا يمكن أن تصبح غريبةً و عاجزةً عن مُسايرة هذا التقدم. إن اللغة العربية قادرةٌ على رفع التحدي الذي يواجهها لتصبح كما كانت في الماضي لغة تواصل و تفكير علميين.
ومن أجل رفع هذا التحدي، أقترحُ توفيرَ الشروط الآتية:
1.الرجوع إلى التراث العلمي العربي لتسخيره كأداة لإنتاج المصطلحات العلمية
2.تضافر الجهود بين الأخصائيين في العلوم و الأخصائيين في اللغة العربية لإيجاد منهجية موحدة لإنتاج المصطلح العلمي
3.تأليف معاجم و كتُب علمية عربية
4.تشجيع البحث في مجال إنتاج المصطلحات
5.بدل جهود من أجل توحيد المصطلحات الموضوعة رهن إشارة مختلف المستعملين



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى