وداد معروف - المواقع الأدبية على الانترت

شهد الفضاء الإلكتروني ثورة معرفية كبيرة, فلم تعد شبكة الإنترنت تمثل رفاهية لمستخدميها, وإنما أصبحت من الدعائم الأساسية التي تقوم عليها حياتنا المعاصرة, فقد نظمت حياتنا بتفاصيلها, فحتى دفع فواتيرنا للهاتف والكهرباء عن طريقها, دخلت في حياتنا العلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية, فالاطلاع علىٰ أحدث الدراسات العلمية من خلالها والتواصل الاجتماعي يتم علىٰ فضائها, وتبرم فيها صفقات الشراء والبيع والحراك السياسي يشتعل منها؛ فهي شريك أساسي في حياتنا. "إن هذه التكنولوجيا ستجعل الإنسان ((بيتي))، بمعنى أن يكمن في بيته، ويبيع ويشتري ويشاهد ويسمع ويمارس حياته كاملة، من غرفة مكتبه في المنزل، أو حتى من غرفة نومه، يطوف العالم كله وهو جالس، مما سيزيد من عزلة الإنسان، فيجعله في عالم غريب، لا يخاطب الناس إلا عبر شبكات الويب، ليضيع التعاطف الإنساني"( ).
وقد حدث ذلك بالفعل فنجد أن: "فيس بوك يتجاوز الآن المليار حساب مسجل ولديه حاليًا 2,2 مليار مستخدم نشط شهريًا، بلغ إجمالي عدد الدقائق التي تم قضاؤها على فيس بوك شهريا 648 مليون دقيقة بمتوسط وقت 18 دقيقة لكل زيارة, و3 ملايين رسالة في المتوسط يتم إرسالها كل 20 دقيقة"( )، وكان لشبكة التواصل الاجتماعي التأثير على جميع الأفراد ومختلف الأعمار وأيضا على أنماط الحياة وصياغة القيم.
"وسائل الإعلام الاجتماعية هي واحدة من أكثر وسائل الإعلام الجديدة تأثيرًا على جميع أفراد المجتمع، صغارًا وكبارًا، كما أن لديها التأثير على تحديد نمط الحياة الفردية، واحترام كل التفاصيل الحياتية؛ سواء اللغة، أو العادات وطريقة التعامل، مع مختلف القضايا والأنماط السلوكية، التي يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية".( )
وإذا نظرنا إلىٰ الفيس بوك نظرة إيجابية, وجدناه وسيلة إعلامية مفيدة, إذا استخدم استخداما نافعا, فتعلم اللغات متاح من خلاله, والدخول على المواقع العلمية ومجموعات التواصل مع الزملاء والأساتذة قربت المسافات بين الطلاب وبعضهم, وبين الطلاب والأساتذة, وأجابت عن التساؤلات ونظمت المواعيد, وصار المقال الذي كتبه الكاتب الأمريكي كليفورد ستول Clifford Stoll في مجلة نيوزويك الأمريكية في 25/12/1995, بعنوان (الإنترنت كلام فارغ) لا يمثل الواقع الحالي لدور الإنترنت في حياتنا الآن( ).
ولم يعد الأمر قاصرا على استخدامات المواقع العامة ومواقع الاخبار وأمور الحياة بل تعمق دور المواقع وازدادت تخصصا, وكان لأدبنا العربي مجاله الواسع فيها, وأصبح له دور أكبر في حياتنا الثقافية. ولم تعد هذه المقولة صالحة الآن, تلك التي كانت تحط من شأن الكاتب الذي يبدأ نشره على مواقع الويب, وصفحات التواصل بعدما أصبحت الشبكة العنكبوتية هي سبب ذيوع شهرتهم. " قد يجد ناشرو المطبوعات أن هناك وصمة عار تلحق بالكتاب الذين بدأوا نشرهم لأعمالهم عبر الإنترنت"( )
ومن هنا جاءت أهمية المواقع الأدبية كونها استخداما إيجابيا, إذا أُحسن التعامل معها والإفادة من محتواها ومن القائمين عليها، وبعد أن تعززت شبكة التواصل الاجتماعي بدخول المواقع الأدبية المتخصصة والمتعددة فقد تنوعت ما بين مواقع أدبية شخصية؛ تعبر عن أصحابها، ورسمية تشرف عليها هيئات، وجماعية كان لها بصمة علىٰ المشهد الأدبي الحالي، وقد دخل الأدباء والشعراء والكتاب لهذا الفضاء المفتوح, ينشرون قصصهم وأشعارهم ورواياتهم, لعدد غير محدود من المتلقين, وتحرروا من سلطة الرقيب، وارتفاع أسعار النشر الورقي، ولسرعة التفاعل مع النص المنشور، استفادوا من تلك الثورة المتسارعة في هذا الفضاء الأزرق، وهذا السباق المعرفي المحموم, جعلهم يتفاعلون مع القراء، حتىٰ ضاقت المسافة بين الكاتب والقارئ, وصار النص الإلكتروني يُنشر علىٰ الصفحة أو الموقع فيتفاعل معه القراء خلال ثوانٍ معدودة ويتجاوبون مع الكاتب من خلال تعليقاتهم، مما أدىٰ إلىٰ خلق حالة جديدة لم يعتدها الأدباء من قبل من التفاعلية واتساع انتشار النص, "وبقدر ما أسهم الفيس بوك في التوسع في عملية التواصل مع القراء والكتاب وذلك بسبب سرعة الطرح وسعة الانتشار وفورية الاستجابة, وبقدر ما أسهم في تغيير الكثير من الوقائع الثقافية والاجتماعية، إلا أنه ظل مرتبطا بالتحلل المعياري الذي فتح فوضي الأذواق بسبب الطرح المبتذل والسطحي, في مقابل النص الجيد والعميق وهو ما شجع التسيب الثقافي والأدبي".( )
ودخول الأدب إلي شبكة التواصل الاجتماعي جعل المؤسسات الثقافية الصحفية في أزمة, وربما أُغلق بعضُها، والباقي يصارع ليجد لنفسه مكانا, بعد ثورة النشر الإلكتروني, ومن خلال الفيس بوك أيضا انتشرت المكتبات الإلكترونية ومنصات الكتب التي يحصل عليها مستخدمو الموقع مجانا, فأصبح في مقدور أي مستخدم أن يدخل علىٰ الموقع الذي يفضل ويحمّل منه رواياتٍ ومجموعاتٍ قصصيةٍ ودواوينَ شعريةً إصدار العام نفسه، وقد ذكر الرافعي: "الأدب من العلوم كالأعصاب من الجسم؛ هي أدق ما فيه ولكنها مع ذلك هي الحياة والخلق والقوة والإبداع"( ). فمن هذه المواقع تصنع العقول، وتكتسب المعارف، وترتقي أو تفسد الذائقة, وكما قال الرافعي أيضا: "ولن يكون الأدب أدبا, إلا إذا وَضَع المعني في الحياة التي ليس لها معني؛ أو كان متصلا بسر هذه الحياة فيكشف عنه أو يومئ إليه من قريب، أو غيّر للنفس هذه الحياة تغيُّرا يجئ طباقا لغرابتها وأشواقها"( ). خلق دخول الأدب إلى الإنترنت نوعا من المتلقين يتميزون بالتفاعلية والجدة فظهر لنا المتلقي الإلكتروني "سار النص الأدبي من التواصل الكتابي إلي التواصل الإلكتروني, وهو في مساره هذا يبحث عن متلقٍ إلكتروني يتفاعل, يملك آليات الثقافة الإلكترونية, يجعله ينظر إلي النص بعناية خاصة ويتجاوب معه شأنه شأن المبدع الإلكتروني"( ).
وقد توسع مفهوم النص الأدبي بعدما دخل الأدب إلي شبكة التواصل الاجتماعي وتغير مفهومه وصار جنسا أدبيا له خصائصه ومميزاته "إن دخول الحاسوب ونماذجه التطبيقية عالم الإبداع الأدبي, وسع مفهوم النص الأدبي أو المنشىء, أخذ يتغير جذريا, ففي الماضي أخذ يرتبط مفهوم الكاتب بالكتاب الورقي, أما اليوم فأصبحنا نستشف دلالات أرحب ومساحات أوسع لمفهوم المبدع الإلكتروني




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى