محمد السلاموني - كيف قام بوتين بدفن الحضارة الغربية فى الصورة؟

هناك خبر يقول: [إلغاء محاضرة عن ديستويفسكى فى إيطاليا.].
تضامنا مع أوكرانيا بالطبع...
/ ماذا لو قلت بأن الثقافة الغربية انتهت منذ سنوات طويلة؟.
نعم، هو ليس موقفا سياسيا من الحكومات، بل موقف حضارة بأكملها، تضمحل وتتآكل...
هناك دراسات وأبحاث لا حصر لها، أنتجتها العقول الغربية، هى نفسها، تتحدث عن النهاية الوشيكة والحتمية للغرب... تلك النهاية التى بدأت مظاهرها تتضح للجميع.
فى الحقيقة، الغرب لم يعد شيئا، لم يعد قوة حضارية ضاربة، كما كان فى الماضى، ذلك أن أسباب التقدم العلمى لم تعد حكرا عليه وحده... كما أن سلبيات هذا التقدم تعتمل فيه أكثر مما تعتمل فى المجتمعات الأقل تقدما.
القوة العسكرية، والهيمنة الإقتصادية- اللذان أنجزهما الغرب فى الماضى، وأوشك أن يفقدهما الآن- هما "العكازان" اللذان يستند إليهما منذ سنوات طويلة، وتشتغل عليهما "ترسانته الإعلامية الهائلة"...
الغرب الواقعى ذهب منذ سنوات، ولم يتبق منه سوى "صورة"...
هذا والصورة فى عصر الملتيميديا صارت هى المنتجة للحقيقة، ولأن الصورة الغربية هى الأكثر انتشارا، ومن ثم الأكثر تأثيرا، فقد اقترنت الحقيقة بالغرب...
عالم الصورة فى عصرنا هذا- كما يذهب علماء "الميديولوجيا- علم الوسائط"، هو العالم الزائف، عالم موت الواقع الحقيقى، أو كما يقول بودريار: [هو العالم الذى لم يعد فيه الوَهم ممكنا لأن الحقيقة لم تعد ممكنة"... نعم، الغرب منتصر إعلاميا فقط بسلاح الصورة .
وها هو يربح معاركه دون أن يخوضها، يربحها فى المخيِّلة المأزومة، المهزومة تاريخيا وحضاريا...
/ لم يعد الغرب منتِجا للثقافة، فمنذ نهاية الستينيات والغرب لم ينتج شيئا حقيقيا- هذا و"مابعد الحداثة" الرائجة الآن، لا تفعل أكثر من السخرية من المنتجات الثقافية الحداثية، هذا الإشتعال، فى حقيقته، لا يزيد عن "إعادة تدوير" للمادة الثقافية القديمة...
ومن ناحية أخرى، الغرب لم يعد منتِجا للمعنى- فقد أعلن فلاسفته ومفكروه عن "موت المعنى"
، هذا وموت المعنى يحمل فى طياته فقدان الهوية الحداثية لما تأسست عليه، وكذلك فقدانها "للدولة القومية" باعتبارها المؤسَّسة الكبرى المنتِجة والضامنة لوجود واستمرارية المعنى الحداثى. / وهو ما لاحظه علماء الإجتماع من جنوح المجتمعات الغربية للإرتداد إلى الخلف؛ فكما يقول "آلان تورين ومافيزولى": "الدولة القومية" تتفكك، وتتحول إلى "قبائل- بالمعنى المجازى"، وهو ما يطلقون عليه اصطلاح "الجمعانية العائدة"...
نعم، المجتمع الغربى يتفكك ويتبعثر ويتشظى بقوة، ويفقد وحدته وتماسكه...
لذا يبدو حدث كالذى فعله "بوتين" شديد الوقع على الغرب، بما يحمله من تهديد متزايد لوجود الغرب نفسه، أما "الماكينات الإعلامية الهائلة" فتحاول توظيف الحدث فى إثارة "الأحاسيس الإنسانية المفرطة" لدى الجميع، أملا فى استعادة "الوحدة المفقودة"... ؟!.
ما يفعله "بوتين" الآن، رهيب جدا، لأنه يحمل فى طياته وعدا باقتراب موعد "يوم القيامة"، باعتباره اليوم الذى سيشهد فيه العالم "العالم الغربى" تحديدا، نهايته .
نعم، الإسكاتالوجيات "التصورات المختلفة عن الأخرويات"، تكاد تتحول إلى حقيقة واقعية، بمجرد أن يضغط بوتين على "زِر"، أو "يصدر أمرا"... مما يطيح بالأسطورة الغربية "الأمريكية تحديدا" عن "الفردوس الغربى"؛ عن "الجنة؛ جنه الخُلد التى يتباهى الغرب على البشر أجمعين بصناعتها...
// بوتين أفقد الغرب عقلة، وقام بتعريته على جميع المستويات...
لذا سيظل احتلاله لأوكرانيا حدثا تاريخيا فارقا، بعده سيبدأ العالم الجديد/ هذا إن استمر العالم فى الوجود .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى