إبراهيم العميم - ملل

أيها الملل كيف أقهرك؟
كل الحيل لا تجدي معك
ضربٌ من الجنون أن تستجدي
فرحًا من سجَّانٍ لا يسمعك
آليت أن لا أطلب عونًا
إلا من ربٍّ، قد أسجدك
قمم الجبال وإن كانت ثابتة
في يومٍ سفوحها ترتعش
كسر الهمُّ زجاج الخوف
فانحرف الكوكب ومال عنّي
تأفَّف الوقت بين عقاربنا
يمشي هميمًا(1) و وصله قطعُ
كعجاج يُقَصِّرها
طواف حول الضوء
لا هادٍ ولا هديُ
نسعى بين النور والروح
في حيواتٍ كثقب إبرة
لا يستره خيط
حُجِرَت مرابع السعد
والصبر لا مفتاح له
النأيُ لا عاصمَ منه
والفرج ليس له غدُ
أوشكت الدهشة أن تتطاير عِبَارات
تُسَائلُ الوتر: هل في الصوت حرف ؟
النغمة شاهت إلى مرادها
أيها الساقي، ما عاد في الحان عُقَارُ(2)
تبخَّر عتيق الـمُدام من مَكّوك(3) الماء
صحونا وبِتْنا على لا ندري
ترتاب نيّاتنا، وما من حدث
مقل الليالي لا تنجيك حوادثها
كل ما يأتي ربما فيه موت
وما مضى لُبابه حيٌّ
قطعت أوصالَ البرهةِ التفاتةٌ
زمن الخَرَفِ جاء من الغيب
القبور ساكنة تثوي صَحْبها
وأكفاننا في الأذن لها خطو.
المجد للغبار سيد الصحراء
تاج الذاريات العواصف
يكسو المدن رذاذ كآبةٍ
زفراته في الجاريات اختناق
تيك النبتة البرية عنادٌ وقسوةٌ
أزهرت من العدم
لا ماءٌ ولا نحلٌ
رياح السموم أي اسم هذا؟!
ترياقها قطع الأنفاس
رياح الخماسين تذروك أسداسًا
والنحس يجلبه الإعصار
طاف بنا السأمُ
لا أرض هي الأرض
لا سماء منها خبر
العمر سَيْرهُ ملل
والصمت يحكيه الألم
بعد الخمسين تسقط دواعي الوجود
سريرك مشفى تعاشره
حيَّ على الدواء صباحًا
والصيدلي جار المساء
جفَّت نخلات الحيِّ
صارت عراجينها طلل
رغد العيش لا ينجيك من الضجر
آفة لا تعرف أسبابها
يلف السأم أرجاء القصر
والعرش زخرفته الرمل
سلام على الباقيات من أعمارنا
أصابع الكفين عشرٌ مداها
و العمر جحيمه الهرم
الحظ لا يأتي طارقًا
فيا حبذا صدفة القدر
لنا من فضل الحياة سؤرها(4)
يوم أو قل: يوم الغد موعده
كالدافة(5) بين الأضاحي
لا ينالون منها سوى كسوة العظم
المرء يدور مع علّته
وجودًا حول عدم
أجئنا علّة أم سبابًا
أم حكمة ضاق بها الأب؟
لو كان للنطفة اختيارٌ
تشرنقت وماتت في خصيته
لا تسلني، فيقيني شك
وحسبوك، أن ظني يقين
الكأس على حلاوته
مرارته خُمَار الرأس
شاحبة تلك السحابة رغم بياضها
لا هي اسودّت
ولا جادت بغيث
كحاطب يرجو من مَهْمَهٍ(6)
غضىً وسمرُ
تحلب الفلاة نجومها
فيثور من تحتها النقع
و "تحت ظل القسطل"(7)
يغزوك الملل
من شرفة الفجر
لا تجزع من مبأسةٍ بعد عزٍّ
فكل زمن له بؤس
فما للضُّرّ حاجة في بدني
فسقم النفس بَنْجُهُ الوجع
ما سال وادٍ كما سال حبر مراثينا
قصائدنا أكفانها كتب
لا تدرك الأخبار وأنت قائلها
في طرفة عين تشتعل حرب
يا سامر الدار غَمٌّ أغانيك
لا يطرِبُ الأبكمُ فاقدَ السمعِ.

إبراهيم العميم
————————
________________
1- المشي ببطء شديد.
2- خمر.
3- طاس للشرب، أعلاه ضيق ووسطه واسع.
3- البقية من الأشياء.
6- الجماعة من الناس تتنقل بين البلدان طلبًا للطعام، في أيام المجاعة
6- الصحراء البعيدة المقفرة.
7- قسطل: غبار الحروب.
عنترة بن شداد.
  • Like
التفاعلات: سكينة شجاع الدين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى