د. محمد الشرقاوي - سؤالٌ غيرُ عابر: هل نَكُونُ أم نُوجَدُ؟

لا تتريّث قواميس حياتنا اليومية خلال الحديث والكتابة عند التمييز المفترض بين مفهوميْ "الكينونة" و"الوجود"، مقابل تباين دلالاتهما في اللغات والثقافات الأخرى. ويكمن التحدي الدلالي في أنه ليس لفعل "كان"، و"يكون"، معنى وجودي existensiel كما في الفرنسية، أو existential في الانجليزية، أو sein في الألمانية، أو esse في اللاتينية. ويعني "كان" في العربية أن الأمر "صَارَ"، و"حَدَثَ"، و"وُجِدَ".
وفي القرآن الكريم، جاء استخدام الكينونة والوجود والوجد في سياقات مختلفة، مثل قوله تعالى في سورة النحل "إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذَآ أَرَدْنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ"، وأيضا في سورة آل عمران "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا."
تتشابك الدلالاتُ للكينونة والوجود بين ما هو أنطولوجي وما هو وجودي، خاصة عند الحديث عن "كيان" ككيان الأدب العربي، أو "الكيان الصهيوني"، وما يتفرع عن الكينونة من دلالات الهوية والتاريخ والثقافة. يقول ابن رشد في شرحه لكتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو إن "العلّة تكون على نوع واحد الذي منه يكون شيء… وتقال على نوع آخر الصورة والمثال وهذا هو كلمة تدل على كينونة الشيء وأجناسه."
ازداد انشغالُ الفلسفة الحديثة بالفروق بين المفهوميْن خاصة بعد صدور كتاب الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889-1976) بعنوان Sein und Zeit التي جاءت ترجمته العربية ب"الكينونة والزمن". وهو يعتبر الانسان هو الكينونة التي بوسعها تأويل نفسها تأويلا حرا في العالم، ويمثل الإنسان "الدازارن" تجسيدا لاعلان الكينونة في العالم، كما أوضح في كتابه "مدخل إلى الفلسفة".
واليوم، لا نزال نواجه سؤالَ الكينونة التي قال عنها هايدغر في كتابه "كانط ومشكل الميتافيزيقا" متسائلا "أليس صحيحا أن صراع الكينونة إنما يجري في أفق الزمان." والأهم في نظر هايدغر أن على الإنسان أن "يعثر" على كينونته كما يعثر على نفسه من خلال طموحات ونضال أصبحنا نصنفهم في مفهوم "تحقيق الذات"، وهو قمّة الحاجيات البشرية الأساسية في المنطقة التي يتقاطع عبرها علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع السياسي وتسوية النزاعات والصراعات.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى