الهوية- قصة
د.أمل الكردفاني
أي إذلال ذلك الذي يحياه الفتى روبيم.. روبيم.. من هو روبيم؟ إنه لا أحد رغم انه أحد.. إن البرسيم في فم البقرة لم يتعرض لمثل إذلال روبيم، حتى صار روبيم لا شيئاً، وتقول "عشاي" العجوز التي ربته أنه من أب يهودي وأم لا يعرفها أحد لكنها تشير إلى أنفه المفلطح وأذنيه الصغيرين وتقول: "فيهو عِرِق". وحين يسألونها مندهشين: كيف تعرفين والده ولا تعرفين أمه، تجيبهم: وضعه أمام بابي ورحل إلى القدس في الهجرة الأولى وقال هامساً: خذي روبيم فأمه ليست يهودية.
ثم تقول باكتآب: أنظري كيف أن ذكره طويل رغم أنه في الرابعة عشر.. ليس لليهود شيء كهذا. وحين يسألونها أين عرفتِ ذلك تكتفي بهز رأسها وبقع المياه البيضاء تميت الحياة في بؤبؤي عينيها، ثم تقسم بأنه ليس ابنها: - وحاة الشيخ القشير ليس ابني.
لدينا هنا عدة شخصيات لا نعرف عنها شيئاً: بطل القصة روبيم، عشاي العجوز التي ربته، والده اليهودي، أمه المحسوبة على طبقة العبيد، والشيخ القشير الذي لم يرَ أحدٌ ضريحه من قبل.
تلك هي البيئة الكئيبة لقصة يمكن أن تروى في منتصف ليلة صيفية ليتحمل أحد سماعها. فروبيم تعرض للإذلال. لا كلقيط، بل ككائن فاقد للهوية. وعاش هكذا، ككائن بلا هوية ولا انتماء. لقد قادته العجوز إلى أحد المحامين، فأخبرها، بأن روبيم يمكن أن يعيش كمواطن عادي هنا، ولكنه لن يكون مقبولاً في إسرائيل لأن قانون الجنسية لا يسمح بمنح الجنسية لمن لم تك أمه يهودية. ثم سألها: ألا تعرفين اسم والده بالكامل؟ نفت ذلك عبر صمت طويل لم يقطعه سوى سؤال آخر للمحامي: أين عاش والده؟ أجابت بأنه كان يعيش في المنزل الذي تحول إلى مبنى المحلية. فاخبرها المحامي بيأس أن المبنى هُدم وبني عدة مرات ولا سبيل إلى التوصل إلى أي وثيقة تتعلق بوالد روبيم. لم يبق من الأسر اليهودية الكثير وأغلب من بقى منها اسلم أفرادها وانقطع تواصلهم مع الجذور.
لقد سخّر الله عشاي لتربية روبيم، ولكنها تربية كلالة وضعف، أورثت روبيم نفسه الشعور بالعجز، والمرأة لا تربي وحدها بغير رجل. تقول عشاي بأن روبيم مسلم ولكنه ليس ملتزماً. وروبيم ينمو ويترعرع حانقاً على الأديان جميعاً. وحين يسامر أترابه من أهل الحلة يصمونه بالكفر ثم يتبعونها بوصمة: ابن اليهودي. إن مشكلتهم ليس كونه ابن حرام، بل ابن يهودي، فيقول: وكأنهم يعرفون شيئاً عن اليهودية. كانت تلك مشكلته الكبرى، لأن نقاشه ينتهي بتلك الوصمة، ولكنه يصيح: لقد فضلتهم الآلهة التي تؤمنون بها على العالمين.
- اسكت يا كافر.. أسكت..
فيغادر حتى لا يرجموه بالحجارة.
وعند بداية ولوجه لسن العشرين كان قد تعلم حرفة صناعة الفخار، فأنشأ زريبة صغيرة، وباع فيها الفحم والأزيار والقلل وغيره، وجرى بعض المال في يده.
- لماذا لا ترجع لأهلك؟
حين يقولون ذلك يتذكر عشاي وحدها وهم يقصدون بلمزهم بني إسرائيل.
- المرحومة عشاي كانت سندي.. رغم ضعفها ورقة حالها.. وسأتذكرها دائماً..
فيقولون ساخرين:
- وادعوا لها الطبيعة بالرحمة..
فيغمغم:
- جهلاء..
حين يرحل بذاكرته لأيام عشاي، لا يبكي من الضعف ولكن من وجه عشاي. وجه عشاي كان يبدو باكياً من خلف التجاعيد. وجهها الذي خلا من الحواجب وعيناها اللتان خلتا من الرموش. وشفتها السفلية المدقوقة بالوشم الأزرق. كان يتذكر ذراعيها النحيلتين وكفها الكبير المعروق. الأظافر السمراء الثخينة. كانت إنسانة حزينة دائماً، ولا أحد يعرفها..لقد وجدوها هكذا في الحلة. عجوزة وجدوها كما وجدوها يوم وفاتها مسجاة فوق الكانون وقد اكل الجمر وجهها الحزين. انكفأت عشاي ميتة فوق الكانون فجأة، وليس معها أحد في السقيفة. وحين ارتفعت رائحة الشواء، مدت امرأة رأسها ورأت المشهد فصرخت.
: عشاي..عشاي..
واطلقت كلمة عشاي الثالثة مغلفة بصرخة جارحة.
المسألة ليست مهمة جداً، فالحياة هي إفاقة عابرة للبشر، إفاقة على الوجود والكون. ثم إغفاءة أبدية أخرى. وهكذا فلا سبيل إلى منح تلك الإفاقة أو الإغفاءة أي قيمة تذكر. ورغم أن هذا ما يقوله روبيم عند جدالاته مع الفتيان إلا أنه يحزن على عشاي حين يتذكرها. لقد أفاقت عشاي من أجله، ليفيق هو كروح هائمة في أفق اللا معنى. "وهنا يكون كل المعنى"، يهمس وهو يدير عجنة الطين ليشكلها بيديه.
- هل تعرف يا السعيد.
يقول وهو يعمل:
- كانت صناعة الفخار هي أول صناعات البشر، وتشكيل الفخار من التراب الأخضر والأحمر، هو ما جعلهم يتخيلون أنهم صُنعوا بذات الشاكلة.. ربما لو كانت النجارة هي أول الحِرَف لكانت قصة التوراة مختلفة.
يقول السعيد بدهشة:
- كلام عجيب..
فيستمر روبيم:
- مع ذلك فصناعة الأزيار ليست خلواً من الفلسفة.. إذ أن خلط تراب البحر بالتراب الأحمر وتحويل ذلك إلى صلصال قابل للتشكل عبر إضافة الماء لم يكن الخيال الوحيد المتسبب في أسطورة التوراة.. بل لأن التشكل نفسه فيه إبداع عظيم.. أنظر يا صديقي إلى هذه العجينة كيف تدور وتتراقص كعروس ترتدي كل لحظة ثوباً مختلفاً للرقص.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الزير يَبرِّد الماء والماء هو سائل الحياة فأي فلسفة جمالية أكبر من ذلك..
يضحك من تحت أنفه المفلطح..
- كل ذلك جعلهم يربطون صناعة البشر بصناعة الفخار.. إنها لم تكن خلقاً من العدم أبداً.. بل صناعة من أشياء موجودة بالفعل..
فيكتئب السعيد وهو يسأل:
- وماذا تستفيد من كل ذلك يا صديقي.. لماذا لا تكن مثلنا.. مثل باقي البشر؟
فيسهو بصر روبيم بعيداً.. ويهمس:
- سألت نفسي هذا السؤال آلاف المرات يا صديقي.. آلاف المرات ولم أجد إجابة..
وحين تغلق الغمامات الخريفية أبواب السماء ينقبض صدر روبيم ويحدق فيها بأسى.
- أيتها الغمامات.. من أنا؟
ويتذكر وجه عشاي الذي لم يحترق.
- انا إنسان عاجز يا صديقي ولا أشعر بقوتي إلا في هذا الفن.. أنظر..
يدير بقدميه الآلة البدائية ويرسم بأصابعه العجين.. يرسم ويرسم وهو يضحك..
- خذ.. هذه زهرة واقفة فوق بئر.. سأحولها الآن لنصف رأس تمساح يخرج من سطح الماء..لا لا.. ليست جميلة سأحولها إلى نهدي امرأة..
يقول السعيد:
- ولماذا لا تبيع هذه الأشياء..
فيجيب:
- لأن الذوق العام يفضل الأزيار العادية.. إنه تتعلق بالهوية.. تصبح تلك البدائية عنواناً للمرء..
ثم ينهض ويقول:
- ولكن.. دعني أريك كنزي..
ويدخل إلى الزريبة ثم يرفع بعض الخيش فتظهر الأزيار المخروطة بالأشكال الفنية المختلفة..
يقترب السعيد من خيشة تغطي زيراً فيصيح روبيم:
- لا تقترب منها.. سأريك لها بنفسي.. فهذه تحفتي..
يقترب ويزيح غطاء الخيش برفق ويقول:
- صنعتها بقلبي..
يتأملها السعيد فلا يفهم شيئاً:
- ولكن ما هذا.. إنها غير مفهومة.. مجرد تعرجات هنا وهناك.. إنني أفضل الأزيار الأخرى..
فيجيبه روبيم:
- إنها وجه عشاي يا صديقي.
- عشاي؟!.. ولكنني لا أرى وجهاً هنا.. لا أنفاً.. ولا شفتين..
فيقول:
- عشاي كانت روحاً يا صديقي..
ثم يغطي وجه عشاي بلطف..
يستمع لنصيحة شيخ الحلة فيبيع زريبته كلها دفعة واحدة ويغادر منتقلاً إلى قرية على الطرف الشرقي خلف جبال أويتلا... هناك يخفي كل تاريخه ويغير اسمه، ويتخفي بين البشر اللطفاء ليبدأ تجارته بين الهنود واليمانيين وباقي العرقيات التي اضطربت هوياتها في مخالط السنين..ثم يقرر الحج إلى مكة.
(تمت)
د.أمل الكردفاني
أي إذلال ذلك الذي يحياه الفتى روبيم.. روبيم.. من هو روبيم؟ إنه لا أحد رغم انه أحد.. إن البرسيم في فم البقرة لم يتعرض لمثل إذلال روبيم، حتى صار روبيم لا شيئاً، وتقول "عشاي" العجوز التي ربته أنه من أب يهودي وأم لا يعرفها أحد لكنها تشير إلى أنفه المفلطح وأذنيه الصغيرين وتقول: "فيهو عِرِق". وحين يسألونها مندهشين: كيف تعرفين والده ولا تعرفين أمه، تجيبهم: وضعه أمام بابي ورحل إلى القدس في الهجرة الأولى وقال هامساً: خذي روبيم فأمه ليست يهودية.
ثم تقول باكتآب: أنظري كيف أن ذكره طويل رغم أنه في الرابعة عشر.. ليس لليهود شيء كهذا. وحين يسألونها أين عرفتِ ذلك تكتفي بهز رأسها وبقع المياه البيضاء تميت الحياة في بؤبؤي عينيها، ثم تقسم بأنه ليس ابنها: - وحاة الشيخ القشير ليس ابني.
لدينا هنا عدة شخصيات لا نعرف عنها شيئاً: بطل القصة روبيم، عشاي العجوز التي ربته، والده اليهودي، أمه المحسوبة على طبقة العبيد، والشيخ القشير الذي لم يرَ أحدٌ ضريحه من قبل.
تلك هي البيئة الكئيبة لقصة يمكن أن تروى في منتصف ليلة صيفية ليتحمل أحد سماعها. فروبيم تعرض للإذلال. لا كلقيط، بل ككائن فاقد للهوية. وعاش هكذا، ككائن بلا هوية ولا انتماء. لقد قادته العجوز إلى أحد المحامين، فأخبرها، بأن روبيم يمكن أن يعيش كمواطن عادي هنا، ولكنه لن يكون مقبولاً في إسرائيل لأن قانون الجنسية لا يسمح بمنح الجنسية لمن لم تك أمه يهودية. ثم سألها: ألا تعرفين اسم والده بالكامل؟ نفت ذلك عبر صمت طويل لم يقطعه سوى سؤال آخر للمحامي: أين عاش والده؟ أجابت بأنه كان يعيش في المنزل الذي تحول إلى مبنى المحلية. فاخبرها المحامي بيأس أن المبنى هُدم وبني عدة مرات ولا سبيل إلى التوصل إلى أي وثيقة تتعلق بوالد روبيم. لم يبق من الأسر اليهودية الكثير وأغلب من بقى منها اسلم أفرادها وانقطع تواصلهم مع الجذور.
لقد سخّر الله عشاي لتربية روبيم، ولكنها تربية كلالة وضعف، أورثت روبيم نفسه الشعور بالعجز، والمرأة لا تربي وحدها بغير رجل. تقول عشاي بأن روبيم مسلم ولكنه ليس ملتزماً. وروبيم ينمو ويترعرع حانقاً على الأديان جميعاً. وحين يسامر أترابه من أهل الحلة يصمونه بالكفر ثم يتبعونها بوصمة: ابن اليهودي. إن مشكلتهم ليس كونه ابن حرام، بل ابن يهودي، فيقول: وكأنهم يعرفون شيئاً عن اليهودية. كانت تلك مشكلته الكبرى، لأن نقاشه ينتهي بتلك الوصمة، ولكنه يصيح: لقد فضلتهم الآلهة التي تؤمنون بها على العالمين.
- اسكت يا كافر.. أسكت..
فيغادر حتى لا يرجموه بالحجارة.
وعند بداية ولوجه لسن العشرين كان قد تعلم حرفة صناعة الفخار، فأنشأ زريبة صغيرة، وباع فيها الفحم والأزيار والقلل وغيره، وجرى بعض المال في يده.
- لماذا لا ترجع لأهلك؟
حين يقولون ذلك يتذكر عشاي وحدها وهم يقصدون بلمزهم بني إسرائيل.
- المرحومة عشاي كانت سندي.. رغم ضعفها ورقة حالها.. وسأتذكرها دائماً..
فيقولون ساخرين:
- وادعوا لها الطبيعة بالرحمة..
فيغمغم:
- جهلاء..
حين يرحل بذاكرته لأيام عشاي، لا يبكي من الضعف ولكن من وجه عشاي. وجه عشاي كان يبدو باكياً من خلف التجاعيد. وجهها الذي خلا من الحواجب وعيناها اللتان خلتا من الرموش. وشفتها السفلية المدقوقة بالوشم الأزرق. كان يتذكر ذراعيها النحيلتين وكفها الكبير المعروق. الأظافر السمراء الثخينة. كانت إنسانة حزينة دائماً، ولا أحد يعرفها..لقد وجدوها هكذا في الحلة. عجوزة وجدوها كما وجدوها يوم وفاتها مسجاة فوق الكانون وقد اكل الجمر وجهها الحزين. انكفأت عشاي ميتة فوق الكانون فجأة، وليس معها أحد في السقيفة. وحين ارتفعت رائحة الشواء، مدت امرأة رأسها ورأت المشهد فصرخت.
: عشاي..عشاي..
واطلقت كلمة عشاي الثالثة مغلفة بصرخة جارحة.
المسألة ليست مهمة جداً، فالحياة هي إفاقة عابرة للبشر، إفاقة على الوجود والكون. ثم إغفاءة أبدية أخرى. وهكذا فلا سبيل إلى منح تلك الإفاقة أو الإغفاءة أي قيمة تذكر. ورغم أن هذا ما يقوله روبيم عند جدالاته مع الفتيان إلا أنه يحزن على عشاي حين يتذكرها. لقد أفاقت عشاي من أجله، ليفيق هو كروح هائمة في أفق اللا معنى. "وهنا يكون كل المعنى"، يهمس وهو يدير عجنة الطين ليشكلها بيديه.
- هل تعرف يا السعيد.
يقول وهو يعمل:
- كانت صناعة الفخار هي أول صناعات البشر، وتشكيل الفخار من التراب الأخضر والأحمر، هو ما جعلهم يتخيلون أنهم صُنعوا بذات الشاكلة.. ربما لو كانت النجارة هي أول الحِرَف لكانت قصة التوراة مختلفة.
يقول السعيد بدهشة:
- كلام عجيب..
فيستمر روبيم:
- مع ذلك فصناعة الأزيار ليست خلواً من الفلسفة.. إذ أن خلط تراب البحر بالتراب الأحمر وتحويل ذلك إلى صلصال قابل للتشكل عبر إضافة الماء لم يكن الخيال الوحيد المتسبب في أسطورة التوراة.. بل لأن التشكل نفسه فيه إبداع عظيم.. أنظر يا صديقي إلى هذه العجينة كيف تدور وتتراقص كعروس ترتدي كل لحظة ثوباً مختلفاً للرقص.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الزير يَبرِّد الماء والماء هو سائل الحياة فأي فلسفة جمالية أكبر من ذلك..
يضحك من تحت أنفه المفلطح..
- كل ذلك جعلهم يربطون صناعة البشر بصناعة الفخار.. إنها لم تكن خلقاً من العدم أبداً.. بل صناعة من أشياء موجودة بالفعل..
فيكتئب السعيد وهو يسأل:
- وماذا تستفيد من كل ذلك يا صديقي.. لماذا لا تكن مثلنا.. مثل باقي البشر؟
فيسهو بصر روبيم بعيداً.. ويهمس:
- سألت نفسي هذا السؤال آلاف المرات يا صديقي.. آلاف المرات ولم أجد إجابة..
وحين تغلق الغمامات الخريفية أبواب السماء ينقبض صدر روبيم ويحدق فيها بأسى.
- أيتها الغمامات.. من أنا؟
ويتذكر وجه عشاي الذي لم يحترق.
- انا إنسان عاجز يا صديقي ولا أشعر بقوتي إلا في هذا الفن.. أنظر..
يدير بقدميه الآلة البدائية ويرسم بأصابعه العجين.. يرسم ويرسم وهو يضحك..
- خذ.. هذه زهرة واقفة فوق بئر.. سأحولها الآن لنصف رأس تمساح يخرج من سطح الماء..لا لا.. ليست جميلة سأحولها إلى نهدي امرأة..
يقول السعيد:
- ولماذا لا تبيع هذه الأشياء..
فيجيب:
- لأن الذوق العام يفضل الأزيار العادية.. إنه تتعلق بالهوية.. تصبح تلك البدائية عنواناً للمرء..
ثم ينهض ويقول:
- ولكن.. دعني أريك كنزي..
ويدخل إلى الزريبة ثم يرفع بعض الخيش فتظهر الأزيار المخروطة بالأشكال الفنية المختلفة..
يقترب السعيد من خيشة تغطي زيراً فيصيح روبيم:
- لا تقترب منها.. سأريك لها بنفسي.. فهذه تحفتي..
يقترب ويزيح غطاء الخيش برفق ويقول:
- صنعتها بقلبي..
يتأملها السعيد فلا يفهم شيئاً:
- ولكن ما هذا.. إنها غير مفهومة.. مجرد تعرجات هنا وهناك.. إنني أفضل الأزيار الأخرى..
فيجيبه روبيم:
- إنها وجه عشاي يا صديقي.
- عشاي؟!.. ولكنني لا أرى وجهاً هنا.. لا أنفاً.. ولا شفتين..
فيقول:
- عشاي كانت روحاً يا صديقي..
ثم يغطي وجه عشاي بلطف..
يستمع لنصيحة شيخ الحلة فيبيع زريبته كلها دفعة واحدة ويغادر منتقلاً إلى قرية على الطرف الشرقي خلف جبال أويتلا... هناك يخفي كل تاريخه ويغير اسمه، ويتخفي بين البشر اللطفاء ليبدأ تجارته بين الهنود واليمانيين وباقي العرقيات التي اضطربت هوياتها في مخالط السنين..ثم يقرر الحج إلى مكة.
(تمت)