احتارت منها الهدوم القديمة؛ أوسعتها رتقا وصبغا، كل يوم بل كل ساعة تقف أمام المرآة التي أكل الزمن حوافيها، تزيل بكمها ما غطاها من غبش، أحيانا تلبس الفستان الستان الأحمر؛ لتبدو النجمة الأولى في حارة الرمش، وآونة تمشط شعرها لتبدو فنانة، تعبت منها ناصية الشارع، بلا زينة تبدو كأن القرد ميمون مسخ امرأة.
تعرفها دكاكين العطارة، تضع رطلا من دهان على جسدها، مرة أراها طفلة صغيرة تحبو وآنا صبية في العشرين تتمايل وتتلاعب.
شعرها حين تنام سلك المواعين كل واحدة سهما، لسانها صادح بأغاني العشق والغرام، يتندر منها العجوز، ويشاكسها الشاب، فاتها قطار الزواج، عجزت رغم كل هذا أن تحجز به مقعدا.
في مرة ضربتها حالة جنون؛ وهل هو إلا أنثى!
ارتدت جلباب عم كشكول حين خلعه أمام دكان العطارة، صنعت لها شاربا من صوف نعجة ملقى أمام دكان كرشة، ظنت نفسها رجلا، اختلست سيجارة من دكانة معلوف، ماجت الحارة ضحكا، أعجبتها الحالة، حين يفر منها الرجال ، لا حيلة لها غير أن تقلدهم.
مرت أيام والست دلال في عراك مع نفسها، تراودها هلاوس الليل أن تكون زوجة وعندها عيال، تصنع دمى من طين، هذه فهيمة وتلك زعيمة وأخرى وسيمة؛ حطمتها فهي تكره البنات.
وما فعلت بهن غير أن هشمت ما في داخلها من داء العنوسة، جرت في وله، تحدث نفسها: أنا ست الستات؛ شعري طويل مثل ذيل مهرة بهلول البياع؛ أعور العين ساندته؛ سلفته حق العربية، دفعت له مهري، خائن نسى الجميل!
يوما كانت تلف حول وسطها حزاما من الترتر، شخاليل وطبلة، والست دلال على نار، الليل وجع وهم، والعنوسة مرض أصيبت به.
تحاشتها نسوة الحارة؛ يبدو أنهن يخفن منها؛ خطافة الرجال؛ لقب صار يلازمها؛ والغريب أنها سرت بهذا كثيرا؛ لأول وهلة فرت منها الجارات؛ حين تمر تكف الواحدة منهن؛ وتضع في وجهها كفا بخمسة أصابع.
مضت الأيام وذبلت الست دلال، باتت تمشي على ثلاث؛ لازمتها العصا، في مكر تتلصص على الأبواب، تضع ملحا عند بيت كل عروس؛ يقال إنها تربط الأزواج، انقلبت إلى كتلة لهب تتحرك، على كتفيها جوال به أرغفة شتى، من يخافها يعطيها كسرة، تمد يدا معروقة أصابها الذبول.
مشت في ظلمة الليل؛ ألقت بنفسها في النيل؛ يقولون من اغتسلت منه ليلة العيد عادت صبية، تخيلت نفسها عروسا ترتدي الفستان الأبيض؛ وهل تحلم كل أنثى إلا به؟
كان الموج عاليا، في هبة الريح جذبها النهر إلى باطنه، تصيح وتولول، قفز صياد من قاربه، أمسك بها قبل أن يدركها الغرق، حزنت النسوة أن وجدنها حية تسعى بينهن؛ نادى واحد من أهل الخير: نبنى لها حجرة مسقوفة، نحضر لها دقيقا، نكسوها ثوب الشتاء؛ إنها تحتاج طعاما ساخنا.
تأكل وتنظر بعين ونصف؛ تدور في عقلها أفكار وتنتابها هلاوس: ابنها محروس يجري في الحارة يأتيها بأرغفة الخبز الساخنة من فرن عدلات؛ يغافل عم خليل زهرة ويعبأ في جيبه النعناع والنداغة؛ اسم الله حارسه بده ملقاط.
أما ابنتها وهيبة فلقة قمر، تمشي وتتبختر ومن وراءها تكاد عيون العاشقين تفترسها، جميلة مثلها؛ تشرد بعيدا؛ وزوجها مرجان شاربه عربض وحافظته ممتلئة بالفلوس؛ بيتها مراح تثغو فيه الأغنام؛ سريرها من النحاس، فرشها حرير!
تتراقص لمبة الجاز نمرة خمسة؛ تهب ريح عاصف؛ يعلو صراخ الست دلال!
تعرفها دكاكين العطارة، تضع رطلا من دهان على جسدها، مرة أراها طفلة صغيرة تحبو وآنا صبية في العشرين تتمايل وتتلاعب.
شعرها حين تنام سلك المواعين كل واحدة سهما، لسانها صادح بأغاني العشق والغرام، يتندر منها العجوز، ويشاكسها الشاب، فاتها قطار الزواج، عجزت رغم كل هذا أن تحجز به مقعدا.
في مرة ضربتها حالة جنون؛ وهل هو إلا أنثى!
ارتدت جلباب عم كشكول حين خلعه أمام دكان العطارة، صنعت لها شاربا من صوف نعجة ملقى أمام دكان كرشة، ظنت نفسها رجلا، اختلست سيجارة من دكانة معلوف، ماجت الحارة ضحكا، أعجبتها الحالة، حين يفر منها الرجال ، لا حيلة لها غير أن تقلدهم.
مرت أيام والست دلال في عراك مع نفسها، تراودها هلاوس الليل أن تكون زوجة وعندها عيال، تصنع دمى من طين، هذه فهيمة وتلك زعيمة وأخرى وسيمة؛ حطمتها فهي تكره البنات.
وما فعلت بهن غير أن هشمت ما في داخلها من داء العنوسة، جرت في وله، تحدث نفسها: أنا ست الستات؛ شعري طويل مثل ذيل مهرة بهلول البياع؛ أعور العين ساندته؛ سلفته حق العربية، دفعت له مهري، خائن نسى الجميل!
يوما كانت تلف حول وسطها حزاما من الترتر، شخاليل وطبلة، والست دلال على نار، الليل وجع وهم، والعنوسة مرض أصيبت به.
تحاشتها نسوة الحارة؛ يبدو أنهن يخفن منها؛ خطافة الرجال؛ لقب صار يلازمها؛ والغريب أنها سرت بهذا كثيرا؛ لأول وهلة فرت منها الجارات؛ حين تمر تكف الواحدة منهن؛ وتضع في وجهها كفا بخمسة أصابع.
مضت الأيام وذبلت الست دلال، باتت تمشي على ثلاث؛ لازمتها العصا، في مكر تتلصص على الأبواب، تضع ملحا عند بيت كل عروس؛ يقال إنها تربط الأزواج، انقلبت إلى كتلة لهب تتحرك، على كتفيها جوال به أرغفة شتى، من يخافها يعطيها كسرة، تمد يدا معروقة أصابها الذبول.
مشت في ظلمة الليل؛ ألقت بنفسها في النيل؛ يقولون من اغتسلت منه ليلة العيد عادت صبية، تخيلت نفسها عروسا ترتدي الفستان الأبيض؛ وهل تحلم كل أنثى إلا به؟
كان الموج عاليا، في هبة الريح جذبها النهر إلى باطنه، تصيح وتولول، قفز صياد من قاربه، أمسك بها قبل أن يدركها الغرق، حزنت النسوة أن وجدنها حية تسعى بينهن؛ نادى واحد من أهل الخير: نبنى لها حجرة مسقوفة، نحضر لها دقيقا، نكسوها ثوب الشتاء؛ إنها تحتاج طعاما ساخنا.
تأكل وتنظر بعين ونصف؛ تدور في عقلها أفكار وتنتابها هلاوس: ابنها محروس يجري في الحارة يأتيها بأرغفة الخبز الساخنة من فرن عدلات؛ يغافل عم خليل زهرة ويعبأ في جيبه النعناع والنداغة؛ اسم الله حارسه بده ملقاط.
أما ابنتها وهيبة فلقة قمر، تمشي وتتبختر ومن وراءها تكاد عيون العاشقين تفترسها، جميلة مثلها؛ تشرد بعيدا؛ وزوجها مرجان شاربه عربض وحافظته ممتلئة بالفلوس؛ بيتها مراح تثغو فيه الأغنام؛ سريرها من النحاس، فرشها حرير!
تتراقص لمبة الجاز نمرة خمسة؛ تهب ريح عاصف؛ يعلو صراخ الست دلال!